أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - وانهمرت دموعي














المزيد.....

وانهمرت دموعي


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 7 - 19:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



نعم، تأثرت تأثرا بالغا لرؤية المخلوع في قفص المحكمة على سرير طبي؛ بل وأغرورقت عيناي بالدموع فعلا.. فقد تذكرت الشهيدة هدى ذات السبعة عشر ربيعا، وحاولت أن أتخيل السريرالذي رقدت عليه ستة أشهر تعاني أمام أمها وأبيها وشقيقها ـ المكلومين بفقد أخ لها سبقها إلى الشهادة ـ من إهمال المستشفى الحكومي حتى تسوست عظام قفصها الصدري.. وسالت دموعي عندما حاولت أن أتخيل السرير الذي رقد عليه الشهيد محمود حالد قطب ستة أشهر أيضا، ولحمه يتعفن أمام أنظار أهله حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها تشكو المخلوع الذي حرم الفقراء من فرصة علاج آدمي، بينما أمضى هو أيامه يعالج من الاكتئاب في مستشفى فاخر بشرم الشيخ.
تأثرت تأثرا بالغا وأنا أرى رجلا في الخامسة والثمانين من عمره، غير قادر على الجلوس في قاعة المحكمة، بينما استطاع الجلوس أمام مصفف الشعر الخصوصي لصباغة شعره! .. ولا اعتراض لدي على صباغة شعره، فتلك حرية شخصية لايحق لأحد التدخل فيها؛ لكنني أتساءل عن قدرة شخص في سنه على المكوث أمام إخصائي صباغة الشعر دون ملل حتى ينهي مهمته.. وأتساءل عما دار في ذهن من أدخلوه إلى القفص بهذه الهيئة. وكنت قد توقعتها قبل يوم المحكمة وكتبت على صفحتي على الفيس بوك "تفتكروا ممكن يجيبوا المخلوع على سرير للمحكمة.. عشان أيتامه يهرونا شحتفة، ومصصمة شفايف على الغلبان اللي بيتحاكم وهو مريض، بسبب شوية شهدا زي قلتهم لاراحوا ولا جم؟".. كتبت هذا على صفحتي على الفيس بوك في الثانيةو 17 دقيقة من صباح الثلاثاء قبل جلسة المحاكمة بيوم كامل، ولم أكن أتنبأ، لكنني تخيلت حالة الغباء التي تعتري مستشاري الطغاة فيشيرون عليه بما يستفز الناس!.. ولم أتوقع أن يتيح غباء الطغاة ومستشاريهم لهم فرصة فهم أن دماء الشهداء لم تجف بعد.. وأن أحدا من أصحاب المشاعر الإنسانية لن يتعاطف مع مجرم قاتل لمجرد أنه أمضى عمرا مديدا يرفل في المتعة والثراء من مال حرام حتى طعن في السن.. كما أن أحدا يمتلك ضميرا حيًا لن يستطيع أن يتعاطف مع الجاني بينما تصرخ دماء الضحايا بالثأر. ربما لو وقف في القفص، أو حتى جلس مثل الباقين لاستدر تعاطفا أكثر، لكنهم يخطئون الحساب دائما. فربما يمثل التعاطف أو يذرف الدمع بعض المنتفعين من فساده، أو حتى بعض البسطاء أو السذج من حزب الكنبة، الذين يعشقون الركود ويجبنون عن الحركة، ولا يهمهم سوى الاستقرار حتى لو كان فوق فوهة بركان! غير أن التقديرات تشير إلى أن من خرجوا ساخطين عليه وعلى أيام حكمه الغبراء يتراوح عددهم بين 15 و20 مليونا، فلو اعتبرنا أن متوسط أسرة كل منهم ثلاثة أشخاص لتجاوز عدد من لا يمكنهم التعاطف مع المخلوع الخمسين مليونا!
فعلا تأثرت عندما رأيت شيخا قال قبل ثلاثة عقود إن الكفن ليس له جيوب. بينما لم يكن له هم خلال هذه العقود إلا صناعة جيوب في كفنه وفي أكفان أسرته، علها تستطيع احتواء كل ما امتصوه من دم الفقراء والمطحونين. وسرح بي خيالي وأنا أتابع جلسة المحاكمة على شاشة التلفاز، وطاف بي حلم من أحلام اليقظة، فرأيته يزيح الغطاء عنه ويقف بشجاعة أمام القاضي ليقول له: "لم يعد لي بعد هذا العمر سوى أن أطمع في رحمة الله، وأتوسل إليه أن يشملني بغفرانه قبل أن القى وجهه الكريم.. ولأنني سمعت أن الله ربما يتسامح في حقوقه، لكنه لا يسامح في حقوق العباد إلا بعد أن يغفروا ويسامحوا .. فأنا أعتذر لأبناء شعبي، وأطلب منهم العفو والمغفرة حتى أستطيع أن أواجه ربي يوم اللقاء الموعود.. وأنا مستعد للاعتراف بكل ما اقترفته يداي، والإرشاد عن كل جريمة ارتكبتها ولم تكتشف بعد، وعن كل قرش ليس من حقي اكتنزته سواء في الداخل والخارج.. وأطلب العفو من أهالي الضحايا الذين لقوا حتفهم في الأقسام والسجون، والأسر التي فقدت أحبائها إما موتا أو هجرة أومرضا بسبب سياسات شريرة ألهمتني الاستعانة بالفاسدين وتركتهم يعيثون فسادا في البلاد ويقهرون العباد، ويحبطون الشرفاء والأكفاء ويدفهونهم للانطواء أو الموت كمدا أو الهجرة. بل أنني ـ ياسيادة القاضي ـ سوف أتطوع بكشف جميع ما اقترفته زوجتي وأولادي وما أخذوه دون حق من هذا الشعب، أملا في أن أطهر نفسي وأطهرهم.. كما سأكشف الغطاء عن وجه كل من أشار علي أوعاونني في ارتكاب جرائمي، وكل من عملوا على طمس الوثائق والمستندات التي تدينني وتدينهم من يوم الخامس والعشرين من يناير حتى اليوم. ولا يهمني بعد ذلك ما ستحكمون به علي.. فغاية ما أطمح إليه عفو أصحاب الحقوق حتى أتجرأ على طلب العفو من العادل المنتقم الجبار قبل فوات الأوان.. والله المستعان".. استغرقني حلم اليقظة وأنا أتابع وقائع الجلسة، فأرى ولديه وهما يتقدمان بطلب سماع اعترافاتهما، فقد قررا ألا يرث ابناءهما مالا حراما. وإذا بباب قاعة المحكمة ينفتح فجأة لتظهر المخلوعة زوجة المخلوع وهي تصرخ طالبة الإدلاء بشهادتها، وتنتحب وهي تعترف بالذنوب التي ارتكبتها من أول معاونة زوجها على الانصياع لنزوات السلطة والثراء الحرام إلى تربية ابنيها على قبول ما لايحق لهما، وحتى تسلطها على خلق الله وتدخلها في شئون الدولة وسلب ملك ليس لها. ويحذو حذوهما كثيرون ممن حققوا ثروات هائلة من الحرام؛ وتنتشر عدوى التطهر لتشمل الضباط والمخبرين الذين امتدت أيديهم بالتعذيب إلى مواطنيهم، أو أولئك الذين قست قلوبهم، فأطلقوا الرصاص أو انهالوا بالهراوات على متظاهرين، خرجوا طالبين حقهم الطبيعي في الحرية والكرامة. وبدأ حتى صغار الفاسدين والمرتشين يتوافدون على أقسام الشرطة طالبين تطهير ذممهم مما لوثها، سواء بالمال الحرام، أو كتابة تقارير عن الشرفاء أو التبليغ عن المعارضين، أو محاولة تشويههم، والافتراء عليهم..
ثم، أفقت من حلمي لأرى من خلف دموعي التي أغرقت وجهي صورة المخلوع وهو يرد على سؤال القاضي: "كل هذه الاتهامات أنا أنكرها كاملة"!



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رمضان .. وهدى
- عجلة الإنتاج .. وسنينها!
- المشككون.. بين الثوار والجماهير
- كرامة المصريين خط أحمر
- عفوا.. يرجى إعادة شحن الرصيد
- قبل الحساب
- الداخلية.. وثورة صارت ضرورية
- تحركوا قبل فوات الأوان
- ولسة جوا القلب أمل
- الإخوان وتحديات العمل العلني
- فارس الجيش والديمقراطية
- جيشنا .. لاجيش المخلوع
- دع اللطم.. وابدأ البناء
- يوم الشهيد.. بين تحرير التراب وتحرير الكرامة
- احذروا الثورة المضادة
- أصبح لدينا رئيس سابق!
- .. وللتحرير ميدان
- ما أعظمك يا شعب.. ما أروعك يا وطن
- تونس تحيي ذكرى انتفاضة يناير المصرية
- نظام تونس يعيد ترتيب أوراقه


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - وانهمرت دموعي