أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - بنعيسى احسينات - الانتخابات التشريعية المبكرة في 25 نونبر 2011 في المغرب ( بين ضرورة المشاركة ومنطق المقاطعة والعزوف ) ذ. بنعيسى احسينات















المزيد.....


الانتخابات التشريعية المبكرة في 25 نونبر 2011 في المغرب ( بين ضرورة المشاركة ومنطق المقاطعة والعزوف ) ذ. بنعيسى احسينات


بنعيسى احسينات

الحوار المتمدن-العدد: 3555 - 2011 / 11 / 23 - 13:48
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


الانتخابات التشريعية المبكرة في 25 نونبر 2011 في المغرب
( بين ضرورة المشاركة ومنطق المقاطعة والعزوف )


قبل حلول أيام حملة الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها على هامش الربيع العربي الساخن، وبعد التصويت على الدستور الجديد لسنة 2011 بقليل، يعرف المغرب حركة غير عادية يتنافس فيها المرشحون المفترضون ومحترفو الانتخابات وسماسرتها، بنفس أسلوب انتخابات 2007 و2009 وما قبلهما، وذلك ببرامج وبشعارات ووعود وأساليب متشابهة في غالبيتها، تختلف فقط في الصياغة وتضخيم الأرقام وفي الترتيب والتقديم والتأخير وشطارة الأحزاب والمرشحين، ولا تختلف في مضمونها وشكلها عن الانتخابات السابقة.
لقد لاحظ المتتبع الموضوعي المحايد، التجاهل الشبه التام والبرودة واللامبالاة، التي يستقبل بها جل المواطنين هذه الانتخابات، خصوصا في المدن وفي صفوف الشباب وعلى رأسهم شباب 20 فبراير الذي رفض الدستور الشبه الممنوح وأعلن المقاطعة، وكذا بعض الأحزاب المحسوبة على اليسار ومنضمة إسلامية محظورة وجمعيات أمازيغية مهمة.. أما في القرى والبوادي، باعتبارها خزان الناخبين، لا زالت تحركهم أيادي خفية عند الحاجة، لخلق توازن يخدم الخريطة السياسية المرتقبة، مستغلين في ذلك، من جهة، زعماء القبائل وشرفائها وأصحاب النفوذ فيها، ومن جهة أخرى، فقر وخوف الساكنة وجهلهم، إذ ينعدم فيها وجود التنظيم السياسي الحزبي بشكل شبه كلي، باستثناء مناسبة الانتخابات.
لقد بدأنا نسمع، منذ انتخابات 2002 بالنزاهة وحياد السلطة، بعدما عزل وأقيل مهندس الانتخابات، وصانع الخرائط السياسية على المقاس المرغوب فيه منذ السبعينات. ومنذ سنوات قليلة قبل انتخابات 2007، عرف المغرب قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات في اتجاه الإقلاع السياسي الصحيح. إلا أنه رغم غياب نزاهة الانتخابات والتحكم في الخريطة السياسية وتسرب المكشوف لاستعمال مال الحرام في شراء الذمم في العهد السابق آن ذاك، كان بعض المرشحين على الأقل مناضلين في أحزابهم، منتهجين أسلوب التشاور بين القمة والقاعدة لاختيار المرشحين المناضلين، وذلك طبقا للعمل السياسي الحقيقي وصيرورته التاريخية والنضالية والاجتماعية والثقافية، إذ لا نسمع بالتنقل والترحال من حزب إلى آخر إلا ناذرا جدا. واليوم أصبح الترحال والتنقل الفردي والجماعي المبني على المصالح الآنية موضة العصر، تعتمد على التزكية الفوقية من طرف المكاتب السياسية حسب نظام الاقتراع الجديد (نظام اللوائح). هذا إلى جانب ظهور تحالفات المثيرة للجدل في صفوف الأحزاب لا تجمع بينها أي رابطة منطقية تذكر إذا استثنينا الحسابات الضيقة الآنية، وكذا رهط جديد من المرشحين الذين يمكن تصنيفهم إلى صنفين:
- فمنهم أصحاب الجاه والمال والنفوذ الذين يفتقرون إلى التكوين والكفاءة والمصداقية وروح المواطنة.
- ومنهم من يطلق عليهم أرانب السباق لتنشيط الانتخاب من أجل استكمال عدد المرشحين للوائح المطلوبة من جهة، ومن جهة أخرى، لخدمة مصالح الأحزاب الصغرى من أجل الحصول على الدعم والتشويش على الأحزاب الكبرى. وقد يتحول هؤلاء إلى "شناقة كبار" يبيعون أتباعهم المفترضين والمحتملين إلى الصنف الأول، عندما تتأجج الحملة الانتخابية ويصل التنافس أوجه ويبدأ العد العكسي في اتجاه النتيجة المرجوة حيث يصبح الفوز يغري البعض، يجعلهم يلجئون مرغمين إلى خدمات أرانب الانتخابات، دون الحديث عن إقحام من هب ودب إتمام نصاب اللوائح المطلوبة.

فجل المرشحين اليوم لا جذور ولا ثقافة سياسية لهم، ولا قاعدة اجتماعية وحزبية لديهم، ولا رصيد نضالي لهم في إطار حزبهم الجديد الذي ترشحوا باسمه في آخر لحظة. فهم مقطوعون من الشجرة سياسيا، تقودهم روح النرجسية والمصلحة والانتهازية إلى المغامرة الانتخابية. فهؤلاء يعتمدون في دعايتهم وحملاتهم على الشباب العاطل والنساء " المحترفات في الميدان " والتلاميذ والأطفال مقابل أجر يومي ووعود براقة فارغة. كذا على "الشناقة" المحترفين والهاوين لاستمالة الناخبين المفترضين بالمال وتوزيع أضاحي العيد و"بونات" (قواسم شراء) قبل الحملة، لجلب السكر والزيت والدقيق من متاجر متفق معها مسبقا وغيرها من أساليب النصب والاحتيال على المواطنين، خارج دائرة المراقبة، إن كانت هناك مراقبة تذكر.
فإذا سلمنا نظريا بنزاهة الانتخابات وحياد السلطة وأعوانها وصرامة القوانين في مراقبة سلامتها هذه المرة، رغم أن حليمة المخزن والمرشحين ذوي المال المجهول مصدره، لم تتخلص بعد من عادتها القديمة، فإن نوعية المرشحين من حيث المعرفة والكفاءة والمصداقية تراجعت بشكل كبير جدا، لا مجال للمقارنة، ولم يبق في معظمهم إلا الذئاب والثعالب والثعابين ومصاصي الدماء البشرية، إن لم نقل الناطحات وما عاف الضبع، لا خير يرجى منهم، فهم يبحثون عن تحقيق مصالحهم الذاتية على حساب طيبوبة الناخبين وسذاجتهم وجهلهم من جهة، وعلى ضعفهم وفقرهم واحتياجهم من جهة أخرى. فهم يتعاملون مع المواطنين الناخبين بقفازات من أوراق مالية تنسيهم صورتهم البشعة وأنيابهم الظامئة لدماء بشرية التي تتحول إلى أرقام في صناديق زجاجية شفافة، تسمح له بولوج دهاليز قبة البرلمان(جنة الخلد)، فأغلبية المرشحين لا مستوى ولا ثقافة ولا كفاءة ولا أخلاق ولا روح المواطنة لهم، فهم لا يعلمون شيئا عن قانون الأحزاب ومدونة الانتخابات ولا يعلمون شيئا عن عمل البرلمان ولجنه ودوره التشريعي والعمل السياسي برمته. ولو طلب من هؤلاء تقديم نهج سيرتهم الذاتية(CV) تحدد مؤهلاتهم وكفاءتهم العلمية والعملية، وتجربتهم السياسية والحزبية، ورصيدهم النضالي في أحزابهم، ثم اجتيازوا امتحان الترشيح يتم من خلاله اختيار أنسب المرشحين حسب معايير دقيقة، لما تقدم فيهم أحد. فكل ما يعرفونه حق المعرفة هؤلاء، هو أنهم عندما يصبحون في البرلمان سيوسعون نفوذهم وينمون مصالحهم ومشاريعهم المشبوهة والغير المشبوهة، من خلال العلاقات الجديدة المبنية على " كول أوكل "، إلى جانب إمكانية العودة مرة أخرى ومرة أخرى.. بعد ما سيكونون قد عبدوا الطريق لذلك، كما هو الشأن بالنسبة للذين "حفظوا"( بتشديد الفاء ) مقاعدهم في السجل العقاري البرلماني، كأن التاريخ توقف وأن التغيير تجمد وأن الحياة السياسية لا تتحرك إلا بأمر هؤلاء.
فهذه الأيام، يعيش المغرب والمغاربة نهاية خريف حار هذه السنة (2011) رغم اعتداله من حيث المناخ الطبيعي، إذ أن المناخ السياسي يعرف ارتفاعا غير مسبوق في درجة الحرارة في صفوف شباب 20 فبراير من جهة والأحزاب السياسية التي كانت تتهيأ لخوض غمار الانتخابات التشريعية المبكرة القادمة وفي صفوف المرشحين والمنتمين الأحرار واللوائح الوطنية النسائية والشباب من جهة أخرى.

أما بالنسبة للمواطنين، في غالبيتهم العظمى، فمناخهم السياسي نهاية هذا الخريف جد بارد، كأن الأمر لا يعنيهم بالمرة، رغم ما كانت تروجه الدولة والأحزاب ووسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية من دعاية وإشهار ووعود وبرامج في نسخها المتكررة، لإٌنجاح هذه الانتخابات ولو في إطارها الشكلي الظاهري، وكأنها ستجرى لأول مرة في المغرب في ضل دستور جديد. ناسين أو متناسين أنهم يكررون نفس الشيء الذي كانوا ينادون به سابقا، ولم يتحقق منه أي شيء، دون أن ينتبهوا إلى منطق الأشياء وهو الحرس على عدم الوقوع في التناقض، أو على الأقل العمل بالقول المشهور " إذا كنت كذوبا فكن ذكورا "، حتى لا يتم الوقوع في التكرار الممل والمميت، وفي احتقار ونقص من ذكاء المواطنين وفطنتهم الفطرية.

إن ما يلاحظ في وسائل إعلامنا الرسمي وشبه الرسمي في هذه الأيام، هو دعوة المواطنين إلى المشاركة ( طبعا سأشارك.. ) وممارسة حقهم في الاختيار( أنا الذي أختار.. ) مركزين على انتظارات المواطنين من هذه الانتخابات، كأن المشكل الأساس يتجسد في المواطن وعزوفه عن المشاركة وممارسة حقه في الاختيار، دون الإشارة إلى المرشحين كأنهم ملائكة لا يدخلهم الباطل من أمامهم ولا من خلفهم، باستثناء بعض الانتقادات المحتشمة أو المغرضة في بعض الأحيان هنا وهنا في صحفنا الوطنية. فهل نزل إعلامنا الرسمي للشوارع لاستطلاع رأي المواطنين حول مرشحيهم؟ فما نراه هو التعامل معهم كأنهم معصومين من الأخطاء أو قديسين. أما الشياطين هم المقاطعين أو العازفين عن المشاركة.

فمنذ حكومة التناوب وتهجين الأحزاب الوطنية وتعرية نواياها المخزنية الخفية تساوت الأحزاب كلها في المشهد السياسي المغربي الحالي. لم يعد هناك أحزاب وطنية وإدارية لم يعد هناك أحزاب حقيقية وأخرى شبه حقيقية أو غير حقيقية.هل حقا عندنا أحزاب تستحق الاحترام والتقدير؟ كلهم اليوم وقبل اليوم يعملون بالتعليمات ويتنافسون في تطبيقها والتماهي معها.. يقولون على أننا لنا الحق في الاختيار وعلينا أن نمارس هذا الحق لكن من سنختار؟ فالعرض هزيل وناقص ومشتبه فيه. الكل يبحث عن مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة ورغم ذلك، فالمطلوب من المغاربة أن يشاركوا وأن يختاروا.. فكفى ضحكا على الذقون والتشكيك في ذكاء المغاربة؟ لقد انكشفت اللعبة ويعرف قواعدها الجميع. فلماذا تدعونا إلى المشاركة وإلى ممارسة حق الاختيار، في حين ليس هناك ما نختاره من بين ما تعرضه الأحزاب من مرشحين ومرشحات من محترفي الانتخابات وهواتها لا غير. فالواقع لا يرتفع ولا يتغير بالشعارات والوعود الفارغة والأوهام البالية. أيها المرشحون والمرشحات اتقوا الله في أنفسكم وفي الناخبين المغلوبين على أمرهم. فطوفان الربيع العربي آت لا ريب فيه. فحذار من غضب الصامتين الساخطين...

فإذا كانت المشاركة في الانتخابات أو قل التصويت واجب وطني فإن الترشح فيها مسؤولية وطنية للأحزاب وللمرشحين كذلك. فأحزابنا اليوم وبدن استثناء أحزاب بدون إرادة سياسية وبدون استقلالية القرار. فهي بشكل من الأشكال تخضع لتوجيهات وتعليمات المؤسسة الملكية التي حددت مسبقا مجال تحركها ونقاط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها. فهي عبارة عن واجهة مسجلة لتلميع الصورة أمام الرأي العام العالمي لا غير. فمنذ الانخراط اللامشروط في حكومة التناوب التوافقي فقدت الأحزاب الوطنية المدعوة بالديمقراطية علاقتها بقواعدها الشعبية وكاريزميتها النضالية، وأصبحت في صفوف الأحزاب المدعوة إدارية الانتخابوية التي قاعدتها شراء الذمم وتزوير إرادة الناخبين بتواطؤ مع السلطة بشكل مباشر وغير مباشر. فكيف يمكن أن تكون لهؤلاء نخب سياسية كفأة ونظيفة تتجدد باستمرار من خلال حراك الأحزاب داخل دينامكية المجتمع؟ فإذا ألقينا نظرة سريعة على اللوائح المعروضة في الساحة، نجد ثلة من الكائنات الانتخابية السابقة المعروفة بلغتها المتكررة ناسين أو متناسين كونهم استهلكوا وانتهى تاريخ صلاحيتهم منذ زمن بعيد، وهم يسخرون من مصداقية وذكاء المواطنين بلا حياء ( فإذا لم تستحي فافعل ما شئت ). والباقية جلهم إن لم نقل كلهم، لا علاقة لهم بالمواطنين. لقد دخلوا الانتخابات وهم غير قادرين على مواجهة الساكنة، يتحركون بشكل محتشم في غياب المال الذي كان ينشط الحملات الانتخابية سابقا. وهذا لا يعني عدم حضور المال والوعود الفارغة في هذه الاستحقاقات. أما اللوائح الوطنية التي تقدمت بها الأحزاب الكبيرة يتصدرها أفراد العائلة والأصهار والمقربين لأمناء الأحزاب والنافذين فيها، إلى جانب سن ممارسة التوريث في بعض الأحزاب المغربية بشكل واضح ومفضوح.

فكيف ما كانت النتيجة، ستبقى المؤسسة الملكية هي المحرك الأساسي لأي تنمية أو تغير في المغرب. ورغم قوة الدستور الجديد وتقدميته، تبقى الأحزاب والمجتمع المدني دون مستوى هذا الدستور المثير للجدل من حيث شرعيته ومصداقيته. لذا فنمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي وضعف الأحزاب وتبعيتها وطبيعة المرشحين وبعدهم عن هموم واهتمامات المواطنين وهاجس الأمن لدى السلطات والخوف من المجهول لدى المؤسسة الملكية، كل هذا يؤكد فقدان الثقة بين الأحزاب والمواطنين من جهة والمواطنين والدولة من جهة أخرى ويشجع منطقيا على المقاطعة أكثر من الإقبال على صناديق الاقتراع. فلماذا لا تقدم المؤسسة الملكية برنامجا وطنيا دقيقا يناقشه البرلمان، ويكون خارطة الطريق وأرضية لمنافسة الأحزاب من خلال الانتخابات التشريعية والجماعية على تفعيله وتطبيقه بدل كثرة البرامج المتشابهة التي أكدت التجارب السابقة فراغها من أي محتوى موضوعي حقيقي. وهكذا يمكن مراقبة ومحاسبة الحكومة المنبثقة عن الأحزاب، كما يمكن معاقبة الأحزاب من طرف المواطنين عند المحطات الانتخابية الموالية.

إن الحديث عن الدستور الجديد وعن الإصلاح والانتقال الديمقراطي والعدالة الاجتماعية والحرية وحقوق الإنسان وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة وتفعيل الجهة الموسعة، ينقصها الوضوح والصدق والموضوعية والإرادة الوطنية والقرار السياسي المتزن المسئول المنفتح على كل جديد. لقد أصبح الحديث عن هذه الأمور، يغلب عليه الطابع الإشهاري الاستهلاكي باعتبارها وسيلة لتحقيق مصالح وامتيازات خاصة وذاتية لا غير، دون التفكير في مصلحة البلاد والعباد، كأن البلاد والعباد وجدا من أجل هؤلاء وحدهم، فلا معنى لهما ولا وجود لهما خارج منافعهم الخاصة..

فمع حلول نهاية الخريف مع موعد الانتخابات التشريعية في المغرب(2011 )، بدأت حمى الانتخابات في الانتشار، لكن هذه المرة بطعم قديم جديد ؛ القديم يتمثل في استعمال نفس اللغة ونفس البرامج ونفس الوعود ونفس طرق النصب والاحتيال، ونفس الأسلوب في الانتقال من حزب إلى آخر، ربما نفس الوجوه.. إلا أن الجديد هذه المرة يتجلى في الخوف الذي بدأ يربك المرشحين رغم اندفاعهم الأعمى نحو الأمام، وذلك من جراء التعليمات الفوقية الجديدة ومن غياب الحماس المطلوب من المواطنين، وكذا ظهور فئة جديدة من المرشحين كأرانب السباق للأحزاب التي ترغب في تغطية اللوائح والخريطة السياسية الوطنية للفوز على الأقل بالنسبة التي تخول لهم الحصول على دعم الدولة الذي هو في الحقيقة مال عمومي من مساهمة ضرائب المواطنين. وهي توزيع التزكيات ذات اليمين وذات الشمال، دون مراعاة أدنى شروط التزكية المعترف بها في حياة الأحزاب وقانون الأحزاب، مما يؤدي إلى ظهور كائنات انتخابية جديدة لا هم لها إلا البحث عن التسلق السريع في سلم المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة للوطن وللمزاطنين.

فحال المواطنين مع الانتخابات تكاد تكون كوميديا بطعم تراجيدي أم الدراما بطعم كوميدي. أين المستقبل في كل هذا؟ أين الإصلاح؟ أين مصلحة الوطن؟ أين المواطنة؟ أين الحياد الإيجابي للدولة؟ فجل مسيري المغرب لم يعودوا مواطنين بمعنى المواطنة الوطنية، الكل "احرق " (هجر ) بالقوة أو بالفعل حسب تعبير أرسطو، وذلك إما برجله (رجل هنا ورجل هناك) أو بلسانه ( لا يتحدث إلا بلغة أجنبية) إن لم يستطع فبقلبه (لا يحب إلا ما هو أجنبي) أو بعقله (لا يفكر إلا بعقلية أجنبية).. فكبار قومنا لا يتحدثون إلا على الجنسية المزدوجة تخول لهم الهروب عندما يضيق الحال.. لقد انكشفت اللعبة وأضحى الكذب صدقا والنفاق فضيلة والتحايل ذكاء، والنصب شطارة والجشع قيمة أخلاقية والرشوة حق مشروع.. وما إلى ذلك في مجتمع العجائب والغرائب الذي يختلط فيه الحابل بالنابل والصالح بالطالح والقبيح بالجيد.. لم يعد التمييز بين الحق والباطل، بين العدل والظلم، بين العلم والجهل، بين الغنى والفقر.. فالكساد يعم ثقافتنا والإفلاس يرهق أحزابنا ومنظماتنا وجمعياتنا والفساد ينخر إدارتنا والتخلف يجتث على مجتمعنا.. فأين المفر؟؟

لقد مل المواطنون اللعبة ولم يعد للانتخابات طعم يستساغ، بل يعتبرونه زوبعة موسمية وشر لابد منه، يتعامل معه البعض باللامبالاة، والبعض بالانتهازية الظرفية لقضاء بعض المآرب الآنية، والبعض بالنفاق المناسب تجنبا لأي اصطدام ممكن.. الكل يتظاهر بالمشاركة كما هو الشأن بالنسبة للمرشحين الذين هم الآخرون يتظاهرون بالمصداقية وخدمة المصلحة العامة، في حين أهدافهم عكس ذلك. فهم لا يعملون على تحقيق الرهانات المنشودة في مجال تدبير الشأن العام المحلي للمواطنين بقدر ما يعملون على تدبير الشأن الخاص بهم وبمصالحهم الخاصة على حساب المصلحة العامة. في الحقيقة مهزلة وأية مهزلة، فالكل يعمل على إخفاء الشمس بالغربال. اللعبة واضحة وضوح شمس..
في الحقيقة يبقى السؤال المعلق هو ما جدوى هذه الانتخابات، إذا لم تعبر عن محطة دورية منتظمة يسترجع فيها الشعب سيادته وثقته، فيعاقب أو يكافئ من كان انتخبه في دورة انتخابية سابقة، ومكنه من السلطة لتدبير أمور البلاد والعباد؟ فالانتخابات هي إذن، في ابسط معانيها ديموقراطيا، دورة للمحاسبة من أجل تجسيد إرادة الشعب والتداول الحقيقي على السلطة، من خلال الانتخابات النزيهة عبر التعددية السياسية المسئولة السليمة. فأين نحن من كل هذا اليوم؟
إن نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة (2007) عرفت اختلالات عميقة، أفرزت برلمانا ضعيفا مشكلا بالأساس من أصحاب المال والأعيان والنفوذ. وكذلك ما عرفته مهزلة مشاورات تشكيل الحكومة ، وما أنتجه ذلك من حكومة محدودة الصلاحيات، نصفها من التيقنوقراط أبناء الأعيان والنافذين في الأحزاب والمجتمع..
فالآمر ليس إقناع المواطنين وخصوصا الشباب على الإقبال على العمل السياسي وعلى المشاركة في الانتخابات بكثافة، وإنما المهم هو الإجابة على الأسئلة الجوهرية التالية أولا وقبل كل شيء:
- لماذا يشارك المواطن في هذه الانتخابات التي مل من نتائجها؟
- هل ستكون الانتخابات القادمة نزيهة وشفافة بما فيه الكفاية؟
- هل هناك إرادة سياسية للدولة لتطبيق القانون والتخلي عن الموقف الحيادي السلبي؟
- وما هي ضمانات وآليات مراقبة ومحاسبة ذلك؟
- وعلى من يصوت المواطن، والكل يعلم نوايا جل المرشحين؟
- هل المرشحون يتمتعون بمصداقية والكفاءة اللازمة وروح المواطنة؟
- وهل يستحق هؤلاء، الذين كشفوا عن نواياهم، أصوات المواطنين يا ترى؟
- وهل تكفي تقدمية نصوص الدستور الجديد دون تغيير عقلية الإدارة والأحزاب والمرشحين المحترفين المنتهية صلاحيتهم منذ زمان؟"

إن الإجابة عن هذه الأسئلة، حتى إن كانت موضوعية منطقيا بشتى أشكال التبريرات، ستبقى غير واقعية وغير صادقة. إذ يلفها الغموض وعدم الوضوح، لا تنم على نية صادقة تقنع الشرفاء، والشريفات والشباب الحر، والوطنيين الغيورين ذوي الضمائر الحية، والمجتمع المدني النظيف الغير الملطخ بالسياسة النفعية المباشرة والغير المباشرة.

فلإنجاح العملية الانتخابية النزيهة لابد من توفر الإرادة الرسمية لدى الدولة للتفاعل الإيجابي مع مطالب القوى الحية في البلاد، من أجل تدشين مرحلة جديدة بعد الإصلاحات الدستورية والسياسية الكفيلة ببناء الدولة الديمقراطية الحداثية، واستقلال القضاء ومحاربة الفساد والمحسوبية والزابونية وتفعيل المراقبة والمحاسبة،وإعمال الآليات للتوزيع العادل للثروة الوطنية.

فالوضع الحالي بمؤشراته السلبية المستجدة، وطموحات شباب الربيع العربي الجارف، يتطلب من الدولة ومن كل القوى الوطنية والديمقراطية الحية في البلاد، التحلي بالوضوح الكافي على مستويات التحليل والرؤية والخطاب والبرامج، كما يفرض على الجميع تكثيف الجهود وتوحيد المساعي وفتح حوار جدي بين كل مكونات المجتمع، لإعادة الثقة للمواطنين وتوسيع المشاركة السياسية لقطع الطريق أمام المفسدين والضرب على يدهم بقوة القانون، لتحقيق نهضة حقيقية بعيدة كل البعد عن المزايدات القاتلة التي لا تعمل إلا على تخلف هذه الأمة وتقهقرها.
--------------
ذ. بنعيسى احسينات



#بنعيسى_احسينات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصول الثورات العربية..
- عندما يحل علينا الصيف من كل سنة..
- خماسيات الصداقة.. / بنعيسى احسينات
- الثورات المباركة.. / بنعيسى احسينات
- الجاهلية الجديدة.. / بنعيسى احسينات
- نيرون عربي يتحدث إليكم
- صرخة الشباب..
- خماسيات الوطن..
- يوم الحساب قادم لا ريب فيه.. / بنعيسى احسينات
- نعي وتعزية وقصيدة رثاء في وفاة الأستاذ الدكتور محمد سويرتي
- إرادة شعب.. ( من وحي أحداث تونس)..
- رياح الشمال والشرق.. / بنعيسى احسينات
- ما الشعر؟
- رسالة إلى عالم اليوم
- ما الشعر؟؟؟
- التقاعد.. / للشاعر الفرنسي لامرتين / ترجمة: بنعيسى احسينات - ...
- منتدى الحوار المتمدن في ذكرى تأسيسه وفوزه بجائزة بن رشد للفك ...
- لنحب دائما!! لنحب أكثر!.. / بنعيسى احسينات
- ذكريات.. / للشاعر الفرنسي أ. لامرتين
- سفينة الحرية.. / بنعيسى احسينات


المزيد.....




- أندر إوز بالعالم وُجد بفناء منزل في كاليفورنيا.. كم عددها وك ...
- بعدما وضعتها تايلور سويفت في كوتشيلا.. شاهد الإقبال الكبير ع ...
- طائرتان كادتا تصطدمان في حادث وشيك أثناء الإقلاع.. شاهد رد ف ...
- بعد استخدامها -الفيتو-.. محمود عباس: سنعيد النظر في العلاقات ...
- لبنان.. القبض على رجل قتل زوجته وقطع جسدها بمنشار كهربائي ود ...
- هل ستجر إسرائيل الولايات المتحدة إلى حرب مدمرة في الشرق الأو ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل 10 فلسطنيين في مخيم نور شمس شمالي ...
- الصين.. عودة كاسحتي الجليد إلى شنغهاي بعد انتهاء بعثة استكشا ...
- احباط عملية تهريب مخدرات بقيمة 8.5 مليون دولار متوجهة من إير ...
- -كتائب القسام- تعرض مشاهد من استهدافها جرافة عسكرية إسرائيلي ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - بنعيسى احسينات - الانتخابات التشريعية المبكرة في 25 نونبر 2011 في المغرب ( بين ضرورة المشاركة ومنطق المقاطعة والعزوف ) ذ. بنعيسى احسينات