أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - للأسرى فرحة وغصة















المزيد.....

للأسرى فرحة وغصة


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 3520 - 2011 / 10 / 19 - 11:47
المحور: القضية الفلسطينية
    


للأسرى فرحة وغصة
علي جرادات
اليوم، (أمس)، هو يوم الوجد إلى الأمهات والآباء والأبناء والبنات والأحفاد والأقارب والأصدقاء ورفاق النضال، إلى تراب الأرض، إلى أبواب بيوت المخيم والقرية وحواري المدن، إلى أزقتها، إلى البيوت الدافئة تنتظر ألفاً ويزيد ممن طوتهم الزنازين الباردة لعقود عدة، فيما خمسة آلافٍ منهم في عتمتها لأجل حرية الشعب والدفاع عن الوطن، ما زالوا على خط المواجهة الأول صامدين يقاتلون. إنه يوم لم تعد فيه الحرية حلماً يشعل الحنين، بل صار لبعضٍ من ستة آلاف أسير فلسطيني حقيقة، فيما لا يزال أكثرهم لتنسم رائحتها يحلم، وفي معارك الجوع الممتدة في مواجهة الركوع ما انفك ينتصب شامخاً.
نعيش لحظة يمتزج فيها الفرح بالغصة، فرحة في القلب أوقدتها عودة بعضهم، وغصة في الحلق يذكيها بقاء أكثرهم. وهؤلاء وأؤلئك هم من خيرة شباب وشابات فلسطين، الذين تقدموا الصفوف، وقدّوا البطولة من صوان جبالها، ليفكوا قيد حريتها، قبلوا التضحية بحريتهم طوعاً وعن طيب خاطر، وخاضوا غمار بطولة ومعاناة، امتزجتا، ودامتا لعقود عدة، هي عمر قضية شعبهم ووطنهم.
نحن إزاء يوم مشهود يحيل لحكاية رجال ونساء، كأنهم جبال راسخة، ملأتهم حقول العطاء، ظلوا شامخين كسارية تخفق فوقها رايات الأحرار. نحن إزاء فرسان شقوا غبار معارك مقارعة السجان، حتى آخر نبض، وما ترجلوا تَعباً أو هزيمة، وظلت عيونهم المتوقدة، ترنو إلى العلا وآفاق انبلاج شقائق النعمان على ضفاف الجداول. نحن إزاء لحظة تكثف حكاية عشاق حرية مغتصبة، هزموا زنازينهم، بعضهم نال حريته، وأكثرهم ما زال إليها ببطولة يسير.
لصبرٍ تكلل بالحرية نفرح. برجال ونساء كأنهم جبال في شموخ الموقف نحتفي. لعزائم ما فترت، ولروح ما انكسرت، ولضمائر حية لم تصدأ، ولملحٍ لم يفسد، ولأعمارٍ صبت في نهر الحرية، فكانت تياراً دافعاً، وصفحة ثانية بعد الشهداء مشرقة في سفر هذا الشعب وكفاحه المديد، نوقد المشاعل ونحتفي بميلادهم الجديد. وللمتبقين الذين تلقفوا راية الصبر، رغم وهن الجوع في مواجهة الركوع، نحني الهامات احتراماً وتقديراً، ونواصل ترسُّمَ دربهم كي نلقاهم، ونفرح بهم في يوم آت، أيضاً.
بحرية هؤلاء وصبر أؤلئك ينقسم القلب إلى حالتين، وينفطر الوجدان إلى فضائين، ترتاح بسمة على الشفتين وتذرف العين دمعة، حالنا حال أمٍ تستقبل عائدا بزغرودة، وتخفي في الحلق غصة على آخر ما زال في بطن الحوت يكابد.
تختلط المشاعر بين فرحٍ ووجدٍ، وتنتاب الجوانح خفقات يتخالط فيها وجع الأيام وانبثاق الأمل. فيا أيها القادمون من عتمة الزنازين لكم حقكم أن تفرحوا، وإن كنا نقرأ في عيونكم حزن السنين وغصة فراق من ظلوا هناك يرسمون الأمل على الخيوط القادمة من فوهات ضيقة. ولكم أيها المتبقون أن تستلوا نسغ الأمل من فرحة الخارجين لا يستعجلون وداعكم، فالعِشْرَة طالت، وحفرت في زوايا الذاكرة قصصا ومعارك وأحاديث شتى، لكم أن تحتفظوا بها زاداً للغد القادم، وإن طال.
للأم أن ترقص في استقبال ولدها، ولها أيضا أن تفكر بجارتها التي ما زالت تجلس على جمر الانتظار. للكهل الذي كان يوم دق العسكر أبوابه شاباً، فإختطف غرسته الأولى أن يرى غده الضائع في عين القادم من هناك على سرج يحلم بالريح ورعد ومطر، وله أن يفارق إدمان الإذاعات بحثاً عن خبر يطمئنه، وله أيضاً أن يواسي صديق مقهاه، في لحظة تبدد فيها حلما سكنهما معاً. وللقادمين إلى بيوت ظلوا يحنون إليها، أن يستعيدوا الدروب وما تغير من مسالك، وأن يعيدوا قراءة المكان في وجوه الناس، وآخر ما استجد من دمار، آخر زيتونة حُرقت، وآخر أفعى تلوت بين الحقول.
يا أيها الذين تغادرون من قبر إلى منفى، قولوا للعالم، أننا من الموت قادمون، أخبروهم عن ليالي البرد والجوع والعزل، واحتفظوا بما ربيتموه من أمل، كي يقودكم إلى عودة أخرى، كل عودة دونها ناقصة. ويا حرائر هذا الشعب لكُنَّ أن تتزينَّ بالمُطَرَّزِ من الثياب، وأن تخضِّبن أيديكنَّ بحناء له لون التراب، وفيه نسغ الحياة، وأن تفتحنَ أبواب الفرح على عرسٍ، تمطر السماء فيه نجوماً على طرحاتِكُنَّ البيض، فيضيء ليل البلاد، ويستحي من وجوهكن بدرٌ طالما تغنى به الشعراء. ويا "نائلاً" لحريته بعد 34 عاماً من الإقصاء، ها أنت اليوم تعطي البرهان على أن الإنسان يمكن أن يُحطَّم، أما أن يُهزم فلا. ويا يونس الثمانيني، يا أيها الشيخ الذي ما انفك يوماً عن الصبر، ها أنت تعطي اليوم الأمل كله، وأنت قاب عمرٍ على حدِّ السيف، لكن العزيمة ما كلَّت، لتكون أيقونة يأتيها النساك في لحظة شك أو حيرة، فافرح بما تبقى لك من عمر نُسج من خيوط التاريخ، ومن هذا الضوء الذي يتحدى الأسلاك والجدران، فيشع بين غابات الكرمل ضياء يمتد إلى قباب القدس وفيافي الصحراء. هل كنت يونس الذي ابتلعه الحوت، فظل صابراً حتى تجشأه عنوة عند شاطئ يعرفك ولا يعرفه. ويا أيها المتبقون بعد يونس، أنتم يا أيوب المتبقي هناك، تعمدواْ باسمكم ينثال الصبر على كل زنازينكم وبين الردهات في ساحات التنفس، فينقبض قلب السجان وتزهر في العتمة روح تحدٍ يسقيها صبركم.
ويا أيها اللاجئون في فيافي الأرض تبركوا من ملح الأرض القادم إليكم، وبه تحلمون، خذوا القادمين إليكم، بعد أن منعكم السجان من العودة إليهم، ففي زفراتهم رائحة البحر وعطر الليمون، وعلى وجوههم بعض غبارٍ يلمع، فهو تراب الوطن، فقبِّلوه، وفي صوتهم بحة ندى وموالٌ يشدو بالحرية، فغنوه، استعيدوا منهم صورة الوطن، وملامح الغد القريب، آت لا محالة آت، اللهم إلا إذا كان بمقدور عبث السياسة المتقلبة نَفْيَ حقائق الجغرافية والتاريخ والديموغرافيا الراسخة.
أما أنت يا سعدات النظيف، يا أيها القائد فعلاً لا قولاً، ومعك مَن يشهرون أمعاءهم سيفاً مجرباً كي يرفعوا سقف السجن الواطئ، وينتزعوا خيطاً آخر من خيوط الشمس إلى زنازينهم، ويستجلبوا نسمة أخرى من نسيم البلاد، فلكم مجد مواصلة المشوار، والحرب سجال، وإرادتكم صخرة تستعصي على مطارق الجلاد، فيعود واهناً، وما أصاب عزيمتكم وهْن، مثله في ذلك قول الشاعر: كناطح صخرة يوماً ليوهنها/ فما لانت وأوهى قرنه الوعل. صبركم يشدنا نحن هنا، يُضْحي صمغاً لاصقاً لمكونات الوطن، يعيد تشكيل الصورة صافية كما ينبغي أن تكون، فشدوا الحزام على بطون وصلت إلى الظهر، فمنكم يا ثمرة نضالات 800000 مناضل فلسطيني، ذاقوا معاناة القيد وبطولته، تعلمنا أن النصر صبر ساعة.
لفرحة العائدين نفرح، ومع صبر المتبقين نتضامن ونتعاضد. للعائدين قول شاعرنا: "فكر بغيرك...وأنت تعود إلى البيت بيتك لا تنسى أهل الخيام". وللمتبقين قولهم: نحن شموع تضيء الظلام. وللشعب المكافح الصابر والدُ العائدين والمتبقين، قوله: ليَ الأرض مهما تبدلت الأيام



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد سعدات ومرضى الأسرى في خطر!!
- الطغاة يُعَبِّدون الطريق للغزاة
- لأمريكا أيضاً ثوابتها
- الأزمة الراهنة للنظام الرأسمالي العالمي
- الدلالات القومية في الأحدلث الوطنية المصرية
- أسئلة مشروعة حول خطوة صائبة
- في الذكرى العاشرة لرحيله: أبو علي مصطفى: قيمٌ وخصالٌ وسجايا
- حول دلالات عملية إيلات
- إسرائيل إذ يحكمها سليل جابوتنسكي وريغان
- تطرُّفٌ يغذيه تهالك
- إسرائيل: احتجاجات ضمن النظام السائد
- حول القبول الإسرائيلي الأمريكي بمبدأ الدولة الفلسطينية
- القضية الفلسطينية بين -تدويلين-
- الهجمة على الأسرى الفلسطينيين سياسية بامتياز
- إلى متى يتواصل تجريب المجرَّب؟؟!!
- هل ولَّى زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة؟؟!!
- -فذكِّر، إن نفعت الذكرى-
- وتتواصل المجازر الإسرائيلية
- إسرائيل -الدولة القلعة- إلى أين؟؟!!
- استحقاق مفروض قبل ما قبل خطاب أوباما


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - علي جرادات - للأسرى فرحة وغصة