مهند صلاحات
الحوار المتمدن-العدد: 1045 - 2004 / 12 / 12 - 10:53
المحور:
القضية الفلسطينية
حركة فتح وعبر سنوات من انفرادها بالقرار الفلسطيني بعد أن وقعت منفردة اتفاق أوسلو مع الطرف الإسرائيلي وانفرادها طول الفترة السابقة بالسلطة الفلسطينية, وبقيت حركة فتح طوال هذه المدة تختبئ خلف شعار الديمقراطية الذي سرعان ما انهار وبان زيف هذا الشعار بعد وفاة ياسر عرفات الذي شكل فراغا سياسيا كبيرا في سلطة أوسلو, وبعد وفاته مباشرة ظهرت بوادر الخلاف بين قادة فتح في من سيكون خليفة عرفات القادم.
أجمع أبناء الفتح على أن أبو مازن هو المرشح القادم للرئاسة الفلسطينية, إلا أن ظهور البرغوثي الذي يقبع بالسجن وترشيح نفسه للانتخابات شكل شرخا في الحركة, وكشف عن زيف الزعم الديمقراطي للحركة التي جاء بتصريح عن قيادتها المركزية القول : أن اللجنة المركزية بالحركة سوف تتجاهل البرغوثي ليعرف حجمه الطبيعي في الانتخابات, جاء هذا الكلام في البيان الذي أشارت له صحيفة دنيا الوطن والذي كان من نصه :
قررت اللجنة المركزية لحركة فتح إهمال مروان البرغوثي أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية والمعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي وعدم التفاوض أو الاتصال معه بهدف إقناعه بسحب ترشيحه للانتخابات الرئاسية.
ويصر معظم أعضاء اللجنة المركزية التي تمثل الحرس القديم في حركة فتح علي رفض أية شروط يضعها البرغوثي من اجل انسحابه، ومشددين علي أن البرغوثي احتل مكانة اكبر من حجمه داخل الحركة، ولذلك فليخض الانتخابات الرئاسية من اجل معرفة حجمه الحقيقي حسبما ذكرت مصادر فلسطينية مطلعة.
ومن جهته أكد حاتم عبد القادر عضو اللجنة الحركية العليا لحركة فتح والتي تمثل الحرس الجديد في الحركة أن هناك عدم اهتمام من قبل اللجنة المركزية بترشيح مروان نفسه للانتخابات الرئاسية كمرشح مستقل أمام مرشح الحركة محمود عباس أبو مازن. ( صحيفة دنيا الوطن )
لقد تجلت ديكتاتورية الحركة في محاولة منع البرغوثي المرشح الأكثر شعبية في الشارع الفلسطيني في الداخل وفي التأييد الذي يلقاه في المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا من ترشيح نفسه لأن البرغوثي لم يتورط بملفات فساد وسرقات, وكذلك يراه الناس قريباً منهم أكثر من أبو مازن مهندس الحلول السلمية منذ الثمانينات.
لكن لماذا تصر حركة فتح على منع البرغوثي عن ترشيح نفسه ؟
السبب واضح جدا, وذلك لأن الحركة تخشى انحياز مؤيدين الحركة لصالح البرغوثي على أبو مازن المعروف بفساده المالي والإداري, ودوره الكبير في عملية الحلول السلمية, ومحاولاته الواضحة في إجهاض الانتفاضة الفلسطينية, والوعود التي أطلقها أبو مازن بوأد الانتفاضة وسحب السلاح من رجال المقاومة الفلسطينية وعلى رأسهم كتائب الأقصى والتي كما تزعم إسرائيل كان يتزعمها البرغوثي الذي تشير تصريحاته من داخل سجنه على أنه ماضٍ في استكمال الانتفاضة الفلسطينية حتى تحقق اكبر كم من المكاسب للفلسطينيين.
لكن لماذا اختارت اللجنة المركزية لحركة فتح أبو مازن ورجحت كفته على كفة أي مرشح أخر حتى أن كتّاب الحركة يكادوا يحسمون الأمر لصالح أبو مازن قبل الانتخابات؟
يمكن استقراء ذلك من خلال مقالة لأحد كتاب فتح حيث حدد فيها الشروط التي توفرت في أبو مازن ولم تتوفر في غيره من المرشحين للرئاسة الفلسطينية وهي ما يمكن أن نقرأها من خلال (الشارع مع فتح ولكن فتح في حيرة مع مروان ؟ كاتب من كتاب حركة فتح :د.علاء أبو عامر)
حيث يقول الدكتور علاء وهو أستاذ للعلاقات الدولية في غزة :
1) (مرشح حركة فتح محمود عباس أبو مازن هو الوحيد من بين الزعماء الفلسطينيين الذي تتجند لدعمه كل القوى الفتحاوية وبعض الفصائلية ودول الجوار والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة)
إذن أتضح لدينا الشرط الأول من شروط ترشيح أبو مازن وهو رضى الولايات المتحدة الأمريكية عنه, باعتباره من أكثر من يخدم المشروع الأمريكي في القضية الفلسطينية, إلى جانب أنه يحظى بدعم كبير من الدول العربية مثل سوريا التي زارها مؤخراً بعد مقاطعة طويلة دامت سنوات بين حركة فتح والسلطة الفلسطينية وبين القيادة السورية التي كانت وعبر سنوات تحتضن حركات الانشقاق عن الفصائل الفلسطينية وأبرزها انشقاق فتح الذي يترأسه أبو خالد العملة وأبو موسى, هذه الزيارة التي مهد لها الملك الأردني عبدالله, وكذلك الأردن التي تدعم عباس كثيراً باعتباره من المقربين للتيار الأردني في الضفة الغربية.
2) (أما فيما يتعلق بوسائل الإعلام الفلسطينية ، يبدو أن الأستاذ عبد الستار قاسم قد علم اليوم فقط أن معظمها هي وسائل أعلام مرتبطة بشكل أو بأخر بالحزب الحاكم أي بحركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) وأنه من الطبيعي أن تمول كافة النشاطات الخاصة بمرشح فتح من الحركة وأن تدعم حملته الانتخابية من مؤسساتها بما في ذلك وسائل الإعلام ومن المعروف في بلاد الديمقراطية الغربية العريقة أن المرشح المستقل إذا لم يقف ورائه ممولين ( شركات ، مؤسسات أهلية ،جماعات مدافعة عن البيئة ...الخ ) فلا نصيب له من التغطية الإعلامية)
هنا اتضح الشرط الثاني الذي يتوفر في السيد محمود عباس وهو سطوته وسيطرته على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في فلسطين مثل الفضائية الفلسطينية وبعض المحطات المحلية وكذلك الجرائد الرئيسية بفلسطين مثل صحيفة القدس والأيام والحياة التابعة للسلطة, وهذا بحد ذاته كافي لإنجاح حملته الانتخابية وطغيانها على أي حملة انتخابية منافسة مثل حملة الدكتور عبد الستار قاسم التي يتكلم عنها الدكتور علاء في مقالته ويقارن بينها وبين حملة محمود عباس .
3) (الانتخابات الرئاسية والتشريعية وغيرها ستجري تحت سقف أوسلو فهو شاء أم أبى مع أوسلو وكل معارض لأوسلو عليه أن يفكر في إحدى خيارين لا ثالث لهما إما أن يقاطع أو ينسحب من السباق ويبحث عن طريق آخر)
وهذا الشرط الثالث وهو أن محمود عباس باعتباره مهندسا لمشروع أوسلو يعتبر الأكثر حظاً لدى أمريكا من ناحية ولدى الموافقين على طرح أوسلو ثانيا, لذلك فإن عباس يرى نفسه والداً لأوسلو فهو الذي طرح خطة المشروع منذ الثمانينات وحتى اليوم, وحتى هذه اللحظة التي يرى الكثير من السياسيين فيها أن إسرائيل بانتهاكها أوسلو وإعلانها عن أنها غير ملزمة بما وقعته بأوسلو وغيره من الاتفاقات أن أوسلو قد غدا في عداد المعدوم وأن المرحلة الفلسطينية أمام استحقاق جديد أو كما يمكن أن نسميه أوسلو جديد بعد أن أعادت إسرائيل احتلال الضفة الغربية وغزة من جديد ومن ضمنها مناطق السلطة الفلسطينية ودمرت البنية التحتية للسلطة ومنشأتها التي قامت على أساس أوسلو.
لكن أبو مازن لا يزال يصر على أن أوسلو مشروع لا يمكن أن ينتهي ويجب أن تعود إسرائيل لطاولة المفاوضات لاستكمال هذا الطرح واستكمال طروحات أوسلو واستحقاقاته, بالذات بعد طرح مبادرة إحيائه عبر ما سميت خارطة الطريق والتي تعتبر الاستكمال الأكثر واقعية للحل السلمي بعد أوسلو بالنسبة لأصحاب الحلول السلمية.
وهنا يمكننا التساؤل ما هو دور أبو مازن القادم ؟
لقد تم اختيار أبو مازن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومن قبل حركة فتح وبدعم عربي ليقوم بدور استكمالي لأنه الأقدر على طرح المزيد من التنازلات قد تمس قضية اللاجئين والقدس من ناحية فيكون في هذه الحالة قد ختم مرحلة المفاوضات النهائية مع إسرائيل وقد أرسى الهدوء المطلوب أمريكيا بالقضاء على الانتفاضة الفلسطينية وتم مع الاتفاق من خلال الطرف الإسرائيلي على ترسيم حدود الدولة التي نص عليها مشروع الشرق الأوسط الأمريكي الكبير, وبعد ذلك يكون قد مضى أربع سنوات على مرحلة التنازلات هذه التي تحتاج رجلا قادرا على طرحها بقوة بحجم أبو مازن السياسي والدولي والقدرة على قمع المعارضة التي من الممكن أن تقف بوجهه و وجه تنازلاته عن الحقوق الوطنية الفلسطينية التي لا يملكها أحد ولا يحق لأحد أن يتنازل عنها كما فعل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عندما أعلن اعترافه بدولة إسرائيل وحقها في ارض فلسطين.
لذلك فإن تنبؤات حركة فتح بنجاح أبو مازن تبدو صحيحة تماماً, لعدم وجود منافس حقيقي لأبو مازن للآسف الشديد من ناحية, كما أني أرجح انسحاب البرغوثي لاحقاً, لأن البرغوثي سيلقى الكثير من المغريات التي ستقدمها الحركة له والتي سيكون أولها ضمانات بإطلاق سراحه من السجون الإسرائيلية ومن ثم إعطائه منصب بارز في السلطة.
المرحلة القادمة مرحلة حاسمة, حيث أن الانتخابات الفلسطينية ستكون مقدمة كبيرة لانتهاء الانتفاضة الفلسطينية وبدء مرحلة المفاوضات الجديدة بالنسبة للبعض وللبعض الأخر استكمالا لما وقف عنده كامب ديفد أيام عرفات, بحيث ستكون البيئة مناسبة جداً لتطبيق خارطة الطريق بحيثياتها من جهة ومن جهة أخرى التنازل عن حق اللاجئين وتعويضهم.
#مهند_صلاحات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟