أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - زهير كاظم عبود - حوار شفاف عن القضاء العراقي















المزيد.....


حوار شفاف عن القضاء العراقي


زهير كاظم عبود

الحوار المتمدن-العدد: 1041 - 2004 / 12 / 8 - 12:57
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


الأشارات التي أثارها المفكر العراقي الكبير الدكتور كاظم حبيب بشأن القضاء العراقي في العهد الملكي جديرة بالأهتمام والمناقشة ، وتثير حقاً الرغبة في طرحها للمناقشة والاغناء كون هذه القضايا ممن لم يتم طرحها على بساط البحث والدراسة سابقاً بشكل واضح ، وكان الصديق الدكتور رشيد الخيون قد حثني على الولوج في هذا الجانب فشكوت له قلة مصادري وعدم تمكني من متابعة هذا البحث لأسباب عدة مع أمنية تختلج في جوانحي أن احقق هذه الرغبة .
كما يشرفني أن تكون قامــة مثل قامة الدكتور كاظم حبيب متابعاً للحوار الذي بثته مشكورة معي فضائية ( كوردسات ) ، والذي تعرضت في القسم الأول فيه الى نبذة موجزة ومختصرة عن واقع القضاء العراقي ، والذي أختزلت فيه العديد من الأحداث والقضايا والقصص التي أحملها في ذاكرتي بسبب ضيق الوقت وعدم اتساع وقت البرنامج لمثل هذا السرد المسهب او الأستذكار ، وفي أعتقادي أن حلقــة أو سلسلة من الحلقات يمكن أن تفي بالغرض المذكور ، بالأضافة الى كون الذاكرة الوطنية السياسية للرموز العراقية تسعف المهتمين بهذا الجانب .
لقد طرح الدكتور كاظم حبيب جملة أمور على سبيل المثال لاالحصر حول عدد من السلبيات التي أكتنفت عمل القضاء العراقي في العهد الملكي ، وكلي أعتقاد أن الأستاذ كاظم حبيب يتفق معي في أن القضاء العراقي قبل أن تحل علينا نكبة الثامن من شباط 1963 كان قضاءاً محترماً ويلبي الواقع بالقدر الممكن ومع كل ما رافقته من سلبيات وقضايا سنناقشها لاحقاً لايمكن مقارنته بالأنحطاط والتهميش والتسطيح الذي لحق بالقضاء العراقي لاحقاً ، ولاسيما ماصار من أمر القضاء العراقي في زمن الطاعية صدام وما أل اليه أمر المحاكم الخاصة التي حصدت العديد من أعمار العراقيين .
أن متابعة المسيرة القضائية والتاريخية للقضاء العراقي لاتكون حصراً للحقوقيين والقضاة ، فالقضاء العراقي شريحة من شرائح الأجهزة الحكومية وأن كان سابقاً يتمتع بالأستقلالية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، واجد أن ما طرحه الدكتور كاظم حبيب يشكل ليس فقط أثارة نقطة مهمة في تاريخ العراق الوطني الجميع مدعو لأغنائها والمساهمة في كتابتها ، انما يميط اللثام عن جانب من جوانب الفعل العراقي ضمن الحياة السياسية منها ودور القضاء العراقي في تلك الحياة بأعتباره جزء فاعل ومتفاعل معها .
وحتى يكون الجواب متقارباً لما طرحه الأستاذ والمفكر العراقي كاظم حبيب سأحاول الأجابة عن النقاط بالتسلسل :
1- صدر القانون الاساس للعراق بتاريخ 21 آذار 1925 بناء على ماقرره المجلس التاسيسي وأورد في الباب الخامس منه أحكام السلطة القضائية حيث يتم تعيين الحكام ( القضاة ) بأرادة ملكية وقسم المحاكم الى محاكم مدنية ومحاكم دينية ومحاكم خصوصية ونص على أن المحاكم مصونة من التدخل في شؤونها ، وقسم المحاكم الدينية الى محاكم شرعية ومجالس روحانية للطوائف ومن بين ما أوردته المادة 81 من القانون الاساس انه شكل محكمة عليا لمحاكمة الوزراء واعضاء مجلس الامة المتهمين بجرائم سياسية او بجرائم تتعلق بوظائفهم العامة ، ولمحاكمة حكام محكمة التمييز عن الجرائم الناشئة من وظائفهم وللبت بالامور المتعلقة بتفسير القوانين وموافقتها للقانون الاساس .
أي انه حدد مهام هذه المحكمة بمرجعية التفسير القانوني بالأضافة الى صلاحيتها في محاكمة المسؤولين في الدولة والبرلمان ، لكنه في المادة 82 اشار الى انه اذا اقتضى اجراء محاكمة وفق ما ذكر اعلاه ، تجتمع المحكمة العليا بارادة ملكية بناء على قرار الاتهام الصادر من مجلس النواب بأكثرية ثلثي الأعضاء الحاضرين في كل قضية على حدة وتؤلف المحكمة من ثمانية اعضاء عدا الرئيس ينتخبهم مجلس الاعيان اربعة من بين اعضاءه واربعة من كبار الحكام وتنعقد برئاسة رئيس مجلس الأعيان .
أي بمعنى أن المحكمة لم تكن مستقلة ولاخصها الدستور بأستقلاليتها كما أشار الى كون القرارات الصادرة من هذه المحكمة لاتخضع للأستئناف ولا للتمييز وأن قراراتها موجبة التنفيذ حتى وان كانت قد صدرت بالأكثرية ، مما يوحي بأن هذه المحكمة شكلية ليس لها مهمة دستورية حقيقية في مراقبة القوانين ومدى تطابقها مع القانون الساس من عدمه ، كما انها لاتخضع لأستقلالية القضاء حيث أشارت النصوص الى تداخل أعضاء مجلس الأعيان ضمن تشكيلها .
ولم يسجل التاريخ الحديث في العراق أن المحكمة العليا قد قامت بأجراء محاكمة أي مسؤول عن أي فعل مخالف للقانون .
ولهذا فأن صدور قانون العقوبات البغدادي والذي تم توسيع العمل به ليشمل كافة انحاء العراق جاء منسجماً مع القانون الأساس والذي تخللته نصوص عديدة لاتتطابق مع فكرة الديمقراطية في المجالات الفكرية والسياسية ، بل أن القانون هو أنعكاس لواقع السلطة القابضة على الحكم ، كما أن صدور قانون العشائر بالرغم من متانة نصوصه عرفياً وأجتماعياً الا أنه يتناقض مع تطلعات الحركات السياسية التي كانت تنادي برفض منطق اللجوء الى الأحكام العرفية العشائرية وأبدالها بنصوص جزائية عامة يمكن فيها أن يتم تمييزها وتدقيقها من قبل قضاة متمرسين في العمل القضائي ، ولهذا فأن بقاء العراق ضمن هذا التحديد لايشكل طموحاً للتطلعات السياسية الوطنية في العراق .
2- ومن السلبيات التي أتبعتها السلطة الملكية في أختــيار الحكام للعمل في القضاء العراقي ، أن يتم الأختيار من بين أبناء الأقطاعيين والذوات انفسهم ، فقد كانت كلية الحقوق سواء في العراق او في مصر او سورية او لبنان تقوم بتخريج العراقيين من المتمكنين مادياً من أبناء الطبقة العالية في المجتمع العراقي ليعملوا في المحاماة أو القضاء ، اما الفقراء أو من عامة ابناء الشعب فلم يكن بمقدورهم الأنتساب الى الكليات القانونية في خارج العراق لأسباب مادية ، لذا فقد آثروا العمل في مرافق الدولة العامة كموظفين عمومين أو كمحامين في المحاكم العراقية ، ومع كل هذا لاينكر أن من بين هذه النخبة استطاعت أسماء لامعة ومؤثرة في مسيرة القضاء العراقي أن تبرز بشكل لافت للنظر ، وأن تترك خلفها سجلاً ناصعاً وسيرة مؤثرة في الحياة القانونية والقضائية .
3- ومن بين كل هذا الكم الهائل من القضاة ، وفي ظل نظام ملكي كان يصارع القوى العراقية الوطنية الناهضة والداعيـة الى التجديد والسلوك الديمقراطي وحقوق الأنسان وحق الشعب في أختياره الصحيح وحريته ، كان لابد من ظهور بعض القضاة المتطرفين في نزوعهم لخدمة النظام أو المنحازين الى جانب الاقطاع في قراراتهم وأحكامهم لأسباب شتى منها الأنحياز الفكري والنفسي ومنها الرشوة وضعف النفس والضمير الا انهم قلة لم تستطع أن تنشر أمراضها على مجمل عمل المؤسسة القضائية حينذاك ، فقد بقي القضاء العراقي يعتز بأستقلاليته وعدالته .
4- والقضاء العراقي في العهد الملكي يتلقى الأتهام مع الأضبارة التحقيقية من الأدعاء العام ، وتتداخل جملة من القضايا والأعتبارات في نزاهة التحقيق من عدمه ، وكثيراً ماتعتمد المحكمة على أدلة وأسانيد وأثبات تضمنتها الأضبارة التحقيقية يدين المتهم ، وهنا يتوجب على المتمكن والمتفرس من القضاة أن يفرز الصحيح من الخطأ والملفق من الواقع وأن يدقق بقدر الامكان الأسانيد التي وردت ضمن الأضبارة التحقيقية المنظورة من قبلها .
والأمر في كل الأحوال متروك الى فطنة القاضي ونباهته ومدى أعتقاده بصحة الأدلة المتوفرة في أي قضية معروضة أمامه ، ولو تم تدقيق الأضابير التحقيقية التي صدرت عن القضاء العراقي والقاضية بالحكم بالأعدام على سياسيين وعسكريين ، بعد أن يستقر الوضع في العراق ليتم أعادة المحاكمة وأصدار القرارات العادلة بحقهم سيتوضح العديد من الأمور والأشكالات التي تكتنفها ، وخاصة ما يتعلق بقيادات الحزب الشيوعي العراقي حينذاك والذي حكم عليهم بالسجن ومن ثم تم أصدار الحكم بالأعدام شنقاً وتنفيذه لاحقاً .
5- أما بصدد الجرائم المرتكبة خلال ماسمي بالفرهود من نهب وسلب وقتل في العام 1941 فليس هناك باب قانوني او دستوري يبيح للقضاء العراقي ان يستعمل سلطته في محاسبة المسؤولين ، كما أن هناك مبدأ قانوني مهم وهو أن القاضي لايحكم بعلمه الشخصي ، ولايمكن له أن يكون مخبراً وشاهداً وقاضياً في قضية ما ، وكما ذكرت سابقاً تتحدد مهمة القضاء في النظر على مايحيله اليها من القضايا بناء على شكوى من المتضرر من الجريمة او ممن يقوم مقامه قانونا او اي شخص علم بوقوعها باخبار يقدم الى الادعاء العام او الى اعضاء الضبط القضائي ، لذا فليس من مهمة القضاء العراقي ان يتصدى للأعمال الأجرامية التي تعم البلاد لأنه مؤسسة مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية اولا ، كما أنه لايتجاوز على مهمات السلطتين الآخريتين ، ويتحدد دوره في الفصل بالقضايا المنظوره امامه والتي استكملت جوانبها القانونية .
وفي العديد من الاحداث التي مرت بالعراق ومنها أطلاق النار على المتظاهرين للمطالبة بحقوق سياسية أو للتظاهر أستنكاراً لموقف سياسي للسلطة أو أهانة وتعذيب المعتقلين السياسيين ، فأن الحكومة تقوم بالتستر على هذه الجرائم وتقوم بالتحقيق الشكلي وتنتهي بغلقها أدارياً دون أن تقوم بعرضها على القضاء العراقي ، كما أن العديد من ذوي المتضررين من الجرائم يخشى سطوة السلطة وقوتها في خرق الدستور والقانون فيحجم عن تقديم الشكوى الى القضاء العراقي ويؤثر الصمت وتقبل الأمر الواقع ، ولو تمعنا في الجرائم التي أرتكبها الحرس القومي في العراق من تعذيب وقتل وأغتصاب وسلب وسرقة ، ولو دققنا في عدد القضايا التي أثيرت ضد بعض مرتكبيها لما وجدنا أنها تمثل واحد بالمائة مما أرتكب بالعراق دون أن يتم أحالة المرتكبين على القضاء ، ناهيك عن الجرائم التي ترتكب في أروقة الأمن وسراديب المخابرات والأجهزة الخاصة وموت العديد من ابناء العراق وتغييب جثثهم عن ذويهم بقيت دون اية اشارة لفتح التحقيق وأحالة المرتكبين على القضاء ، ولهذا تجد أن مهمة القضاء العراقي تنهض عند وصول القضية امامه، وبتأسيس سلطة القانون وحكم الشعب ووجود برلمان عراقي حر وقضاء نتوسم به الأستقلالية والوطنية نستطيع أن نجرد قضايا محنة العراقيين وفقاً لأحكام القانون وتحت نصوص الدستور ليأخذ كل ذي حق حقه ويقول القضاء كلمته في اعادة المحاكمات وتدقيق الاحكام ان كان لهذا الامر مقتضى .
6- وفي ظل أي قانون يصدر يوجب على القضاء تطبيقه بأمانة أذ ليس من مهمة القضاء العراقي أن يخالف القانون مهما بلغت قساوته ، وليس للقاضي في هذا الحال سوى اللجوء الى الأعتزال عن العمل القضائي وهو حق كان مقرراً في قانون السلطة القضائية وقام الطاغية البائد صدام بألغاءه وحرمان القضاة ليس فقط من حق الأعتزال وانما حتى من حق الأجازة السنوية وطلب الاحالة على التقاعد ، وحتى أعتبار السلطة القضائية سلطة مستقلة أذ اعتبر دستور صدام القضاء وظيفة مجردة تابعة للسلطة التنفيذية .
والمتصفح للتاريخ العراقي الحديث يجد العديد من المواقف المشرفة التي وقفها القضاة العراقيين في العهد الملكي أعتزازاً بأستقلالية قرارهم والنأي عن التأثير عليهم ، ويمكن ان يكون حادث مقتل وزير المالية العراقي وتدخل نوري السعيد في القضية واعتزال حاكم التحقيق الذي اراد السعيد الضغط عليه وسحب الاوراق التحقيقية منه ومن ثم استقالة وزير العدلية واستقالة الوزارة برمتها ، دليل حيوي على تأثير القضاء ومواقفه في الحياة العراقية .
لقد عملت في المحاكم العراقية سنوات عديدة بصفة كاتب ضبط ومعاون قضائي ومحقق عدلي ومحاميا قبل ان استكمل دراستي العليا في المعهد القضائي العراقي لأصبح قاضياً ، ولذا فقد خبرت العمل مع قضاة كانوا يجسدون بحق أستقلالية القضاء وتمسكهم بالقرار القضائي العادل رغم مجيء سلطة البعث الى الحكم ، واختزن في ذاكرتي العديد من القصص التي قد يسعفني الحظ في سردها ضمن كتاب عن القضاء العراقي مثلما أشار وألمح لي بذلك الصديق الباحث رشيد الخيون ، ومن عمل في محاكم الفرات الأوسط والبصرة في السبعينات وبداية الثمانينات يعرف أسم القاضي عبد الجبار محيسن المشعان الذي كان لايخشى في الحق لومة لائم ويحتقر البعثيين ولايسمح لاحد منهم التدخل في عمله ، وقد اقدم صدام على اعتقاله في دائرة المخابرات وبعد ان سقي السم اطلق سراحه لينتقل شهيداً الى رحمة الله ، وكنت قد عملت معه اكثر من خمس سنوات وعرفت عن قرب مواقفه وقراراته والتقيت به قبل وفاته باسبوع وأسرني بالكثير .
كما أن أسم القاضي طعمة شناوة الروشي رحمه الله الذي لم يكن يخشى البعثيين ولايخفي اعتزازه بالتزامه السياسي اليساري أو المدعي العام أسماعيل عبد الله ، بالأضافة الى أسم القاضي فاروق ياسين العامرأطال الله بعمره الذي أحاله صدام على التقاعد الأجباري . .
والأسماء تطول والذاكرة العراقية لاتبخس أحداً حقه في كل أنحاء العراق ، غير أن مايمكن قوله أن طريق العدالة كان أكثر وضوحاً وسعة ، ففي العهد الملكي كان يمكن للمحامين الوطنيين التوكل عن المتهمين من السياسيين أمام المحكمة المختصة دون أن تتم مسائلتهم أو منعهم من قبل الشرطة ودوائر الأمن ، وكان يمكن للناس أن تحضر وتستمع الى المحاكمة والقرار ، كما يمكن للمتهم أن يطعن بالقرار ويميز ويمارس كل حقوقه القانونية وكانت الناس تعرف اين يتم توقيفها وماهي جريمتها ويتمتع الأنسان بحقوق وقيم توفرها له العدالة والقضاء ، والتي مسحت من العمل والذهن في العهد الصدامي ، والجميع يعرف أن لاوجه للمقارنة بين القضاء في العهد الملكي ووضع القضاء في العهد الصدامي .
في كل زمان يمكن ان تجد من المرضى وضعاف النفوس في كل مرفق من المرافق التي تهم الحياة العراقية ، وهذا الأمر يرتبط بالواقع السياسي والأقتصادي ويتبع منظومة القيم التي تعم المجتمع ، ولهذا فأن الرشوة كانت موجودة لكنها كانت بشكل ضعيف وخفي في العهد الملكي ، لتختفي كلياً في بداية العهد الجمهوري ، ثم تستفحل وتتضخم وتكبر أنسجاماً مع أندحار قيم الخير وأحلال القيم الهجينة التي أرادها النظام الصدامي ، وضمن هذا الأمر يندحر الحق في مواقف وتغيب العدالة أحياناً ، ولكنها تبقى متألقة وناصعة ولاتغب عن الضمائر الحية في كل الأحوال ، ويكفي أن الناس في كل مكان تحمل في ذاكرتها الايجابيات والمواقف الشريفة للقضاة ، مثلما تحمل أيضاً أسماء من سقطوا وتمرغلوا في وحل الرشاوى والابتعاد عن الأنصاف والعدل ممن عملوا في مسلك القضاء العراقي .
فاذا ذكر مثل أو عدة حالات لأسماء حاولت الأساءة الى القضاء العراقي في العهد الملكي ، فأن هذه الأسماء العديدة والتي حاولت الأساءة الى صفحة القضاء في العهد الصدامي لأسباب شتى لعل من بينها العوز وعدم تحمل شظف العيش وقساوة الحياة في العهد الصدامي وضعف الشخصية ووجود ثغرات وشروخ في حياة الأنسان تلغي قدرته في أن يبقى قاضياً ونظيفاً لم تلوثة الحاجة والمغريات من الحياة الفانية ، بالأضافة الى أنتشار مرض الرشوة داخل المجتمع العراقي ولم يزل يعاني منه رغم سقوط النظام البائد وطوبى لمن بقي طاهراً متألقاً يحمل ضميره وتاريخه مجسداً مايؤمن به من قيم وأخلاق في عمله الكبير الذي يمس حقوق وحياة وشرف واموال الناس وحريتهم .
7- وحين تستعين الحكومات بالقوات المسلحة لضرب الشعب أو الأنتقاضة فلايمكن للقضاء العراقي في ظل السلطات الدكتاتورية أن تعترض او تتململ سواء كان الضرب في كردستان العراق او في اية بقعة اخرى في العراق ، وليس للقضاء أية وسيلة لمنع السلطة لأن القاضي الذي يقدم على هذا العمل سيخرج اولاً عن أختصاصه القضائي ويدخل نفسه معارضاً ومتهما يدفع حياته ثمناً لذلك .
8- ولذلك فأن الدعوة الى محاسبة السلطات التي تتعسف في تطبيق القانون أو تقم بخرق الدستور التي يدعو لها المفكر العراقي الدكتور حبيب تتجسد في الدعوة الى تشكيل المحكمة الدستورية العليا والتي أشار لها قانون ادارة الدولة للمرحلة الأنتقالية ضمن المادة 44 بفقراتها الخمسة ، مما يوجب أن يتضمن الدستور العراقي الدائم تفصيل لهذه المحكمة ، وهي تشكل الضمان الأكيد لمراقبة خرق السلطات التشريعية والتنفيذية للقوانين وللدستور .
9- حقاً كان العراق يزخر بقضاة تميزوا في المنطقة بعطائهم القانوني ورفعتهم وسمو خلقهم وأصرارهم على قول كلمة القانون ، ومن بين هذه النخبة من أنخرط في العمل السياسي الوطني وقارع الأنظمة الشوفينية وتحمل العذاب والفصل والملاحقة ، ولم يكن القضاء العراقي منفصلاً عن المسيرة النضالية للعراق وأهداف شعبه في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية .
10- ولهذا فأننا نجد أن السلطات العراقية تجنح حتى في العهد الملكي الى تخصيص محاكم خاصة تضمن أنها ستظلم الوطنيين من العراقيين ، وأننا أذ نؤيد ما ذهب اليه المفكر كاظم حبيب بهذا الصدد أذ لايمكن أن نعمم الوصف على مرحلة معينة لأن لكل مرحلة سلبياتها وأيجابياتها ، مثلما أن لكل عهد مر بالقضاء مايسيء اليه أو مايمكن أن نعتبره علامة بارزة وأشارة مضيئة في الفعل القانوني والقضائي في العراق – كما أن هذه السلطات كثيراً ما كانت تلجأ للأحكام العرفية وأحكام الطواريء ، وأمتد هذا التصرف المشين لتصير المجالس العرفية المتشكلة من عسكريين لاعلاقة لهم بالقوانين ولابالقضاء ، ليس أكثرها سوءاً ما أصدره شمس الدين عبد الله وماتلته من أسماء رؤوساء محاكم أمن الدولة الأولى والثانية ، ثم طور صدام هذا الأتجاه الى محكمة الثورة والمحاكم الخاصة التي أساءت للحق وللعدل وللقضاء وللعراق وللأنسان بشكل عام .
وأتعقد أن الدكتور كاظن حبيب وكل المهتمين بالشأن العراقي يتفقون معي من كون القضاء العراقي في العهد الملكي لايمكن مقارنته بما صار اليه حال القضاء في زمن صدام ، فقد مسخت الحقوق وديست العدالة بنعال السلطة وأمتهن القضاة والقضاء ، وأصبحت المحاكم مجرد دوائر يمكن أن يتم الأستغناء عنها ، وحقاً قدمت دراسة الى الدكتاتور تؤكد أن لاقيمة للقضاء العراقي وأن من الممكن الأستعاضة عن كل هذه المؤسسة العريقة والقوانين والضوابط التي تدرسها الكليات والمعاهد والتجارب القضائية ، بأن يناط الأمر بمسؤول حزبي يقضي بين الناس وفق تعليمات الحزب البائد وأجتهادات الرفيق البعثي .
نحن بأمس الحاجة الى عملية تغيير جذرية في نصوص القوانين العراقية مما يوجب علينا أن نقوم بعملية أصلاح حقيقية وجذرية في النصوص التي شوهها واربكها صدام البائد ، ويوجب أيضاً علينا أن نضع نصب اعيننا التمسك بوجود المحكمة الدستورية العليا بالأضافة الى فصل السلطات الثلاث ، وبناء أسس الدستور وفق أسس المجتمع المدني وحقوق الانسان ، وأن لانغفل عن حقوق القوميات والأديان ، وأن يتم تغعيل حقوق الانسان والمساواة الحقيقية للمرأة مع الرجل وحذف النصوص التي تسيء اليها وتحرمها من ممارسة حقها الانساني .
أستطيع أن أجزم بعدم تلوث سمعة القضاء العراقي بما يشين المسيرة الوطنية في العراق بسبب أن صدام البائد لم يكن يثق بالقضاء العراقي والذي لم يسمح لنفسه أن يكون مطية لصدام تمكنه من ذبح العراقيين والقضاء على المعارضين ، ولهذا لجأ الى أنشاء محاكم كارتونية لها أسم المحاكم دون أن يكون لها المحتوى الحقيقي للمحكمة ، ودون أي ارتباط لها بالعدل والقضاء ، وجميع رؤوساء هذه المحاكم من غير القضاة وبل من غير الحقوقيين ، وقرارات هذه المحاكم الخاصة باتة لاتقبل الطعن ولاالتمييز ولاالمناقشة ولاتستند على نص محدد ، بالأضافة الى عدم تمكن أي محكمة أو قاضي أن يتدخل أو يعرف التهمة والأدلة ومحتويات الأتهام والأضبارة التحقيقية .
العديد من القضاة ممن صمد بوجة السلطة ولم يسقط ولم تتلوث يده وضميره رغم الحياة القاسية والصعبة التي تعمد الطاغية أن يجعل القضاة يعيشون في آتونها وفي جحيمها ، والعديد من القضاة من بقي مخلصاً للقسم الذي يؤديه والعهد الذي يقطعه على نفسه .
وفي ظل حياة نؤسس فيها للديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني ، حياة عراقية تؤكد حقوق القوميات وتلبي مطلب شعبنا الكردي في حقه الشرعي بالفيدرالية ، حياة عراقية يتساوى فيها العراقي مهما أختلفت قوميته أو دينه أو مذهبه أو فكره السياسي أو منطقة سكناه بالقوانين ، ولاسلطة فوق القانون ، وحين تصبح المؤسسات التشريعية والتنفيذية تحت رقابة القضاء ، نصبح بحاجة ماسة لقضاة عراقيون مؤمنين بالحياة العراقية الجديدة لايخشون بالحق لومة لائم .
كل الأمتنان والتقدير للدكتور كاظم حبيب الذي دفعني لكتابة المادة الموجزة عن القضاء العراقي وأرجو معه أن تثير الموضوعة على بساطة طرحها الحوار الهادف والمفيد بين الجميع بما فيهم ذوي الأختصاص والمهتمين بالشأن العراقي .



#زهير_كاظم_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حق الكرد في الأختيار السياسي
- الكرد الفيلية مرة اخرى
- تأجيل الأنتخابات
- الطائفية المقيتة
- الأغلبية والأقلية
- القائمة الأنتخابية الموحدة
- أغتيال الأيزيدية
- مفارقات الزمن الأغبر
- غلق التحقيق لمجهولية الفاعل
- حرامية العراق
- خراب الروح وتزوير التاريخ
- أنهم يستهدفون الأنسان في العراق
- الحقوق - تعقيب على مقالة الصديق محمد عنوز
- حقائق مخفية عن علاقة البعث - القسم الثالث
- سلمان شمسة وداعا
- حقائق مخفية عن علاقة البعث
- حقائق مخفية عن علاقة البعث - الجزء الثاني
- كردستان واسرائيل
- أين صار قانون السلامة الوطنية العراقي ؟
- الدماء الأيزيدية البريئة


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - زهير كاظم عبود - حوار شفاف عن القضاء العراقي