أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الرسامة الصغيرة














المزيد.....

الرسامة الصغيرة


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3577 - 2011 / 12 / 15 - 13:28
المحور: الادب والفن
    


لم يكن يقلقني، في البداية، وقوف ابنتي الطويل على النافذة. كانت ترسم ما يجري عند الجيران، وكنت أقول تعلقها بالرسم أمر جيد. سيساعد على نضجها النفسي، ويعمق لديها حدة الذهن وحب الاطلاع. وعدتها، عندما تكبر، أن أسجلها في معهد الفنون الجميلة، لتغدو بيكاسو آخر أو سوريكوف جديد.
إلا أن قلقي بدأ بالتفاقم حين داومت ابنتي على رسم ما كان يجري في الشقة المقابلة ليل نهار، فأعلمتها أن من العيب النفاذ إلى خفايا الغير، وأنها تنفق جهدًا أكبر مما تستطيع عليه. لم تعد تأكل معنا، مفضلة قضم تفاحة، والريشة بيدها، ونظرتها المدارة نحو الجيران، المتواصلة والثابتة، تخترق الفضاء والجدران والأجساد. لاحظت استهلاكها الكبير للون الأحمر القاني واللون الأصهب، وكانت تطلب مني أن أشتري لها منهما أنابيب جديدة دون انقطاع.
منذ ذلك الوقت، كنت في تنبه دائم، بينما كانت تمزق دماها، وتقطعها، وتضربها بالأرض. عندما كنت أسألها عن سبب ذلك، كانت تتعلق على عنقي، وتبكي. ثم كانت تبتسم لي، وتذهب لتنام أو ربما لئلا تنام. بدا لها شكل امرأة، مع أنها لم تبلغ العاشرة. غدت بشعة، وأخذت تصطحب معها إلى البيت أولادًا وبناتٍ أكبر منها سنا. كانوا يشبهون الدمى المتحركة، وكانوا يبقون في غرفتها، وهم ينظرون إلى ما رسمت، ويعلقون هامسين همسًا منتشيًا، بينما تبدو على محياهم سمات المعذب المنتقم.
كنت أحاول من ناحيتي أن أرى رسوم ابنتي، لكنها خبأتها عني. وفي إحدى الليالي، نهضت عليها، وهي تمزق ثيابها، وتقطعها، وتحرقها في الفرن. لم تتعلق على عنقي، هذه المرة، عندما سألتها عن سبب ذلك، لم تبك، لم تبتسم، وذهبت لتنام أو ربما لئلا تنام. خلال وجودها في المدرسة، بحثت عن رسومها في كل مكان دون أن أجدها، ووجدت مزيدًا من أنابيب اللون الأحمر القاني، مزيدًا من أنابيب اللون الأصهب، وتحت مخدتها سكينًا.
في الليلة التالية، سمعتها تضرب زجاج النافذة بسكينها حتى كسرته. خرجت لأراها فزعًا، فوجدتها تعوم في مستنقع من الدم. كان الدم يسيل من قبضتها إلى الرسوم، إلى الأرض. رفعت السكين باتجاهي، وهي تريد تشخيص ما داومت على رسمه الساعات الطوال. نظرت إلى الرسوم التي تدوسها بذهول، وتناولتها واحدًا واحدًا، وأنا أرى جثث جيراننا الذين أعرفهم تمام المعرفة مقطعة ممزقة، جثثهم هم وأطفالهم. اندفعت صوبها لأنزع السكين من يدها، لكنها كانت أسرع مني. غرزت النصل في قلبي، فهويت قتيلاً. أخذت ابنتي بتقطيعي عضوًا عضوًا، وأنا أبذل ابتسامتي الأخيرة. في الصباح، بعد ذهاب ابنتي إلى المدرسة، وصلت الخادمة، فغسلت الأرض الملوثة بدمي، ووضعت أعضائي في كيس بلاستيك رمته في القمامة.

باريس أكتوبر 1987

* من "حلمحقيقي" المجموعة القصصية الرابعة لأفنان القاسم بمناسبة نشره للأعمال الكاملة.




#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العاملة التي أحبت الكاتب
- الحزب والموسيقى
- السيدة التي لم تقرأ الجريدة
- لقاء الأصحاء في مستشفى هنري موندور من حول سرير أفنان القاسم
- وقائع نشرة مكثفة عن التلفزيون الفرنسي
- الفتاة الممنوعة
- وحيد وجوديت
- ناتاشا والفنان
- العاطل عن اليأس
- انتحار الشاعر
- أطول ليلة في الحي اللاتيني
- القصيدة-القصة الأولى في الأدب العربي: الإبحار على متن قارب ه ...
- محمد حلمي الريشة وعلبة أسبرين
- 39 شارع لانكري
- الابن والبحر
- الله والنقود
- الطفل الآتي من هناك
- حلمحقيقي
- حبيبتي في صنعاء
- حرير دمشق


المزيد.....




- هل يمكن للذكاء الاصطناعي حماية ثقافة الشعوب الأصلية ولغاتها؟ ...
- -غزة فاضحة العالم-.. بين ازدواجية المعايير ومصير شمشون
- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- أبو الحروب قصة جديدة للأديبة منال مصطفى
- صدر حديثا ؛ أبو الحروف والمدينة الهادئة للأديبة منال مصطف ...
- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الرسامة الصغيرة