أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - فيدرالية المحافظات وكوارثها المرتقبة















المزيد.....

فيدرالية المحافظات وكوارثها المرتقبة


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3551 - 2011 / 11 / 19 - 14:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مازال الشعب العراقي يعاني من تركة النظام البعثي وتبعات سقوطه، الذي تشدد في مركزية الحكم وتجريد الأطراف من الصلاحيات، وحكم العراق بما يسمى بالاستبداد الشرقي. وهذا التطرف في المركزية خلق رد فعل معاكس له في الاتجاه ومساوي له أو حتى أكثر منه في المقدار، إذ راح البعض يطالب ليس فقط بتوسيع صلاحيات مجالس المحافظات، بل بشيء قريب من الاستقلال وتأسيس دويلات الطوائف وتمزيق الوحدة الوطنية.

لذلك يعتقد بعض المحللين أن المركزية المتشددة هي التي حافظت على وحدة العراق، بل وذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، إذ أدعوا أن الشعب العراقي مازال متخلفاً، ولا يناسبه النظام الديمقراطي، بدليل أن الديمقراطية هذه مزقت الوحدة الوطنية، وكان آخرها مطالبة مجلس محافظة صلاح الدين بتحويل محافظتهم إلى إقليم، علماً بأن المحافظات الشمالية الغربية كانت من أشد المعارضين لنظام الأقاليم إلى حد أن وصفه البعض منهم بالخيانة الوطنية. ولكن لأسباب ذكرناها في مقال سابق، غيرت القيادات السياسية والإدارية لهذه المحافظات موقفها أخيراً من الفيدرالية وبشكل مفاجئ، فراحت تطالب بها، متعللين ببعض مواد الدستور التي تسمح لمجلس كل محافظة بالتحول إلى إقليم وفق القوانين.

لقد جاء تأييد هذا الحق من السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي مدحت المحمود، لقناة الفيحاء حيث قال: "أن الدستور يعطي الحق للمحافظات التي ترغب بان تكون إقليما بمجرد القيام بالإجراءات القانونية". ومن الجانب الآخر، عارض رئيس الوزراء، السيد نوري المالكي نظام الأقاليم في المناطق العربية، ووعد بإعطاء صلاحيات أكثر للمحافظات وذلك كإجراء بديل عن مطالب المحافظات بالأقاليم، لأن في رأيه أن تحويل المحافظات إلى أقاليم سيؤدي إلى تمزيق العراق.

أعتقد أن كل من رئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس الوزراء على حق رغم التناقض الظاهري في تصريحاتهما. فدستورياً يحق لأية محافظة، أو عدد من المحافظات أن تتحول إلى إقليم فيدرالي. ولكن في نفس الوقت فإن رئيس الوزراء هو الآخر على حق، لأن تحويل كل محافظة إلى إقليم معناه تمزيق العراق إلى دويلات الطوائف، ويكرس الطائفية، ويهدد بالصراعات الدموية في المستقبل، ويجعل من كل دويلة لقمة سائغة يسهل ابتلاعها من قبل دول الجوار.

لذلك فالخطأ هنا في الدستور، لأن الذين كتبوه كانوا قد زرعوا فيه لغمين عن عمد، وربما أكثر، أحدهما، مادة الأقاليم، كعبوة ناسفة وموقوتة لتفجرها في أي وقت تشاء دول الجوار بالريموت كونترول. واللغم الثاني، هو صعوبة تعديل الدستور، حيث وضعوا مادة خاصة بهذا الشأن، مؤداها أنه لا يجوز تعديل الدستور إلا بعد مرور دورتين برلمانيتين كاملتين، يعني ثمان سنوات من بداية الدورة السابقة، وشرطاً آخر، وهو إجراء استفتاء شعبي على التعديل على أن لا تعارضه غالبية أية ثلاث محافظات. وهذا يعني أن من حق ثلاث محافظات استخدام حق النقض (الفيتو) على تصويت أغلبية الشعب العراقي. وهذا أمر غريب، غير وارد في جميع دساتير العالم. وبعبارة أخرى، لا يمكن تعديل الدستور العراقي، لا الآن، ولا في المستقبل المنظور.

يتذرع دعاة الفيدرالية بالاستشهاد ببعض الدول الفيدرالية الديمقراطية المتقدمة مثل أمريكا، وسويسرا وبريطانيا، وغيرها. والتشبيه هنا لا ينطبق على العراق إلا في حالة فيدرالية كردستان لأنها مبنية على أسس قومية. أما الفيدراليات في المناطق العربية فمبنية على أسس طائفية، لذلك نعارضها. فالنظام الأمريكي، في الحقيقة كل ولاية أمريكية هي عبارة عن دولة، لذلك سميت بـ United States of America، أي الدول المتحدة الأمريكية، ولكنها ترجمت خطاً إلى العربية بالولايات المتحدة. فمثلاً، ولاية كاليفورنيا وحدها تعادل مساحتها مساحة العراق، وسكانها نحو 37 مليون نسمة، أي أكثر من سكان العراق، ووارداتها تعادل أضعاف ورادات العراق.
أما سويسرا، فقد تم تقسيمها إلى كانتونات حسب الانتماءات القومية، وبعد مئات السنين من الحروب بين مكونات الشعب السويسري. أما بريطانيا، فعندما وافقت السلطة المركزية في لندن على منح الأقاليم (سكوتلندة، وويلز، وأيرلندا الشمالية) حكماً ذاتياً وتشكيل برلماناتها وحكوماتها، طالبت مجالس الحكومات المحلية في شمال إنكلترا بتحويل منطقتهم إلى إقليم ذي حكم ذاتي، أي برلمان خاص بالمنطقة. استجابت الحكومة المركزية لطلبهم فأجرت استفتاءً لسكان المنطقة، فصوتت الغالبية (75%) ضد الفكرة، لأن هكذا نظام سيخلق طبقة جديدة من السلطة والبيروقراطية، والتي تشكل عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة. وهكذا قُبرت الفكرة وهي في المهد.

وإذا ما اتفقنا مع دعاة تحويل المحافظات العربية إلى أقاليم فيدرالية، فليس مستبعداً أن يطالب سكان المحافظات الجنوبية (البصرة والعمارة والناصرية) بالاستقلال، وهي التي فيها الثروة النفطية، خاصة وأن النظام الديمقراطي يسمح لهم بذلك.

لذلك نعتقد أن المطالبة بإقامة الأقاليم الفيدرالية في المناطق العربية هي البداية لتكوين دويلات الطوائف. والمحافظات الشمالية الغربية هي التي ستخسر في نهاية المطاف، لأن هذه الخطوة هي الأولى في طريق الاستقلال، وتعرف هذه المحافظات أن ليس لها موارد كبيرة، ومساهماتها ضعيفة في إناء ميزانية الدولة العراقية، ومع ذلك تطالب مجالسها بتشكيل دويلات لهم، ليفرضوا ماليتهم على المحافظات الجنوبية. ولذلك نرى من مصلحتهم إعادة التفكير في هذا المشروع الهدام الذي سيضر بهم أكثر من أية جهة أخرى.
كما ويدعي البعض أن نظام الأقاليم سيضع حداً للفساد الإداري، وهذا وهم ما بعده وهم، إذ نعتقد أن هذا النظام سيوسع الفساد الإداري لأنه سيخلق طبقة أخرى من الفاسدين، وسيفتح مجالاً أرحب لتفشي الفساد. ودليلنا هو أن الأجهزة الإدارية في إقليم كردستان لم تسلم من تهمة الفساد.

مشكلة أخرى تواجه نظام الأقاليم، ألا وهي، التضخم الإداري والبيرو قراطي. فلنتصور أن كل محافظة ستتحول إلى إقليم، وهذا يعني أنه ستكون في العراق 17 حكومة، من ضمنها الحكومة المركزية، وحكومة إقليم كردستان. وهذا يعني 17 رئيس ومجلس وزراء، و17 رئيس إقليم، و17 رئيس ومجلس برلمان. وهذا يعني أيضاً، تضخم الجهاز الحكومي لعموم العراق إلى نحو 700 وزيراً، وآلاف النواب والمدراء العامين، وتضخم رهيب في الجهاز الإداري والبيروقراطية. وهذا الجيش العرمرم من الوزراء والنواب والمدراء العامين سيبتلع معظم واردات الدولة العراقية على شكل رواتب، ومخصصات ورواتب حماية وخدم وحشم، وسيارات، خاصة. وهدف كل وزير، ونائب، أن يفوز بالمنصب حتى ولو لدورة واحدة أو لأسابيع، ليفوز بعدها بلقب المنصب، والراتب التقاعدي الخيالي الذي يبلغ عشرات الألوف من الدولارات شهرياً. والنتيجة النهائية، تبديد معظم واردات الدولة على شكل رواتب خيالية لوزراء الأقاليم وأعضاء مجالس نوابها، ولتذهب مشاريع التنمية إلى الجحيم!!.

وبناء على كل ما تقدم، نهيب بكل المخلصين من أبناء الشعب العراقي أن يعيدوا النظر في حساباتهم، ومواقفهم من فيدرالية المحافظات، وأن لا يتخذوا من مشاكل مؤقتة وسيلة لخلق مشاكل دائمة من شأنها تمزيق العراق وتدميره.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عنوان المراسلة: [email protected]
الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخاطر حقيقية تهدد وجود الشعب العراقي
- لماذا المطالبة بفدرالية المحافظات الآن؟
- أيتام صدام يبكون على القذافي
- قراءة في كتاب الأستاذ الدكتور فرحان باقر
- من المسؤول عن المحاصصة (رد على حميد الخاقاني)
- هل كان إسقاط البعث يستحق كل هذه التضحيات؟
- هل النظام العراقي ديمقراطي؟
- هل حقاً العراق دولة فاشلة؟
- الديمقراطية والفساد ثانية!
- حول حكومة المحاصصة مرة أخرى
- من المسؤول عن الاقتتال الطائفي في العراق؟
- لماذا تم حل الجيش العراقي القديم؟
- لماذا انهارت الدولة العراقية؟
- ليبيا والعراق، والمقارنة غير المنصفة!
- محاولة لفهم الأزمة العراقية
- أفضل طريقة لإسقاط حكومة المالكي!
- الاتفاق على تدمير العراق
- تلامذة غوبلز يتفوَّقون على أستاذهم
- الكهرباء وتوقيع العقود مع شركات وهمية
- معوقات الديمقراطية في العالم العربي


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - فيدرالية المحافظات وكوارثها المرتقبة