أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي جرادات - الدلالات القومية في الأحدلث الوطنية المصرية















المزيد.....

الدلالات القومية في الأحدلث الوطنية المصرية


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 3486 - 2011 / 9 / 14 - 10:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إن كان من الخطأ تشخيص الحدث السياسي ذي المغزى بمنهج تضخيمي يرى ظِلّ الجمل كأنه الجمل، فإن من الخطأ أكثر تشخيصه بمنهج عدم رؤية أن ظِلّ الشيء دليل على وجود صاحبه. وإن كان من الضار تحليل مستقبل الحدث السياسي ذي المغزى بمنهج استعجالي يستنبت للطفل شارباً، فإن من الضار أكثر تحليله بمنهج لا يرى أن طفل اليوم هو رجل المستقبل. وإن كان من الخطيئة التعامل مع نتائج الحدث السياسي ذي المغزى على طريقة الظن بإمكانية اعتصار كيلو غرام عسل من نحلة واحدة، فإن من الخطيئة أكثر عدم التعامل مع هذه النتائج بمنهج عدم دعم مسعى تجميع عسل أكثر من نحلة. وبلغة سياسية أوضح، إن كان من المغامرة السياسية التعامل مع الحدث السياسي الثوري، تشخيصاً ومساراً ونتائج، بمنهج تضخيمي استعجالي مبالِغ، فإن من الاستكانة السياسية التعامل مع هذا الحدث بمنهج تبخيسي انتظاري تسفيهي، سيان لمصلحة أو لجهل.
عليه، فإن غضبة الشعب المصري ضد مقر سفارة إسرائيل في القاهرة حدث سياسي كبير، وينطوي على الكثير من الدلالات. إنه الدليل القاطع على أن الشعوب العربية لا تخون قضاياها، وقضية العرب الأولى، قضية فلسطين، على رأسها. إنه البرهان الكاشف لزيف الشعار التبريري، "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، الذي قام على خرافة أن الشعوب العربية لا تكون مقاومة على الجبهة الخارجية إلا إذا كانت مقموعة وجائعة داخلياً، وكأن أنظمة الاستبداد الرسمي العربي أكثر وطنية وقومية من شعوبها. إنه الشاهد الذي لا شك فيه على ترابط الوطني والقومي والديمقراطي في الحراك الشعبي العربي، الذي أخطأ كلُّ من رأى، أو مَن لا يزال يرى، في تأخر تجلي هذا الترابط، دليلاً على غيابه. إنه الكشف بالوقائع عن خطأ كلّ من اعتقد، أو مَن لا يزال يعتقد، أن ما بعد هذا الحراك الشعبي العربي، الحدث التاريخي، يمكن أن يكون هو ذاته ما قبله، وطنياً وقومياً وديمقراطيا، حتى في مرحلته الانتقالية الصراعية المعقدة. إنه الدليل القاطع على أن الشعوب العربية التي كسرت حاجز الخوف، واكتشفت سر قوتها، أصبحت لاعبا سياسياً يقظاً، يسير، (تقدم الأمر أم تأخر)، وإن بتدرج يفرضه الصراع المحتدم، صوب أن يصبح هو اللاعب السياسي الحاسم، وطنيا وقوميا وديمقراطيا، ما يعني أن الحراك الشعبي العربي، الذي شب عن طوق نظم الاستبداد والفساد والتبعية، قادر أيضاً على الإفلات من محاولات إعادة تعليبه في إطار نخب قيادية معارضة، عجزت في السابق عن تفجيره وقيادته، وتحاول اليوم الحدَّ من آفاقه، وطنياً وقومياً وديمقراطيا، بطريقة "سلطوية" استعمالية، تتنازع على تقاسم مغانمه قبل استكمال مهامه واستقرار نتائجه، على طريقة التنازع على جلد الدب قبل اصطياده.
لذلك، وعليه، فإن من السذاجة للسياسي، فما بالك للمُفكِّر، أن لا يرى دلالة أن الغضبة المصرية ضد السفارة الإسرائيلية، قد كانت عملياً، وبصورة أساسية، جماهيرية محضة، أو أن يختزل تفسيرها، في السبب المباشر الذي فجَّرها، أي استشهاد عدد من الجنود المصريين على يد الجيش الإسرائيلي بعد عملية إيلات، ما يعني قراءة الاختزالية لهذا الحدث السياسي الكبير، الذي ليس بالمعنى المطلق، بل بالمعنى النسبي المفروض بضرورات التخصص، الناجمة عن تعقيدات هذا الحدث السياسي وتشابكاته وتعدُّدِ جوانبه، ثمة فرق جوهري بين اهتمام الصحافي والسياسي والمفكِّر به. يهتم الصحافي بمتابعته والتقاط دلالاته المباشرة، أما السياسي فيهتم بالبحث في المعنى السياسي له، ولكن المفكِّر يهتم في معنى المعنى الكامن خلفه، ما يفرض على السياسي أن يكون، (عملياً)، بمثابة جسرٍ يتوسط الصحافي والمفكِّر، وبالتالي، فإن الحذق في قراءة هذا الحدث السياسي الوطني المصري، بل، والقومي العربي، ذي الدلالات الكبيرة، إنما يكون بالربط بين المدلول السياسي والفكري له، وليس بالتملص "الفهلوي" منه، الذي يجعل قراءته، (بوعي أو من دونه)، أقرب إلى القراءة الصحافية، المعنية أكثر بمتابعة مجرياته والتقاط المباشر من دلالاته.
إن غضبة الشعب المصري ضد سفارة إسرائيل، وإن كان حدث استشهاد عدد من الجنود المصريين، هو السبب في تفجرها، فقد كان عدم الرضا الشعبي عن معالجة السلطة المصرية الانتقالية، المجلس العسكري، لهذا الحدث، هو السبب في تأججها. لكن هذا وذاك من الأسباب المباشرة لهذا الحدث السياسي الكبير، إنما تشير إلى سبب أعمق، يتمثل جوهراً في رفض الشعب المصري، والشعوب العربية عموماً، لمقاربة السادات، فمبارك، فغالبية النظام الرسمي العربي، القاضية بالتطبيع مع إسرائيل قبل حل، وفي أقله تسوية، جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، القضية الفلسطينية. هذا فضلاً عن رفض هذه الشعوب لسياسات أنظمتها الرسمية الاستبدادية، داخلياً وخارجياً، وتوقها إلى تحرير بلدانها، سيما مصر، مفتاح الأمة ومرآتها، مِن براثن التبعية للسياسة الأمريكية الإسرائيلية، التي تستبيح الأمة العربية وشعوبها، سياسة واقتصاداً واجتماعاً وأمناً وقضايا، خاصة مع إدراك هذه الشعوب لحقيقة أن الأمن الوطني للأقطار العربية عموماً، وللأمن الوطني المصري خصوصاً، يترابط بنيويا بالأمن القومي العربي، وأن لا مشروع تنموي قُطْري دون مشروع تنموي عربي. وهذا ما زكته تجارب التاريخ العربي الحديث عموما، وتجربتي محمد علي وعبد الناصر في مصر تحديداً، كتجربتين قوميتين لم يستطع انثناء نظام السادات فمبارك عليهما، وعلى مدار ثلاثين عاماً، من إزاحة ما حملتاه من توجهات قومية، انغرست عميقاً في الوعي الشعبي المصري، بل والعربي عموماً.
بلى، من السذاجة إنكار حقيقة أن غضبة الشعب المصري ضد سفارة إسرائيل، إنما تعكس في دلالاتها البعيدة وعي الشعب المصري، والشعوب العربية عموماً، بالترابط الموضوعي بين الأمن القومي، بمعناه الشامل، وبين القضية الفلسطينية، أي اعتبار أن إسرائيل، المحترفة للحروب، والرافضة للتسوية السياسية لجوهر الصراع العربي الإسرائيلي، القضية الفلسطينية، تبقى تهديداً قائماً وفعلياً للأمن الوطني المصري، والقومي العربي عموماً. في السياق حريٌ التذكير بأن الشعب المصري، بل، والشعوب العربية عموماً، كان قد تسامح مع قائده القومي، عبد الناصر، حين نزل إلى الشوارع مطالباً إياه بالعدول عن استقالته، رغم إقراره الشجاع بالمسؤولية عن هزيمة العام 1967، ذلك لأنه كان يثق به كقائد قومي، على عكس ما جرى للسادات، الذي لم تحرك عملية اغتياله ساكناً في الشارع المصري والعربي، بل، ولاقت الترحاب به أيضاً، فيما كان مصير مبارك أقسى.
قصارى القول، كأن الشعب المصري في غضبته ضد السفارة الإسرائيلية، إنما يعبِّر عن توقه الجامح لاستعادة ما خربه السادات فمبارك، ولإعادة بناء سياسة مصر الخارجية على ثلاث أولويات، (دوائر بكلمات عبد الناصر)، تنسجم مع حقائق التاريخ والجغرافيا، عربية وأفريقية وإسلامية. بل، وكأن الشعب المصري في غضبته ضد السفارة الإسرائيلية، إنما يستعيد ما كان قد قاله عبد الناصر في أحد خطاباته: "سعد زغلول أحترمه، لكن خطأه أنه قال: العرب يساوون صفر زائد صفر زائد صفر، وهذا ما أضعف ثورة عام 1919.....فيما محمد علي بحث عن قوته في التوجه شرقاً...".



#علي_جرادات (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة مشروعة حول خطوة صائبة
- في الذكرى العاشرة لرحيله: أبو علي مصطفى: قيمٌ وخصالٌ وسجايا
- حول دلالات عملية إيلات
- إسرائيل إذ يحكمها سليل جابوتنسكي وريغان
- تطرُّفٌ يغذيه تهالك
- إسرائيل: احتجاجات ضمن النظام السائد
- حول القبول الإسرائيلي الأمريكي بمبدأ الدولة الفلسطينية
- القضية الفلسطينية بين -تدويلين-
- الهجمة على الأسرى الفلسطينيين سياسية بامتياز
- إلى متى يتواصل تجريب المجرَّب؟؟!!
- هل ولَّى زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة؟؟!!
- -فذكِّر، إن نفعت الذكرى-
- وتتواصل المجازر الإسرائيلية
- إسرائيل -الدولة القلعة- إلى أين؟؟!!
- استحقاق مفروض قبل ما قبل خطاب أوباما
- أحلام شبيبة بلا حدود
- اضاءات على إنهاء الانقسام
- ابن لادن: صنعوه فاستعملوه فقتلوه
- الحراك العربي: تخصيب للمجتمع السياسي والمدني
- محاكمة مبارك سابقة عربية تاريخية


المزيد.....




- صورة سيلفي لوزير مغربي مع أردوغان تثير انتقادات وردود فعل في ...
- سيارة همر -مسروقة- في دمشق تظهر ضمن سيارات الأمن السوري... ك ...
- -فضيحة الصندل-.. برادا تعترف باستلهام تصميمها من الصندل الهن ...
- مقتل 18 فتاة في -حادث المنوفية- يهز مصر وسط مطالب بإقالة وزي ...
- مئات الملايين والمليارات: حفلات زفاف باهظة الثمن في القرن ال ...
- ترامب: أنا -لا أعرض شيئا على إيران ولا أتحدث معهم-
- مشروع مغربي طموح يربط دول الساحل الإفريقي بالمحيط الأطلسي
- توتر الوضع الأمني في الشرق الأوسط : كيف يؤثر على خطة لبنان ل ...
- بعد شهر من الغياب.. العثور على جثة الطفلة مروة يشعل الغضب في ...
- حل مئات الأحزاب الأفريقية.. خطوة نحو التنظيم أم عودة لحقبة ا ...


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي جرادات - الدلالات القومية في الأحدلث الوطنية المصرية