أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العاملة التي أحبت الكاتب














المزيد.....

العاملة التي أحبت الكاتب


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3577 - 2011 / 12 / 15 - 13:29
المحور: الادب والفن
    


- ما اسمك؟
- روز–ماري.
- روز–ماري كيف؟
- روز–ماري.
- تريدين أن أكتب عنك قصة؟
- أريد.
- لماذا؟
- لأني أحبك.
- لأنك تحبينني؟
- لأني أحبك. أنت كاتبي المفضل.
- حبك لا يكفي.
- عفوك؟
- كي أكتب عنك قصة، الحب من طرف واحد لا يكفي.
- لأني عاملة، وأنت كاتب ثوري.
- سأفكر في المسألة.
- فكر في المسألة وفي حبي.
- لكني لا أحبك، يا روز–ماري، وأحبك.
- تحب العاملة فيّ؟
- أحبها.
- حبها يكفي.
- أتظنين ذلك؟
- هكذا أفهم الحب.
- حبها يكفيها هي، ولا يكفيك.
- هي أنا، وأنا أحبك.
- سأكتب عن حبي لها.
سحبتني من يدي لنتفرج على الفترينات، اشترت حذاء وشالاً وكلسات، ودخلت مقهى لتلعب (( اللوطو ))، وتشرب (( الريكار ))، ثم عرجت على محلات (( دارتي )) لتشتري بالتقسيط غسالة للأواني، وتأوهت، وهي تلمس بأصابعها جهاز (( الفيديو ))، وقالت في المرة القادمة سيكون لها واحد مثله. في الأخير، دخلت وكالة للسياحة، وحجزت لاثنين إقامة في محطة تزلج على الجليد أدفعتني تكاليفها.
وبينما كان كلانا يتبرنز تحت شمس (( الألب ))، ويتنهد، ويتشهى، أخذت قلمي، وكتبت قصتي عن روز-ماري، العاملة العازمة الواقفة من وراء ماكينة جبارة. كانت تفلُّ الحديد، وتحوله إلى غسالات للأواني وثلاجات وفيديوهات. في المساء، كانت تمسح عرقها، وتعرق من جديد خلال الاجتماعات. طوال المظاهرة التي كان يشارك فيها مئات الآلاف من العمال، لم تتوقف روز- ماري عن إطلاق صرخات الاحتجاج، علم بيمينها، ولافتة بيسارها، وكانت تضرب في الموج دون خوف ولا ندم بعد أن اعتدت عليها كتيبة من تماسيح البوليس تريد الفتك بها. ألقيت قلمي، في الأخير، وأنا أزفر كغارق نجا من الموت بأعجوبة، فأخذت روز-ماري القصة، وقرأتها جملة جملة، وهي تطلق الضحكة تلو الضحكة.
نشرت القصة جريدة الحزب، وعلق عليها الناقد الأدبي، فأثنى. وتحت ذريعة احترام روح الحزب، وبدافع الموضوعية، افترش الأيديولوجية، وبها تغطى. غدوت تعسًا إلى حد المرض، بعد خيانة الكلمات لي، فقالت روز–ماري:
- تحب البورجوازية فيّ؟
- أحبها.
- حبها يكفي.
- أتظنين ذلك؟
- هكذا أفهم الحب.
- حبها يكفيها هي، ولا يكفيك.
- هي أنا، وأنا أحبك.
- سأكتب عن حبي لها.
وصفتها كإنسانة متحضرة. كانت تعمل، وكانت تحلم. كانت تصل إلى حلمها بالتقسيط، عن طريق ألعاب اليانصيب، ونصب شرك لكاتب على شاكلتي. وكانت تتقن اختيار العطر في المساء، وعلى الفراش تثبت أنها أنثى. ومثل المرة الماضية، أطلقت روز–ماري الضحكة تلو الضحكة، وهي تقرأ القصة جملة جملة. نشرتها أكثر من جريدة ليبرالية، وعلّق عليها الناقد الأدبي، فأثنى. وتحت ذريعة الترويج لضد-التعصبية، وبدافع الموضوعية، هرس الأيديولوجية، وبها تخبص: الفن للفن، والإنسانية عصفور أحمق، والخلود لي والعبقرية! غدوت تعسًا إلى حد المرض، أكثر تعاسة من المرة الماضية، وأكثر مرضًا، بعد خيانتنا، أنا والكلمات، لي، فقطعت صلتي بروز–ماري.
لم أعد أكتب، لم أعد أحلم، لم أعد أحب. وجدتني وحدي ألهث من وراء التعاسة في عالم الطغاة المجرمين. لم تكن الكلمة تنقذ، لم تكن الصورة تخلق، لم تكن القيم الأخلاقية تعيق زحف التماسيح. رأيتني مضطرًا إلى البحث عن مخرج تحت ضوء قنديل في الأزقة الضيقة، المعقدة، المتشابكة للحي اللاتيني. لمحت ظلاً أصفر في ضوء أسود ينشر العطر الرخيص، ومن الظل انبثقت روز-ماري بشعة، حلوة، أحلى أبشع عاهرة رأيتها في حياتي. أرادت الهرب مني لما عرفتني، فأمسكت بها، وتعلقت بها، فجعلتني أعتمد عليها، وانتقلت بي من ضوء أسود إلى ضوء أسود إلى أن تركنا العالم من ورائنا. كانت حجرتها مبعثرة، تشبه سفينة طافحة برائحة خبيثة للعناق الخسيس، رحت أسحب منها إلى رئتي بعنفِ برقٍ يدق الصخر، ويفلقه. خلعت سروالها القصير الدموي اللون الأحمق، ووقفت على مقربة مني، وهي تبكي. ضمتني، وتفجرت بالدمع، وهي تشهق، وتزفر، والبركان الصامت منذ أن أغلقت المصانع في وجه روز-ماري أبوابها قد أخذ يطلق الحمم والعصافير. راحت العصافير تحلق، وتضيء، والدم في عروقي يغلي، ويقاوم، ويدمر. كل قوة الدمار هذه التي كانتها روز–ماري بين ذراعيّ أخذت تبني أول كلمة مجبولة بالدم السائل في قلم آدم القرن الحادي والعشرين.

باريس أكتوبر 1987

* من "حلمحقيقي" المجموعة القصصية الرابعة لأفنان القاسم بمناسبة نشره للأعمال الكاملة.



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب والموسيقى
- السيدة التي لم تقرأ الجريدة
- لقاء الأصحاء في مستشفى هنري موندور من حول سرير أفنان القاسم
- وقائع نشرة مكثفة عن التلفزيون الفرنسي
- الفتاة الممنوعة
- وحيد وجوديت
- ناتاشا والفنان
- العاطل عن اليأس
- انتحار الشاعر
- أطول ليلة في الحي اللاتيني
- القصيدة-القصة الأولى في الأدب العربي: الإبحار على متن قارب ه ...
- محمد حلمي الريشة وعلبة أسبرين
- 39 شارع لانكري
- الابن والبحر
- الله والنقود
- الطفل الآتي من هناك
- حلمحقيقي
- حبيبتي في صنعاء
- حرير دمشق
- إرادة الورد


المزيد.....




- هل يمكن للذكاء الاصطناعي حماية ثقافة الشعوب الأصلية ولغاتها؟ ...
- -غزة فاضحة العالم-.. بين ازدواجية المعايير ومصير شمشون
- الهوية المسلوبة.. كيف استبدلت فرنسا الجنسية الجزائرية لاستئص ...
- أربعون عاماً من الثقافة والطعام والموسيقى .. مهرجان مالمو ين ...
- أبو الحروب قصة جديدة للأديبة منال مصطفى
- صدر حديثا ؛ أبو الحروف والمدينة الهادئة للأديبة منال مصطف ...
- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - العاملة التي أحبت الكاتب