أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الأطفال يتكلمون لغة واحدة














المزيد.....

الأطفال يتكلمون لغة واحدة


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3579 - 2011 / 12 / 17 - 14:56
المحور: الادب والفن
    


بين فصل وفصل، كنت أذهب إلى الحديقة العامة القريبة من منزلي في شامبينيي، كنت أريد الابتعاد قليلاً عن قلمي، ومن ألوان الأزهار وصيحات الأطفال اغتراف هدوء بعض لحظات ما قبل العودة إلى الكتابة عن مواضيع للرجال وعن صور للأزهار المحطمة. كانت الأمهات يجلسن على المقاعد، ويرصدن صغارهن. لم يكن يسمحن لهم بالركض من وراء طفولتهم، أو يحدن عنهم بالحديث بشكل أفضل عن شيطناتهم. كن يخترن ما يدغدغ أكثر ما يدغدغ أمومتهن، وكنت أبحث في عيني إحداهن عن كدر يغبطني، وفي تفاصيل شخصها عن ممنوع جسدي أصل إليه في حلمي. هكذا لا أنضني، وأنا ألهث من وراء لغة تصلني بما أسعى إليه من صور، تصلني بالصورة التي كنت أظن نفسي قادرًا على الابتكار، أو تجعلني قادرًا على الانكسار، العذاب، الانصهار، ثم الانهيار.
بين الصورة المحظورة والصورة المشروعة، كان أحمد الأسود، وماتيو، وبابلو، وماريلين، بيضاء الحديقة، يتكلمون بلغة واحدة، وهم يلعبون معًا. كانوا يضحكون من بعضهم البعض أو يغضبون... كانوا يصلون إلى بعضهم أو ينفصلون عن طريق تشكيل آخر للصورة الآتية من كلمة، جملة، ضحكة، أو صيحة. لم تكن ماريلين، بيضاء الحديقة، ترى إلا بابلو، من تلعب معه، وليس الآخر، من ستقتله رصاصة جندي في تشيلي عشرين سنة فيما بعد. أما بابلو، فلم يكن يرى إلا أحمد الأسود الصغير، من يعبث بالطين، وتاريخ أحمد، الممتد من البصرة إلى تطوان، في اللحظة التي كان فيها ماتيو يركض ليمسك أحمد بين الصخب والضحك والاحتجاج.
كنت أتابعهم بعينيّ في ربيع الألوان، والربيع يتحداهم إذا ما كبروا ألا يتركوه، فيتركهم إلى اجتماع الضدين. كان الربيع يعرف أن واحدًا اسمه جان-ماري، أقوى منه ومنهم، يختبئ في الورق، ويلعب بقصف الأغصان، بتدمير مخبأ كان لهم في النهار، وفي الليل للعنادل. كنت أعتقد أنني أرى جان-ماري في حلمي، لكنه كان هناك. كانت لحظة إخراج نفسي من تفاصيل جسد امرأة أنتظر من الممنوع فيها أن يكون على مرمى حجر من يدي، إلا أن لا الجسد ولا الكلمات الباحثة عن تحولها إلى صورة على أحسن وجه ممكن كانت تستطيع أن تمنع تدخل الرجل مدمر الورق في حلم الصغار القصير. كان يبتسم لهم مثل قمر بريء، ويناديهم، ليقولوا قولته، وليتباروا معه. وفي ظله الهائل، كان يغير الروح إلى احتقار، اللغة إلى اتهام، كان يغير الربيع الذي يتغير: براعم أكثر، ومطر أغزر، وريح أشد. لن يكون إلا ربيع غير ربيع، وستكون الصحراء دون نهاية أو الجليد.
تقدمت من جان-ماري الذي كنت أعرفه في الواقع، ونسيته. تجعلك صناعة الكلمات تنسيك ابنك، فما بالك الغريب؟ سألته لم كل هذا العبث المدمر؟ أجاب لألغي عن شفاههم اللغة المشتركة، ولا أسمح منها إلا للاختلاف المقيد بظلي. سألغي الطفولة الكاسرة للصورة، وعدم تباهي الزهر. قلت له سيتحدونك بألا يكبروا، لكنهم إذا كبروا في أجسادهم، فلن يسمحوا للطفولة الكاسرة لصورتك أن تغادر روحهم، لن يسمحوا للقمر أن يختطفها من مخالبهم، ولا للطائر العنيد أن يغدو الغير، سيتفقون على أن يشربوا الماء من نبعه، أن يأكلوا الثمر من غصنه، أن تبقى الفرنسية لغة صباهم، فكهولتهم، كما كانت لغة طفولتهم، لغتهم والعنادل... كان يرتعد من الغضب والرعب، وسقط قناع الحضارة عن وجهه كاشفًا عما كنت قد رأيت في حلمي، وجهَ بربريٍّ دميم. كنت غير قادر على رسم أقل صورة له، لكني كنت فرحًا لتحديد معالمه حين يقظتي. لم يبق لي إلا أن أعود سريعًا إلى قلمي، بعد أن استعدت من المجرم قوة الوصف.
ولكي يلغي الرجل المدمر تفاهم الصغار في صالح انتصار الوسيلة، ويمنع اللغة أن تغدو همًّا من همومهم اليومية الكثيرة في الضباب الحزين للضواحي، رمى أحمد الأسود في السجن، وقطع يد ماتيو، وقتل بابلو بعد عشرين سنة فيما بعد، وعهر ماريلين البيضاء ذات الأصل من لوس أنجلس. أضف إلى ذلك، محا الربيع من دورة الفصول، ووضع مكانه جهنم التي في فضاءاتها غالبًا ما كانت تعود صرخات ما بعد المعرفة، وما قبل مصرع البراءة.
سجلت في قصتي أن الرجل المدمر اسمه جان-ماري الفرنسي أو أوغستو التشيلي أو سعيد العربي... وغمرتني السعادة.

باريس مارس 1987

* من "حلمحقيقي" المجموعة القصصية الرابعة لأفنان القاسم بمناسبة نشره للأعمال الكاملة.




#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أفنان القاسم يجيب على أسئلة الحوار المتمدن
- الرسامة الصغيرة
- العاملة التي أحبت الكاتب
- الحزب والموسيقى
- السيدة التي لم تقرأ الجريدة
- لقاء الأصحاء في مستشفى هنري موندور من حول سرير أفنان القاسم
- وقائع نشرة مكثفة عن التلفزيون الفرنسي
- الفتاة الممنوعة
- وحيد وجوديت
- ناتاشا والفنان
- العاطل عن اليأس
- انتحار الشاعر
- أطول ليلة في الحي اللاتيني
- القصيدة-القصة الأولى في الأدب العربي: الإبحار على متن قارب ه ...
- محمد حلمي الريشة وعلبة أسبرين
- 39 شارع لانكري
- الابن والبحر
- الله والنقود
- الطفل الآتي من هناك
- حلمحقيقي


المزيد.....




- -غزة فاضحة العالم-.. بين ازدواجية المعايير ومصير شمشون
- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- أبو الحروب قصة جديدة للأديبة منال مصطفى
- صدر حديثا ؛ أبو الحروف والمدينة الهادئة للأديبة منال مصطف ...
- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الأطفال يتكلمون لغة واحدة