أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امجد نجم الزيدي - التناص اللاايقوني بين القصة والرسم















المزيد.....

التناص اللاايقوني بين القصة والرسم


امجد نجم الزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 3556 - 2011 / 11 / 24 - 08:50
المحور: الادب والفن
    


من الآراء التقليدية التي تنظر إلى الخيال الأدبي الناتج من خلال التعالق بين النص وأشياء المحيط الخارجي ومنها اللوحة التشكيلية، الرأي الذي يقول بأننا (إزاء حركة تبدأ من الخارج، بمعطيات جاهزة، تنعكس على ما هو في داخل الأديب، فيبدو ناتج الانعكاس بمثابة تكوين ذاتي للمعطيات الخارجية الجاهزة) ، ترينا هذه الإضاءة بأن التأثيرات الخارجية –أي الخبرة البصرية والمعرفية والإدراكية الخارجية- تساهم في بناء النص من خلال انعكاسها في ذات الناص بصورة دائرية تعيد إنتاجها دون التفريط بوجودها الحقيقي، ولكن هذه العملية تجعل المعطيات الخارجية الجاهزة، منفصلة عن ذات الناص ويكون عمله فقط بتوجيهها إلى جهة معينة محافظا على وجودها الأولي، منفصلة عن جوهر العملية البنائية للنص، عكس ما نحاول أن نظهره في قرائتنا هذه، وذلك بأن الخارج الممثل باللوحة الفنية التي تمتلك نفس الإستراتيجية البنائية التي للنص الادبي تندغم في الوجود المتشكل للنص في لحظة الكتابة، خالقة نصاً مركباً بإلية تناصية، استشرافية لنقاط ارتكاز كلا الحقلين الدلاليين، وتعزيز مرتكزاتهما البنائية، لتدعيم ذلك التمازج والاندغام، فلغة القاص هي (اللغة التي تأثرت كل كلمة منها بإحدى القيم في ذاكرته وانقسمت بين اتجاهات متعددة من التذكر والأفكار المتداعية التي غاص معظمها في اللاوعي) ، بالإضافة إلى التأثيرات الخارجية أو المعطيات التي تساهم بصورة مباشرة في رفد تلك الذاكرة، أو اللاوعي وبصورة متكررة بنواتج الوعي بالمحيط الذي تكون اللوحة الفنية جزءاً منه، وهذه المساهمة تتم ليس بصورة انعكاسية وإنما بتحليل القيم العلامية والرمزية ومحاولة تمثلها من خلال ما تختزنه الذاكرة من علامات.
نص( اللوحة) للقاص وجدان عبد العزيز، ضمن المجموعة القصصية (وتكور الحل عند ظفيرتها) تعامل مع اللوحة التشكيلية باشتراطاتها، عندما تناص مع لوحة السيد المسيح، وهو تناص لا ايقوني بلغة السيميائيين (حيث لا تصبح هذه الأدلة التناصية أيقونية- نصية إلا حين تؤثر في نفس الوقت على تثمين لطاقة أدراك –أحدى الذوات أو كل الذوات – للنصوص الفنية التي تكون بصدد إدراكها) ، بينما في قصة (اللوحة) لا تسعى الذات إلى إدراك اللوحة الفنية، وإنما تتمثلها ولا تماثلها، إذ إن (الايقونية تتحقق عندما تتماثل – في الأدب – الثيمة مع المرجع الذي تنهض منه) ، ففي قصة (اللوحة) أعتمد القاص على إعادة تمثل للوحة والتماهي معها دون اعتمادها مرجعية واضحة لذلك التماهي، إذ إن النص رسم لوحته الخاصة المنبثة داخل تفاصيل النص، بالترديد على نغمة التجاوب الثيماتي مابين النص واللوحة، حيث قام ببناء نصه على حوار متقابل بين اللوحة وثيمة النص من خلال عقد مقارنة بين متنيهما المختلفين والمتمايزين، فاللوحة (المرسومة، بحكم خطوطها وألوانها، مهيئة على نحو متفرد لمعالجة أشكال توجد أنيا في المكان، غير إن الشعر المهيئ له على نحو متفرد، يهتم على نحو ملائم حقاً بالأفعال والتتابعات في الزمن) ، وينسحب هذا الكلام على العلاقة بين اللوحة والقصة القصيرة، فمتن اللوحة يظهر كـ / خطوط مستقيمة..متوازية..متعامدة..متقاطعة، تشكل ضلالا من الزرقة المتقرحة على كفيه/ ، بينما يظهر المتن الأخر للنص/الوجوه الغريبة ذوات السحنة السمراء وخطوط غير بائنة من التعب تميل نحو ألوان البرونز والرصاصي/، حيث يقوم القاص باستكشاف مجاهيل اللوحة من خلال إعادة قراءتها وباسقاطها على الثيمة بتحري خطوط الظلام والضوء وتجسدهما داخل النص/القلوب المرتجفة في لجة خطوط الظلمة/، وعلاقتها الحوارية ببنية الخطاب التي تجمع كلا المتنين، حيث أصبح السرد عبارة عن منلوج داخلي تردده اللوحة، بإعطاء خطوطها وألوانها ذلك العمق السردي، حيث (تمارس النصوص تلويناً على صورها يمكن تصورها من خلال ما تتركه العلامات من انطباع لوني، وقد تغير في ذلك من الدلالات اللونية لألفاظ الألوان، كما يمكن للنصوص التي تنبئ على حركة مشهدية أن تخلق إيقاعا لونياً مقارباً للإيقاع اللوني الذي تنتجه اللوحة) ، /كل هذه الأشياء قد تخلق حالات إضافية عن روحه المعلقة بين متاهات الظنون وبحر المسافات التي لا تشكلها أي أنواع من الخطوط المتوازية او المتعامدة/ ، والمقترن بالحاجة التي أدتها اللوحة داخل النص ومدى انسجامها وتوحدها مع الثيمة /نحو الخطوط المستقيمة تلك التي توصلني إلى حدود وألوان الطيف الشمسي لأجعل من الأبيض لباسي المحبب(...) بيد ان الخطوط تتوازى وتتعامد وتتقاطع وحينما تكون هكذا، تبدأ حدود الرؤيا تضيع منه/.
قام القاص (وجدان عبد العزيز) بالتقاط العلاقات الدلالية والاشارية التي مكنته من توظيف اللوحة داخل نصه ، وتقدير مدى ارتباطها بالثيمة، حيث إن زاوية نظره للوحة كشفت مقدرته على قراءتها وتأويلها وسردنتها، بما يتلائم مع نصه واتجاه الرؤية فيه ، فحساسية التلقي التي تلقى بها القاص اللوحة انعكست في تعامله مع النص من خلال إعادته لبناء المعطيات الإيحائية للوحة بصورة أدت إلى إعادة بنائها سرديا من وجهة نظر جديدة استفادت من خلفيتها السسيودينية. ربما رداً لمقولة بيكاسو بأن (الرسم هو الشعر وهو دائما يُكتب على شكل قصيدة ذات قافية تشكيلية، وهو لا يكتب بالنثر أبداً) ، حيث اظهر القاص أن للنثر والقصة القصيرة بالتحديد القدرة على رسم اللوحة التشكيلية ولكن بالتماهي وإعادة تمثل بنيتها السردية.
إن إضاءة العنوان ثريا النص ( اللوحة) لمدخل النص ترينا انه افتتح بالمبتنى الشكلي واللوني للوحة، فما (العنوان إلا بنية صغرى تؤلف مع القصة وحدة عمل على المستوى الدلالي، ولا يمكن ان يحقق أية دلالة بمعزل عن نصه الكبير، القصة أو الرواية، كما لا يمكن النظر اليه خارج سياق النص الذي تحته)، /خطوط مستقيمة.. متوازية.. متعامدة.. متقاطعة تشكل ظلالا من الزرقة المتقرحة على كفيه/، وهذا المدخل يرمينا في لجة اضطراب العلاقة الدلالية الموتورة ما بين تلك الخطوط المتوازية والمتعامدة وبين/ الجسد المسجى / الذي يمثل البؤرة التي تتجمع وتنطلق منها الخطوط والألوان وايحاءية اللوحة وإشاراتها، لتصبح كل العلاقات التي يوجدها النص بينه وبين اللوحة وتركيزها على / الجسد المسجى / جسرا تعبر عليه دلالة الألم المتقابلة ما بين اللوحة وارتباطها بآلام السيد المسيح وبين الآلام التي يبثها النص / ابنتي تتلوى من ألم حاد / وهاتين الصورتين تنمزجان في صورة واحدة أو لوحة واحدة يجسدها النص عندما تتداخل الألوان والخطوط وارتباطاتها السالفة بمركز اللوحة وهو / الجسد المسجى / = / السيد المسيح / مع اختلاج أفكار ( أنا النص) وقلقه وظنونه /اختلاج أفكاره حينما تتلاطم والساعات الأخيرة من الليل / ، /القلق المتزايد من صعودها والجسد معا /، محاولا التخلص من هذا الاضطراب باللجوء إلى ألوان اللوحة وخطوطها وايحائيتها / يا يسوع المسيح خذ بيدي / ، بيد انه يغرق في لجة / الخطوط المتوازية والمتعامدة / وتقوده ظنونه إلى المقابلة بين حالته وخوفه من فقدان ابنته واللوحة التي تصور السيد المسيح وصعود روحه إلى السماء / إن القلق المتزايد عن صعودها والجسد معا، خلقت هوة سحيقة في علياء فردوسه/ .
أراد نص(اللوحة) من خلال حركية ( أنا النص ) واضطراب أفكاره أن يعكس إيحائية اللوحة، وإقامة بنية تشكيلية تصويرية مقابلة لها، حيث رسم القاص خطوطا وأشكالا ووزع كتلا لونية، من خلال استخدامه للوصف كفرشاة يلون بها ثغرات خطابه القصصي – كما ذكرنا سابقا - والمتماهي مع اللوحة التشكيلية / أثواب رثة وأرجل شبه حافية، تبتلع هذه الأشكال ذهنيته ليكون الجوع شهية لعينه تحترق في مسافاتها رغبات عديدة تتقاطع في كثير منها مع خطوط الرحمة والحب /.
إن القاص وجدان عبد العزيز قد سار في سياقات متقاربة إبداعياً، متعارضة من حيث الخامات المستخدمة، باندماج جنسين إبداعيين متغايرين –هما جنس القصة القصيرة والفن التشكيلي الممثل بالرسم- حيث اشتغل القاص بأدواته السردية في منطقة التشكيل وأنتج لوحة مقابلة للوحة التي استوحاها نصه باثا فيها لغته القصصية التي استنفذت اللون وانعكاساته والخطوط وتشكيلاتها ، الضوء والظلام وتجسيدهما للعمق الإنساني في اللوحة والنص، وهو في هذه التجربة يختلف عن ما جاءت به البيانات المرفقة بالفن والتجارب الفنية التي (غالبا ما تخفق في إمدادنا بحوار هادف يجري بين الكلمات والصور) ، وذلك لأن ذلك الحوار هو حوار خارجي غير نابع من علاقة التفاعل مابين بنية الكلمات والبنية الصورية للرسم وتمثلاتهما الإيحائية، لان تلك البيانات تلتزم بالبنية الوصفية، أي النظرة من الخارج، عكس الحوارية التي تنتج من خلال تلك التمثلات والتي هي نمو تصاعدي من الداخل إلى الخارج في سبيل تكثيف الإيحاء، الذي يقارب معطى الفنين اللغوي والفني.



#امجد_نجم_الزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الايروتيكية ونصوصية الجسد
- قراءة في ديوان (فوضى المكان) للشاعرة رسمية محيبس زاير
- الذات/الكون نص الكتابة/ نص القراءة مقترح قرائي لنص (ومضات) ل ...
- أعماق النص وسرابية القراءة - قراءة في نص (أسيجة) للشاعر رياض ...
- تعدد مستويات الثيمة في رواية(درب الحطابات) للكاتب حسين الهلا ...
- الثقافة العراقية واشتراطات المرحلة
- هل نحن حقا بحاجة الى الثقافة الرقمية
- ثلاث قصص قصيرة جدا
- ( شراع لمركب الخريف ) وتعميق الاثر التراجيدي
- العدد الاول من جريدة (المرسى) وتعزيز ثقافة الوطن
- فليحة حسن وأختزال التجربة الانسانية
- انشطارات النص والوحدة الدلالية
- القصة القصيرة في متنها التشكيلي
- التناص واستراتيجية النص قراءةفي نص(وساخات ادم) للقاص علي الس ...
- قراءة في نص(الستون) للقاص محمد خضير
- اسئلة الصنعة الثقافية
- قصص قصيرة جدا
- منتدى الشطرة الابداعي يوقد شمعته الاولى
- اليوتوبيا والمدينة المفارقة
- النص وموشور التاريخ قراءة في (شارع الزواج في لجش)


المزيد.....




- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
- مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ ...
- حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم ...
- فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امجد نجم الزيدي - التناص اللاايقوني بين القصة والرسم