أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رويدة سالم - السياسة المحمدية : الزنا الحلال بين الدين والسياسة















المزيد.....



السياسة المحمدية : الزنا الحلال بين الدين والسياسة


رويدة سالم

الحوار المتمدن-العدد: 3509 - 2011 / 10 / 7 - 01:04
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مَثَّلَ ظُهور الإسلام نقطة التحول الوحيدة والاهم على الإطلاق في تاريخ شبه الجزيرة حيث نقلها من منطقة تعيش على هامش الأحداث التاريخية المهمة إلى حاضنة (حسب المصادر الإسلامية حصرا) لبذور سلطة سياسية عقائدية في تطور مطرد ستحقق مرحليا وحدة القبائل البدوية العربية المشتتة داخليا في منطقة الحجاز وستجعل لها كيانا مرهوب الجانب مستقلا عن القوى الخارجية يضاهيها قوة وبأسا في مراحل لاحقة لتعود إلى الاكتفاء بالمقاعد الخلفية في دور ثانوي على مسرح الأحداث التاريخية المهمة مع الانتقال شديد الغموض لمركز السيادة والإشعاع الإسلامي بعد القرن الثامن إلى الشام.
رأينا في الأجزاء السابقة أن مصطلح عرب وأعراب بمعنى سكان البادية دون أي إشارة للأصل القومي دخل التاريخ المكتوب في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد وأن اللغة العربية المكتوبة التي نعرفها اليوم ظهرت في مرحلة لاحقة مع تشكيل اللغة وتنقيطها إذ أن كل الكتابات العربية القريبة من لغة القرآن بما في ذلك القرآن ذاته وكانت مختلفة ولم تكن منقطة (قرآن جامع صنعاء).
اكتسب الفضاء الجزيري مع تنامي دوره المتواصل منذ هجرة محمد إلى يثرب وحتى انتقال الخلافة إلى الشام مع معاوية ابن أبي سفيان أهمية في التاريخ العربي وفي تاريخ المنطقة ككل حيث اقترن الأصل العربي للقبائل البدوية الرعوية مع العقيدة الجديدة في ثنائية مقدسة ذكرها النص القرآني كثيرا بل بلغ الإيمان بها حد القول أن العربية هي لغة أهل الجنة في أحاديث منسوبة لمحمد "روى الطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أحبوا العرب لثلاث لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي )". هذه الثنائية ساهمت في الغزو الثقافي العربي الإسلامي لشعوب وأقوام كانت لهم حضاراتهم الخاصة الضاربة في القدم والشديدة الخصوصية كالسريان وأقباط مصر وبربر شمال إفريقيا عبر ما يُسمى بالفتوحات الإسلامية.
رغم أن معاوية، أول خليفة عربي حكم كل الشام، لم يُشر في كل الآثار (النقوش والعملات) التي تركها لمحمد النبي وللإسلام في حين تظهر نزعته المسيحية جليا من قراءة ما خلفه من كتابات، إلا أن تعريب الدواوين في عهد عبد الملك بن مروان وتطور اللغة العربية إلى شكلها النهائي الحالي وتحولها إلى لغة رسمية (لغة السياسة والإدارة والدين) كانا عاملين حاسمين أولا في اعتماد النص القرآني الجزيري المنشأ كمصدر وحيد للهوية الثقافية بكل ما يحويه من تاريخ النبي المؤسس ومن تأريخ لصراع الدين الجديد كهوية وعقيدة للقبائل البدوية العربية في سبيل السيادة وما يشتمل عليه من طقوس أعراب الجزيرة والتي أبقى "محمد النبي" (أو المؤلفون الفعليين للنصوص المقدسة في نُسخها النهائية بعد الشكل والتنقيط) على اغلبها أو بعض جزئياتها وثانيا في فتح المجال أمام فرض الهوية العربية على الشعوب المستعمرة خاصة وأن العربية هي لغة الدين وهي لغة مصدري التشريع الأساسيين (القرآن، والأحاديث النبوية) ولأن الصلاة وبعض العبادات لا تتم إلا بإتقان بعض الكلمات وثالثا لأنه بدأ بعد أكثر من مائتي سنة من ظهور محمد وبالتالي الإسلام تدوين التاريخ العربي الإسلامي.
لكن هذا التاريخ المدون للإسلام المبكر في الجزيرة والذي يتناقل نفس الأحداث بطرق مختلفة حينا وبتجميل مبالغ فيه في اغلب الأحيان والتي أُخذت عن ذات المصدر "سيرة ابن إسحاق" وان حاول أن يقدم لنا صورة مثالية لرموزه تبين مدى قداستهم بالإغراق في الغريب والمعجز وفي ذكر جزئيات أو أحاديث سرية وتواريخ مغرقة في الدقة ومثيرة للاستغراب (كما لو أن رواتها ينقلون من حواسيب متطورة جدا) إلا انه ذكر أيضا في بعض الحالات أحداثا وموقفا متضاربة تقدم سردا مختلفا لذات الحادثة كما لم يتردد في سرد العديد من التجاوزات والفظاعات التي ارتكبها هؤلاء الرموز المعصومين والمقدسين في العديد من قراراتهم السياسية وتصرفاتهم المغرقة في الانتهازية والوحشية.
الآثار الاركيولوجية والنقوش والنقود اصدق حتما من التاريخ المدون لكنها ليست متوفرة بما يكفي لإعادة بناء التاريخ الإسلامي السياسي المبكر لذا نجد أنفسنا مجبرين على مساءلة النصوص المكتوبة ومقارنتها بالنصوص غير العربية للوصول إلى بعض الحقيقة التي لا يمكن البت في مدى صحتها نظرا لأننا مهما كانت مقارباتنا للنص لا نقدر أن نتمتع بالحيادية التامة.
سأتناول في هذا الجزء سياسات محمد النبي بين القداسة والجنوح البشري للعنف واستعمال المقدس في سبيل بلوغ السيادة.
جاء في كتاب هويلاند Hoyland ، Seeing Islam as others saw it "محمّد (مهمت) جاء إلى الأرض سنة 932 لإسكندر بن فيليبس المقدوني (620-621 ميلادي) وحكم سبع سنوات ثمّ حكم أبو بكر لمدّة سنتين ثمّ حكم عمر لمدّة اثنتي عشرة سنة ثمّ حكم عثمان لمدّة اثنتي عشرة سنة، وظلّت العرب طوال معركة صفّين (صافا) بلا أمير لمدّة خمس سنوات ونصف ثمّ حكم معاوية لمدّة عشرين سنة ثمّ حكم يزيد (إيزيد) بن معاوية لمدّة ثلاث سنوات ونصف. ومكتوب في هامش المخطوط: بعد يزيد ظلّت العرب لمدّة سنة بلا أمير". سواء كانت هذه التواريخ هي الأقرب للحقيقة التاريخية أو ما أوردته مصادرنا الإسلامية وسواء كان محمد أميا فقيرا اصطفاه "الله" لأنه من ذرية خليله إبراهيم وقد كتب في لوحه المحفوظ قبل خلق الكون انه سيجعل منه خاتم أنبياءه وناشر كلمته الحق في الدنيا كلها أو هو مجرد قائد عشيرة (تماما كورثته أبو بكر وعمر وعثمان) ومحمد بالتالي ليس سوى اسم تشريفي حل محل اسمه الحقيقي الذي طواه النسيان، وجوده التاريخي لا يمكن نفيه.
قام محمد الذي نجد في السير ذكره على أساس انه قائد ماهر ونبي مصطفى من السماء من عائلة عريقة في نسبها وفي خدمتها لبيت الله الحرام كما يذكر ذلك أيضا "التاريخ البيزنطيّ العربيّ المكتوب باللاتينيّة في إسبانيا سنة 741م/120هـ : (اجتمعت طوائف عديدة من العرب وأخذوا يغزون مقاطعات سوريا والعربيّة والعراق، وكان اسم قائدهم والحاكم فيهم محمّد [Mahmet] الذي ولد في أنبل عائلة عندهم، وكان رجلا حذرا ومستشرفا عددا لا بأس به من الأحداث المستقبليّة.." قام بالدعوة لفكر روحي آمن انه موحى له من "الله". ومحمد حسب المصادر الإسلامية نشأ في وسط ينتظر نبيا وادعى كثيرون فيه النبوة رباه جده الذي في إطار الصراع الهاشمي الأموي على سيادة قريش قال أن هاتفاً جاءه في المنام يأمره بحفر بئر زمزم كما مهد في أحاديث كثيرة لسيادة حفيده محمد على قريش كقوله الذي أورده ابن كثير (دعوا ابني فوالله إن له لشأناً - إنّي أرى أنّه سيأتي عليكم يوم وهو سيّدكم). وقد كان صاحب ملة (الحنيفية) مات علي نهجها العم الكافل ابو طالب الذي تولى رعاية محمد بعد وفاة الجد رغم إدراكه لدعوة ابن أخيه وعلمه المسبق انطلاقا من الرؤى التي كان يراها ابوه وتأكيداته على ان هذا الحفيد هو نبي الأمة المنتظر.
إلى جانب دور الجد والعم تذكر المصادر الإسلامية دور خديجة في تثبيت إيمانه بنبوته لما كان يخالجه الشك وكانت خديجة هي من أقنعه بمساعدة قس ابن ساعدة انه نبي وهي من أثبتت له أن الوسيط بينه وبين ربه ملاك وليس جنيا.
انطلاقا من هذه القناعة الراسخة بدأ محمد مشواره كداعية لعقيدته الفتية محاولا أن يقنع المكيين انه مرسل من الله بالترغيب حينا وبالتهديد والوعيد أحيانا ومحاولا إقناع نفسه انه ليس مجنونا ولا ساحرا ولا كاهنا (القرآن المكي).
من التجني على الأحداث التاريخية القول انه كان ذو أجندة ثقافية وسياسية واضحة المعالم منذ البدا لأن بلوغ هذه المرحلة (حيازة الأجندة السياسية والثقافية المتكاملة) يتطلب حتميا زمنا طويلا وأطوارا عدة تتناسب مع المعطيات والظروف المتغيرة في فكره وفي سلوكياته وفي مواقفه سنجد لها صدى في قرآن محمد الذي تغير صياغة ومحتوى بين المرحلتين المؤسستين لفكره الروحي كما نجد لها صدى في قراراته السياسية وقرارات خلفائه من بعده بيد أن الأحداث الموالية قبيل الهجرة إلى يثرب تطالعنا بشذرات لا تنفي هذا الجانب السياسي السيادي في شخصية محمد.
تجمع كتب السير على أن محمد كان تاجرا ماهرا أمينا وهو السبب الذي دفع خديجة لترتيب الزواج به رغم رفض والدها. والتجارة تفرض إلى جانب الذكاء والفطنة المعرفة بالحساب وكيفية تحرير العقود إلى جانب ما تمنحه للتاجر من إمكانية إنشاء علاقات متعددة مع الآخرين الذين يحتك بهم فيؤثر فيهم ويتأثر بهم. هذا الاحتكاك مكن محمد الذي نشأ في بيئة روحية متنوعة تترقب نبيا يجمع كلمتها من صياغة عقيدة جديدة تطورت بإطراد بتوسع معرفته بالشرائع الروحية المحيطة به فتزاوجت المعتقدات الأعرابية البدوية الرعوية بأفكار أخرى أكثر عمقا لتنتج فكرا اعتمد عليه محمد في إرساء مشروعه العقائدي لكن لم يكن بأي حال الفكر العقائدي الجديد هو السبيل الوحيد لتحقيق الأهداف في السيادة الدينية بل كان أمرا جانبيا إذا أخذنا بعين الاعتبار سياساته التي تبتعد به في اغلب الأحيان عن نشر الدين الجديد بالكلمة الطيبة والعدل والمساواة إلى استعمال أساليب سياسية بامتياز لا دور فيها لتوجيهات اله رحيم بعباده محب لكل البشر على حد سواء في العديد من القرارات والمواقف.
نجهل اغلب تاريخ محمد المكي طفلا وشابا. بعد بدأ الدعوة تبدأ الأخبار في التوسع وذكر الأحداث المهمة في مسيرته وخاصة قبيل الانتقال ليثرب ومن رحم تلك الأخبار تطالعنا توجهاته السياسية بدون لبس من خلال بعض ما ينسب إليه من أقوال كوعده للعبيد والمسحوقين من أهل مكة: " أتبعوني أجعلكم أنسابا ... والذي نفسي بيده لتملكن كنوز كسرى وقيصر" وهو ما دعى بعضهم ممن لقبوهم بالمنافقين للتشكيك بوعود محمد. يذكر ذلك ابن هشام " وعظم عند ذلك البلاء ، واشتد الخوف ، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، حتى ظن المؤمنون كل ظن ، ونجم النفاق من بعض المنافقين ، حتى قال معتب بن قشير ، أخو بني عمرو بن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط." في حين يذكر ابن هشام ذاته في معتب أنه " أخبرني من أثق به من أهل العلم : أن معتب بن قشير لم يكن من المنافقين ، واحتج بأنه كان من أهل بدر".
وما يذكره الطبري: أي عم، أو أدعوهم إلى ما هو خير لهم منها؟ قال : وإلام تدعوهم؟ قال أدعوهم أن يتكلموا بكلمة تدين بها لهم العرب ويملكون بها العجم فقال أبو جهل من بين القوم "ما هي ؟ وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها". قال: "تقولون لا إله إلا اللَّه، وتخلعون ما تعبدون من دونه"
هذا التوجه السياسي السيادي المدعوم بالمؤازرة الربانية أدركه القرشيون باكرا فقال أبو الحكم بن هشام بلسان حال قريش (تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منّا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه! والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه)". أدرك بعض سادة مكة هذا الزنا الحلال فأعلنوا استغرابهم أن يقدم محمد على اقحام الله طرفاً في صراع قريش الهاشمي الأموي على السيادة فكان أن قالوا (لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) فكان أن رد القرآن بنعوت معيبة كثيرة كالقول في الوليد بن المغيرة (عتل بعد ذلك زنيم) ووصف القرشيين الكفار بالحمير إذ قال (كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة).
فهل أن هذا الثلب من كلام الله المدون في لوحه المحفوظ منذ مليارات من السنين قبل الخلق ثم أليس هو من قال في سورة السجدة : "لو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" وبما انه سبق قوله وهو من لا يخلف قولا أنه سيملئ جهنم وهي لا تمتلئ بل تقول دوما هل من مزيد فوجود الكفار مقدر من لدنه فكيف يسخر منهم وينعتهم بصفات غير لائقة في حين هو من قدر كفرهم ومن قدر المقادير كما يقول محمد قبل أن يخلق السماء والأرض بخمسين ألف سنة. (رواه مسلم)؟
طوال أقامته بمكة والتي بلغت 13 سنة لم يحصل على عدد كبير من المؤيدين وكان رحيله للمدينة ضرورة إستراتجية لا مناص منها أمام خذلان مكة لمشروعه العقائدي وامتناع كل القبائل الأخرى التي طلب دعمها عن الوقوف إلى جانبه. في يثرب تبدأ قصة كفاح محمد، من اجل إثبات صدق نبوته وبالتالي كسب المريدين ونشر العقيدة التي يؤمن بها، في الوضوح والتجلي في أكثر جزئياتها بساطة ويثرب لم تكن سوى واحدة من جملة قرى حيث يقول ابن زبالة في أخبار المدينة، جمع وتوثيق ودراسة صلاح عبد العزيز زين سلامة (ت199هـ) "أنها كانت أم قرى المدينة" وفي تاريخ المدينة، تحقيق محمد شلتوت يقول ابن شبّة (ت262هـ) "وكان في الجاهلية سوق بزبالة من الناحية التي تدعى يثرب، وسوق بالجسر في بني قينقاع."

لم يجد في بداية استقراره بها كرسي حكم بالانتظار ولا مهليين يصطفون لاستقباله كقائد رمز منتَظَر ومخلص كما تصور المصادر الإسلامية الهجرة. الدليل على ذلك أن حالة الحاجة والعزلة التي عاشها بمكة استمرت والأدلة كثيرة من كتب السيرة ذاتها حيث نجد أن السبع غزوات الأولى التي قام بها لم يشارك فيها احد من الأنصار ويمكن العودة إلى أسماء كل من أرسلهم في سراياه الأولى للتأكد. فشل هذه السرايا في تحقيق النصر رغم ضعف مقاومة المغار عليهم تثبت أن محمد لم يكن بذي قيمة تذكر في المحيط الجديد وان الأنصار الذين يتمتعون بخبرة عسكرية كبيرة فهم أهل الحرب والحلقة لم يقدموا له دعمهم ولا مساندتهم في فعله القتالي الذي لم يؤت أكله ولا مرة.
ثم ما كان يعانيه وصحبه من جوع وعوز يسقط بالضرورة الرواية التي جعلت منه حاكما للمدينة منذ اليوم فنقرأ في سير أعلام النبلاء أن بعد ثلاث سنوات للهجرة : "وأما مصعب بن عمير فإنه كان أترف غلام بمكة بين أبويه فيما بيننا، فلما أصابه ما أصابنا من شظف العيش، لم يقو على ذلك، فلقد رأيته وإن جلده ليتطاير عنه تطاير جلد الحية ولقد رأيته ينقطع به فما يستطيع أن يمشي، فنعرض له القسيّ ثم نحمله على عواتقنا."
كما نجد عن ابن عباس " خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ فَرَأَى أَبَا بَكْر وَعُمَر فَقَالَ : مَا أَخْرَجَكُمَا ؟ قَالا : مَا أَخْرَجَنَا إِلا الْجُوعُ , فَقَالَ : وَأَنَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَخْرَجَنِي إِلا الْجُوعُ". فتح الباري لابن حجر 4/208 الإعلام بفوائد عمدة الأحكام لابن الملقن 5/322 2371
إلى جانب حديث أنس بن مالك "أتى أبو طلحة أم سليم _ وهي أم أنس بن مالك وأبو طلحة رابه _ فقال: أعندك يا أم سليم شيء؟ فإني مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ أصحاب الصفة سورة النساء؛ وقد ربط على بطنه حجرا من الجوع" وفي لفظ آخر: (أقبل أبو طلحة يوما فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قائم يقرئ أصحاب الصفة على بطنه فصيل من حجر يقيم به صلبه من الجوع" وما رواه ابن عساكر "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضاحكا؛ ما كان إلا متبسما، وربما شد النبي صلى الله عليه وسلم على بطنه حجرا من الجوع).
مع غزوة عبد الله ابن جحش في الأشهر الحرم التي كانت تجاوزا للأعراف والتقاليد المتعارف عليها في كل الفضاء القبلي الجزيري بدأت الأوضاع تتغير. مقابل الاستنكار المكي واليثربي للعمل العسكري لعصابة محمد الذي أنكر الأمر بالإغارة نزل القرآن ليمنح الرخصة بالقتال وبالتالي باقتسام الغنيمة التي ظلت معلقة. "يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير "
هذه الإجازة للحرب في الأشهر الحرام إلى جانب الآيات الأخرى التي بدأت تتنزل تباعا بأوامر بالقتال هي تثبيت للفعل السياسي الملتحف بالمقدس الذي لم يحد عنه طوال دعوته وهو الفعل الأكثر جدوى في الإقناع والذي مكنه من نشر رؤيته وتحقيق السيادة السياسية والروحية دون عناء كبير. يقول النص القرآني: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون "
كما ينسب لمحمد قوله" فيما رواه الْإِمَام أَحْمَد فِي مسنده برقم 4868 عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"
و"عن ابن عمر رضي الله عنهما :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ) رواه البخاري "

قام النص إذا بصبغ القتال والسياسة القائمة عليه بطابع قدسي لا مجال للتشكيك فيه فهي أوامر مباشرة من الله أو بالهام منه لنبيه. مع السرايا والغزوات لحاجة اقتصادية في البدء (درء للجوع الذي كان ملازما لهم) ثم كفريضة لامناص منها لإثبات الإيمان والحصول على رتبة المسلم الصادق دخل الباحثون عن الثروة والخائفون من القتل إلى العقيدة الجديدة وفي كل مناسبة بدعم نصي قرآني أو حديثي كقول محمد عندما وردت ألأخبار بأن أبو سفيان قادم من الشام بأموال قريش: " هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها. " تغيرت الأوضاع الاقتصادية وبالتالي كبرت القوة العسكرية (فالعقيدة لم تكن لا في عصر محمد ولا في العصور اللاحقة هي الفيصل في اللعبة) وصار لها تأثيرها بالواقع اليثربي ثم تجاوزته لفضاءات أرحب لتشمل المدينة بكل قراها وتنطلق منها إلى المدن المحيطة بها.

نجد في مجال آخر أن محمد إلى جانب مساومته سادة قريش في عدة مناسبات أبرزها قصة الغرانيق ومحاولته إقحام النجاشي المسيحي ملك الحبشة في الصراع القرشي على السيادة في مكة، --النجاشي الذي استقبل المسلمين الفارين بدينهم إلى الحبشة وحماهم ومنعهم من القرشيين في سياسة إستباقية لغوث اللاجئين-- في حين نجد محمد يقول بعد أن استتب له الأمر (لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً – رواه أحمد والترمذي)، أدرك إدراكا تاما أن لا غنى للكاهن عن شيخ القبيلة (وهو دور معلوم منذ دخول عهد التقاليد الدينية للنظم القانون البشرية لتحل محل قانون القوة والانتقام الفردي) فقام بعد مقتل سادة مكة في معركة بدر بمصاهرة أبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس السيد الوحيد المتبقي لقريش والذي رغم ما وصل إليه صهره من قوة قال يوم دخول هذا الأخير إلى مكة للعباس ابن عبد المطلب (لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً) كما قال عند خسارة المسلمين في معركة حنين في حربهم ضد قبائل هوازن وثقيف (لا تنتهي هزيمتهم دون البحر) فرد عليه صفوان بن أمية وهو لا يزال مشركاً (اسكت فض الله فاك. فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن) أيضا صرح أبو سفيان بتكذيبه لمحمد لما طلب منه الإقرار بأنه رسول الله فقال (أما هذه ففي النفس منها شيء).. فقال له العباس (ويحك.. أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدًا رسول الله قبل أن تضرب عنقك) ورغم عدم إيمانه البين جعل محمد بيته في قيمة البيت الحرام بل أكثر فقال من دخله فهو آمن في حين أمر بقتل أربع رجال وامرأتين ولو وجدوا معلقين بأستار الكعبة بتهمة الردة كما منحه سهما من أموال الزكاة باعثا لتشريع مثير للجدل.
فهل الله يحتاج لشراء ذمة الكفار لنشر دينه؟
أليس هذا السلوك إن كان الله هو من ألهمه لنبيه رشوة إلهية تضع الله ذاته في محل حاجة وبذلك تكون مثيرة للشك وللتساؤل؟
لو صدقنا أن محمد صاحب رسالة إلهية للبشر أجمعين وانه لا يخشى في نشر ذلك الأمر لومة لائم كما لا يحتاج إلى شراء صمت الكفار والمنافقين ألا يعتبر هذا الموقف من المؤلفة قلوبهم مسا لقدسية الله والنبي؟
مَنَحَ محمد في مرحلة ما من دعوته من مال الزكاة لقوم من بينهم أبو سفيان، أطلق عليهم اسم المؤلفة قلوبهم وهم حسب تفسير القرطبي ج 8 / 179 - 180 ، فتح القدير للشوكاني ج 2 / 355 ، الدر المنثور للسيوطي ج 3 / 251 أصناف "منهم أشراف من العرب كان صلى الله عليه وآله يتألفهم ليسلموا فيرضخ لهم ومنهم قوم اسلموا ونياتهم ضعيفة فيؤلف قلوبهم بإجزال العطاء كأبي سفيان وابنه معاوية وعيينة بن حصن والأقرع ابن حابس وعباس بن مرداس ومنهم من يترقب - باعطاهم - اسلام نظرائهم من رجالات العرب ولعل الصنف الأول كان يعطيهم الرسول صلى الله عليه وآله من سدس الخمس الذي هو خالص ماله وقد عد منهم من كان يؤلف قلبه بشئ من الزكاة على قتال الكفار".
مما يعني انه قدم مالا لجزء من هذه الفئة لما لهم من تأثير في مجتمعهم بسبب مكانتهم الاجتماعية كي لا ينقضوا ضد الإسلام ولا يعينوا خصومه عليه في حين قدم مالا لجزء آخر مقابل المساعدة في قتال الكفار مما يجعل منهم مجرد جنود مرتزقة لا علاقة لهم بالدين ولم يتم اجبارهم على دخوله ماداموا يوفرون دور المقاتلين وان كان في سبيل المكسب المادي البحت.
هذا النصيب من المال هو ثمن لكسب صمت هؤلاء الغير مسلمين وبالتالي ضمان عدم تعرضهم لمشروع الإسلامي وهو سلوك ميكافيلي بامتياز. الغاية تبرر الوسيلة حتى وان كانت لا أخلاقية وشراء أصوات المعارضة في سبيل التمكن من السيطرة على العامة والمستضعفين هو عمل لا أخلاقي من غير شك لا نقبل به اليوم من طرف أي حزب سياسي مهما كانت كفاءته ومهما بلغت برامجه من مستوى ديموقراطي واحترام للمواطنة.
فهل يرضى الله على مثل هذا السلوك السياسي ويشرعه بالنص أم أنها مرحلة لا مناص منها من طرفه وبالتالي من طرف نبيه لرشوة المخالفين أمام عجزهما معا على الإقناع بالنص المقدس وهدي ما شاء الله هديهم وإضلال من شاء ضلالهم؟

هذه التوجهات السياسية نجد صدى لها في مواقف أخرى عديدة من بينها: وعده لعدي بن حاتم: "عن ابن سيرين: يا عدي ! أسلم تسلم ، قلت : إن لي دينا ، قال : أنا أعلم بدينك منك ، ألست ترأس قومك ؟ قلت : بلى قال : ألست ركوسيا تأكل المرباع ؟ قلت : بلى . قال : فإن ذلك لا يحل لك في دينك . فتضعضعت لذلك . ثم قال : يا عدي ! أسلم تسلم . فأظن مما يمنعك أن تسلم خصاصة تراها بمن حولي ، وأنك ترى الناس علينا إلبا واحدا . هل أتيت الحيرة ؟ قلت : لم آتها ، وقد علمت مكانها . قال : توشك الظعينة أن ترتحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت ، ولتفتحن علينا كنوز كسرى . قلت : كسرى بن هرمز ! قال : كسرى بن هرمز ، وليفيضن المال حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة".

ووعده للمثنى بن حارث:" أريتم أن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وأموالهم ويغرسكم نسائهم"
ولأسياد وشيوخ قبيلة بكر عندما دعاهم إلى الإسلام ورفض السادة طلب محمد قائلين "أنهم في صلح مع بلاد فارس وهم تحت رعاية الإمبراطورية الفارسية ولا يحتاجون دين محمد" فقال: "أفتجعلون لله عليكم من هو أبقاكم حتى تنزلوا منازلهم وتستنكحوا نسائهم وتستعبدوا أبنائهم."
ولسراقة لما أعلنت قريش عن مكافأة قدرها مائة ناقة لمن يأتيها بمحمد حياً أو ميتاً فوعده لو يحميه من متتبعيه: "كيف بك إذا لبست سواري كسرى؟" . يقول سراقة في هذا الخصوص: ": قلت: تكتب لي كتابا يكون آية بيني وبينك. قال: “اكتب له يا أبا بكر" وقد تحقق ذلك لسراقة في عهد الخليفة الثاني عمر بعد الحصول على خزائن ملوك فارس وأخذوا بنات كسرى من ضمن السبايا والأسرى ومن ضمن المسروقات أسوار كسرى التي ألبسها عمر له وقال: “الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة الأعرابي."

وعده للداريين حيث نجد:" ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق: روى بسنده إلى زياد بن فائد عن ابيه فائد عن زياد بن ابي هند عن ابي هند الداري انه قال‏:‏ قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ونحن ستة نفر فاسلمنا وسالنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يقطعنا ارضاً من أرض الشام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ سلوا حيث شئتم ‏"‏‏ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعة جلد من ادم فكتب لنا فيها كتاباً نسخته‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ ‏"‏ هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول الله للداريين إذا اعطاه الله الأرض وهب لهم بيت عينون وحبرون والمرطوم وبيت ابراهيم بمن فيهن لهم ابداً ‏"‏ ‏"‏ شهد عباس بن عبد المطلب وجهم بن قيس وشرحبيل بن حسنة وكتب ‏"‏‏ ثم قال‏:‏ انصرفوا حتى تسمعوا بي قد هاجرت‏. وبعد الهجرة كتب لهم ثانية:"‏ هذا ما انطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتميم الداري واصحابه اني انطيتكم عينون وحبرون والرطوم وبيت ابراهيم برمتهم وجميع ما فيهم نطية بت ونفذت وسلمت ذلك لهم ولاعقابهم من بعدهم ابد الابد فمن اذاهم فيها اذاه الله ‏"
‏‏
ما تقدم من مواقف هل هي من فعل نبي مرسل رحمة للعالمين غايته نشر كلمة الله بالعدل والحق أم أن ما يتبدى لنا هو وجه محمد السياسي (الذي في سبيل توفير الحماية – وعده لسراقة- او جمع أكبر عدد من المؤيدين الطامعين في ثراء فاحش بلغهم ذكره ففتنهم أو الراغبين في الحصول على ارض هي في الحقيقة ليست لهم) لا يتورع في وعد أفراد و قبائل بمنحهم لو نجح مشروعه ما لا يحق له وما لا يمتلكه كإغراء لهم للمشاركة في حروبه دون أي امتحان لمدى قناعتهم وإيمانهم بالفكر الروحي الذي يحاول تثبيته بدعم الهي بل مع علمه في بعض الحالات أنهم كفار.
هذا الوعد بالمال والسبايا والأرض التي هي ملك لأهلها الآمنين والبعيدين كل البعد عن المخططات التي ترسم في مكان آخر بعيدا كل البعد عنهم هل وقعت بالهام رباني أم هي موقف سياسي بشري تبرر فيه الغاية الوسيلة مهما كانت دامية ووحشية؟
ثم هل هي معرفة استباقية أوحى بها إليه إلهه انه سيمكنه من السيطرة على كل تلك الشعوب فيستحل كل ثرواتهم وأعراضهم فينتزعها بالقوة ويوزعها على هواه لمن اخلص له الولاء وشاركه في حروبه حتى وان لم يكن مسلما أم قراءة صحيحة للواقع السياسي بالمنطقة.. هذا الواقع الذي ضعفت فيه الإمبراطوريات المسيطرة وخلت الساحة من قوة ثقل سياسي تكبح جموح الطامعين بالسيادة.. أم هي نوع من الرشوة لكسب مقاتلين حالمين بالثروة لا يتورعون على خوض حروب مهما كانت ضراوتها في سبيل بلوغ مرادهم؟
ثم بأي حق يمنح الداريين مثلا الوعد بأرض بالشام وهي ليست على ملكه ولا ملكهم أم أنها أحلام قبائل بدوية أعياها الترحال في الصحراء القاحلة فحلمت بجنات عدن كما حلم قبلهم أبناء العم العبرانيين أثناء سنين الشتات ؟
إلى جانب ما تقدم من المواقف الساعية لكسب المختلفين أو شراء ذمم أصحاب الإيمان الضعيف تُجمع كل المصادر على أن محمد إعتمد أيضا سياسات الاغتيالات والتشريد والإبادة الجماعية لنشر الفكر التوحيدي الجديد دونما مواربة كما لو أن هذا الفعل العنيف غير وحشي وصادم حتى بمقاييس عصر البداوة حيث كانت السيادة للعرف والتقاليد التي تحترم العديد من القيم ولا تعتدي على النساء والشيوخ مثلا في حين أن محمد تجاوزها غير مكترث بكم الدماء الذي أساله مقدمة في كل حالة إطارا يبرره ويشرع لما تقوم به الجماعات السلفية اليوم من تجاوز لكل حقوق الإنسان وكرامته رغم تغير الظروف الموضوعية تماما.
أولا سياسة الاغتيالات مثلت أهم الخطوات الحاسمة التي اعتمدها محمد سياسيا لإرهاب المعارضين والمنتقدين لفكره الجديد وبالتالي لمشروعه السيادي. قتل العصماء التي كانت ترضع وليدها ("جاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها في بيتها ، وحولها نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها ; فجسها بيده فوجد الصبي ترضعه فنحاه عنها ، ثم وضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها ولما سأل محمد بعد صلاة الصبح "هل عليا في ذلك شيء يا رسول الله؟" فقال محمد "لا ينتطح فيها عنزان") ثم قتل الشيخ المسن ابو عفك الذي كان يهجو محمد حتى قال "مَن لي بهذا الخبيث؟" (يذكر الواقدي: قال سالم بن عمير : علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه ، فأمهل ، فطلب له غرة حتى كانت ليلة صائفة ، فنام أبو عفك بالفناء في الصيف في بني عمرو بن عوف ، فأقبل سالم بن عمير ، فوضع السيف على كبده حتى خش في الفراش) ليس بالامر المشرف للأعرابي كانت له اعرافه وتقاليده التي تحترم حرمة النساء والعجزة لكنه حاسم في فرض الخوف وكتم الاصوات المخالفة. سياسة قتل الغيلة هذه في عمليات قتل ومثلة وحشية وعنيفة، طالت رحاها الكثيرين ممن لم يحملوا سيفا في وجه محمد بل انتقدوه بالشعر ككعب بن الأشرف وأبي رافع بن عبد الله وسلام بن أبي الحقيّق وابن شيبينة وأم قرفة التي قُتلت بأمر زيد بأن ربط القوم رجليها إلى جملين ألزموهما بالسير في اتجاهين متعاكستين فانشقت أم قرفة وتقطعت فهنّأ الرسول زيداً بعمله ولم يوبخه على هذا التوحّش.
هل يمكن تبرير هذه الاغتيالات فمهما كانت شدة الانتقادات اللفظية الموجهة لشخص محمد أو لعقيدته التي يروم نشرها فالله وحده يهدي من يشاء ويظل من يشاء حسب تصريح النص القرآني والمقتولون ليسوا سوى رافضين لفكر يرونه غريبا لم يقنعهم لأسباب يرونها منطقية ماداموا لم يرفعوا السلاح في وجه محمد ؟
هل كانت اوامر الهية مقدسة ام اجتهاد نبوي بالهام رباني وبذلك فهي سنة اكيدة تبرر ما تقوم به الجماعات السلفية المتطرفة كالقاعدة من اغتيالات ام فضاعات مدسوسة من بين كم هائل من الاسرائليات لتشويه الاسلام؟
أم علينا التسليم انها سياسة اقصائية همها الاول كبت صوت المخالفين وتحذير صريح وقاطع لكل من ستخول له نفسه الانتقاد او الرفض لا تمتلك من القداسة شيئا يعلم محمد الذي امر بها او بيّن رغبته في حصولها لأتباعه الذين إرتكبوها أن اخبار ضحاياها من الشعراء ستنتشر كالنار في الهشيم فتبلغ الكل دون استثناء ليعلموا أن لا احد في مأمن من الوشاية او من القتل غيلة خاصة وان القتلة يمكن ان يكونوا من اهل البيت، اخوة او ابناء او اقارب؟

ثانيا تشريد قبائل يهود بني القينقاع ثم بني المصطلق ثم يهود خيبر ووادي القرى وابادة بني قريضة الذي نقبله كتاريخ وليد ظروفه وواقع معاصريه وثقافتهم والذي يعتبر بمقاييس عصرنا عملا اجراميا مهما كانت اسبابه فلا ذنب لعموم القرضيين مثلا فيما ارتكبه قادتهم من خيانة تدعيها المصادر الاسلامية ولا داع أن يقوم نبي مرسل من طرف الاله بذبح كل من انبت كحيوانات ثم لا تبرير لطرد أهل بلاد من بلادهم بعد سلبهم كل املاكهم واموالهم وذهبهم مقابل الابقاء على حياتهم هل كان أمرا الهيا مقدسا ام قرارا بشريا مجحفا مغرقا في الانانية والتمايز؟
هل يكمن ذنبهم في أن الدين الوافد الجديد قصر عن تبليغ مراده لهم فلم يقتنعوا به؟
ثم هل كان هذا الاجراء المحمدي والذي سانده النص القرآني لأسباب عقائدية صرفة أراد الله بها أسلمة كل الفضاء الجزيري ولو على حساب شعوب اخرى سكنت تلك المناطق كما فعل سابقا مع شعبه المختار لما منحهم ارض كنعان متجاهلا بغرور وصلف أنها منطقة آهلة لها شعبها الذي سكنها منذ الازل والذين لهم ثقافتهم وحضارتهم التي لازالت شواهدها باقية الى اليوم أم أن الاسباب إقتصادية محضة فهؤلاء الاعراب المشردون الذين لفضتهم قبيلتهم واضطروا للعيش تحت مستوى الفقر في يثرب (تماما كالعبرانيين الاوائل المشردين الذين لا يمتلكون لا تاريخا ولا حضارة) يعلمون ان اليهود يمتلكون من الذهب والاموال والاراضي الخصبة الشيء الكثير فداهنوهم في البدء وطلبوا ودهم لما كانوا في حالة ضعف ثم ناصبوهم العداء ومع نمو قوتهم اغتصبوا كل ارزاقهم ومتاعهم مما أدى بعد نجاح الغزوات وحصول التابعين لمحمد على الاكتفاء الاقتصادي بامتلاك كل ثروات اليهود تكاسلوا عن الحرب مما يؤكد أن غايتهم لم تكن نشر الدين في حد ذاته وهو ما يفسر نزول القرآن محرضا : " يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا أثاقلتم إلى الأرض " (التوبة 38). " ألا تنفروا يعذبكم الله عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم " ( التوبة 39) " كُتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " ( البقرة 216) الى جانب قرار محمد" من مات ولم يغزً مات على نفاق"؟
ثم بيع سبايا بني قريضة هل هو امر قدسي رباني الغاية منه تبيين ان اليهود مخطئين بعدم اسلامهم وعقاب لهم لعدم اقتناعهم بمحمد خاتما للنبيين ام هو قرار بشري يخفي مطامع اقتصادية لثلة امتلكت القوة العسكرية؟
نجد في السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص256 وعيون الأثر ج2 ص75 والبداية والنهاية ج4 ص126 وتاريخ الخميس ج1 ص499 ونهاية الأرب ج17 ص196 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص186 والمحبر ص93 وتاريخ الإسلام (المغازي) ص262 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص252 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص20 والسيرة الحلبية ج2 ص346 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص24 ومجمع البيان ج8 ص352 والبحار ج20 ص212 و 278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص242. وراجع: خاتم النبيين ج2 ص955 وبهجة المحافل وشرحه ج1 ص276. إمتاع الأسماع ج1 ص250 و 251 وسبل الهدى والرشاد:
"بعث «صلى الله عليه وآله» سعيد (سعد) بن زيد الأشهلي مع سبايا من بني قريظة إلى نجد، فابتاع لهم بها خيلاً وسلاحاً" و: إنه «صلى الله عليه وآله» بعث بطائفة من سبي بني قريظة مع سعد بن عبادة إلى الشام، يبيعهم، ويشتري بهم سلاحاً وخيلاً" وأيضا :قال الحلبي: «فاشترى بذلك خيلاً كثيراً قسمها رسول الله «صلى الله عليه وآله» على المسلمين ولعله «صلى الله عليه وآله» قد أرسل إلى نجد وإلى الشام".

بالنظر لهذا المصير الدموي لليهود يمكن أن نفهم السبب الحقيقي لإسلام الخمسة أو ستة أشخاص الذين تذكرهم كتب السير كفتح عظيم في صفوف اليهود. إيمانهم هذا بالعقيدة الجديدة وان كان يختلف جذريا عن إيمان المقاتلين الذين شاركوا في الغزوات في سبيل السبايا والثروة أو إيمان الذين أخذوا مالا مقابل القبول بالعقيدة الجديدة وحديث صفوان بن أمية وما هو الا واحد من كثيرين امثاله: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعطيني من غنائم حنين ، وهو أبغض الخلق إلي ، حتى ما خلق الله شيئا " أحب إلي منه"، يظهر انه ما أحب محمد ولا إسلامه إلا في سبيل الحصول على المال (وهو أمر يعده بعضهم ضمن سياسة التقية الإسلامية) إلا انه لا يختلف عن إسلام آخرين كثر خاصة بعد حملات الاغتيالات ألا وهو الحفاظ على ألأموال والنفس أكثر من القناعة الفكرية بالدين الجديد وهي حقيقة لا " ينتطح فيها عنزان" على حد تعبير محمد.

يتبع



#رويدة_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزنا الحلال بين الدين والسياسة (الجزء الثالث)
- الزنا الحلال بين الدين والسياسة (الجزء الثاني)
- الزنا الحلال بين الدين والسياسة (الجزء الاول)
- النص التشريعي الاسلامي بعيدا عن وهم القداسة: الحديث النبوى 2
- النص التشريعي الاسلامي بعيدا عن وهم القداسة: الحديث النبوى
- النص التشريعي الاسلامي بعيدا عن وهم القداسة: القرآن
- الاقليات بين المؤامرة وثقافة الاقصاء في الساحة العربية
- صناعة نبي : نبي رحمة أم مجرم حرب .
- خلعتُكَ يا وطني
- عالق على الحدود يا وطني
- بعيدا عن أوهام القداسة: الإسلام. المبحث 5 الجزء 3
- ما المصير ؟
- سري من بلاد قمعستان
- دكتاتورية الحكام وارادة الشعوب
- تونس تُسقط حائط برلين العرب ... شعب يصنع الامل .
- بعيدا عن أوهام القداسة: الإسلام. المبحث 5 الجزء 2
- ثقافتنا العربية بين عدائية التراث ومتطلبات العصر
- بعيدا عن أوهام القداسة : المسيحية. المبحث 5 الجزء 1
- أباء مقدسون أم بحث عن أصالة (المبحث4 )
- العشيرة المُصطفاة و وهم القداسة : المبحث 3


المزيد.....




- معركة اليرموك.. فاتحة الإسلام في الشام وكبرى هزائم الروم
- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رويدة سالم - السياسة المحمدية : الزنا الحلال بين الدين والسياسة