أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - الحقد...















المزيد.....

الحقد...


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3518 - 2011 / 10 / 16 - 17:47
المحور: المجتمع المدني
    



سُئِل "نزار قباني" يوما عن موقع الحب في المُجتمعات العربية؟ فأجاب بسؤال بليغ مفحم ومقنع، من كلمتين، فقال: "أفي هذا الخراب؟"..
كم أعجبت برده الذي كان صادقا إلى أبعد الحدود، لإنه لا يمكن أن يكون للحب موقع في مجتمع يجتاز مرحلة من أكثر مراحل الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية إظلاما، حيث تكثر الاحباطات والهموم والضغوط، وتُداس كل المشاعر الرقيقة، والسلوكات الأنيقة، وتعز الأفكار النافعة، والتخطيطات الجادة، والنظرة الذكية للإستراتيجيات والأمور والمواقف التي يصبح معها الإنسان غير قادر على الاستنباط الصحيح والتقدير المتبصر والتحليل الرزين للأمور ونقائصها، فيقع في سوء عواقب تلك الأمور، وفريسة لتلك النقائص والأدواء الفتاكة التي تفشت في المجتمع، كالكراهية والغضب والغرور والكذب والرشوة، والتي تناولت بعضها في مقالات سابقة، وسأتناول في مقالتي لهذا اليوم، نقيصة خطيرة تغزو النفوس الضعيفة، والعقليات المتخلفة، المتعلمة منها أو الجاهلة على حد سواء. والنقيصة هي الحقد الذي هو في اللغة، كما جاء، في لسان العرب على قول ابن منظور: هو إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصته، -أي للانتقام ممن يُحقد عليه-. ومن الناحية الاصطلاحية والمفهوم فهو: سوء الظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة. ولكثرته وتنوعه فقد أصبحت له ألفاظ عديدة ومرادفات كثيرة تدل عليه منها: الْغَيْظِ، الضغينة، النقمة، والكراهية، والغل. وهو الذي قال عنه الله تعالى: "ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا ربنا انك رؤوف رحيم" الحشر،آية10.
وعلامات الحقد كثيرة هي أيضا نذكر بعضها: الكذب والغيبة والنميمة والغيرة والشك وظن السوء والاستهزاء بالآخرين…وعرفه علماء النفس، بأنه شعور نفسي سلبي، يدخل ضمن المشاعر الإنسانية كالكراهيه واللامبالاة، ويصاب به الكثيرون، كردة فعل سلبية محملة بطاقة سلبية، تفضي هي الأخرى إلى نتائج سلبية في كل أحوالها وأشكالها، تدمر المجتمع وتقضي على كل شيء جميل فيه، وتقتل الحياة وتقصي الأمل وتنبت الشر وتحيي الفتنة وتنشر المنكر.. وذلك نتيجة لضعف وجبن وخوف المصابين به، حتى وإن كان بعضهم مظلوما أو ضحية فيبقى الحقد تعبيرا انفعاليا ناتجا عن ذلك الضعف والجبن والخوف الذي لا يقوى المصابون به، على المواجهة الصريحة واخذ الحق المسلوب. فيعمدون إلى التنفيس وتفريج الكرب بإشعال نار الحقد الذي قال الناس عنه أنه "لكل داء دواء إلا الحقد والحمق، فلا دواء لهما" لأن الحقد داء يصيب دواخل الإنسان الدفينة فيجعله كليل اليد، ضعيف النفس، عمي القلب، ميت الضمير، لا يرضى ولا يهدأ له بال أو يقر له قرار، حتى تزول النعمة التي من بها الله على غيره من الثروة والصحة التي يشعر معها وأمام نجاح الغير بالضيق والكآبة والتعب، وقد قال معاوية: "كل الناس اقدر أن أرضيهم إلا حقود وحاسد نعمة.. فإنه لا يرضيه إلا زوالها" فإذا لم تزل سيطر شعور الكراهية على الحقود، وكـأنه خلية سرطان سرعان ما تتوسع وتنتشر، ويعيش حياته في صراع مع النفس يحسب كل صيحة عليه، من فرط إيغاله في الخسة والوقاحة وقال الشاعر:
كل العداوات قد ترجى إماتتها ***إلا عداوة من عاداك عن حسد..!!
وقد لا أضيف جديدا إذا قلت أن العيش على إيقاع الحقد يعمل على تسميم حياة الناس اليومية ويبعث فيها الكآبة والحزن ويشل كل إمكانيات الشعور بالسعادة والمرح، كما قال أحد الشعراء:
مالي وللحقد يُشقيني وأحمله *** إني إذن لغبيٌ فاقدُ الحِيَل؟!
سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي *** ومركب المجد أحلى لي من الزلل
ولوقاية الإنسان من سلبيات الحقد الذي كرهه الإسلام كراهيةً شديدةً لأنه مصدرٌ دفين لكثير من الرذائل التي رهَّب منها الإسلام ونادت جميع الأديان السماوية باقتلاع جذورها الخطيرة المنتجة للبغضاء والكراهية واستبدالها بشعور المحبة التي هي بلسم وشفاء لكل سـلوكيات الإنسان المؤمن التي يريدها القرآن بلا حقد ولا كبرياء ولا كراهية، بل سلوكات كلها تواضع وعفو عن الناس ومقابلة الجاهلين المسيئين منهم بالعفو والصفح..والذي يجب أن تتضافر الجهود للوقوف على أسبابه ومنشأه ومسبباته وانعكاساته السلبية على الفرد والمجتمع، حتى يتسنى التصدي له بجرأة وصرامة.
وحتى لا يصبح الحقد نوعا من أنواع الثقافة عند المسلمين وتدخل ضمن قناعاتهم، يجب أن تتضافر الجهود للوقوف على أسبابه ومنشأه ومسبباته وانعكاساته السلبية على الفرد والمجتمع، ليتسنى التصدي له بجرأة وصرامة، كما فعل الله سبحانه حين ذكره في مواقع كثيرة في كتابه المكين، حيث قال تعالى: "وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ" الأعراف:43، وقوله:" ومن شر حاسد إذا حسد" ،و"لا تحاسدوا ولا تباغضوا فتذهب ريحكم"، وقوله أيضا: "لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ" صدق الله العلي العظيم الحشر:8- 11.
وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم محذرا من مغبة الحقد: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، وقال أيضا: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وذلك لأن الحقد داءٌ خطير إذا تمكن من الأفئدة تنافر ودها، وارتد الناس إلى حالٍ من القسوة والعناد، يقطعون فيها ما أمر الله به أن يوصل، ولا يحمله إلا جهولٌ مليءُ النفس بالعلل كما قال الشاعر:
الحقد داءٌ دفينٌ ليس يحمـله== إلا جهولٌ مليءُ النفس بالعلل.
ورغم ما يعتقد "ميلان كونديرا" بأن الإنسان كائن يسعى للوصول إلى نوع من التوازن النفسي، بالموازات بين ثقل السوء وما يرهق كاهله والحقد الذي يحمله"، فإن الكثير من ثقافة الإنسان والقيم التي يؤمن بها، تبقى مغلفة بالصمت والتواؤم مع المكروه، شخصا كان أو سلطة، بانتظار الفسحة المناسبة للانتقام والتشفي، وعلى رأسها جميعها داء الحقد الكامن أو الساكن الذي سرعان ما ينفجر كالبركان ليدمر كل شيء وتستحيل السيطرة عليه خاصة حينما يأخذ صور مجتمعية متعددة الوجوه بين أفراد مجتمع متخلف جاهل، وينحو لصفة الشمولية في تكونه على نطاق واسع من خلال السلطات المستبدة، من خلال الظلم والديكتاتورية السياسية والدينية، الذي يظهر في عيون المقهورين، الذين يتحينون الفسحة المناسبة للانقضاض، كما أشار إلى ذلك "جورج آليوت" بقوله "أن الحقد والكراهية الأشد قسوة، هي تلك التي تمد جذورها في الخوف ذاته وتتكيف عبر الصمت، وتحول شعور العنف إلى نوع من شعور الرغبة في الانتقام بشكل يشبه طقوس الثأر الخفية وما تؤجج من غضب الإنسان المضطهد. فإذا انتشر في مجتمع ما، فان ذلك المجتمع منهار لامحالة.. ولذلك أوجب الإسلام التركيز على إفشاء الحب والتسامح بين الأفراد والجماعات، والاهتمام بهمومها الكبيرة وظروفها القاسية، والعمل على الحد منها بتنمية القيم الوجدانية في النفوس من خلال التربية والحرص على الانتماء للآخرين والعيش بسلام ومحبة، حتى لا تفسد القلوب هذه الآفة اللعينة، التي تأكل كثيراً من فضائل النفوس، وتربو على حسابها، فتذهب ريح المجتمعات، لأنه بالحب والتسامح والسلام وحدها تموتُ الأحقادُ وتندثر مفاهيم الكراهية وتحلُّ المحبةُ والأُلفة..

حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- °طلاسم فاتورة الكهرباء
- الوجه لا لباس له «il n’y a pas de vêtement pour le visage».
- التبركيك والفضول الفقهي.
- الخبث السياسي.
- هل الجمال قيمة كونية؟
- لماذا الفنون والآثار الإنسانية؟.
- قضية انسانية
- فرحة الانتصار.
- فتاوى الفتنة لا تخلق رأياً عاماً في المجتمعات.
- فتاوى الفتنة لا تخلق رأياً عاماً، لكنها تغلق الوعي بالخرافة.
- ثقافة الإبتسام
- رمضان وعبق الماضي.
- من أجل هذا يحق لنا أن نغضب، بل وننفجر !
- الكتابة عن الكلاب.
- الأمازيغفوبيا والأحزاب الدينية..
- الميدان الذي في خاطري.
- رمضان ومطاعم القلب الفرنسية.
- الإسراف الرمضاني.
- الدستور الجديد والابتزاز السياسي.
- معاناة المواطنين بفاس مع وسائل النقل.


المزيد.....




- بهدوء ودون اعتقالات.. تفكيك مخيم المحتجين بجامعة ساوث كاليفو ...
- البرازيل تسارع الزمن لإغاثة المتضررين من فيضانات خلفت نحو 70 ...
- برنامج الأغذية العالمي يحذر من انتقال المجاعة الشاملة من شما ...
- إصلاح قانون شنغن: حد من حرية التنقل أم -تقنين- لصد المهاجرين ...
- الجزيرة ترد على قرار إغلاق مكاتبها بإسرائيل: فعل إجرامي يعتد ...
- داخلية السعودية تعلن إعدام اللحياني قصاصا.. وتوضح كيف قتل ال ...
- هنية يصدر بيانا هاما حول مفاوضات تبادل الأسرى في القاهرة
- اعتقالات وإزالة خيام اعتصام.. ماذا حدث في جامعات أميركية خلا ...
- إسماعيل هنية: نحرص على التوصل لاتفاق ينهي العدوان ويضمن الان ...
- أزمة المهاجرين في تونس.. كرة النار المتبادلة بين ضفتي المتوس ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - الحقد...