أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادية حسن عبدالله - نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية -المفاهيم- التعديدية السياسية -3-















المزيد.....


نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية -المفاهيم- التعديدية السياسية -3-


نادية حسن عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 3553 - 2011 / 11 / 21 - 21:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من مقومات الدولة المدنية القبول بتعدد الآراء والمصالح داخل المجتمع، والقبول بالآخر أياً كانت عقيدته وديانته، على أن يُدار هذا التعدد بشكل سلمي، من خلال إقرار المجتمع بممارسة الحقوق والحريات السياسية، وكل ذلك في إطار قانوني يحمي ويصون ويضمن سلامة المجتمع وأمنه.
إنّ التعددية السياسية تعتبر أحد الشروط الأساسية لتحقيق الديمقراطية الليبرالية في الدولة المدنية ومظهر من مظاهرها الأساسية وعنصر من عناصر وجودها، ولكن تحقيقها ليس بالأمر السهل، لذلك لا يمكن تحقيق الديمقراطية، بين عشيةً وضحاها "فإرساء نظام ديمقراطي معناه إقامة بنيان متكامل يشمل مكونات عديدة مثل الضمانات المتعلقة بصيانة حقوق الإنسان بما في ذلك حرية التعبير العلني، وتكوين الجمعيات والانضمام إليها وسيادة القانون، وإجراء انتخابات حرة نزيهة يتنافس فيها الجميع على فترات دورية، ووجود نظام متعدد الأحزاب يسمح بتداول السلطة بصورة رسمية ومنظمة، وفوق ذلك ضرورة وجود نظام للضبط والمراقبة يجعل المنتخبين للمناصب العامة، مسئولين مسؤولية كاملة أمام الناخبين.

إن الثورات والمتغيرات والتحولات التي يشهدها وطننا العربي تؤثر بقوة على ظهور التعددية السياسية والأحزاب والكيانات السياسية، ويمكن القول بشكل عام إن تبلور الأحزاب السياسية فعليا يرتبط بدرجة معينة من التحديث والتنمية السياسية والفكرية. وتصبح الأحزاب من زاوية معينة البعد السياسي للدولة الناشئة الذي يعتبر بدوره احد سمات المجتمع الحديث، والذي تتوفر فيه لدى الشعب القدرة على إنشاء وصيانة أشكال تنظيمية كبيرة تتسم بالمرونة، وقادرة على القيام بالوظائف الجديدة أو الموسعة التي تستلزم المجتمعات الحديثة القيام بها .

ما هي التعددية السياسية؟
التعددية مفهوم مركب بوصفه تعبيرا عن ظاهرة متعددة الأبعاد. فهناك التعددية الثقافية والتعددية الاجتماعية والتعددية السياسية. ويعتبر مفهوم معقد بحكم كونه مركبا وذلك لارتباطه من ناحية بالعديد من المفاهيم الأخرى مثل الطائفية والعرقية والدولة القومية والديموقراطية.

أن "التعددية" كمصطلح هي نظامٌ سياسيٌّ له خلفية تاريخية وفلسفية ترتبط بإدراك دور الدولة وطبيعة المواطنة، بل وطبيعة الإنسان، وصيغ العقد الاجتماعي وقضاياه ونظامه الاقتصادي. كما أن لذاك النظام ملامح مؤسسية ثابتة متفقًا عليها، ويقترن بتطور اقتصادي واجتماعي محدد، ويهدف إلى إدارة الصراع الاجتماعي الممتد دون مرجعية فكرية واحدة تجمع الأفراد والجماعات، سوى مبدأ قبول التعدد ذاته وإجراءات إدارته. فعلى سبيل المثال، تعرف الموسوعة البريطانية التعددية بأنها "الاستقلالية التي تحظى بها جماعات معينة في إطار المجتمع مثل الكنيسة والنقابات المهنية والاتحاديات العمالية والأقليات العرقية". وتذهب الموسوعة السياسية إلى القول بأن التعددية "مفهوم ليبرالي ينظر إلى المجتمع على أنه يتكوّن من روابط سياسية وغير سياسية متعددة ذات مصالح متباينة ومشروعة"، مضيفة بأنها "تحول دون تمركز الحكم وتساعد على تحقيق المشاركة وعدالة التوزيع". ومن هنا فهي تخلص إلى ارتباط التعددية بالديموقراطية سواء في ذلك الديموقراطية السياسية وذلك بالإشارة إلى "المشاركة"، أو الديموقراطية الاجتماعية من خلال الإشارة إلى "عدالة التوزيع".

إن متابعة الأدبيات المعاصرة التي تناولت مفهوم التعددية تكشف عن تباين واضح في الاتجاهات النظرية للمفهوم، ومن ثم تعدّد في التعريف، فهناك من يري، كـ" روجيه لابوانت"، أن التعددية توجد حيثما يوجد تنوع أياً كان الشكل الذي يتخذه – ديني أو عقائدي أو فلسفي أو طبقي أو حزبي... الخ – يتمسك به الفرد أو الجماعة. وهناك من يرى التعددية، كـ"كرافورد يونغ"، في علاقاتها بالدولة القومية ذات السيادة والنظام السياسي القائم فيها، والذي يحدد بصورة قاطعة حدود التفاعل، بغض النظر عن طبيعة هذا التفاعل، بين الجماعات المختلفة التي يتشكل منها المجتمع، والتي تتباين من حيث أصولها العرقية أو اللغوية أو الطائفية، ومن حيث أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية، ومفاهيمها السياسية. وهناك التعريف الفلسفي للتعددية، كما يرى "دنليفي وأوليري"، الذي يستند أساسا إلى استحالة فهم الحقيقة عن طريق جوهر واحد أو مبدأ واحد. ومن ثم فإن التعددية هنا هي الاعتقاد السائد بأن هناك أو ينبغي أن يكون هناك تعدد في المعتقدات والمؤسسات والمجتمعات. أي انها على النقيض من الواحدية.

ومن خلال الاستعراض السريع لتاريخ التعددية السياسية في الأدبيات العربية، يعرفها د. سعد الدين إبراهيم على إنها "مشروعية تعدد القوى والآراء السياسية وحقها في التعايش والتعبير عن نفسها والمشاركة في التأثير على القرار السياسي في مجتمعها". بينما يعرفها د. محمد عابد الجابري بأنها "مظهر من مظاهر الحداثة السياسية التي هي أولاً وقبل كل شيء وجود مجال اجتماعي وفكري يمارس الناس فيه "الحرب" عن طريق السياسة أو بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء، وبالتالي التعايش في إطار السلم القائم على الحلول الوسطية".

هنا لابد أن نذكر ان التعددية السياسية مسألة مقرة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أساساُ وممارسة الفرد بحق التمتع بحرية الرأي حق مكتسب وله الحق في الانتماء إلى الجمعيات ذات الهدف السلمي وليس من حق احد إرغام الآخرين في الانتساب إلى جمعية من الجمعيات وان إرادة الشعب المتمثلة بالانتخابات النزيهة هي مصدر السلطة الحكومية. من هنا نقول ان التعددية والإقرار بها هي مفتاح الديمقراطية في مجتمع ما مثلما الديمقراطية هي حاضنة النظام التعددي لان العلاقة بين المسألتين الديمقراطية والتعددية علاقة تبادلية جدلية .وتفترض التعددية "الإعتراف بحقوق الإنسان في المجتمع وبكرامته وبرسالته مثلما تفترض الإقرار بواجباته ومسؤولياته". وعلى ذلك تعتبر التعددية "أحد شروط الممارسة الديموقراطية وبالتالي فهي تتعارض تعارضا تاما مع وجود الدولة الشمولية بل تفترض قدرا من الحياد من قبل السلطة العليا – أي الدولة – التي ينبغي أن تحترم القوى والمؤسسات التي تعمل في إطارها على تعميق الخير العام للبلاد".

أما من ناحية علاقة التعددية بالدين الإسلامي، فان رأي الكثير من العلماء يركز على قوله تعالى: «لا اكراه في الدين» هو نوع من الإقرار الإلهي بتعددية الاعتقاد نظرا لفطرة الإنسان على الخير والشر، وعدم إجباره على الايمان بمعتقد بعينه خلاف ارادته لأن ذلك يخالف مفهوم اصل العبادة القائم على الحرية والدائرة مدار الثواب والعقاب. أن التعددية السياسية هي شكل من أشكال التتعددية التي اقرها الإسلام على المستوى النظري ويؤكدها التاريخ الإسلامي على المستوى التطبيقي. فعلى المستوى الأول نجد أن القران قد قرر التعددية كسنه إلهيه ﴿ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ ( المائدة:48) ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ﴾(الروم:22) وقد اقر كثير من علماء الإسلام التعددية على هذا الوجه فابن تيميه مثلا يقول( الأحزاب التي أهلها مجمعون على ما أمر به الله ورسوله من غير زيادة أو نقصان، فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم...)(الصاوي، شرعيه الانتماء إلي الأحزاب والجماعات الاسلاميه، ص 112)

التعددية السياسية والتعددية الحزبية والتعددية الشكلية

إنّ التعددية لها نماذج عدة، فمنها التعددية الحقيقية ومنها التعددية الشكلية، فالتعددية الحقيقية قائمة على وجود أحزاب مختلفة من البرامج والأيديولوجيات، وهذه الأحزاب تتنافس فيما بينها عن طريق الانتخابات الحرة التي تحري بصورة دورية، أما التعددية الشكلية فهي في إطارها الخارجي تحمل مظاهر التعددية السياسية، أي تكون من عدة أحزاب، ولكن النظام القائم أقرب إلى نظام الحزب القائم، وهو الحزب المسيطر، ومن هذا فإن التعددية السياسية تعني الاختلاف في الرأي والطروحات الفكرية واختلاف في البرامج والأيديولوجيات والمصالح والتكوينات الاجتماعية والديموغرافية والاقتصادية. وعليهِ فمن الممكن أن نميز بين التعددية السياسية والتعددية الحزبية، فالتعددية السياسية تتصف بالشمولية، أي إنها يجب أن تتضمن تعددية حزبية، لأنها تمثل قوة اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية مختلفة، أما التعددية الحزبية لا تعني تعددية سياسية، إذا كانت هناك سيطرة كاملة لحزب واحد وتهميش للأحزاب الأخرى، أي إن التعددية الحزبية جزء مكمل للتعددية السياسية.

لقد استغل عدد كبير من الحكام العرب موضوع التعددية الشكلية ليظهرا للعالم بأنهم يعتمدون التعددية السياسية ويحكمون بشكل ديمقراطي. وقد أكد تقرير الحريات والتعددية السياسية في الدول العربية ما يلي: "لقد اكتشفنا متأخرين و يا لغبائنا، إن التعددية في البلدان العربية أكثر من الهم على القلب، ففي كل بلد عربي عدد من الأحزاب التقدمية وعدد آخر من الأحزاب الرجعية، وعدد أكبر من التنظيمات الطائفية، كما يوجد عدد لا يحصى من أجهزة الأمن، والجمعيات، والاتحادات الطلابية، والشباب، والنساء، والعمال، والفلاحين، وصغار الكسبة، ومن الحرفيين، إضافة إلى اتحادات الكتّاب والأدباء والشعراء والصحافيين".. ويخلص التقرير بالتساؤل، هل هذه هي التعددية السياسية الذي يتبناها حكامنا؟ هل هذه هي الحرية السياسية والديمقراطية التي نصبو اليها؟

هناك الكثير من الصعوبات التي تعترض تطبيق التعددية السياسية ببعدها الحقيقي في منطقتنا العربية، حيث ضعف الثقافة المدنية وغياب مفهوم المجتمع المدني والوعي بأهميته لدى قطاع عريض من المواطنين. بالإضافة إلى الشعور بعدم أهمية الأحزاب السياسية في إطار العملية السياسية نظرا لعدم وجودها كشريك أساسي في ظل البيئة القانونية والثقافية المحيطة بها، مقابل الاستمرار في منح المؤسسات التقليدية والارثية الدور الأوسع في العملية السياسية وخصوصا فيما يتعلق بالسلطة التشريعية وانتخاب ممثليها وكذلك في اختيار أعضاء الحكومات. بالإضافة أيضا إلى قضايا تتعلق بقدرة الأحزاب ذاتها على طرح برامج جاذبة للمواطنيين.

ان محاولة تفسير هذه الحالة تطرح تساؤلات أكثر مما تقدم من إجابات، تساؤلات تتعلق بطبيعة المشاركة العامة في الحياة لسياسية والعوامل المؤثرة فيها، ومدى تجذر مفهوم المجتمع المدني ومؤسساته لدى المواطنين، ومدى تطور الوعي السياسي واتجاهاته والوعي بأهمية الديمقراطية وأهمية التعددية السياسية والحزبية في النظام الديمقراطي، وأثر التربية المدنية والوطنية على توجهات الشباب، وكذلك مدى ما يتيحه النظام السياسي من فرص حقيقية للمشاركة السياسية واعتراف بأهمية دور المؤسسات المدنية وفي مقدمة هذه المؤسسات الأحزاب السياسية.

التنمية السياسية والمشاركة السياسية

انّ عملية التنمية السياسية بوجه عام تخلق الظروف والشروط الملائمة للتطور الديمقراطي، فالتنمية السياسية تهدف في النهاية إلى بناء النظام السياسي ليصبح نظاماً عصرياً تعدديا ومتطوراً وديمقراطياً، فالتنمية السياسية بذلك تفترض التخلص من بقايا السلطات التقليدية بخصائصها التي لم تعد تناسب البناء الجديد، وهذه الحالة تتطلب وجود عملية مواجهة مستمرة مع البقايا الراسخة التي ما تزال تؤثر سلباً في اتجاهات الأفراد والمجتمع. ومثال على ذلك، لابدّ من قيام بعملية نفسية وإجرائية لجعل الأفراد يؤمنون بأن الحكومة هي آلية من آليات تحقيق أهدافهم ومصالحهم وطموحاتهم. وهنا من المفروض أن يتسع المجال للتغيير المؤسسي واستمرارية تغيير النظام السياسي، بحيث يكون لدى الأفراد القابلية للموافقة على الأشكال الجديدة للسلطة والانتساب للاحزاب السياسية والطرق الجديدة لتداول السلطة.

وعليهِ يمكن القول إن المشاركة السياسية تعتبر المظهر الرئيسي للديمقراطية، حيث إن ازدياد المشاركة السياسية من قبل الشعب في العملية السياسية يمثل التعبير الحقيقي عن الديمقراطية، ولكن من أجل تحقيق مشاركة سياسية فعالة يتطلب تواجد مجموعة من الشروط لتحقيق ذلك، منها رفع درجة الوعي السياسي، وحرية وسائل الإعلام، وحرية الرأي والتعبير، وتقوية وتفعيل التنظيمات السياسية الوسيطة من الأحزاب وجماعات مصالح وجماعات ضغط وتفعيل دور المؤسسات والهيئات في الدولة، كمؤسسات المجتمع المدني باعتبارها أداة مهمة من أدواة مراقبة أعمال الحكومة، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي داخل المجتمع، وبناء المؤسسات السياسية القادرة على استيعاب القوى السياسية الراغبة في المشاركة السياسية، وعند توفير الشروط المذكورة آنفاً فمن الممكن الحديث عن وجود مشاركة سياسية فعالة.

إن المشاركة السياسية من خلال الانخراط في الأحزاب السياسية هي مظهر من مظاهر الحداثة السياسية حيث يمارس الناس فيه حريتهم السياسية والمشاركة في الحكم وإبداء الرأي بواسطة الحوار والنقد والاعتراض والأخذ والعطاء، وبالتالي التعايش في إطار يركز على الحوار السياسي والتفاهم والوصول إلى حلول سلمية لإدارة وتنمية البلاد.

الأحزاب السياسية

أمسى الإقرار بالديمقراطية يرتبط اليوم بضرورة وجود الأحزاب السياسية؛ فلا ديمقراطية بدون أحزاب سياسية؛ مثلما لا أحزاب سياسية في غياب الديمقراطية . إن هذه العلاقة الجدلية بين الديمقراطية والأحزاب السياسية نجدها حاضرة بقوة في كتابات الفقيه الدستوري "كلسن" حينما أشار على:" أنه من الوهم أو النفاق القول بأن الديمقراطية يمكن أن توجد بدون الأحزاب ؛ وذلك أنه مما لا يحتاج إلى بيان أن الفرد وهو منفرد لا يكون له أي نفوذ حقيقي في تكوين الإرادة العامة؛ فالديمقراطية هي ولاشك دولة الأحزاب"
الأساس الأول والمنطلق الأول في ظهور الأحزاب السياسية في الدولة المدنية الديمقراطية، هو الاعتراف بالتباين والنوع، والاختلاف بين الزمر والجماعات السياسية ومصالحها واطر تفكيرهما، وبما إن الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب ولصالح الشعب، وبما إن الشعب تتباين رؤاه ومصالحه وأفكاره وأهدافه، فإن المشاركة السياسية التي هي جوهر الديمقراطية والحرية السياسية هي بالضرورة لكل الناس ولكل الأحزاب السياسية المعبِّرة عنهم وعن مصالحهم وأهدافهم، وعليه فإن التعددية الحزبية السياسية هي ركن مهم وأصيل من أركان الدولة المدنية ووسيلة مهمة من وسائل الديمقراطية، وهي كذلك ضمانة من ضمانات الحرية السياسية وقد انتهت والى غير رجعة مقولة الحزب الواحد الذي يعطي لنفسه ولقاداته وحدهم الحق في الحكم، والحق في التعبير الوطنية والصالح العام وتحديد ما هو مفيد ونافع للناس وما يجب تجاوزه والابتعاد عنه، وحقه كذلك في احكام سيطرته على جميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وحشد وتعبئة الشعب الاجباري السلطوية وتسيير مجموعة كالقطيع وفقاً لما يهوى ويشاء بعيداً عن المشاركة الطبيعية والحقيقية للمواطنين وحقهم في ممارسة حرياتهم ومبادراتهم بلا وصاية ايديولوجية تدعى لنفسها القداسة والكمال.

إن المنطق الرشيد والعقلاني يقول بوجوب وجود التعدد الحزبي في الحراك السياسي والمشاركة السياسية، وعليه فإن من حق الأحزاب السياسية المعارضة للحزب أو الأحزاب الحاكمة إن تقوم بنقدها ومراقبة سياساتها وبرامجها، وحقها كذلك في الدعوة لنفسها والى شعاراتها وطرح نفسها للناخبين من اجل الحصول على ثقتهم وتأييدهم، والأمر من قبل ومن بعد هو للرأي العام وللناخبين من أبناء الشعب ان يقولوا كلمتهم ويحددوا مواقفهم عبر صناديق الاقتراع العام في يوم الانتخابات العامة، بما يخدم مصالحهم ويحقق مطالبهم وان يعطوا ثقتهم لمن يستحق تمثيلهم ولمن هو جدير بحمل الأمانة والمسؤولية.

إن وجود الأحزاب يسمح للمعارضين لسياسة الحكومة بالعمل العلني المشروع للوصول إلى السلطة بصورة سلمية، عوضا عن الانقلابات، والثورات، والانتفاضات على تسلط الحزب الواحد في الدولة. وكلما ازداد عدد الأحزاب وتوسيع المشاركة السياسية، كلما برزت المعارضة العلنية، خصوصا، إذا كانت الدولة تعمل بالنظام البرلماني. وعليه يجب أن تكون للمعارضة قوة تستطيع أن تقف بوجه انحرافات السلطة التنفيذية، ولا يتم ذلك إلا من خلال المعارضة المنظمة التي تستطيع أن تجابه الحكومة وتمنعها من تجاوزاتها.

لذلك تبرز بوضوح دور وحركة الحزب من خلال الطموح الواجب توفره في العمل الحزبي من حيث المراقبة الدقيقة لعمل الحكومة، والتهيئة الجماهيرية الواسعة لأي حدث تتعرّض له الدولة وضمان الحقوق السياسية للأفراد ومنع التجاوزات وإيقاف الظلم، وفي حالة حصول أي انحراف عن الخط السياسي والمرجعي للحكومة يعني ذلك سحب الثقة منها وإسقاطها وتشكيل حكومة أخرى والى جانب هذا الدور فإن الحزب لا يتخلّى عن دوره في صياغة البرامج السياسية أيضاً وإبداء المشورة والنصح والإرشاد وحتى رفد المؤسسات الحكومية بأفراد الحزب ذات التخصّص والمهارة في المجال المطلوب إشغاله وكذلك رفض أي خطة تكون غير مجدية يقوم بها الحزب الحاكم مما تعني توفر الأجواء الآمنة والسليمة لحالة التطور والرفاه.
إننا نمر بمرحلة جديدة سمتها الأساسية الانتقال إلى الدولة المدنية، عبر آليات عمل ديمقراطية ومبادئ دستورية، تؤمن الانتقال السلمي للسلطة، أما مرحلة ما بعد الثورة وبناء المؤسسات الديمقراطية واستقرار النظام الديمقراطي تعتبر من أصعب المراحل، فالانتقال من مرحلة إلى أخرى ليس سهلا، خاصة الانتقال من نظام ديكتاتوري أمني، إلى نظام ديمقراطي يؤمن التداول السلمي للسلطة، حيث يشتد الصراع بين القديم والجديد، فالقوى الاجتماعية التي كانت سائدة ومهيمنة على نظام الحكم والتي استغلت السلطة في الاستيلاء على ثروات البلاد وخيراتها بطرق غير مشروعة، لن تستسلم بسهولة، وهي تمارس أساليب مختلفة لإعادة حركة التاريخ إلى الوراء، بعد أن فشلت في قمع الثورة. ولكن المهم في ثورتنا هو دور الشباب في قيادة الثورة، وفي تشكيل الأحزاب السياسية، حيث يمكن ان تتمكن هذه الدماء الجديدة من رفد الحركة السياسية بعقول وأفكار متطورة تتماشى مع الحراك الشعبي والمطالب الشعبية للثورة. ان مشاركة الشباب في الأحزاب السياسية يحتاج إلى استراتيجية للتوعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تتضمن آليات لتوسيع المشاركة السياسية الفعالة لفئات من الشعب كانت مهمشة في الماضي.

إن مشاركة الشباب السياسية مسألة جديدة أرست أسسها الثورة في سورية، الثوار هم جيل من الشباب استفاد من ثورة المعلومات ليس فقط للحصول على أهم المعلومات، بل ومن اجل التواصل الاجتماعي للتمهيد والإعداد والإعلان عن الثورة، بشفافية متناهية تحت سمع وبصر النظام وأجهزته القمعية، ثورة لم تُحك ْفي الظلام أو في البيوت السرية، والأحزاب السياسية لم تشكل الدور الرئيس في حركة الشباب، فالثورة لم تكن من إعداد وترتيب حركة سياسية منظمة- حزب أو تجمع أحزاب- وان كانت الثورة هي ثمرة نضالات سياسية وشعبية متراكمة، إن هذه التجربة جديدة ومميزة في أدواتها وأهدافها، فأدواتها تشكلت عبر التواصل الاجتماعي وعمل التنسيقيات في كافة أنحاء الوطن، وأهدافها الحرية والكرامة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهي نقاط محورية يمكن بالاستناد إليها استنباط برنامج سياسي شامل لأحزاب سياسية جديدة يكون الشباب أساسها، تركز على بناء دولة مدنية ديمقراطية تسودها العدالة الاجتماعية.
الدكتورة شذى ظافر الجندي
دكتوراه في العلوم السياسية
حقوق انسان ومكافحة الفساد
الجامعة الأمريكية في بريطانيا



#نادية_حسن_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية: القانون وحقوق الإنسان - ...
- الاستراتيجية الوطنية للدولة المدنية: المبادئ الأساسية للمواط ...
- الناتج المحلي الإجمالي للسعادة الوطنية ومؤشرات السعادة الوطن ...
- هل يمكن اعتبار تشكيل مجالس وهيئات للثورة بداية لنوع من التعد ...
- يوم من حياة أم معتقل...
- شو يعني حرية يلي عم يطالب بها المتظاهرين؟
- هل نحن في حاجة إلى الديمقراطية التوافقية في المرحلة الانتقال ...
- حماية حقوق الانسان للمرضى والجرحى والمصابين وضحايا التعذيب ف ...
- الطريق للتغير نحو الديمقراطية في سورية
- انتهاك حقوق الإنسان كان الدافع الأساسي والمحرك الرئيسي للثور ...
- حقوق الإنسان العربي في العصر الحديث
- العهد السياسي الجديد ودور الإرادة الشعبية في تأسيس المعارضة ...
- المعارضة الصامتة
- الدولة المشخصنة
- هل تحولت ثقافة الفساد إلى ثقافة للإفساد؟
- الآثار النفسية والسلوكية والتعليمية والاجتماعية لممارسات الأ ...
- اليوم العالمي لحرية الصحافة -آفاق جديدة حواجز جديدة-
- سورية يا حبيبتي…
- دور الأحزاب السياسية العربية في المرحلة المقبلة
- الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان انتهاك لميث ...


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نادية حسن عبدالله - نحو استراتيجية وطنية للدولة المدنية -المفاهيم- التعديدية السياسية -3-