أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - زحمة الشوارع.















المزيد.....

زحمة الشوارع.


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3554 - 2011 / 11 / 22 - 07:55
المحور: المجتمع المدني
    



قديما قيل إن درجة تحضر المجتمعات تقاس بدرجة احترامها للقوانين، السماوية منها والوضعية. وقيل كذلك أن الأكثر خرقا للقوانين، هم الفئات الأكثر جهلا بها، والأقل فهما لها، البعيدون عن المدنية الغارقين في البداوة، وهى قاعدة صحيحة ومنطقية، ونظرية عامة وعالمية، لكنها، ومع الأسف، -كما يبدو أن الواقع أكبر بكثير من القواعد والنظريات- لا تنطبق على واقع مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي بات فيها خرق القانون مظهر نخوة، وعلامة قوة، ودليل سلطة، وسمة شطارة وذكاء، فلا يخرقه إلا كبار المسؤولين العارفين به الواعين بعواقب تجاوزه كما في المثل المشهور" لا يخرق القانونَ إلا واضعُه أو حاميه". طبعا إني لا أعمم هذا الحكم، ولكننا نجد أن الخارقين لقدسية القانون هم السواد الأعظم بيننا، من الذين تكاد تكون المسؤولية عندهم معدومة، ومراعاة الآخرين لا وجود لها في قاموس أخلاقياتهم، لاستنادهم على مراكزهم أو جهات تحميهم من العقاب، اعتمادا على الثقافة الشعبية المؤمنة بأن "اللي ما عندو سيدو عندو لالاه" والتي تعطل الكثير من القوانين المسطرة والدساتير المواثيق المكتوبة، وتمنع تطبيق الكثير من بنودها على الصعيد العملي، خصوصا عندما ترتبط بحقوق الغير فيتحول القانون الذي وضع لحماية المواطن إلى ضده، ما يفسر الفارق الكبير بين ما وصلت إليه الدول المتقدمة وبيننا حيث إننا بقينا نراوح مكاننا.
والغريب جدا في أمرنا، هو أننا إذا ما تركت لنا الأمور على عواهنها بدون رابط، بادرنا بالانتقاد والتعبير عن السخط والتذمر والتأكيد على احتياجنا لتشريع يحمينا من الفوضى، ويجنبنا مخاطر التعرض للمضايقات، ويحفظ لنا حقوقنا، ويحدد لنا واجباتنا، بل ونرفع أصواتنا عالية، مناديين بتغليب النظام في كل الأمور الحياتية عامتها وخاصتها. وإذا ما أُستجيب إلى نداءاتنا، ولُبيت مطالبنا، ونفذت رغباتنا، وشرعت الشرائع لحفظ حقوقنا وتنظيمها، وسنت القوانين ونظرت لتحدد وتأطير الواجبات، وقُرر منع الفوضى، لنشر الأمن، وحماية الناس من المضايقات التي يشتكون منها، فإنك ترى الأكثرية لا تستيطع استيعاب كل ذلك على أرض الواقع، فيقفون جدارا منيعا ضد تطبيق التشريعات والقوانين التي هي في مصلحتهم، وتعمدوا خرقها على اعتبار أنها تسلط وتعد على حريتهم، فأصبحوا بذلك حجة على أمتهم، يتخذها أعداؤهم دليلا على أن العرب والمسلمين ليسوا على الرقى الذي يدعونه، بدليل أن البعض منهم ليسوا على الخلق القويم المتحضر الذي جاءت به الشريعة الإسلامية المليئة بالقيم السمحة الداعية إلى احترام القوانين، وأن هناك بون شاسع بين الإسلام كدين وأيديولوجيا متكاملة للحياة، وبين الذين يطبقونها، والذين تنطبق عليهم مقولة الشيخ محمد عبدو عند زيارته لأوروبا: "رأيت إسلاماً ولم أر مسلمين، ورأيت مسلمين ولم أر إسلاما" هذه المقولة التي تفضح تعاملهم مع القوانين التي دعا الإسلام لاحترامها، فزاد خرقهم لها وأصبح ديدنهم وفي كل وقت وفي كل مكان وكل المجالات.. والأمثلة على ذلك كثيرة وعصية على العد والإحصاء، ولا يمكن التطرق لها كلها لتعددها وتنوعها، وسأكتفي هنا ببعض ما يجري أمام الأعين، وتسمعه الآذان عن ميدان السير وما تعتريه من تصرفات سيئة وسلوكات مستفزة طغت على الأصول القيمية وتحكمت فيها، إلى درجة تنذر بأفدح العواقب، وأقبح الأخطار، خاصة مع ما عرفه المجتمع المغربي، من تحولات اجتماعية خطيرة في بعض قيمه ومسلكياته، باتت معها الأصول هوامش ومنسيات تراثية، وفقدت أصالتها وبريقها الذي كثيرا ما افتخرنا بها على العالمين مند غابر الأزمان، فأصبحت اليوم تؤرق الناس جميعهم، أو على الأقل ذوي الإحساس المرهف منهم، كما في المثل الشعبي "ما في الهم غير اللي كيفهم".
أقول هذا وأنا أشعر بالحزن الشديد، ولكن الشعور الشخصي لا ينفى صحة الواقع الذي يعاني الناس مع ظواهره المرورية الخطيرة، التي انتشرت على كل طرق وشوارع البلاد، مدنها وقراها ومع كل الشرائح، وخاصة منها أجيال الألفية الجديدة الذين يحولون بجسامة سلوكياتهم اللامسؤولة، كل شوارعنا وطرقنا إلى موقف كبير للسيارات. فتختنق الشوارع تماما في وجه المارة، الراجلين منهم وأصحاب السيارات الذين يستحيل على بعضهم أن يجد طريقا سهلا وممهدا لأي مكان يريد الذهاب إليه، وقد يستغرق ساعات في اليوم لكي يصل لهدفه، بسبب بعض أصحاب السيارات، خاصة منهم الشباب والنساء، الذين يقطعون الطريق أمام مستعمليها، بتوقيف سياراتهم في وسط الطريق لتجاذب أطراف الحديث عبر نوافذ السيارات من دون اكتراث أو وجل، ومثلهم في ذلك، أولئك الذين يوقفون مركباتهم أمام محلات المأكولات لطلب سندويش أو عصير، معيقين حركة السير من دون اهتمام منهم بأن الطريق عمومية وليست لهم وحدهم، دون أن ننسى تلك الأعمال المستفزة حد القرف التي يقوم بها بعض السائقين الشباب ممن يستخدمون الدراجات النارية وسط الطرقات والأحياء الآهلة بالسكان، في استعراضات بهلوانية، من دون اعتبار للإزعاج الخطير الذي يتسبب فيه ضجيج آلاتهم المدوية، ودون الاهتمام بالأخطار التي قد يتعرضون لها ويعرضون غيرهم لمخاطرها.
صحيح أنه من حق كل إنسان أن يمتلك سيارة، وقد أصبح ذلك متاحا للجميع، ومن أسهل وأيسرها الأمور، بفضل ما تقدمه البنوك وشركات السلف من قروض سهلة وميسرة، حيث يمكن لأي كان، وبقسط زهيد شهريا، أن يتملك سيارة جديدة من النوع والحجم الصغير، أما السيارات المستعملة فحدث ولا حرج، لإنها توفر السيارات أياً كان نوعها أو عمرها بأسعار خيالية في كثير كل الأحيان، حتى أنه أصبح من النادر أن تجد من لا يملك سيارة من المواطنين، بل هناك من يملك مثنى وثلاث.. وليس الإشكال المطروح هنت هو في عدد السيارات، بقدر ما هو مع العقل المتحكم في مستعمليها، والذين يسخرون كل التكنولوجيات التي يمتلكها لأساليب في الحياة، ويخضعونها لسلوكياتهم اللاقانونية الناتجة عموما وفي الكثير منها، عن عقلية وسلوك أهل البادية في التعامل مع الطريق، ورغم نشوئهم في المدن والحواضر الكبيرة، ما زالوا محتفظين برمزيتها في الذاكرة الجماعية التي تمارس سلطتها عليهم- يستوي في ذلك الإنسان الذي تبدو عليه علامات التمدن والإنسان الذي يمكن أن يوصف بأنه مهاجر لتوه من مناطق شبه بدوية أو بدوية- فلا تجدهم يحترمون كل القانونين، وعلى رأسها قوانين السير بما فيها علامات المرور، لأن مجتمع البادية لا يعرف الحدود في تحركاته، والبادية فضاء فسيح وأرض ممتدة ليست فيها إشارات مرور، لا علامة قف ولا ضوء أحمر ولا خطوط راجلين، الكل يمشي بحرية وبلا حواجز، ويقود السيارة كما لو كان يقود حصانا، ويركنها كما يركن البعير، إلى جانب وضعية شوارع مدننا وطرقاتها التي لم تعد تستوعب هذا الكم الهائل من السيارات والدراجات النارية، في ظل تركز الحياة بالمدن الرئيسية التي تختنق كليا، والتي لن يجدي معها توسعة أو تجميل أو غيرها..والخطير في كل هذا وذاك، هو أن عقلاء الأمة لاذوا بالصمت حيال هذه التحولات، ولم يحركوا ساكنا لصدها أو إيقافها، وهم ربما معذورون في ذلك لسببين اثنين، الأول: أن وقوف أي كان في وجه الخطأ والفساد يجر عداء كل الجهات الفاسدة والداعمة له، والسابحة في فلكه، وهم كثر. والسبب الثاني: لأن أكثرية الناس لا ينتصرون للحق والمواقف الصحيحة وإن كان فيها مصلحتهم، مطبقين المثل المغربي الدارج: "بعد من البلى لا يبليك" والذي يطابق ما عند إخواننا في المشرق "ابعد عن الشر وغني لو". ما مكن هذه السلوكات المستفزة من تصرفات العباد.
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدعاية الانتخابية La propagande
- طلب الجنس ليس عهرا مهما كانت الأعمار.
- الموت!!!
- سلوكات هجينة في عيد الأضحى المبارك
- العيالات!!
- نهاية طاغية..
- حتى لا تتحول-الكوظا- إلى ريع سياسي!
- الله يلعنها حرية!!!
- الحقد...
- °طلاسم فاتورة الكهرباء
- الوجه لا لباس له «il n’y a pas de vêtement pour le visage».
- التبركيك والفضول الفقهي.
- الخبث السياسي.
- هل الجمال قيمة كونية؟
- لماذا الفنون والآثار الإنسانية؟.
- قضية انسانية
- فرحة الانتصار.
- فتاوى الفتنة لا تخلق رأياً عاماً في المجتمعات.
- فتاوى الفتنة لا تخلق رأياً عاماً، لكنها تغلق الوعي بالخرافة.
- ثقافة الإبتسام


المزيد.....




- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...
- الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد ...
- مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - زحمة الشوارع.