أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - خالد.. بشارة الفجر















المزيد.....

خالد.. بشارة الفجر


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3573 - 2011 / 12 / 11 - 22:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


كنت عالقة في منتصف شارع البطل أحمد عبد العزيز وسط شلل مروري أشبه بالكابوس.. وبعد ساعة من الفشل في الهروب من أي من شوارع المنطقة.. قررت الاعتراف باليأس والعودة إلى البيت، من دون قضاء أي من المصالح التي خرجت لإنجازها.
فجأة، مثلما يلمع شعاع البشارة في أحلك لحظات الظلام، جاءتني رسالة على الموبايل من الصديقة البطلة، أم البطل، الدكتورة ليلى سويف "أنا بقيت جدة خالد.. ليلى" . وأنا ابحث عن منديل أمسح به دموعا غزيرة لا أعرف كيف انهمرت فجأة، جاءتني رسالة أخرى :"أنا بقيت جد.. خالد شرَّف الآن وأضاف بسمة وفرحة للعائلة تساعدها على مواجهة الطغيان.. سيف".. اتصلت بالجدة والجد لأعرف عنوان المستشفى، وفي الطريق لمعت في ذهني لقطة تتكرر في كثير من الأفلام العربية: يعاني أبطال الفيلم من نوائب الدهر وتنويعات الظلم والقهر ، حتى يصبحوا قاب قوسين أو أدنى من اليأس، وإذا بصرخة طفل وليد، يليها غالبا لقطة لقرص الشمس تعلن بزوغ فجر النصر!
تذكرت علاء عبد الفتاح الطفل، يأتي إلى بيتنا مصطحبًا شقيقته الرقيقة منى للعب مع ولديَّ، فلا يتوقف عن مشاغبتي.. ويتهمني بالاستبداد لأنني اخترت لنفسي أكبر حجرة في المنزل تاركة للولدين حجرة أصغر، محرضا أكبرهما على التمرد. فأقول له أن الحجرة الكبيرة من نصيبي لسبب منطقي، وهو أن صديقك لم يكن قد ولد بعد عندما سكنت الشقة أنا ووالده.. ولم يكن بوسعنا انتظار مولد سيادته حتى نأخذ رأيه!.. وأتذكر عندما نقل لي ابني اعتراض علاء على انحيازي للبنات، زاعمًا أنني أستقبله وأخته بحفاوة أكبر عندما أفتح الباب فأجد منى هي الواقفة أمامي، لكنني لا أتعامل بنفس الحماس عندما يكون هو في المقدمة! ويوصيني زياد أن أراعي مشاعر صديقه؛ فأقول له إنه نصاب هو وصاحبه، وأنني لن أرضخ للابتزاز!

ثم يمر الشريط سريعا فأرى الشاب علاء، يوم جاء مع منى ـ أيضا ـ ضمن شباب الثورة المجتمعين في شقتنا. وتذكرت كيف كان هؤلاء الأبطال يشحنون بطارية التفاؤل في وجداني، عندما أستمع إلى صياحهم ونقاشاتهم تحتد أحيانا، وترتفع الأصوات، ثم تهدأ فجأة، فأعلم أنهم اتخذوا قرارًا بالتصويت، سوف يلتزمون به جميعا رغم اختلاف انتماءاتهم الفكرية!
حرصت على عدم التطفل على اجتماعاتهم.. لم أسمح لنفسي بالتدخل في المناقشات.. أدركت من اللحظة الأولى أن هؤلاء قادة المرحلة.. وآن الأوان كي يكتفي جيلنا بالدعم والتشجيع، وإبداء المشورة عندما تطلب منه.. بعدما أدى دوره في نقل الوعي والخبرات النضالية؛ ولا أدل من أن معظم هتافات الثورة هي نفسها التي رددناها طول أكثر من ثلاثة عقود! لكن الزعامة والقيادة صارت من حق جيل، ورث تراكما نضاليا، أزعم أنه بدأ منذ وقف عرابي أمام الخديو توفيق يقول له "لن نورث بعد الآن"! فكانت بذرة، غرست في رحم الحركة الوطنية المصرية، فروتها أجيال المصريين جهدا وتضحيات حتى اشتد ساعد النبتة في هذا الجيل، لكن الثمرة لم تنضج بعد، فلم يحن أوان الحصاد.
وعلى الرغم من اختلافي مع من يزعمون أن هذا الجيل أفضل من جيلنا.. وأنه نجح فيما فشلنا فيه.. وإيماني أن الثورة لم تكن لتندلع إلا بعد نضج الظرف الموضوعي المناسب لاندلاعها.. أؤمن ـ أيضا ـ أن الظرف الذاتي لهذا الجيل تضامن مع نضج الظرف الموضوعي لإنجاح الثورة: ففي جيلنا، شكل الكتاب مصدر الثقافة الرئيسي المتاح. ولم تكن فرص السفر إلى الخارج، وغيرها من مصادر التعرف على ثقافات أخرى، متاحة لأغلبية الشباب. لكن تنوع ينابيع المعرفة في جيل الأبناء شكل طريقتهم المغايرة في التفكير. ومع سهولة السفر، وانتشار الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، توافرت فرص أكثر للتعرف على ثقافات وأفكار متباينة، فاكتسبوا عادات الحوار، وألفوا فكرة التعايش بين الآراء. وصاروا أكثر مرونة، وأكثر قدرة على تقبل الاختلاف وتنسيق عمل جبهوي بين تيارات مختلفة؛ وهو ما لم تفلح فيه أجيال نهلت ثقافتها من الكتب في الأساس.. ويبدو أن ثقافة الكتب تورث درجة من الأحادية في التفكير؛ حيث يبني الشخص آراءه ـ غالبا ـ بينه وبين مكتبته، بمعزل عن الحوار الواسع مع آخرين. فليس في الأمر تقصيرا من أجيال سبقت أو فضلا لجيل حالي، وإنما هي معطيات مادية تتعلق بالتطور التاريخي.
تجاذبتني هذه الأفكار قرابة ساعتين استغرقهما الطريق المزدحم من الدقي حتى المستشفى في المنيل. وكنت قد أطمأننت تليفونيا على صحة المولود والوالدة، وصار كل همي الاطمئنان على صحة "ليلى" نفسها، بعدما أنهت ـ لتوها ـ إضرابًا عن الطعام دام ثلاثة أسابيع احتجاجا على تحويل إبنها للنيابة العسكرية. وإزاء رفض علاء الخضوع لتحقيقات العسكريين، وإضراب والدته، وضغوط الرافضين لمحاكمة المدنيين عسكريا؛ تحقق انتصار جزئي، بتحويل الشاب إلى محاكمة مدنية ـ وإن كانت استثنائية ـ وصدور قرار عدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
في شرفة الصالون الملحق بغرفة الوالدة في المستشفى، لم تحل المناسبة السعيدة دون مناقشة التطورات السياسية وماحدث في الانتخابات. اتفقنا واختلفنا، وتبقى الصداقة التاريخية والاحترام أبقى من أي خلاف في رأي.. قلت لها ولضيوفها ما أؤمن به، وهو أن زعامات جيلنا، أخذت فرصتها في القيادة على مدار ثلاثة عقود مضت.. وحان الوقت كي تكتفي بتقديم الدعم والمشورة.. أما اتخاذ القرار فيجب أن يكون لقيادات المرحلة. وأرجعت قصور التنسيق بين الأحزاب المدنية في الانتخابات، إلى أن القائمين على التنسيق من أبناء جيلنا، الذي لا يجيد التنسيق.. ويتصرف بعضهم بنفس منطق المتشددين دينيًا: كل منهم يعتقد أن حزبه هو "الجماعة الناجية"، التي تزود عن الفكر الحنيف، وتحتكر الثورية.. ويكفي أن تختلف معه في موقف واحد، ليخرجك من ملة الثوريين، كما يخرج المتنطعون مخالفيهم من ملة الإسلام. ولا يستوعب أن الطريق مازال طويلا، وأننا بحاجة إلى بعضنا البعض، ومن تختلف معه اليوم، ربما تتفق معه غدا (قلت هذه العبارة مؤخرًا لزميلة ـ تتحدث كما لو أنها وحدها صاحبة الحق في دم الشهداء وتتهم المشاركين في الانتخابات ببيع الدماء الزكية ـ فقالت لي: طريقي غير طريقك!).
عدت من المستشفى أحمل داخلي أملا كبيرا، أن يكون ميلاد خالد علاء عبد الفتاح، ونديم زياد العليمي، وجيلهما، بشارة فجر جديد، تنتصر فيه إرادة الشعب، بأيدي شباب يمتلك فضيلة التنسيق، وآلية الائتلاف، ويحترم الاختلاف.. أعني شبابا يدرك ـ بحق ـ معنى الديمقراطية!



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكاء هنا.. وأخطاء هناك
- جدع يا باشا!
- إلا شباب الثورة!
- مشاركة القوى اليسارية في الربيع العربي
- أي علاء!.. وأي أم علاء!
- ضابط ابن ناس
- للصبر حدود
- احذروا غضب الشعوب
- متى ترتوون من دمائنا؟
- غضب آخر سوف يجيء!
- علموا أبناءنا في إيطاليا!
- الدبة.. وصاحبها!
- بوادر جولة ثانية
- عصام وحسن ..ورأب الصدع
- حتى الرمق الأخير
- شعب واحد
- خطاب مفتوح إلى السيد المشير
- ثورة عالمية في الأفق
- وانهمرت دموعي
- رمضان .. وهدى


المزيد.....




- السعودية.. ظهور معتمر -عملاق- في الحرم المكي يشعل تفاعلا
- على الخريطة.. دول ستصوم 30 يوما في رمضان وأخرى 29 قبل عيد ال ...
- -آخر نكتة-.. علاء مبارك يعلق على تبني وقف إطلاق النار بغزة ف ...
- مقتل وإصابة مدنيين وعسكريين بقصف إسرائيلي على ريف حلب شمال غ ...
- ما هي الآثار الجانبية للموز؟
- عارض مفاجئ قد يكون علامة مبكرة على الإصابة بالخرف
- ما الذي يمكن أن تفعله درجة واحدة من الاحترار؟
- باحث سياسي يوضح موقف موسكو من الحوار مع الولايات المتحدة بشأ ...
- محتجون يقاطعون بايدن: -يداك ملطختان بالدماء- (فيديو)
- الجيش البريطاني يطلق لحى عسكرييه بعد قرن من حظرها


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - خالد.. بشارة الفجر