أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - زهير كاظم عبود - مأساة حلبجة الانسانية المغيبة















المزيد.....


مأساة حلبجة الانسانية المغيبة


زهير كاظم عبود

الحوار المتمدن-العدد: 1045 - 2004 / 12 / 12 - 10:21
المحور: حقوق الانسان
    


لم تكن حلبجة المدينة الكردية الجميلة سوى مرتعاً طيباً للمدنيين الأمنين ، وبيوتاً للفقراء من الأكراد الذين تحملوا من ضيم السلطات التي تعاقبت على حكم مدينتهم ، وأوغلت في عذاباتها لأهل المدينة الطيبين ، واهملت عمران المدينة ووضعها في خططها ، ومنحتها أهتماماً أمنياً في الرصد والمراقبة .
لم تكن حلبجة تتميز عن غيرها من مدن الحدود العراقية المتاخمة للحدود الآيرانية ، سوى انها تحيط بها جبال كردستان ، ( شنروى ) و ( هورامان ) و ( سورين ) و ( مــه كر ) و ( بالانــبو ) و ( بحيرة دربندي خان ) ، وبالرغم من كل هذا فأن لحلبجة طعم ومميزات القصبات الكردية التي تعتز بكرديتها وبمحافظتها على الأصالة والقيم التي طالما أعتز وتباهى بها الكرد .
مدينة ( الآجاص ) وحلب الصغيرة ومدينة الكرم والشهامة والنخوة .
تلك هي حلبجة التي سوف لن تلفت الأنتباه ولن تكون المشكلة التي تؤرق الأمم المتحدة أو المنظمات الأنسانية التي تبكي على حقوق الأنسان ، تلك هي حلبجة التي تغفو بين سهول جبال الكرد وتنام على حافة سهول شهرزور وتتوسد بساتين الفاكهة التي يعج بها جسدها النحيل وقرآها التي بدأت تتمايل وتلتصق ببعض ، وتنساب منها ينابيع العيون المنحدرة من آحمد آوة او من الجبال التي تحميها من تقلبات الطقس الحادة .
تناسلت فيها البساتين كما تتناسل القيم الطيبة ، وتكاثرت فيها الفواكه كما تتكاثر الناس ، وأمتدت بها مزارع الحنطة لتنتهي مع أمتداد البصر ، فتصير حلبجة سلة الغذاء الكردية التي تعطي ولاتأخذ ، تنثر أشجار السرو حول مسيل الينابيع تصير غيمة للشاربين والذين يتوظأون ويغسلون ذنوبهم في مياهها المقدسة والطاهرة .
والتفت النظام البعثي اليها مع التفاتته الى مدن الحدود فخرب قرآها وأزال من الوجود عدد منها ، وفجر بعض الينابيع ودمر البيوت المحاددة للحدود الآيرانية وشرد اهلها وأزال معالم بساتينها وأقتلع آجاصها وأحرق مسقفاتها فباتت خرائب لايؤمها حتى الوحوش ، ولكن حلبجة بقيت بالرغم من كل أفعال البعث الهمجية تتالق كعروس كردية تزهو بحلتها الملونة .
ولم يتوقف العقل المريض والشوفيني في أيجاد وسائل لعذاب الناس أو تدمير حياتهم ، وبلغت الخسة أن قام بملاحقة أهل القرى التي تحيط بحابجة ليعاقبهم بذنب أنهم سكنوا مع آبائهم هذه القرى الحدودية من مئات السنين ، فأقدم على تجميعهم في معسكرات أشبه ماتكون بمعسكرات الجيوش وسيجها وأحاطها بالأسلاك وبالحراس وأجبرهم على السكن فيها ، منقطعين عن حياتهم بالشكل الذي أختاروه والمتناسب مع طبيعة حياتهم وقدراتهم الانسانية ، غير أن النظام الصدامي العفن قام بتدمير 260 قرية ولم يبق سوى أعداد من القرى على أصابع اليدين ، كما أوعز لزبانيته ليس فقط ترحيل الناس وتهجيرهم ، وانما تخريب معالم قرآهم وقتل حيواناتهم ومنعها من الأرتواء بماء الله ، وبقيت الأطلال شاهد على الخراب وعلى العقلية المريضة التي تعشش في عقل الحاكم الدكتاتور ، وبقيت تلك القرى شاهد على جزء صغير من شواهد العصر في الزمن العراقي البغيض ، وفي تاريخ الكرد المليء بالفواجع والكوارث .
كانت حلبجة تعيش الترقب وتبلغ العلقم حالها كحال بقية المدن الكردية المحكومة بسلطة العسكر والأمن والمخابرات والممنوعات ، وكانت حلبجة الكردية تعيش مع اهلها الكرد الكذبة الصدامية بأن الأكراد بعثيون وأن لم ينتموا .
وبالرغم من انتشار القطعات العسكرية حول مدينة حلبجة ووسط سهولها ومزارع حنطتها ، وبالرغم من تدمير بعض بساتينها من قبل الدبابات والعجلات العسكرية وأتخاذها مواقع للقيادات العسكرية ، فقد كان حلبجة تستل من بين كل هذا الركام المتلاطم من الحزن والمأساة التي يعيشها الأنسان لتحيا بفرحها الطفولي .
وبقيت حلبجة تعيش وسط الترقب والحذر والأستماع الى بيانات الحرب الكاذبة التي تبثها وسائل الأعلام البعثية وتدبلجها دائرة التوجيه السياسي في القوات العسكرية العراقية .
لم يكن العام 1988 يختلف عن غيره من السنين التي تمر على حياة حلبجة ، غير أن المدينة أدخلت هذا العام التاريخ دون أن تدري الأنسانية بذلك ، ودون أن تلتفت اليه ، ففي آذار من تلك السنة كان البرد يلف المدينة ويدفع بأهلها الى الأحتماء ببيوتهم البسيطة والمتواضعة ، لايكترث أهل المدينة لصوت الرصاص ومنظر المسلحين من العسكر الذين يجوبون الطرقات بحثاً عن مقاتل من البيش مركه أو لآحتجاز عائلته ، لم تكن المدينة تهتم لقطعان الامن والمخابرات وهم ينتهكون حرمة البيوت والنساء فقد عاشت المدينة واهلها مستباحين من سلطة لم تعاملهم كبشر ، ولاكانوا في نظرها من المواطنين العراقيين ، وانهم كانوا متهمين على الدوام ، فكل كردي معادي للسلطة ، وكل كردي مشروع لقتال السلطة ، وكل كردي هو ظهير لقوات البيش مركة وعين لها .
ولم تكن ساحة الحرب بعيدة عنهم بالنظر لأبتعاد مدينة حلبجة 16 كيلومترا عن الحدود الايرانية ، ولذلك لم تكن اصوات القتال وتبادل الأطلاق والصواريخ غريباً عليهم ، غير أن ما لفت أنتباههم في ذلك اليوم من آذار حين استطاعت القوات الآيرانية والبيش مركة الكردية أن تسيطر على الجبال المحيطة بالمدينة ، حيث صارت المديــنة واهلها الساحات الأمامية للمعركة ، وحين أستعد الناس لمغادرة المدينة ، وحين قرر بعض الناس مغادرة المدينة بسياراتهم تلقتهم رشاشات السلطة البعثية لتعيدهم الى المدينة ، وعبثاً حاول الناس ان يتخلصوا من وضعهم المأساوي الا أن الأوامر كانت قد اعطيت بأبادة أي انسان يخرج من المدينة ، وكأن قدرها تقرر أن تباد بأي شكل ، وراح ضحية هذه الرشاشات والنيران العديد من المواطنين الأبرياء من المدنيين والعزل ، غير أنهم ما أن عادوا الى المدينة حنى انهالت عليهم قذائف الدبابات والهاونات والرصاص الثقيل كالمطر ، ولم تستطع بيوتهم البسيطة أن تحميهم ، ومما زاد في الطين بله والمأساة أتساعاً تراجع القوات العسكرية الى المدينة حيث جوبهت بقصف مدفعي مركز وثقيل من جانب القوات الآيرانية كانت النتائج وخيمة على المدنيين من اهالي حلبجة ، غير أن القوات الآيرانية أستطاعت أن تلتف على المدينة لتسيطر على أحد الجسور مما جعل فلول النظام البعثي من افراد الامن والأستخبارات والجيش الشعبي يفرون هلعاً بأتجاه مدينة السليمانية ، ولم تكن لأهالي حلبجة أية فرصة سانحة أو خيار في الانتقال أو الحركة ، فما كان من الناس الذين حاصرتهم الجيوش وارعبهم القتال ونتائج القنابل والصواريخ التي أستمرت تنزل فوق بيوتهم ورؤوس أطفالهم ، وتعرضت المدينة لدك مدفعي كثيف وخراب مروع جعلها أشبة بالمدن الماهدمة وهي تحتوي تحت أنقاضها العديد من الضحايا والجثث التي طمرتها البيوت والحيطان ، والعديد من الجرحى الذين قضوا نتيجة النزف وعدم توفر الأٍسعاف ووسائل الانقاذ البسيطة .
بعد ان انسحبت القوات العراقية منكسرة زاد الجو رعباً وقلقاً ، ومع اعتدال الجو وصفاء السماء وأشراقة الشمس ، وعند الظهر كانت العوائل تعد الطعام لتناول الغذاء ، ويحاول الأطفال أن يمثلوا فرحهم رغم مالحقهم من رعب ، وهم يقلبون الشظايا والعتاد الفارغ المتبقي نتيجة القتال ، وتتناقل النسوة أخبار الموتى والجرحى ، وتدعو الناس الله ليجنبها هذه المأساة وأن يكفها شر الحرب والحروب ومسببيها .
في الساعة الثانية عشر الا الربع ظهراً لتتذكر الأنسانية هذه اللحظة المروعة والممتلئة بالفواجع ، في تلك اللحظة أطلقت الطائرات العراقية قنابل من نوع النابالم بشكل مستمر ، حيث تولى سرب من الطائرات العراقية قصف المدينة بحيث انهى مهمته ليكملها سرب آخر ، لكن التركيز على ضرب المدينة ملفت للنظر ، فقد كان جل أهتمام الطائرات المغيرة أن تقصف المدينة والأحياء السكنية منها بالذات ، وبقي القصف مستمراً بحث استمر الى الساعة الثانية ظهراً والأنفاس متقطعة والشفاه متيبسة والخوف يعم العقل والروح ، غير أن الفاجعة الأنسانية الأكبر بدأت في الساعة الثانية والنصف ظهراً حين أطلقت الطائرات المغيرة الصواريخ المعبئة بالكيمياوي على الأحــياء السكنية ، ثم توسع ليشمل القرى المحيطة بالمدينة ، ثم تركز على المجمعات السكانية التي كانت السلطة قد أجبرت الناس للسكن فيها ومغادرة بيوتهم وحقولهم وممتلكاتهم .
انتشرت في الجو روائح التفاح والثوم وروائح كريهة تشبه روائح المياه الثقيلة الآسنة أو المياه المعدنية كريهة الرائحة ، تساقط الناس في الشوارع ، القسم فقد بصره واصبح لايرى بالعين المجردة رغم كونها مفتوحة لكن البصر انعدم فيها ، رجال ونساء يتقيئون ثم ينكفئون فوق قيئهم ، اطفال يرفسون بأرجلهم دون أصابات ظاهرة ، نساء يحملن اطفالهن الرضع تحت ثيابهن ، لكنهن يكتشفن أنهم صمتوا دون صراخ ، من برقع ذاته وعائلته وسط النايلون والبلاستك المانع لكن الهواء الكيمياوي تسرب اليه كالمخدر وجعلهم صامتين وسط كابوسهم المغلف ، الشباب الذين ناموا تحت السيارات خشية من الشظايا بقوا تحتها بهدوء غير انهم فقدوا اي علاقة بالحياة ، شابات وأطفال ركضوا بأتجاه عين الماء وغسلوا وجوههم وأياديهم ولاذوا بالماء الذي تلوث بالكيمياوي هو الآخر فناموا نومتهم الاخيرة جنب مسيل الماء .
الشيوخ الذي آثروا ان يحموا احفادهم واولادهم باجسادهم ناموا نومتهم الأخيرة سوية ولم يصدوا الغازات السامة والروائح التي عمت الجو وتغلغلت في ثنايا البيوت وتسربت الى المكامن والسراديب وفي فتحات البيوت وتسللت الى المناخر والأفواه وألآذان لتقتل الجميع ، الدجاج الذي ركض ولاذ بالزرائب مع الحيوانات التي سبقته في الرفس والأحتظار هو الآخر مات على قارعة الطريق ، حتى الكلاب التي كانت تراقب المشهد بحس فطري وتعرف حجم الكارثة غير أنها آثرت أن تبقى مع اهلها وتموت معهم .
مدينة أشبه ماتكون بمتاحف الشمع تنتشر فيها الجثث أكثر من أنتشار البيوت وتتوزع عليهم خارطة الشوارع ، من حمل بعض من الكيمياوي وهرع الى الجبال القصية حاملاً قدره معه ، ربما أستطاع بعض منهم أن ينقذ نفسه في الصعود ، وربما أستطاع بعض أن يجد من الأسعافات الايرانية او الكردية مايعينه على المواجهة ، غير أن من بقي في حلبجة كان شيئاً مذكورا .
ليس في حلبجة وحدها صارالموت علامة مسجلة بالكيمياوي ، فقد انتشر في قرى كريانه وعبابيلي وأحمد آوه وهه وارة كون ودره شيش وده له مه ر وخورمال ، وكان الموت ينتشر مثل النار في الهشيم يتسلل الى جميه المنافذ فقد حمل الهواء الكيمياوي المريع الى كل البيوت والسراديب والماكن المغلقة ، وتمكن بعض من أحتاط بعناية أن يتقي الموت بالكيمياوي في السراديب وأن تسنح له الفرصة لينقذ نفسه وعائلته ، غير أن العديد منهم بقي في مكانة الى الأبد .
بقيت الجثث منتشرة يلفح بها هواء آذار وتبعث الوحشة والرهبة والسكون المريع في النفوس ، كان الناس نيام بقيت الحركة الأخيرة معهم في صمل الموت وتشنج الجثث ، وانتشرت الجثث ليس فقط في شوارع المدينة ، وانما على قارعة الشارع العام وداخل البيوت والزرائب وفي حظائر الحيوانات وفي داخل السيارات المغلقة أو وسط الخيام ، منظر ال"فال وهم يرسلون شكواهم الى الله وهم يمسكون العابهم البائسة والفقيرة وتموت معهم .
ليس فقط منظر ( الشهيد عمر خاور ) الشيخ المسن الذي يحتضن الطفل الرضيع وهو ينكفيء على وجهه ليموتا معاً ميتة مهيبة ، وليس فقط الشهيد عمر من تميز بموته التراجيدي ، فقد كان كل امراة وطفلة تتماسكان ، وكان كل رجل يبتسم للموت العراقي القادم مهيباً يجسد الموت الكردي الجميل ، وكانت كل عجوز تحاول أن تحمي بروحها ماتبقى من عائلتها منظر يدمي القلب ، وكان منظر ال"فال الذين تحللوا من قماطهم أو من أستطاعوا أن يخرجوا اياديهم من لفائفهم ويتركوا أثداء الأمهات ولهايات الفم ، البنات الذين ارتدين الألوان توزعن مثل الورود على قارعة الطريق وتبعثرن بين البيوت القصية .
تراكمت الجثث وبدأت بالتفسخ البطيء وعم الجو روائح الموت وقام الناجين من الأحياء بنقل الجثث الى اماكن أخرى وترتيبها وفتح الطرق حتى لاتدوسها العجلات أو ترتطم بها العربات التي تنقل الجثث .
عوائل بأكملها أنتهت وسكتت بهدوء ودون ضجة ، الموت يتسلل بهدوء قد تجد من بقي على قيد الحياة لكنك ستتأكد من موته بعد لحظة ، يتحدث البعض عن طلب أنقاذهم وما أن يشرب كاسة الماء حتى يعود لرقدته الاخيرة ، غفوات لم يجسدها الفن التراجيدي وحركات لاتستوعبها الكاميرات ، وموت بروائح كريهة ومحببة وأطفال تعج بهم صدور الأمهات غفوا بعد موت الامهات ، الأطفال يتسابقون الى اللحاق بأبائهم ويمسكون بثياب امهاتهم يريدون أن يلحقوا بهن في موتهن .
عجزت الأحصاءات عن تقديم أعداد محددة للضحايا والشهداء حيث تم دفن العديد منهم بملابسهم من قبل الخيرين ومن بقي حياً في المدينة قبل أن يتم قدوم الجهات المختصة بالاحصاء ، كما أن العديد من الضحايا انتقل الى الجبال ومات هناك بعد وصوله ، والعديد من الضحايا من مات في المستشفيات الآيرانية بعد معالجته ، والعديد منهم أيضاً مات في الوحدات الطبية أثناء المعالجة والأسعاف .
كان لتأثير القنابل الكيمياوية التي اطلقها الطاغية البائد على الناس الآمنين في حلبجة أثراً فعالاً وكبيراً وذا تأثير مضر وجسيم في الضرر على الناس ، فقد أثر على العيون والجلد ممانتج عنه سرطان الجلد أضافة الى التشوهات الخلقية لمن بقي منهم أحياء وأصابة العديد من الأحياء بصعوبة التنفس وعسره والأصابة بسرطان الرئة والعقم الجنسي مستقبلاً .
حين وقعت هذه الكارثة الأنسانية لم يولها الأعلام العربي أي اهتمام يليق بالأنسان ، مما يدلل على صدق النظرة الحولاء والعوراء التي يكتب بها ويعمل وفق منظورها ، فالصراخ والتدافع من اجل حقوق ال،سان في هذا الاعلام مجرد أسلوب ديماغوغي لايمت للواقع والحقيقة بشيء فقد أغمض العيون عن هذه المأساة الانسانية بحيث مررها على المواطن العربي بقصد أيهامه بحجمها الأعتيادي والصغير وغير المهم ، وفي الحقيقة أن الأعلام العربي يقع في مطب الدجل والتطبيل للسلطات حين يعتبر أن هذه الكارثة الأنسانية من الشؤون الداخلية التي ليس له التدخل بها ، أن جريمة أنسانية ومجزرة لم يسبق للطغاة والحكام المرضى أن ارتكبوا مايشابهها أو يماثلها في الخسة والقسوة والأجرام ينبغي أن يتم التركيز على جانبها الأنساني وأبعادها المأساوية .
وليس فقط الأعلام والأنظمة العربية من لم تلتفت الى مأساة حلبجة التي أرتكبها نظام الطاغية صدام البائد وساهم الأعلام والسلطات العربية في اخفاء معالمها عين أعين الناس ، أنما ساهمت السياسات والتحالفات والمصالح الدولية في التستر على عدم كشف وفضح هذه المأساة التي تهز الكيان والوجدان الانساني .
أن الصور الأنسانية المفجعة ، والكارثة التي حلت بأهل حلبجة تخرج الامر عن طبيعته ، فمأساة حلبجة لاتخص شعب الكرد وحدهم ، وتخرج عن خصوصيتها كونها جريمة مرتكبة بأيدي عربية وعراقية ، وانما ينبغي أن تكون حلبجة شاهداً من شواهد المجازر الأنسانية ، وأن تهتم الامم المتحدة بها كعلامة من علامات أفعال الطغاة والحكام المشينة و الذين ينتهكون المجازر ضد الانسانية بوحشية ، ينبغي أن تهتم بحلبجة ليس المؤسسات الأعلامية والثقافية الكردية ، وأنما ينبغي أن تصير رمزاً انسانياً يزورها العالم كله وخصوصاً الأطفال ليشاهدوا حجم الكارثة والفجائع التي حلت بأطفالها وشبابها وحلواتها .
المأساة التي حلت بحلبجة لايمكن أن تكون بهذا الحجم البسيط والمتواضع الذي ساهمت به حكومة أقليم كردستان ، فلو بقي في الضمير العالمي من بقية أن يلتفت للمأساة الكردية وأن ينحني لها قادة الأمم ، وان تتنكس الأعلام أجلالا لضحايا الأنسانية المروعة التي لم ينصفها الاعلام ولاالسياسة الدولية ، وغبنت حقها في فضح حقيقة الطغاة والجلادين وترويعهم للشعوب .
لم تلتفت المؤسسات الدولية الى كارثة أنسانية لم تزل تعاني منها الانسانية لحد الان من جراء تأثيرها ونتائجها ، لم تلتفت المؤسسات الأعلامية الى حجم الكارثة الأنسانية التي روعت جيل من البشر وزرعت في ارواحهم الرعب والخوف والمرارة وصوراً لن تتكرر بعد نهاية عصر الطغاة والدكتاتوريات البغيظة .
وحتى تبقى حلبجة شاهداً حياً تستذكرها البشرية في كل عام ، وحلبجة أحد المأسي التي تحملها شعبنا الكردي في كردستان ، وحلبجة ليست وحدها من بين ماتحملته البشر في هذه البقعة المباركة من الطغاة والشوفينيين والمنغلقين قومياً من الحكام ، وحتى تبقى حلبجة شاهداً على أضطهاد الكرد وأستباحة أرواحهم ودمائهم والأٍتخفاف بأنسانيتهم ، وحتى تبقى حلبجة رمزاً من رموز البشر لايخص الكرد وحدهم ولايشير الى فجيعة العراقي بسلطة الموت والقهر والدم والعذاب في ظل سلطة صدام البائد ، وحتى تبقى حلبجة الشاهد المغيب والحاضرة المخفية والدليل الخجول والسند المتردد في أثبات طغيان السفاحين ووحشيتهم ، وحتى تكون الصورة الحقيقية لما وقع في المدينة الشهيدة التي دفعت بالالاف من ابنائها من مختلف الأجناس والأعمار الى مذبح الشهادة تحت القصف الكيمياوي الذي اطلقه الجيش العراقي ( العربي ) بأمرة الدكتاتور العربي في الزمن العربي العاهر على المدينة المدنية الآمنة والبائسة والتي كان لابد لها أن تسجل هذه المأساة في تاريخها ليصير ملاصقاً لاشجار الآجاص التي أباد النظام البعثي نصفها ولم يستطع أن يبيد المدينة ولاأهلها بالرغم من القصف بالكيمياوي وبالرغم من التغييب الاعلامي العربي أو بواطن اللعبة السياسية الدولية في التستر على الجريمة ال،سانية التي أقترفها الطاغية مع سبق الأًرار ضد اهالي حلبجة التي ستبقى أرواحهم لاتستقر ولايقر لها قرار مالم يتم الأنتقام من الجناة والمجرمين وأن تقتص العدالة والقضاء منهم قبل أن يقتص منهم الله في الآخرة .
الشهيدة المغيبة ، والمدينة الشهيدة ، ومدينة الشهداء ، ومدينة الكيمياوي ، وحلبجة الشهيدة ، ومدينة الآجاص ، وحلب الصغيرة ، والرمز الكردي الأنساني الكبير ، مدينة الشهيد عمر خاور ومدينة عائلة الشهيد علي فتاح والد البطلة شادمان التي بقيت ترعى اخوتها الصغار وتنقل الجثث بين ركام المدينة المظلمة خلال الليل المرعب ، ومدينة الشهداء الطفال الرضع ، ومدينة الموت الصامت والهاديء ، ومدينة الروائح الطيبة والعفنة ، والمدينة التي أستباحها الطاغية ولم يتنم حتى احالها الى أكداس من الجثث ، وقتل حيواناتها ودجاجها وأشجارها ، حتى الحمائم البيضاء لم تسلم من جريمته النكراء ، والمدينة التي لم تسترد عافيتها الى الأن ، والمدينة التي لم تستمع الأمم المتحدة ولاالمحكمة الجنائية الدولية الى شكواها ، والمدينة التي لم يشبع اهلها من دموع من يبكي عليهم .
تلك هي حلبجة مدينة المدن التي لم تنصفها المدن ولاتجلل العالم على أولادها بالسواد ولاشاركتهم القبائل المذبوحة أنينها ونحيبها في ليل الأمة العربية الخالدة ، تلك هي زهوة المدائن وجبال البشر الذين ناموا تحت نسائم التفاح والخردل في الزمن الكيمياوي ، وقضوا ينتظرون منكم ماذا تقولون وماذا تقدمون .
لحلبجة التي لم تزل لحد الان بأنتظار أن يقول العالم كلمته فيجعلها هولو كوست لايخص الأكراد الذين منعوا عنهم البكاء والنحيب والحزن ، فقد ملأوا الدنيا بمظلوميتهم ولم ينتظروا منا أن نشاركهم كلمة العدالة .
يا أرض الله التي تشبعت بالكيمياوي وابتلي اهلها بالعمى واشتهرت بقبورها الجماعية واختلاط اجناس المدفونين في مقابرها ، واختلاط اسماؤهم وأمراضهم وأجناسهم .
يامدينة الله التي تعاونت عليها الطائرات والمدافع والصواريخ دون ان تدافع عن نفسها ولو بالكلمة .
لم يعد العزاء يكفي على الضحايا ، فماعاد الأستذكار يعني شيئاً للجميع .
فقد شبع الآجاص من الغازات التي اطلقها التابع بونتي بأمر سيدة الطاغية .
وقد نمت الوجوه المشوهة لترعب ضمير العالم الغافي ويستفز الاحلام لتسكمل السلطة البعثية جريمتها المتسلسلة بحق الكرد في الأنفال وفي كل سور الله وفي كل زاوية من بقاع العراق التي شبعت من دماء الاكراد .
فأن كان متسعاً لثمة مايدعى بالضمير الأنساني لنقيم عزاء الأنسانية القادم في يوم 16 /3 من كل عام تستذكر فيه الدنيا الجريمة التي ارتكبت بحقها وانتهاك الأنسان الذي صار والخسة والتدني في جرائم البشر ، أن كان متسعاً من الأستذكار للعاملين في الحقل الأنساني ألدولي أن يقيموا يوم 16/3 في حلبجة وأن يستعرضوا وجوه الأطفال الغافية في حضن الموت ، وأن يتجادلوا مع الوجوه المشوه ، وأن يستمعوا لشهادات الأحياء .
أن كان متسعاً في الضمير الأنساني لتكن حلبجة رمزاً عالمياً على خسة الطغاة وجريمة القرن ودليل على أنتهاك كرامة وحقوق وحياة البشر ، وأن تكون ايضاً أشارة مضيئة لبقاء الشعوب ثابتة متجذرة لايستطيع الطغاة أن يقضوا عليها حين ينتهي الطغاة والدكتاتورية وتبقى الشعوب قوية رغم كل الشهداء والتضحيات .
مجداً حلبجة في لحظاتك المجيدة وفي شهدائك .
مجداً حلبجة الرمز الأنساني الخالد والواسع .
مجداً حلبجة التي ندعو كل صاحب ضمير حــي ووجدان شريف أن يطالع حقيقتها وماجرى لها .
مجداً حلبجة مابقي الدهر .
تقدس التراب الذي تحتويها قبورك وذكراك .
مجداً لأطفالك الشهداء الذين تناستهم منظمات الطفولة
مجداً لضحاياك التي تناستهم المنظمات الأنسانية
مجداً لبهاء بيوتك المدمرة التي لم تلتفت اليها المنظمات الأجتماعية وتخطيط المدن
مجداً حلبجة .



#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمة العربية الى الوراء در
- حوار شفاف عن القضاء العراقي
- حق الكرد في الأختيار السياسي
- الكرد الفيلية مرة اخرى
- تأجيل الأنتخابات
- الطائفية المقيتة
- الأغلبية والأقلية
- القائمة الأنتخابية الموحدة
- أغتيال الأيزيدية
- مفارقات الزمن الأغبر
- غلق التحقيق لمجهولية الفاعل
- حرامية العراق
- خراب الروح وتزوير التاريخ
- أنهم يستهدفون الأنسان في العراق
- الحقوق - تعقيب على مقالة الصديق محمد عنوز
- حقائق مخفية عن علاقة البعث - القسم الثالث
- سلمان شمسة وداعا
- حقائق مخفية عن علاقة البعث
- حقائق مخفية عن علاقة البعث - الجزء الثاني
- كردستان واسرائيل


المزيد.....




- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - زهير كاظم عبود - مأساة حلبجة الانسانية المغيبة