أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وديع العبيدي - في دارة المنولوجست عزيز علي














المزيد.....

في دارة المنولوجست عزيز علي


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3574 - 2011 / 12 / 12 - 16:16
المحور: سيرة ذاتية
    


على العارضة اليمنى لباب بيت في منطقة العامرية من جانب الكرخ من بغداد، لوحة معدنية فضية اللون مثبتة على خشبة من نفس اللون كتابة بخط فارسي رفيع المستوى تحمل اسم (عزيز علي). ذلك هو بيت الاستاذ المنولوجست المشهور والأثير إلى نفوس كثيرين، وأحد رموز مرحلة كاملة، بل أبرز رمز عراقي فضح الانجليز وسياستهم في العراق على مدى العهد الملكي، أي في أوج ربيعهم.
عند قرع جرس الباب الخارجي، كان الذي فتح الباب هو الاستاذ عزيز علي بنفسه. شاب في السبعين، ناصح الجسم، وجه مبتسم حافل بالأمل أو بالفرح، يكاد يقاربني في الطول (1.65م). استقبلني مصافحا وأنا أضع قدمي على عتبة الباب الداخلية وأقدم له نفسي، بقيت أصابعه تشدّ على يدي وهو يقول ويكرر.. إياك أن تشتهر.. إياك أن تشتهر.. بسبب الشهرة شهد علي ناس لا أعرفهم وقضيت ثلاث سنوات في سجن العمارة بسبب الشهرة.. إياك أن تشتهر.. الشهرة لعنة..
كانت تلك أول مرة ألتقيه فيها.. ولم أكن أحلم أنني سوف ألتقيه ذات يوم.. في طفولتي سمعت أغانيه ومنولوجاته.. وسمعت اسمه والناس يذكرونه ويشيدون به.. يتحدثون عن البستان والسفينة وأهل الفن.. وكأنها منشورات سرّية.. عندما التقيته يومها.. لم يدر بخلدي شيء من منولوجاته وما سمعته عنها. كنت أتعرف عليه للتوّ. وأستمع إليه شخصيا كلمة كلمة وأحاول استيعاب شخصه وشخصيته.. التي رسمت تلك الصورة التي بقيت تهدد الحكومات والأنظمة.. اسمه كان تهديدا بحد ذاته.
نشأ في عائلة بغدادية محافظة، وكان متفوقا في الدراسة، حتى أكمل المدرسة الثانوية. وكان يتمنى اكمال دراسته الجامعية، لكنه اضطر للعمل. وكان عمله محاسبا لدى تجار البتاويين. وكانت مقاليد التجارة يومذاك في أيدي اليهود.
عرف عنه حسن أدائه الغناء، وعند افتتاح الاذاعة دعي لتقديم أغنياته، وكان رافضا للفكرة في البدء. ولكنه عند اقتناعه رأى أن يقدم شيئا جديدا، شيئا مفيدا ليس من الشائع والمتعارف. فنظم بعض أفكار كانت تراوده وقدمها من دار الاذاعة العراقية فلقيت استحسانا وقبولا، مما شكل له حافزا للاستمرار بنفس النمط. وصارت اغنياته موضع أحاديث الناس في كل مكان، ورأت السلطات أنها تشيع بلبلة لما فيها من أفكار. وحاولوا منعه من الغناء مدة، فاشتدّ طلب الناس لأغانيه، وقيل له يومها.. أن يعود للغناء مع تغيير لأفكاره وتجنب التعرض لسياسات الحكومة. ولكنه رفض التدخل الحكومي في فنه. وعندها بدأوا في مطاردته واصطناع تهم تقوده للسجن. وعندما كان في زيارة لمدينة العمارة تعرض للاعتقال، وحاكموه باستخدام شهود زور، وأودع السجن.
كان الاستاذ عزيز علي مناوئا للحكم الملكي، ورافضا للاحتلال والتدخل الانجليزي في مقاليد البلاد، وكان اليهود وضعوا أنفسهم في خدمة السياسة الانجليزية، فاستخدم الفنان فنه للتعبير عن أفكاره والتعبير عن مشاعر ومطاليب الفئات الشعبية الواسعة. وفي أعقاب حركة 1941 التحررية ضاق صدر النظام الحاكم وزاد التضييق على الحريات الفكرية والصحفية وملاحقة مسببي الشغب، ومفهوم الشغب يعني استثارة الناس ضد الحكومة.
ان منلوجات الاستاذ عزيز علي الفريدة واليتيمة مدينة لفسحة الدمقراطية واحترام حرية الرأي والتعبير يومذاك. وغيابها من وسائل الاعلام لاحقا دالة انعدام حريات الرأي والتعبير. فالحكم الجمهوري الذي رأى نفسه ضدا لسياسات الحكم الملكي، استمر في منع منولوجات عزيز علي ومطاردة صاحبها.
في أيام حرب الثمانينيات استشهد أحد أبناء الاستاذ عزيز علي وحصلت حركة تدخلات من البعض للتوسط في اطلاق سراحه مع تقدمه في السنّ. أي توقف نشاطه الفني وتقاعده الثقافي. وهو في بيته ذاك كان يعيش وحيدا منعزلا عن حركة الحياة لولا أشخاص محدودين يهتمون به وباحتياجاته. ولم تكن زيارتنا اليتيمة له تلك في أواخر الثمانينيات بدون إذن المقربين منه.
لو لم يكن عزيز علي منلوجستا لكان شاعرا وأديبا مميزا. ذلك ما استشففته من حديثه العميق والواسع، وتناول موضوعات متعددة ومهمة. ولا يخفى أنه عاش في ألمانيا ويجيد لغتها، ويكشف حديثه وطريقة تحليله وطرقه للأمور عن ثقافة واسعة وعقلية غير تقليدية نادرا ما صادفتها في العراق حتئذ. ومنذ الأربعينات كانت له مساهمات في الشعر الحديث، متأثرة بالياس أبي شبكة وعمر ابي ريشة، ومن آثاره الشعرية تلك قصيدة خطرت له وهو يتمشى على ضفة دجلة، فتجسدت له بغداد الحضارية في صورة فتاة (حورية) تخرج من الماء وتخاطبه، فيستذكر مآثرها وجمالها ويندب لما آلت إليه على يد الزمان (المعاصر). وذكر أن شاعرة تعد اطروحة دراسات عليا كان من المؤمل أن تدرس تجربته لكنه لم يسمع عنها شيئا. وقد أشرت إلى تجربته في اطار دراستي النقدية عن شعر يوسف عزالين التي صدرت في القاهرة (1993).
أما الأمر الآخر الذي توقف عنده، فهو موضوع القيم الخلقية، ومنها أخلاق الفنان أو المبدع، والتي تشكل أساس مفهوم الالتزام. ولمح خلال ذلك إلى العلاقة المتوترة بينه وبين الفنان محمد القبانجي، والذي سبق له زيارة ألمانيا كذلك. ويستخدم ظاهرة المقهى للمقارنة بينهما. يؤكد الاستاذ عزيز علي أنه لم يجلس في مقهى في حياته، وانه عندما يمرّ من أمام مقهى يشعر أن كعبي قدميه او ركبتيه تصطفقان خجلا. فيما كان الفنان محمد القبانجي من جلاس المقاهي، وكان يقدم أغنياته والمقام العراقي في عدة مقاه. وهو يعتبر هذه الظاهرة سببا في انحطاط مستوى الغناء في العراق. وعلى رغم تصنيف المقاهي الواضح ووجود مقاهي ثقافية أو تراثية أو فنية، فأن ملاحظة الاستاذ الفنان ليست عديمة الأهمية، إذا اعتبرنا ما وصلت إليه الأغنية العراقية في الثمانينيات بما فيها المقامات التي افترض ان تبقى لها مكانة مرموقة كجانب رمزي للتراث الوطني.
وهذا يقود لسؤال.. لم لا تتوفر بغداد وبقية مدن العراق الكبرى على قاعات لتقديم فنون الموسيقى والغناء أسوة بالمسارح وقاعات الفنون التشكيلية، والبدء بتغيير النظرة الاجتماعية للفن وأهله؟..



#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في دارة الاستاذ خضر الولي*..
- حامد البازي.. في مقهى الزهاوي
- عبد المحسن عقراوي.. في مقهى الزهاوي
- يعقوب شعبان.. في مقهى الزهاوي
- عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي.. في مقهى الزهاوي
- صاحب ياسين.. في مقهى الزهاوي
- سليم طه التكريتي*.. في مقهى الزهاوي
- أنور عبد الحميد السامرائي المحامي.. في مقهى الزهاوي
- د. محمد عزة العبيدي.. في مقهى الزهاوي
- محمد حسين فرج الله.. في مقهى الزهاوي
- مكي عزيز.. في مقهى الزهاوي
- حقوق الأقليات في العالم العربي في ظل التغيرات السياسية
- صورة جانبية لهشام شرابي /2
- صورة جانبية لهشام شرابي /1
- المنظور الاجتماعي في أدب سارة الصافي
- وردة أوغست..
- كلّ عام وأنت..!
- استقبال....
- لامُن ياؤن سين
- ((حضارة عكسية))


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - وديع العبيدي - في دارة المنولوجست عزيز علي