أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجح شاهين - يحيى الفخراني ما بين الدراما والميلودراما















المزيد.....

يحيى الفخراني ما بين الدراما والميلودراما


ناجح شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 1046 - 2004 / 12 / 13 - 09:37
المحور: الادب والفن
    


حاول العريس بكل الطرق أن يتصل بعروسه. لكن في النهاية كان لا بد للمقادير الميلودرامية أن تأخذ مجراها، وذلك على الرغم من محاولات يائسة قام بها الفتى من أجل إخبار أهل العروس أنه لن يتمكن من الحضور لسبب قاهر هو أن والده أصيب بجلطة دماغية، وهو عذر مشروع فيما نحسب للتغيب عن أي نشاط كان. لكن بالطبع يتبادر إلى الذهن تساؤل حول مشروعية ومنطقية "الفشل" في إبلاغ عروسه بطبيعة الظرف الطارئ. ذلك أننا كما يعلم المواطن العادي نعيش في زمن ثورة الاتصالات التي مكنت الناس من " التعولم" وجعلت عالمنا الكبير الشاسع والمترامي الأطراف قرية صغيرة. إن الرسائل الإلكترونية تدور حول الأرض في أقل من جزء من الثانية. وهو ما يجعل الأحداث التي تقع في أقصى الشرق تصل أقصى الغرب في نفس اللحظة التي تصل فيها لسكان منطقة الحدث بالذات. لكن ذلك لم يمنع المخرج والكاتب من إغلاق كافة أبواب النجاة في وجه الشاب المسكين الذي يتصل بهاتف البقالة؛ فالمنطقة حي شعبي بالقاهرة ولا يوجد فيها هاتف على الرغم من أن الحدث يسجل الزمن الراهن ما بعد احتلال العراق، لأن البطل عباس الدميري قادم من عشرين سنة سجن قضاها هناك في بغداد. ويفيق صناع المسلسل في اللحظة الأخيرة بينما يدخل الفتى وشقيقته ووالده المريض إلى قاعة المسافرين في المطار فيتذكر عباس أن بحوزته رقم المحمول العائد لخطيب ابنته ويعطيه لصديقه محرم فيتصل من محموله الفاخر دون جدوى لأن المطار لا يدخل في سياق منطقة الاتصال. لقد أعطى المخرج وزملاؤه فرصة ساعتين تأخير عن العرس لم يقم فيها أحد بالاتصال بأحد. وعندما تأخر العريس دقيقة وراء دقيقة لم يتحرك أحد، فالمطلوب في النهاية أن تقع المصيبة ويفشل العرس وأن يتحمل عباس الدميري المسؤولية. وفي سياق ذلك لا يهم الإقناع ولا يهم الصدق الفني، لأن العمل مكتف بوجود النجم يحيى الفخراني الذي يبالغ جداً في هذا العمل في الاعتماد على ملامحه التي تشي بالطيبة والبراءة مثلما يبالغ في ضحكته الصافية التي سوف يملها الجمهور، بالضبط لأنه سيكتشف أنها أيضاً لعبة تتكرر كثيراً في ثنايا العمل.
وعلى الرغم من أن المسلسل لم يتجاوز بعد نصف حلقاته إلا أنها تكفي على الأرجح لإصدار حكم وإن يكن غير نهائي على مستواه الفني من حيث " السيناريو " والإخراج وقدرات الممثلين..الخ ولعل النقطة المذكورة منذ هنيهة ونعني بها نجومية يحيى الفخراني قد أصبحت مشكلة بالفعل. ولعل علينا أن نتذكر حكمة اينشتاين المشهورة:" إن العالم يكون كنزاً للعلم في المرحلة الأولى من حياته ثم تتحيد قيمته بعد إنجازاته الأولى لكنه في النهاية يتحول إلى صنم يشكل عبئاً على كاهل العلماء الشبان" والسبب واضح: فهو يتحول إلى شخص يقتات على ماضيه ويصبح اسمه فقط كافيا لأن يقول له الناس نعم.
عود للمسلسل. يلقي عباس بنفسه في كافة أنواع المواقف الصدفية التي تقوده إلى لقاءات بأشخاص لا ملامح لهم؛ بمعنى أنهم مجرد كومبارس يتحركون لغاية إظهار مزايا البطل عباس الأبيض. لكن من أجل تحقيق الغاية المنشودة لن يتورع المسلسل عن اختراق كل المعقولات، تماماً كما هي الحال في السينما الهندية عندما تتعقد كل الأشياء في لحظة وتصبح في عداد المعضلات المستحكمة مثل معضلة النهضة العربية- وليعذرنا القارئ على هذه الشكوى التي ليس ها هنا محلها- ولكن بعد ذلك وبطريقة مفاجئة لا تأتي ببال أحد تنحل المشاكل جميعاً. ومن الأمثلة على ما نقول هنا الفتاة التي تضرب عباس بسيارتها وهي مسرعة إلى المشفى لعيادة أبيها الذي يعاني مرضاً عضالاً، وتكون النتيجة أن عباس ينهض من الحادث كالأسد ويتبرع بالدم لوالد الفتاة الذي يموت، فيتلقى عباس العزاء معها..الخ وبعد أسابيع قليلة يموت آخر من تبقى من هذه العائلة، عمة الفتاة، ومرة أخرى نرى عباس الأبيض في بيت العزاء. ازدحام الحدث ممجوج نسبياً في الأعمال الدرامية اللهم إلا إذا تم تسويغه فنياً بشكل كاف. لكن علينا أن نتذكر أن "عباس الأبيض في اليوم الأسود" ليس دراما وإنما هو ميلودراما لا تهتم بالإقناع وإنما تتلاعب بعواطف المشاهد بالاعتماد على التهويل والمبالغة والنجوم واستجداء المشاعر. ولذلك تذكرنا الأفلام الهندية التي تجسد أرقى مستوى للميلودراما في العالم. ومع ذلك لم ينكر واحد من أهم نجومها وهو " أميت باشان" الذائع الصيت عالمياً وخصوصاً بصفته معشوق الفتيات أن هذه السينما تضر المشاهد باستغفالها للمنطق والعقل وغياب الواقعية عنها. لكن سر نجاحها هو أنها تقدم للمتلقي جرعات من المخدر لينسى هموم الحياة. وهنأ فائدتها وضررها معا، وهنا أيضاً سر حياتها السرطانية.
أتذكر في رمضان الماضي وفي نفس زحمة الشاشة الصغيرة بالمسلسلات من كل الأشكال والألوان فاجأنا يحيى الفخراني ومخرجة لم أكن أعرف اسمها في ذلك الوقت هي رباب حسين بعمل درامي تراجيدي بكل معنى الكلمة. وعلى غير توقع تابع الجمهور أكثر من ثلاثين حلقة يتنامى الحدث المأساوي فيها بكل المنطق والصدق الممكنين. ولذلك فقد أحببت فيما أذكر رحيم عمران المنشاوي مثلما أحببت أوديب واليمامة بنت كليب وربما مثل هاملت والحجاج الذي مضى يردد دون وجل: "ما في الجبة إلا الله". ربما كان في رحيم المنشاوي شيء من جيفارا أيضاً وبعض روح المغامرة التي ميزت الخوارج.
البطل التراجيدي "مبدئي" ومتطرف،ويريد كل شيء أو أنه سيخسر كل شيء. المواصفات الواقعية التي تحسب الربح والخسارة كما يفعل التجار لاتهم البطل التراجيدي في شيء. إنه مصداقاً لوصية أمل دنقل،" لا يصالح ولو ملكوه الذهب. " لأنهم" لو وضعوا بدل العين المفقوءة لؤلؤا فإنه لن يبصر بها" هناك أيضاً والكلام لدنقل: "أشياء لا تشترى." يجب أن يتم مسح الحدث الكارثي الذي وقع وإعادة التاريخ كله إلى الوراء ليتشكل من جديد وعند ذلك فقط يمكن أن نصالح.
قد يبدو ذلك حماقة. لكن هناك في الواقع شعرة رفيعة بين الحماقة والبطولة التراجيدية. ولا شك أن البطل التراجيدي كما الفعل التراجيدي يتضمن درجة من الخرق والبلاهة الخفيفة التي تدعو إلى الحب والعطف دون أن تصل حد الاحتقار. إذ يبقى هناك هالة من العظمة التي تدعو المتلقي للإعجاب بالبطل على الرغم من كل هناته. إنها على الأرجح عظمة الإنسان وإصراره على حد زعم هيمنغوي على أن يبقى واقفا حتى ولو دمر. انه قابل للدمار ولكنه غير قابل للهزيمة أو الاستسلام.
رحيم عمران المنشاوي بطل "الليل وآخره" شخص طيب ومعطاء. وفي هذا يلتقي مع عباس الدميري بطل "عباس الأبيض ". لكنه يختلف عنه في تركيز شخصيته وعدم تبعثرها أبداً. عندما يحب رحيم فإنه بكل قوة البطل وكثافة حضوره يحب كما الطفل، ويندغم بحبه إلى إلى حد ينطبق عليه ما عبر عنه البياتي مراراً "حبي دمرني، روما دمرها زلزال." وأمام ذلك الحب غير العقلاني " لغزية " ولأنه ينتمي لمجتمع ريفي صعيدي فإن الأهل يصطفون جميعاً ليمنعوا العار أن يلحق العائلة المحترمة. لكنه يتمرد على الإله الأب في مشهد يذكر بتمرد آدم على ربه وعصيانه له. وعندما تقع الكارثة التامة باختفاء محبوبته، يصبح مطلبه جنونيا تماما: عودة المحبوبة أو حرمان اخوته من كل شيء. إنه البطل التراجيدي من أيام اليمامة بنت كليب:"أريد أبي حياً." ولكن إذا لم يأت حياً؟ الحرب حتى فناء الجميع. والمعادلة واضحة كما لخصها كليب ثم أمل دنقل: "لا تصالح على الدم حتى بدم." والحقيقة أن رحيم عمران المنشاوي لن يصالح مهما كلف الثمن. وسوف يقود العائلة باتجاه الكارثة على الرغم من مشاعر وأحاسيس بترقب الفاجعة والمأساة يخامران روحه القلقة طوال الوقت. لن يقبل رحيم إلا بعودة كليب من الأموات، فيقود العائلة من مصيبة إلى مصيبة. وذلك على كل حال أبسط حقوق البطل التراجيدي الذي لا يعرف لا يعرف التسويات ولا الحلول الوسط لأنه الشطط في مشاعره وقراراته ونقائه الاستثنائي.؟ إن كل القصة كما يلخصها شقيق رحيم الدكتور زين "قصة صغيرة"، "كان عايز يتجوز واحدة من إياهم ولما نصحناه زعل وحرمنا من كل حاجة" هذه هي العيون العادية أما عيون البطل التراجيدي فإنها ترى على أعماق مختلفة: لقد غدر به الأقربون وحرموه من الأجمل في حياته.ولابد أن رد الفعل يجب أن يكون على قدر"الجريمة ومرتكبيها" وعلى قدر الطعنة وخيبة الأمل المتحققة.
لن أسرف في القول في بناء الليل وآخره الجميل.فقط أود أن أنوه أنني لم أجد مكاناً في بناء الحبكة لقصة الحرب والشهادة..الخ أظنها هفوة كبيرة أتت في باب استجداء عطف الجمهور. وهي حركة ميلودرامية بطبيعة الحال. لكن فيما عدا ذلك فقد كان الليل وآخره نموذجا للدراما الراقية في أجمل تجلياتها وأما العمل الحالي عباس الأبيض فهو للأسف في مستوى آخر بل هو يقع في خانة فنية مختلفة هي خانة الميلودراما التي لا علاقة لها بالفن الراقي من قريب أو بعيد.



#ناجح_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية والمؤسسات لفتح خاصة وفلسطين عامة
- سقوط أيديولوجيا حقوق الإنسان
- حول انتهاء إضراب العاملين في وكالة الغوث
- حول المقاومة العراقية وحرب العصابات
- لا مكان للاعتدال في إدارة بوش
- من رام الله إلى الفلوجة
- جونسون روح،نيكسون جاء
- رعب المواطن من غياب - أبوعمار-
- أسس الحرية في الذهنية الفلسطينية
- كيف تمت عملية التسجيل للانتخابات الفلسطينية؟
- ميتافيزيقا التفجيرات في طابا
- الحق في عدم التسجيل
- اختراعات وكالة الغوث الدولية
- قاطعوا التسجيل للانتخابات
- حول موضوعة الانتخابات
- إسرائيل لن تبقي ولن تذر
- الوطن يسع الجميع نحو حقوق إنسان بمشاركة القادة الدينيين
- عذاب الجسور تحية لشرطي المعابر على الرغم من المعاناة
- المرأة والعنصرية
- الماء أولاً، الحريات الغربية أخيرا


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناجح شاهين - يحيى الفخراني ما بين الدراما والميلودراما