أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - الوضع السياسي الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة















المزيد.....



الوضع السياسي الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة


امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)


الحوار المتمدن-العدد: 3481 - 2011 / 9 / 9 - 02:20
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الوضع السياسي الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة

1 ـ تقديــــــــــم

بعد اغتيال ستالين و في أزيد من ثلاثة عقود و نصف من التراجعات عن الخط والإستراتيجية اللينينيين عملت التحريفية الإنتهازية بالحزب الشيوعي السوفييتي جنبا إلى جنب مع الإمبريالية لبعث الرأسمالية بروسيا ، بعد التراجع عن الخط و الإستراتيجية اللينينين ، و تدمير الإقتصاد الإشتراكي الذي يتسم بالبعد الإجتماعي و المساواة في توزيع الخيرات ، و تشجيع العسكرة و الصناعة العسكرية و ترويج الأسلحة و المشاركة في تجييش بؤر التوتر العالمية و تنمية الرأسمال المالي المحلي بروسيا ، و التواطؤ في الحروب اللصوصية للرأسمالية الإمبريالية في آسيا و أمريكا اللاتينية و أفريقيا ، و فرض الهيمنة على الأحزاب الشيوعية في أوربا الغربية و البلدان التابعة لها ، و دخلت هذه الأحزاب التحريفية الإنتهازية في توافقات سياسية مع الأنظمة الرأسمالية الأوربية و الرجعية التابعة لها من أجل تدبير أزمات الرأسمالية عن طريق المساهمة في السلطة السياسية ، و تحولت إلى أحزاب ديمقراطية بورجوازية صغيرة ، مما دفع بالعديد من الماركسيين اللينينيين إلى الإنسحاب من هذه الأحزاب و تأسيس منظمات ثورية ماركسية لينينية في السرية كبديل للخط الإشتراكي البيروقراطي داخل الأحزاب الشيوعية ، و تشكل المنظمة الثورية الماركسية اللينينية "إلى الأمام" أبرز هذه المنظمات إن على المستوى الأيديولوجي أو السياسي أو التنظيمي أو النضالي ، و مواجهة القمع الأسود للنظام الملكي الكومبرادوري الديكتاتوري الذي إتسم بالإختطاف و الإعتقال و التعذيب حتى الإستشهاد في المعتقلات السرية و السجون العلنية.
و رغم أن منظمة "إلى الأمام" لم تستطع إنجاز المهام الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية و النضالية التي سطرتها ، إلا أنها استطاعت طبع الحياة السياسية بالمغرب بالإتجاه اليساري الراديكالي الثوري ، و كانت الجامعة المغربية الفضاء الذي منحها النفس الطويل في مواجهة آلة القمع البوليسية ضد المناضلين الماركسيين اللينينيين ، و تبقى المهمة الأساسية/تغلغل فكر المنظمة في صفوف الجماهير العمالية مهمة لم يتم إنجازها بعد ، نظرا للقمع المسلط عليها و تفشي التحريفية الإنتهازية في صفوفهم أغلب مناضليها ، و التي تم تركيزها في بداية التسعينات بعد انبهارهم بسقوط الإتحاد السوفياتي و الترويج لمقولة"نهاية التاريخ" ، و توهم بأن الدياليكتيك الماركسي قد تم فعلا تجاوزه من طرف الأوهام البورجوازية ذات الأبعاد المثالية الذاتية الحديثة ، و سقطوا في فخ مقولات "العولمة و الديمقراطية و حقوق الإنسان" ، الشيء الذي عصف بهم في اتجاه معاداة "الصراع الطبقي و ديكتاتورية البروليتاريا و الحزب الثوري و إمكانية إنجاز الثورة" ، محاولين تجاوز أسس الماركسية اللينينية بالرجوع إلى اللاعرفانية في محاولة لتحريف الماركسية ، مما جعلهم يسقطون في أوهام المثالية الذاتية و السوليبسيسم و الوقوع في أحضان البورجوازية ، ذلك ما وقعت فيه كل الأحزاب الإصلاحية التي تسمي نفسها "اشتراكية" و التي تتوهم أنها تستطيع تحقيق التغيير بممارسة النضال الديمقراطي البورجوازي الصغير ، و خاصة منها حزب النهج الديمقراطي الذي يدعي استمرارية الحركة الماركسية اللينينية و خاصة منظمة "إلى الأمام".
و بقيت المسؤولية التاريخية في عدم تغلغل الفكر الماركسي اللينيني في أوساط الجماهير العمالية ملقاة على عاتق قيادات المنظمات الماركسية اللينينية المغربية الثلاث و امتداداتها داخل "الأحزاب الإشتراكية البيروقراطية" و خاصة التي تدعي استمرارية منظمة "إلى الأمام" ، و التي تراجعت عن الخط و الإستراتيجية اللينينيين رغم التضحيات الجسام للماركسيين اللينينيين في مرحلة القمع الأسود ، مما جعل هذه الأحزاب عائقا أمام تغلغل الفكر الماركسي اللينيني في أوساط الجماهير الشعبية و على رأسها الجماهير العمالية ، بعد تبنيها للفكر الديمقراطي البورجوازي الصغير و نشره في أوساط مناضليها الذين يتنافسون حول قيادات النقابات و الجمعيات الحقوقية و التنموية و الثقافية ، مما وضع أمام المناضلين الماركسيين اللينينيين اليوم مهام جسام تتجلى في بناء الخط و الإستراتيجية اللينينيين وفق شروط الحياة المادية في المرحلة الراهنة ، و بلورتها في أوساط الجماهير العمالية و الفلاحين الفقراء من أجل بناء الحزب البروليتاري الإشتراكية.


2 ـ الوضع السياسي الراهن و تطور الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بالمغرب

لقد كان لتنامي الرأسمال المالي في عصر الإمبريالية بعد الحرب الإمبريالية الثانية بقيادة أمريكا و سيطرة الخط التحريفي الإنتهازي على السلطة بالإتحاد السوفييتي ، أثر كبير في تسريع وثيرة سيطرة الرأسمالية في البلدان التابعة للإمبريالية و من بينها المغرب ، فبعد تجاوز مرحلة وضع الأسس الإقتصادية الرأسمالية ببلادنا في مرحلة الإستعمار المباشر بعد القضاء على مقاومة الفلاحين الفقراء بالقضاء على جمهورية الريف التي استمرت من 1919 إلى 1926 و سقوط آخر معاقل المقاومة بجبل صغرو في 1934 ، و تم تحويل الملكية الجماعية للأراضي إلى ملكية فردية رأسمالية و وضع أسس الإستثمار الرأسمالي في مجال الفلاحة/زراعة رأسمالية بالبوادي ، بعد احتلال أراضي الفلاحين الفقراء و تحويلها إلى إقطاعيات يتم استغلالها من طرف المعمرين في اتجاه تصدير المنتوجات الفلاحية إلى أوربا الغربية ، و ظهرت طبقة العاملات و العمال الزراعيين بالبوادي التي يتم استغلالها من طرف الملاكين العقاريين المعمرين ، و وضع أسس الرأسمال الصناعي بالمدن بتركيز جل الصناعات ببعض المدن الكبرى كالدار البيضاء و فاس (تكرير البترول،النسيج،الإسمنت،السكر و الشاي،صناعة السيارات ...) و استغلال المناجم بالبوادي (جرادة،جبل عوام،خريبكة،بوزار،إيمني...) و ظهور الطبقة العاملة الصناعية بالمدن و البوادي ، و تركيز أسس الرأسمال المالي بعد إثقال كاهل الشعب المغربي بالقروض الإمبريالية لتأهيل سيطرة الإقطاع و الكومبرادور على السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية ، و إنشاء البنوك بالمدن و استغلال القروض لإثقال كاهل البورجوازية الصغرى و العمال و الفلاحين الفقراء ، و فتح المجال أمام الإقطاع و الكومبرادور لاستغلال أموال الشعب في مشاريعهم الإستثمارية في الفلاحة و السياحة و الصيد البحري و المضاربات العقارية بعد نشأة الملاكين العقاريين المعمرين الجدد ، و وضع أسس البنيات التحتية للمواصلات بشق الطرق المعبدة و السكك الحديدية و الموانيء و المطارات لتسهيل استغلال خيرات البلاد و تصديرها .
في ظل هذه الأوضاع تنامى الرأسمال الصناعي (المعامل و المعادن) بالمغرب الذي سيطر عليه المعمرون على حساب الفلاحة (الزراعة و الثروات الغابوية و الصيد البحري) التي تم ترك ما يستغني عنه المعمرون في المجال الفلاحي للإقطاع و الكومبرادور ، و ذلك بمنح جزء من السلطة للإقطاع ببعض المناطق بالبوادي (الكلاوي و الكندافي بالجنوب) التي لا يستطيع استغلالها لدعم سلطته ، و فتح الطريق أمام الكومبرادور لترويج المنتوجات الصناعية الرأسمالية لدعم الرأسمال المالي بالمدن.
يعتبر الإقطاع و الكومبرادور الحليفين الأساسيتين للإستعمار المباشر و هما يرضيان بالتبعية له نظرا لكونهما عاجزين عن منافسة الإستثمارات الرأسمالية الكبرى الإستعمارية في المجالين الصناعي و الفلاحي ، و تعتبر طبقة البورجوازية الصغرى بالمدن التي تشكلت أساسا من مثقفين و طلبة و حرفيين وتجار صغار و بالبوادي من فلاحين صغار و حرفيين و تجار صغار الطبقة المعرضة لاستغلال الإستعمار والإقطاع و الكومبرادور ، و هي أساسية في تنمية الرأسمال و تطويره نظرا لدورها في ترويج المنتوجات الصناعية والفلاحية الرأسمالية و ذر الأموال لتنمية الرأسمال المالي لتجاوز أزماته و تكثيف استغلال الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء.
و اتجهت البورجوازية الكومبرادورية إلى الإستثمار في المجال الفلاحي بتحالف مع الإقطاع بدعم من النظام القائم في بداية الإستقلال الشكلي ، لتلعب دور المعمرين في توجيه المنتوجات الفلاحية عبر التصدير، و تم تركيز دولة الكومبرادور بنشوء طبقة الملاكين العقارييناالمعمرين الجدد ، بعد فتح المجال أمام العائلة الملكية و الموظفين السامين و الوزراء و البرلمانيين و الضباط الكبار في الجيش و الدرك و الشرطة و عائلاتهم لامتلاك أجود الأراضي الزراعية التي سيطر عليها المعمرين في مرحلة الإستعمار المباشر ، و كانت سياسة السدود تهدف إلى توفير المياه للمشاريع الإستثمارية الفلاحية للكومبرادور و الملاكين العقاريين ، أثر كبير في تهجير جماهير الفلاحين الفقراء من أراضيهم التي غمرتها المياه و ترك ما تبقى منها لسيطرة أجهزة المياه و الغابات التي حولتها إلى محميات لتفويتها للملاكين العقاريين ، واستقر جلهم بالبوادي المجاورة للعمل بالضيعات و معامل التلفيف في ظروف من القهر أشبه بعصور العبودية لتلتحق بطبقة العمال الزراعيين بالبوادي ، و يستقر بعضهم بضواحي المدن في أحياء القصدير للعمل بالمعامل هربا من البوادي للوقوع في قبضة الكومبرادور بالمدن و لتلتحق بطبقة العمال الصناعيين .
و كان لتنامي الرأسمال المالي بالمغرب في العقدين الأخيرين أثر كبير في ظهور المضاربات العقارية بعد تركيز استغلال الثروات الطبيعية من مناجم و صيد بحري و تصفية المؤسسات الوطنية الصناعية و الفلاحية والمالية و السيطرة على أجود الأراضي و المحميات بالغابات و مصادر المياه ، و لم يبق أمام الكومبرادور و الملاكين العقاريين إلا مجال العقار الذي يتم الإستيلاء عليه بواسطة أجهزة النظام القائم و رؤساء الجماعات السلالية و الجماعات القروية ، وتحويل هذه الأراضي إلى ضيعات و محميات خاصة بالبوادي و مجموعات سكنية بضواحي المدن و المراكز الحضرية ، و ظهرت طبقة بورجوازية ليبرالية ذات أصول كومبرادورية اغتنت من أموال الشعب عبر استغلال الأراضي الصالحة للزراعة و المناجم و الصيد البحري و تصفية المعامل و نهب البنوك و الصناديق المالية ( القرض الفلاحي ، القرض العقاري السياحي ، البنك الشعبي ، صندوق الضمان الإجتماعي ، التعاضدية العامة ...).

وكان للسياسة الطبقية للنظام القائم التي تتجه إلى خوصصة المؤسسات الوطنية التي تم بناؤها بعرق و دم الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء أثر كبير في ظهور العطالة :

أولا ـ في صفوف الفلاحين الصغار و الفقراء الذين تم الإستيلاء على أراضيهم من طرف الكومبرادور و الملاكين العقاريين و الذين تحولوا إلى عبيد للرأسمال بعد أن كانوا أسياد ملكيتهم في مشاريعهم الفلاحية الصغرى ، التي افتقدوها إما ببناء السدود عليها أو ببيعها بأبخس الأثمان بعد السيطرة على مياهها من طرف المستثمرين الرأسماليين .
ثانيا ـ تحول العمال بالمناجم إلى معطلين بعد طردهم من العمل و تصفية جل المناجم (جبل عوام ، جرادة ، إيمني ...( .
ثالثا ـ انتشار العطالة في صفوف العمال و العاملات بالمدن بعد تصفية جل المعامل الوطنية و تفويتها إلى المستثمرين الرأسماليين المغاربة والأجانب ، و تهميش المشاريع الإنتاجية بالتركيز على رأسمال الريع بانتعاش المؤسسات ذات الرأسمال المالي المضارباتي و تصفية المكاتب الوطنية (البريد/إتصالات المغرب، المحافظة العقارية/الوكالة العقارية ، الكهرباء ، الماء ، وكالات مياه الري...( ، و يتم اليوم التهييء لتصفية المكاتب الجهوية للإستثمار الفلاحي بعد تفويت أراضي صوديا و صوجطا للمستثمرين الرأسماليين المغاربة و الأجانب ، و تأسيس التعاونيات الفلاحية وجمعيات السقي التي تعتبر أدوات لذر الأموال لصالح الكومبرادور و الملاكين العقاريين لما لها من دور في استنزاف ما تبقى من عرق و دم الفلاحين الصغار و الفقراء.
رابعا ـ إنتشار العطالة في صفوف الشباب المثقف بعد تخرجهم من الجامعات و المعاهد العليا و الذين يتم استغلالهم من طرف المستثمرين الرأسماليين في أحسن الأحوال و بأبخس الأجور.
خامسا ـ إستغلال المرأة الفلاحة بالبوادي في ظروف شبيهة بالإقطاع حيث تعمل طول النهار بالبيت و المزارع و الغابات بدون أجر و في المشاريع الإستثمارية للملاكين العقاريين بأجر زهيد ، و استغلال جل النساء بالمدن في البيوت بدون أجر و بالمعامل بأجر زهيد في ظروف شبيهة بالإقطاع.

هكذا تم تركيز أسس الرأسمال المالي التبعي ببلادنا ، فبعد استنفاد احتلال الأراضي الصالحة للزراعة يتم اليوم احتلال ما تبقى من أراضي الفلاحين الفقراء بالبوادي بأبخس الإثمان ، و ذلك لبناء المشاريع السياحية عليها من طرف الكومبرادور و الملاكين العقاريين ، و تهجير الفلاحين الفقراء إلى المراكز الحضرية التي أسس بها مشاريعه العمرانية لاستنزاف ما تبقى لهم من أموال ، ليتحول هؤلاء إلى طبقة عاملة معطلة عن العمل بعد أن فقدوا مشاريعهم الصغرى أو العيش بضواحي المدن في تجمعاتهم السكنية المهمشة باحثين عن عمل ، الشيء الذي ينتج عنه ظهور ظواهر اجتماعية منحرفة كالجريمة و بيع المخدرات و المجموعات الظلامية التي ترى في الدين ملاذا للخروج من فقرها المدقع ، كما عمل الكومبرادور و الملاكون العقاريون على نشر مؤسسات السياحة الجنسية بالبوادي و ضواحي المدن ببناء المنتجعات و المركبات السياحية التي يسقط في فخها الأطفال و الطفلات و الفتيات المنحدرات من التجمعات السكنية الهامشية بالإحياء الشعبية و ضواحي المدن ، و لا غرابة أن تنشأ منذ انفجارات الدار البيضاء في 2003 مجموعات ظلامية هنا و هناك و التي استغلها النظام القائم لبسط قبضته على الأحياء الشعبية بالمدن ، و بالمقابل برزت حركات اجتماعية احتجاجية بالبوادي قادتها جمعيات و مناضلين يساريين ضد التهميش و التي ترتكز على المطالب الإقتصادية خاصة الأرض والماء و الثروات الطبيعية و الخدمات الإجتماعية ، هذه الحركات التي عرفت تطورا سريعا خلال السنوات الأخيرة مما أعطى نفسا لحركة 20 فبراير التي تأسست بعد الثورتين الديمقراطيتين البورجوازيتين التونسية و المصرية.

إن الحركات الإجتماعية و المعرفية في علاقة جدلية دائمة عبر التاريخ في ظل تعدد المصالح وتناقضها بين الطبقات الإجتماعية المتناقضة ، بعد نشأة الأسرة و الدولة و ظهور الملكية في ظل النظام الإقطاعي و توظيف عامل المعتقد أيديولوجيا في العلاقات الإجتماعية ، و تعتبر القرون الثلاثة الماضية أهم المراحل التاريخية التي عرفت فيها الحركة الإجتماعية و المعرفية تفاعلا هائلا لم تشهده البشرية من قبل ، حيث تم القضاء على النظام الإقطاعي الذي قام مقامه النظام الرأسمالي و بالتالي القضاء على العبودية الإقطاعية التي قامت مقامها العبودية الرأسمالية ، مما نتج عنه بروز صراع دائم بين الحركة الإجتماعية و المعرفية الديمقراطية البورجوازية و الحركة الإجتماعية و المعرفية الديمقراطية البروليتارية ، و لم يحدث ذلك إلا بعد تحقيق أربع ثورات اجتماعية هائلة : الثورة الإنجليزية عام 1689 و الثورة الأمريكية عام 1776 و الثورة الفرنسية عام 1789 و أروعها الثورة البولشيفية عام 1917 ، و كان لهذه الثورات الأربع أثر كبير في تسريع دينامية الحركة الإجتماعية في تفاعل دائم مع الحركة المعرفية التي رافقتها في علاقة جدلية دائمة ، إلا أن هذه الثورات الإجتماعية و المعرفية لم تسلم من التناقضات التي تحكم صيرورة الحركة و بلغت التناقضات مداها في ظل تعدد المصالح و تناقضها بين الطبقات المتصارعة في المجتمعات الرأسمالية ، الشيء الذي نتجت عنه كوارث إجتماعية تجلت خاصة في الحربين الإمبرياليتين الأولى و الثانية ، نتيجة الصراع بين الرأسمال و العمل و بين الإمبرياليات فيما بينها.

لقد برز خلال القرن 19 بثورة اجتماعية و معرفية ذات أبعاد اشتراكية و تم تتويجها في القرن 20 بالثورة البولشيفية بروسيا ، نتيجة الصراع بين الرأسمال و العمل بعد انتصار مفاهيم البورجوازية على مصالح الإقطاع و سيطرة البورجوازية على السلطة ، و برزت الحركة المعرفية الإشتراكية المناقضة للحركة المعرفية البورجوازية نتيجة الحركة الإجتماعية الإشتراكية ، و بالتالي بروز المنتظم الإشتراكي المناقض للمنتظم الرأسمالي الذي أحدث التوازن في الصراع الطبقي في ظل جدلية تناقضات الحركة الإجتماعية و المعرفية ، نتيجة الصراع القائم بين الرأسماليات الإمبريالية فيما بينها من جهة وبينها و بين الحركة الإجتماعية و المعرفية الإشتراكية من جهة ثانية ، و كان لهجوم البورجوازية العالمية على المنتظم الإشتراكي بتحالف مع التحريفية الإنتهازية بعد الحرب الإمبريالية العالمية الثانية أثر كبير في ضعف الحركة الإجتماعية الإشتراكية ، و بالتالي ضعف الحركة العمالية العالمية بعد تفشي التحريفية الإنتهازية في صفوف الأحزاب الشيوعية مما أدى إلى سقوط النظام الإشتراكي و إعادة بناء الرأسمالية بالإتحاد السوفييتي ، إلا أن الحركة المعرفية الإشتراكية التي تأسست على أنقاضها النظام الإشتراكي بقيت صامدة رغم كل النكسات التي عرفتها بعد انهيار المنتظم الإشتراكي ، فكان لابد من الحركات الإجتماعية الضرورية من أجل الدفاع عن الحركة المعرفية الإشتراكية و الصامة في وجه الرأسمالية الإمبريالية بأمريكا و الإشتراكية الإمبريالية بروسيا و الصين ، و برز الوجه الحقيقي للرأسمالية الإمبريالية التي تسعى إلى السيطرة على السلطة السياسية و الإقتصادية و الهيمنة الأيديولوجية البورجوازية بالقوة العسكرية على شعوب العالم لاستغلال خيراتها و تطويع الجماهير العمالية بعد هيمنة الأروستقراطية العمالية على الحركة العمالية العالمية.

و كان للطبيعة التناحرية للنظام الرأسمالي أثر كبير في سقوط الإمبريالية الأمريكية وحليفاتها بأوربا في مستنقع الحروب (العراق،أفغانستان،السودان،الصومال...) بعد كشف زيف شعاراتها حول الديمقراطية و حقوق الإنسان و محاربة الإرهاب الشيء الذي دمر الرأسمال المالي.
فإذا كان الإستعمار و الحروب بين الإمبرياليات صمام أمان الرأسمالية الإمبريالية للخروج من أزماتها المزمنة في بداية نشأتها فإن الإستعمار و الحروب اليوم تشكل مصدر أزمات الرأسمال المالي ، فكانت الحرب بين الإمبرياليات لتقسيم العمل غير ممكنة لأنها قد تعصف باقتصادياتها الشيء الذي يفسر عدم قدرة أمريكا على الدخول في حرب القوقاز ضد روسيا/الإمبريالية الحديثة ، ذلك لأن الحرب في أفغانستان والعراق أنهكت كاهل أمريكا و حلفائها و من المستحيل تجنيد الجماهير العمالية و الفلاحين الفقراء بالمستعمرات كما هو الشأن في الحربين الإمبرياليتين الأولى و الثانية ، مما يجعل فتح جبهات مباشرة مع الإمبرياليات أمرا مستحيلا ، هكذا برزت الأزمة المالية بأمريكا و انتشرت في باقي البلدان الرأسمالية كطبيعة للأزمات التي تلازم النظام الرأسمالي باعتباره نظاما تناحريا ، و كانت أزمة الرأسمالية أزمة مالية في عصر الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية التي يهيمن فيها الرأسمال المالي على الرأسمال التجاري و الصناعي.
و كان للحركة الإجتماعية الإشتراكية العالمية (الهند، النيبال، البيرو ...) أثر كبير في بروز حركات اجتماعية ذات أبعاد متعددة في بعض الدول التابعة للرأسمالية الإمبريالية ، التي تحكمها أنظمة ديكتاتورية سيطرت على السلطة بالحديد و النار و شيعت القمع و الرعب في أوساط الشعوب ، ذلك ما نراه في تنامي الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بالمغرب باعتباره بلدا عرف خلال سنوات القمع الأسود قمعا شرسا ضد الحركات الإجتماعية و المعرفية الإشتراكية/الحركة الماركسية اللينينية و على رأسها منظمة "إلى الأمام" بعد الإستقلال الشكلي ، تجلى أساسا في قمع الإنتفاضات الشعبية و سقوط الشهداء و المعتقلين و على رأسهم الماركسيون اللينينيون (زروال، سعيدة، رحال، شباضة، بلهواري، الدريدي ...).
و منذ 2004 ظهرت بالمغرب حركات اجتماعية احتجاجية ذات أبعاد مطلبية متعددة تختلف من منطقة إلى أخرى و من مجال إلى آخر حسب الدوافع الإجتماعية التي تمخضت عنها (إيملشيل،تامسينت،سيدي إيفني،طاطا،بكارة،بوميا،أيت أورير،صفرو،أولوز،بومالن دادس،إيمني،جبل عوام...) ، تلتقي جميعها في البعد السياسي الذي يحكمها انطلاقا من التصدي للأساس الإقتصادي للنظام القائم الذي يتسم بالطبقية و توسيع دائرة الفقر.
و لا غرابة أن تتم مواجهة هذه الحركات بالقمع و الإعتقال و المحاكمات الصورية و السجون التي لا يمكن فصلها عن سابقاتها في سنوات القمع الأسود و التي كانت آنذاك تواجه بالحديد و النار إلا في حدة و قوة مواجهة النظام القائم لها ، و الدارس لهذه الحركات الإجتماعية يلاحظ أنها متواترة و هي حصيلة تطور حركة التنظيمات الذاتية للجماهير خاصة بالبوادي و التي لعبت دورا هاما في تأطير و تنظيم الجماهير محليا ، فمنذ منتصف التسعينات من القرن الماضي و الحركة الإجتماعية متسارعة في اتجاه تفعيل الحركة الجمعوية التي اتجهت في أول الأمر إلى إشباع حاجات الأفراد و الجماعات محليا عبر المشاريع التنموية ، و عرفت دينامية هائلا على مستوى التأسيس و الحركة و الإعتماد على الذات و محاولة مواجهة المشاكل الإجتماعية الناتجة عن تملص النظام القائم من مسؤولياته في تردي الأوضاع اٌقتصادية و الإجتماعية ، فعلى الرغم من أن جل الجمعيات التنموية بالبوادي قد تأسست بإيعاز من السلطات و الجماعات المحلية من أجل استغلالها في نهب الأموال إلا أنها و بعد عقد من التنظيم وتنامي الحركة الإجتماعية أصبحت مستقلة عنها وذات أبعاد مطلبية سياسية ، فأصبحت في مرحلة موالية في مواجهة السلطات و الجماعات المحلية عندما توصلت الجماهير الشعبية و بفضل تجربتها الخاص إلى أنه لا يمكن تحقيق مشاريعها التنموية و أن حل مشاكلها لا يمكن أن يتم إلا عبر تغيير الأساس الإقتصادي للنظام القائم.
و الحركات الإجتماعية بالمغرب لم تكن مؤطرة من طرف الأحزاب البورجوازية الإصلاحية التي اختارت الإندماج في السياسة الطبقية للنظام القائم و تمرير ما يسمى ب"المسلسل الديمقراطي" الذي وضعت أسسه في مرحلة سنوات القمع الأسود ، و تتدخل الأحزاب "اليسارية" الإصلاحية من حين إلى آخر لدعم هذه الحركة أو تلك في أول الأمر من أجل احتوائها و توجيهها في الإطار السلمي الإستسلامي ، لكونها تلعب دور صمام أمان النظام القائم و تبقى بعيدة عن الجماهير الشعبية إلا في المناسبات الإنتخابية المرسومة لها ، ذلك لأنها و خاصة منها الممثلة في المؤسسات المزورة لم تستطع خلق علاقة راسخة بينها و بين الجماهير الشعبية حتى التي تدعي رفع شعار المقاطعة لا تملك بديلا إلا هذا الشعار ، نتيجة فقدان الثقة من شعاراتها الزائفة التي ترفعها في هذه المباسبات و التي سرعان ما تنكشف أمام الجماهير عند انتهاء المواسم الإنتخابية ، حيث يتحول مناضلو الأحزاب الممثلة في هذه المؤسسات إلى أدوات لسن التشريعات و القوانين في البرلمان و الغرفة الثانية أو أدوات لتنفيذ هذه التشريعات و القوانين في أرض الواقع في الجماعات المحلية ، فتصبح هذه الأحزاب في مواجهة مطالب الجماهير التي رفعت بالأمس جزءا كبيرا منها كشعارات لحملاتها الإنتخابية التضليلية ، و لأنها لا تملك قواعد جماهيرية مضبوطة حيث تسود في أوساطها ظاهرة الإنتقال من حزب إلى آخر كلما ظهرت مصالح المنتخبين بهذا الحزب أو ذاك بعد كل عملية انتخابية ، ذلك هو مصير "النضال السياسي الديمقراطي" الذي تتغنى به الإنتهازية التحريفية بحزب النهج الديمقراطي التي تريد لنفسها أن تكون بطلة هذا الخيار ، و هي تتهلل بكونها تسعى إلى تجميع "الإشتراكيين" حول مشروعها الحزبي البورجوازي الإصلاحي الجديد الذي تريد له أن يكون بديلا عن مشروع "الإشتراكيين التقليديين" في ظل هيمنة النظام القائم.
و كان للهوة بين الجماهير الشعبية و النظام القائم بأجهزته التي لها تاريخ مظلم في مجال القمع و مؤسساته المبنية على التزوير و الفساد و الشعارات المزيفة للأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغيرة لأزيد من نصف قرن ، كان لذلك كله أثر كبير في دفع الجماهير الشعبية إلى التفكير في مواجهة مشاكلها المحلية التي غالبا ما يستعصى حلها في ظل الإمكانيات المحدودة التي تتوفر عليها و المتطلبات الهائلة أمام التفقير الذي لحقها ، مما دفعها للبحث عن الأسباب الأساسية لمشاكلها و المسؤولين عنها و التي لا يمكن فصلها عن الأزمات السياسية و الإقتصادية التي يعرفها الأساس الإقصادي للنظام القائم باعتباره تبعيا للرأسمالية الإمبريالية ، و تتحول التنظيمات الذاتية للجماهير الشعبية من تنظيمات قائمة على البحث عن إشباع الحاجات الذاتية للجماهير الشعبية ، بعد نشر ثقافة ما يسمى بدور "المجتمع المدني" في التنمية من طرف الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الإصلاحية ، إلى تنظيمات مناضلة تواجه في أول الأمر المسؤولين في المجالس المحلية ، ثانيا في مواجهة أجهزة الدولة الممثلة في الوزارات ، ثالثا في مواجهة النظام القائم باعتباره المسؤول الأول على سن السياسة الطبقية بالبلاد و التي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليها ، و يتحول الصراع السلمي لهذه التنظيمات إلى صراع يتسم بالعنف و العنف المضاد لأجهزة النظام القائم و بالتالي إلى اعتقال المناضلين و محاكمتهم و الزج بهم في السجون ، ليبدأ النضال السياسي من أجل إطلاق سراحهم و الذي غالبا ما يحظى بالدعم الوطني و الدولي عبر جهود بعض المناضلين.
و الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بالمغرب تتسم بالطابع المطلبي الإقتصادي ذي البعد المحلي في التنظيم و التأطير و النضال الذي يصل إلى حد المطالب السياسية في بعض الأحيان (تامسينت،صفرو،بومالن دادس، سيدي إيفني،جبل عوام،إيمني ...)، و هي حركة اجتماعية احتجاجية معزولة على مستوى المناطق و لا يوجد بينها تنسيق يذكر رغم محاولة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لإنشاء تنسيقيات لم تعرف حركة منظمة ، لعرقلتها من طررف النظام القائم الذي سخر الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الإصلاحية لذلك ، الشيء الذي حال دون تفعيل برامجها بعد الهيمنة على أجهزتها التنظيمية من طرف هذه الأحزاب لتحريكها حسب مصالحها الحزبية الضيقة ، و الحيلولة دون الوصول إلى تركيز تنسيقات وطنية بين تنظيمات الحركة الإجتماعية الإحتجاجية التي من الممكن أن تلعب دورا أساسيا في تأطيرها و تنظيمها واستمراريتها و بالتالي تحقيق مطالبها، و ذلك نتيجة ما يلي :
1 ـ تشردم الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغيرة نتيجة طابعها الإصلاحي و ممارستها الإنتهازية اللتان تجعلانها حبيسة تناقضاتها الذاتية و تناقضاتها فيما بينها ، الشيء الذي يجعلها غير قادرة على الإلتحام بالجماهير الشعبية و بعيدة عن الدفاع عن مصالح الجماهير العمالية ، و هي في تناقض مستمر معها ما دامت اختارت دعم السياسة الطبقية للنظام القائم.
2 ـ الصراعات الهامشية بين مناضلي هذه الأحزاب داخل التنظيمات النقابية والحقوقية و الجمعوية مما يعرقل العمل النضالي الكفاحي ، لفقدانهم للنظرية الثورية الكفيلة بتوجيه الحركة الإجتماعية الإحتجاجية لتثويرها عبر تنمية الوعي الحسي للجماهير و تطويره إلى مستوى الوعي السياسي و الطبقي ، و فتح المجال أمام الجماهير الشعبية لفرز قياداتها من صلب الطبقة البروليتارية ، مما جعل مناضلي هذه الأحزاب حبيسي كرزمائيتهم التي تتجكم فيها قياداتها التحريفية الإنتهازية.
3 ـ عدم قدرة التنظيمات الذاتية للجماهير الشعبية على قيادة نضالاتها نتيجة ضعف تأطير أعضائها أمام التأثير الأيديولوجي للنظام القائم و الأحزاب الإصلاحية ، مما جعلها غير قادرة على خلف ممارسة نضالية ثورية الشيء يجعلها مجالا للممارسة الإنتهازيييية.
4 ـ عدم انخراط الجماهير الشعبية في التنظيمات النقابية و الحقوقية و الجمعوية التي تبقى رهينة كارزمائية قياداتها التي تسيطر عليها و توجهها وفق مصالحها الحزبية ، مما يعرض هذه التنظيمات لبسط البيرقراطية بداخلها و تغييب الديمقراطية الداخلية و إبعاد الجماهير عن قراراتها و بالتالي إبتعادها عن مصالح الطبقات الشعبية ، بعد إلحاقها بالأحزاب الإصلاحية التي تتحكم فيها لضبط مسارها النضالي و التحكم فيه.
إن بقاء الوعي لدى الجماهير الشعبية في المستوى الحسي من المعيقات الأساسية أمام تطور الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بالمغرب لكونها لا تملك القدرة على التنظير و التحليل و التأطير و بلورة الممارسة العملية الثورية ، و ذلك نتيجة سيطرة الفكر الإقطاعي عليها خاصة في أوساط الفلاحين الفقراء و الفكر البورجوازي الصغير في أوساط المثقفين و الطلبة و التلاميذ و مكونات البورجوازية الصغرى الأخرى ، مما جعل التنظيمات الذاتية للجماهير غير قادرة على الإنتقال من مستوى الوعي الحسي إلى مستوى الوعي السياسي بربط قضاياها بتناقضات الأساس الإقتصادي للنظام القائم من أجل بناء حركة ثورية ، مما يتطلب الإنتقال من مستوى العمل الجمعوي إلى العمل النقابي الكفاحي و بالتالي إلى العمل السياسي الثوري ، الذي يجب أن يقوده المناضلون الماركسيون اللينينيون ، و لن يتم ذلك إلا بفرز قيادات مناضلة ثورية من صلب الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء التي تمتلك الوعي الطبقي بمعرفة مصالحها الطبقية و أعدائها الطبقيين ووضع برامجها النضالية وفق الخط و الإستراتيجية الثوريين ، و لن يتأتى ذلك إلا بامتلاك النظرية الثورية و بلورتها في أوساط الجماهير الشعبية ، ف"لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" لينين.
في ظل هذه الشروط نمت حركة اجتماعية احتجاجية قادتها الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء و الطلبة في عدة مناطق للدفاع عن حقوقها و كان أبرزها :
ـ حركة العمال بمناجم إيمني منذ دجنبر 2002 ضد إغلاق المناجم و طرد العمال للشروع في بيعها و ضرب مصالح الطبقة العاملة ، و كان لقيادة التنظيم النقابي من طرف بعض المناضلين دور هام في هذه الحركة عبر تجربة اللجان العمال التي نظمت المعتصم الذي دام أزيد من 16 شهرا ، عرفت بعدا تدخلا سافرا لأجهزة النظام القائم لفك الإعتصام و اعتقال المناضلين بمباركة القيادات البورجوازية النقابية بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
ـ حركة العمال الزراعيين بأولاد تايمة و شتوكة أيت بها منذ 2003 خاصة بعد تصفية مؤسسات صوديا بقيادة التنظيم النقابي من أجل الحق في الشغل القار ، و التي لم ترق بعد إلى مستوى النضال الطبقي ضد الإقطاع و الكومبرادور نظرا لتعدد النقابات و انتشار الإنتهازية التحريفية في أوساطها ، مما نتج عنه العبث بمصالح الطبقة العاملة التي أصرت على الإستمرار في النضال الكفاحي بفضل بعض المناضلين المكافحين.
ـ حركة الفلاحين الفقراء بتماسينت بالريف دفاعا عن الحق في السكن بعد زلزال 2004 و هي تعرف تطورا ملحوظا بفضل التنظيم الجمعوي الذي قاده الشباب المعطل المثقف ، و هي لا زالت تعرف استمرارية في النضال من أجل الدفاع عن مصالح الفلاحين الفقراء رغم تورط الأحزاب البورجوازية الإصلاحية مع أجهزة النظام القائم في محاولة عزلها و تصفيتها.
ـ حركة الفلاحين الصغار و الفقراء بأولور منذ 2002 بقيادة التنظيم النقابي من أجل الحق في الأرض و الماء والثروات الغابوية ضد الإقطاع و الكومبرادور بسوس ، و التي تعاني من محاولات الإحتواء و عزلها و تصفيتها من طرف الأحزاب البورجوازية الإصلاحية ، و هي تحظى بدعم من بعض المناضلين بالمنظمات النقابية الوطنية و الدولية و تعرف استمرارية و تقدما ملحوظا على مستوى التنظيم النقابي الكفاحي.
ـ حركة الطلبة بجامعة القاضي عياض بمراكش منذ 2003 و في باقي الجامعات و التي بلغت أوجها مع انتفاضة مراكش في أبريل 2008 ، مما دفع بالنظام القائم إلى قمعها و محاكمة مناضليها و الزج بهم في السجون ، و هي منظمة من طرف الطلبة الماركسيين الينينيين ذوي التوجهات الماوية و حظيت بدعم واسع من طرف المنظمات الدولية.
ـ إنتفاضة سيدي إيفني أيت باعمران منذ 2005 ضد استغلال الثروات البحرية التي قادتها مجموعة من التنظيمات الجمعوية بالمدينة و التي وصلت مداها في انتفاضة يونيو 2008 ، و التي تم تهميشها من طرف الأحزاب البورجوازية الإصلاحية مما نتج عنه استغلال نضالات الطبقات الشعبية للوصول إلى المجلس البلدي.
ـ إنتفاضة الفلاحين الفقراء ببومالن دادس في 2007 ضد التهميش بقيادة الجمعيات المحلية و التي تم قمعها و اعتقال مناضليها و محاكمتهم و الزج بهم في السجن ، و حظيت بدعم من المنظمات و الأحزاب "اليسارية" وطنيا و دوليا بفضل بعض المناضلين المكافحين.
ـ إنتفاضة الأحياء الشعبية صفرو ضد التهميش في 2008 و هي شعبية عفوية و التي تم قمعها و اعتقال مناضليها و محاكمتهم و سجنهم ، و تمت محاولة احتوائها من طرف بعض أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الذين حاولوا إخمادها و تصفيتها حتى لا تخرج عن حدود أحزابها البورجوازية الإصلاحية.
ـ و تبقى الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بالصحراء الغربية هي الوحيد التي استطاعت رفع شعار سياسي واضح يتجلى في المطالبة بالإستقلال ، و تعرض المناضلون الصحراويون للقمع و الإعتقال و المحاكمات و السجون ، و كان للطلبة الصحراويين بالجامعات المغربية دور كبير في دينامية هذه الحركة التي انتشرت في الثانويات والأحياء الشعبية منذ انتفاضة ماي 1999 ، الشيء الذي أرغم النظام القائم على الجلوس إلى التفاوض مع جبهة البوليساريو و اقتراح الحكم الذاتي في محاولة للخروج من ورطته في حرب الصحراء الغربية ، و كان لحمل السلاح من طرف جبهة البوليساريو منذ السبعينات من القرن 20 أثر كبير في تطور الحركة الإجتماعية اليوم بالصحراء الغربية ، فالعنف الثوري ضروري لتحقيق الثورة إلى جانب النضال السياسي الذي يهدف إلى فضح السياسة الطبقية للنظام القائم و كسب تعاطف و دعم الشعوب و الحركة الثورية العالمية.

و تعتبر باقي الحركات الإجتماعية و غيرها التي تميز النضال الجماهيري في المرحلة الراهنة ذات أبعاد اقتصادية و اجتماعية سرعان ما تتخذ أبعادا سياسية بفعل اصطدامها بالقمع الشرس للنظام القائم ، و هي حركات اجتماعية احتجاجية تتسم بالبعد التنظيمي الذاتي سرعان ما تحظى بدعم من بعض التنظمات السياسية "اليسارية" و الجمعيات الحقوقية و النقابية الوطنية و الدولية ، و يتعرض مناضليها للقمع و الإعتقال والمحاكمات و الإدانات مما يجعل الفعل التضامني الوطني و الدولي بقيادة بعض المناضلين يتنامى ، بعد تحول القضايا الإقتصادية و الإجتماعية إلى قضايا سياسية يكون محورها الإعتقال السياسي باعتباره ظاهرة طبقية في ظل الأنظمة التناحرية ، إلا أن هذه الحركات تفتقد إلى التنسيق حتى تكون لها قوتها الضاغط من أجل تحقيق المطالب و الدفع بها من أجل الإضرابات الجماهيرية و النضال الطبقي الذي تقوده البروليتاريا ، و لن يتحقق ذلك إلا بتوجيهها من طرف الماركسيين اللينينيين الذين يجب عليهم الإلتحام بالجماهير الشعبية من أجل تثوير هذه الحركات و بلورة الفكر الماركسي اللينيني في أوساطها ، و بالتالي فرز القيادات البروليتارية بداخلها من أجل رفع مستوى الوعي الطبقي في أوساطها بالموازاة مع البناء التنظيمي الثوري.
و رغم ما وصلت إليه الحركة الإجتماعية الإحتجاجية من دينامية لم ترق بعد إلى مستوى الإضرابات الجماهيرية والإنتفاضات الشعبية لكونها تفتقد إلى الأداة التنظيمية الثورية ، و نرى اليوم الهجوم متواصلا ضد الحركة الماركسية اللينينية بعد إسقاط النظام الإشتراكي بالإتحاد السوفييتي و كأن التاريخ يعيد نفسه وفق شروط الحياة المادية للمرحلة الراهنة التي تعيشها الماركسية اللينينية مع أوج الرأسمالية الإمبرالية و بروز التحريفية الإنتهازية الحديثة ، التي تلعب دور الماخية الروسية في عهد لينين و التي انبهر روادها بإنجازات العلوم الطبيعية بعد تجاوز الفيزياء الميكانيكية ، و بروز نظرية النسبية مع اكتشافات الفيزياء الكونتية مما ساهم في انحراف بعض العلماء الطبيعيين في اتجاه المنحى المثالي ، الشيء الذي دفعهم إلى القول بزوال المادة في مقابل خلود الطاقة و ذلك ناتج عن عدم استيعابهم للدياليكتيك الماركسي الذي أعطاه لينين نفسا جديدا بعد دحض الماخية ، و بعد قرن من الزمن تعود نفس الأفكار للسيطرة على عقول التحريفية الإنتهازية الحديثة التي انبهرت بالإكتشافات العلمية على مستوى الإعلاميات و الصورة التي ساهمت بشكل كبير في تعميق نظرية نسبية معارفنا ، خاصة مع طغيان دور الصورة في التأثير على معارفنا عبر الكومبيوتر و الفضائيات مما ساهم في انحرافهم نحو المثالية بالقول ب"نهاية التاريخ" الذي تروج له البورجوازية و معها الماخية الحديثة.

هكذا نشأت شروط قيام انتفاضة شعبية مغربية عرفت تعبيراتها في حركة 20 فبراير بعد النهوض الشعبي المغاربي و العربي بعد مجاح الإنتفاضات الشعبية بتونس و مصر و أورعها في ليبيا، و تعيش حركة 20 فبراير مخاضا عسيرا من أجل فرض وجودها في الساحة السياسية و الجماهيرية ، مما يستوجب تطور ممارسات مناضليها من منطلق نظري علمي مادي ينبثق من الصراع بين تناقضاتها الداخلية ، في إطار وحدة التناقضات التي تحكم تطور الحركة بصفة عامة و تعطيها قوة هائلة ، عبر الدفع بالتناقض الأساسي الإيجابي إلى الأمام و نفي التناقض السلبي الذي يعرقل تطور الحركة / التحالف بين التحريفية الإنتهازية و الظلامية الرجعية الذي يعرقل تطورها ، و يشكل تحديد التناقض الأساسي في الصراع الطبقي الذي تقوده الحركة أهم القضايا الأساسية الضرورية لإنجاح مهامها ، و العمل على نفيه باعتباره المعرقل الأساسي لتحقيق مصالحها للإنتقال إلى مرحلة بلورة أفكارها لتصبح قوة مادية لا تقهر بتغلغلها في أوساط الجماهير الشعبي.

و لن يتأتى لها ذلك إلا ب :

ـ الوعي الطبقي لدى قيادة حركة 20 فبراير
إن الحديث عن الوعي خارج النضال الثوري لا يمكن أن يكون إلا ضربا من الكلام ، وخارج المفهوم الطبقي للوعي لا يمكن الحديث عن القيادة الثورية لنضالات حركة 20 فبراير ، لكون الصراع الطبقي مرهون بامتلاك الوعي الطبقي و بلورته في الواقع المادي الموضوعي ، عبر التحليل الملموس لواقع الصراع الطبقي ومعيقات بروز الوعي الطبقي لدى الجماهير الشعبية.
و تعتبر تجربة النضال الثوري ضد الاستعمار المباشر مهمة حيث تحالفت البوادي والمدن في مرحلة المقاومة و جيش التحرير ، عبر تحالف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء ضد تحالف الاستعمار والإقطاع ، و هي من بين التجارب الرائدة في تاريخ الصراع الطبقي بالمغرب التي يمكن أن تستفيد منها حركة 20 فبراير من أجل تخطى سلبياتها.
إن الصراع القائم اليوم بالمغرب صراع طبقي و هو يحمل بداخله صراعات اجتماعية ذات صبغة ما قبل ـ طبقية ، نظرا لكون العلاقات الاجتماعية السائدة ليست بعلاقات اجتماعية رأسمالية محضة لكونها تحمل بداخلها علاقات اجتماعية ما قبل رأسمالية وما يصاحبها من علاقات التبعية الرأسمالية ، والتي تبرز تجلياتها أساسا لدى الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين في علاقتهم بكبار الملاكين العقاريين بالبوادي ولدى العمال والكادحين بالمدن في علاقتهم بالكومبرادور ، حيث عدم وضوح الرؤية لدى الطبقات الشعبية لكونها تفتقد النظرية الثورية التي بدونها تبقى حركتها بدون هدف.
إن بناء تحالف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين يقدم بشكل كبير الصراع الطبقي الذي تقوده حركة 20 فبراير ، و يعطيها قوة مادية جبارة و نفسا طويلا في صراعها من أجل تحقيق مطالبها.

ـ ارتباط قيادة حركة 20 فبراير بالطبقات الشعبية
إن امتلاك الوعي الطبقي لدى القيادة الثورية لحركة 20 فبراير لا يكفي عندما يفتقد للممارسة العملية المرتبطة بالطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء والكادحين.
أولا عبر التنظيمات الذاتية للطبقات الشعبية للدفاع عن المصالح الاقتصادية و الاجتماعية لهذه الطبقات في إطار التحالف بين تنظيماتها الذاتية المختلفة و المتنوعة ، لصد الهجوم على مصالحها ومناهضة انحرافات مناضليها و تطوير وعيها ، بالانتقال بها من الوعي الحسي إلى الوعي السياسي والممارسة السياسية من الموقع الطبقي الذي تنتمي إليه الطبقات الشعبية.
ثانيا عبر الممارسة السياسية بفتح المجال لها للمساهمة في بلورة أفكار حركة 20 فبراير بتحمل المسؤوليات السياسية في هياكلها ، لتطوير الوعي السياسي لديها إلى مستوى الوعي الطبقي الآلية الوحيدة الكفيلة لحسم الصراع لصالح الحركة.
ثالثا عبر إستراتيجية الأفق الثوري لحركة 20 فبراير بالارتباط بمصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين داخل الحركة في أفق بناء حزبها الثوري.
ولن يتم ذلك إلا في ظل مساهمة الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين في حركة 20 فبراير بالارتكاز على النضال الطبقي الذي تشكل فيه قيادة 20 فبراير الثورية قائدة الصراع الطبقي ، في ظل وضوح الخط و الستراتيجية السياسيين بإشراك أوسع الجماهير ببناء تحالف سياسي جماهيري شعبي.
ـ سداد قيادة حركة 20 فبراير و خطها و استراتيجيتها السياسيين
لبناء حركة ثورية لابد من قيادة ثورية تملك الوعي الطبقي والنظرية الثورية في علاقتهما بالنظرية و ممارسة الثورتين ، واللتان يجب أن ترتكزا إلى العلاقة الأفقية العمودية بين هذه القيادة و الجماهير الشعبية ، عبر الارتباط اليومي بأوضاعها وفق القراءة النظرية و الممارسة العملية للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من اجل وضع الخط والاستراتيجية السياسيين السديدين للحركة ، و فتح المجال أمام الجماهير الشعبية للتعبير عن آرائها وبلورة أفكارها وفق الخط والاستراتيجية السياسيين للحركة.
وتعتبر ممارسة النقد و النقد الذاتي داخل الحركة أساسية في التعامل مع القضايا السياسية و الجماهيرية والنضال من أجل مصالحها ، لحشد أوسع الجماهير للالتفاف حول الخط والاستراتيجية السياسيين للحركة.
ولن يتم ذلك إلا باقتناع الجماهير الشعبية بصحة الخط والاستراتيجية السياسيين للحركة وبتجربتها الخاصة.
ـ إقتناع الجماهير بالخط والاستراتيجية السياسيين
تعتبر التنظيمات الذاتية للجماهير ) النقابات و الجمعيات و التعاونيات و الوداديات ...( المكونات الأساسية لحركة 20 فبراير التي يجب أن يرتكز داخلها النضال الجماهيري الثوري عبر بناء تحالف جماهيري لهذه التنظيمات ، ويعتبر تواجد المناضلين الثوريين المتشبعين بالنظرية الثورية والممارسة العملية أساسيا داخل هذه التنظيمات لتلسريع ببلورة فكر الحركة في أوساط أوسع الجماهير الشعبية ، من أجل تنمية الوعي الطبقي لديها و تحفيزها لتبني الخط والاستراتيجية السياسيين للحركة عبر النضالات الجماهيرية والحركات الاحتجاجية التي يجب أن يشارك في إقرارها وتنفيذها أوسع الجماهير الشعبية لتعميق الوعي الطبقي لديها ، و الذي تدركه الجماهير الشعبية بنفسها و بتجربتها الخاصة مما يساعدها على الانتقال من مستوى النضال الجماهيري اليومي إلى الممارسة السياسية اليومية.
ولن يتأتى ذلك لحركة 20 فبراير إلا عندما تستطيع قيادتها الثورية أن تتغلغل في أوساط أوسع الجماهير الشعبية وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء ، وإفراز قيادات ثورية من صلب هذه الطبقات و التي تساهم في صنع القرار السياسي وفق الخط السياسي والاستراتيجية السياسية للحركة و من داخلها.
ـ حشد أوسع الجماهير حول البرنامج العام الثوري
يعتبر البرنامج العام لحركة 20 فبراير أهم المراحل التي يجب الانطلاق منها بعد التحليل الدقيقة للوضع السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي ، و ذلك بوضع الأهداف الأساسية ذات الأولوية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية انسجاما مع الخط والاستراتيجية السياسيين للحركة ، بهدف حشد أوسع الجماهير للنضال من أجل تحقيق المطالب السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية الملحة التي يجب أن تخدم مصالح القوى الجماهيرية الشعبية المتحالفة ، عبر التنظيمات الذاتية للطبقات الشعبية بمختلف فئاتها في إطار تحالف سياسي ثوري داخل حركة 20 فبراير ، من أجل فرض التوجه الثوري داخل الحركة لتجاوز سقفها الديمقراطي البورجوازي إلى بلورة التوجه الديمقراطي البروليتاري الكفيل بتحقيق مطالب الجماهير الشعبية و على رأسها الجماهير العمالية.

3 ـ أسس الصراع الطبقي و السياسي بالمغرب
يعتبر تحليل الوضع الراهن ببلادنا مدخلا أسياسيا لوضع أسس المهام الثورية للماركسيين اللينينيين المغاربة باعتبار المغرب من البلدان التي تحكمها أنظمة تابعة للرأسمالية الإمبريالية و التي ركزها الاستعمار المباشر ، و لم تعرف التشكيلة الاجتماعية و الطبقية بهذه البلدان تطورا تاريخيا متواترا كما هو الشأن بالنسبة لدول غرب أوربا و دول أمريكا اللاتينية ، ذلك أن عوائق الكومبرادور و الإقطاع حالت دون اجتياز مرحلة الثورات الديمقراطية البورجوازية ، مما له تأثير على تخلف شروط الحياة المادية لنشوء ثورة وطنية ديمقراطية شعبية مغربية .
فإلى حدود سنوات الثلاثينات من القرن 20 لم تعرف الحياة السياسية بالمغرب تنظيمات حزبية بالمعنى الذي نشاهده اليوم ، كل ما هنالك هو مقاومة الفلاحين الفقراء لهجوم الرأسمالية الإمبريالية على البلاد ، و التي تعتبر فيها المقاومة الريفية بقيادة البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي أروع ما أنجزته المقاومة الثورية بالمغرب ، و التي بلغت حد تأسيس جمهورية الريف التي تستجيب نسبيا لمتطلبات الدولة الديمقراطية البورجوازية سياسيا و اقتصاديا و عسكريا ، مما أجج غضب الرأسمالية الإمبريالية التي دمرتها بالحديد و النار و أبادت سكانها بتعاون مع البورجوازية الكومبرادورية و الإقطاع .
و مع تغلغل الرأسمالية الإمبريالية بعد إخماد المقاومة بالبوادي نشأت طبقة بورجوازية صغرى مثقفة و طبقة عاملة بالمدن تحالفتا معا ضد الاستعمار المباشر في أواسط الثلاثينات في ظل ما يسمى بالحركة الوطنية ، و اختارت النضال السياسي الديمقراطي لمواجهة الإستعمار المباشر/ الحركة السياسية النواة لنشوء التنظيمات السياسية المغربية ، و أفرزت هذه الحركة تأسيس حزبين أساسيين في أواسط الأربعينات من القرن 20 الحزب الشيوعي المغربي التابع للحزب الشيوعي الفرنسي و حزب الاستقلال ، و ارتكز العمل السياسي لحزب الإستقلال على المطالبة بالإستقلال الشيء الذي خلق إجماعا وطنيا حول برنامجه ، و اجتمعت حوله الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء و البورجوازية الصغرى بجميع قواها من حرفيين و مثقفين و تجار صغار و فلاحين متوسطين و صغار ، و استطاع نشر أيديولوجيته في جميع أوساط الطبقات الشعبية بجميع أنحاء المغرب بالمدن و البوادي ، كما استطاع استقطاب بعض قيادات حركة المقاومة و جيش التحرير خاصة في بداية الخمسينات من القرن 20 ، التي عرفت فيها مقاومة الإستعمار المباشر حدة جعلته يلجأ إلى التفاوض و المناورة من أجل القضاء على الحركة الوطنية الثورية خاصة المقاومة و جيش التحرير ، و عمل تحالف الكومبرادور و الإقطاع على احتواء البورجوازية الصغرى بحزب الإستقلال في مؤامرة إيكس ليبان التي أفرزت الإستقلال الشكلي سنة 1956 ، ضاربة عرض الحائط حق الشعب المغربي في تقرير مصيره بعد التضحيات التي قدمتها الطبقات الشعبية دفاعا عن التحرر الوطني.
و لم يحدث الفرز السياسي بحزب الإستقلال إلا في المرحلة الأولى من الاستقلال الشكلي ما بين 1956 و 1960 في صراع التناقضات الداخلية بين الطبقات التي تشكل هياكله ، بعدما اكتشفت الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء و البورجوازية الصغرى الثورية داخل الحزب أن قيادته البورجوازية قد ساومت على حساب مصالح الطبقات الشعبية من أجل مواقع في السلطة السياسية التي تسلمها تحالف الكومبرادور والملاكين العقاريين ، و كان لا بد من الصراع داخل هذا الحزب الذي يضم بداخله طبقات متناقضة و متعارضة المصالح ، و كان الصراع أفقيا بين القيادات البورجوازية التي تطمح إلى السيطرة على السلطة السياسية و الإقتصادية ، وعموديا في تناقضات القيادات البورجوازية مع القاعدة الجماهيرية المشكلة من الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء والبورجوازية الصغرى، و بالأخص بين قيادات المقاومة و جيش التحرير و القيادات البورجوازية بصفة عامة التي تسعى إلى تصفية الحركة الوطنية الثورية بعد تصفية قياداتها و على رأسها الشهيدين عباس المساعدي و حدو أقشيش بالريف.
أما الحزب الشيوعي المغربي فقد ظل وفيا لتبعية الحزب الشيوعي الفرنسي و إن كان لعب دورا هاما في نشر تعاليم الشيوعية خاصة في صفوف الشباب المثقف ، إلا أنه تخلى عن دوره في قيادة الطبقة العاملة المغربية بولائه للحزب الشيوعي السوفييتي التحريفي .
و كان للفرز السياسي خاصة بين القيادات البورجوازية لحزب الإستقلال أثر كبير على نكسات الحركة النقابية و تداعياتها على الطبقة العاملة بصفة خاصة ، من خلال ما تعرضت له نقابة الإتحاد المغربي للشغل من طرف قيادات حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي انشق عن حزب الإستقلال فيما بعد ، و القيادة البورجوازية بحزب الإستقلال التي كان ردها سريعا بتأسيس نقابة الإتحاد العام للشغالين بالمغرب ، و كان الصراع السياسي حول السلطة بين القيادات البورجوازية بهذين الحزبين أثر كبير في عرقلة نضالات الطبقة العاملة عبر الصراع بين النقابتين و بالتالي الصراع على مستوى القواعد الجماهيرية لهذين الحزبين ، ذلك ما سيتم بروزه في الإستفتاء على دستور الحكم المطلق سنة 1962 و انتخابات 1963 .
لقد عمل الإستعمار المباشر على تركيز أسس النظام القائم و ذلك بتأهيل تحالف الكومبرادور و الملاكين العقاريين من أجل ضمان استمرارية استغلال خيرات البلاد و تدفق الرأسمال المحلي التبعي على الرأسمال المركزي من خلال تركيز الإقتصاد التبعي للرأسمالية الإمبريالية ، عبر توجيه الإنتاج الفلاحي و المعدني و الثروات البحرية في اتجاه التصدير و السيطرة على المؤسسات المالية بالمدن و فتح هامش من الإستثمار الرأسمالي لتحالف الكومبرادور و الملاكين العقاريين ، و فتح المجال للبورجوازية البيروقراطية بأجهزة الدولة الكومبرادوية مما نتج عنه نشوء بورجوازية ليبرالية انتعشت عبر المضاربات المالية و العقارية ، و بالتالي تم القضاء على التنظيمات الثورية/ حركة المقاومة الوطنية و جيش التحرير واحتواء قيادات الحزبين البورجوازيين ، و تهميش الحزب الشيوعي المغربي بتهميش دوره القيادي للطبقة العاملة بعد حظره في ظل حكومة عبد الله إبراهيم ، و إفساح المجال لحزب الإستقلال بعد الفرز السياسي في أواخر الستينات من القرن 20 بعد سيران حالة الإستثناء بعد الإنتفاضة الششعبية في 1965 .
كان لا بد من حدوث انشقاق في حزب الإستقلال لكونه يضم بداخل طبقات متناقضة بلغ تناقضحا فاضلا الشيء الذي أحدث الفرز السياسي و الجماهيري في الساحة السياسية و الجماهيرية ، ببروز حزب ديمقراطي بورجوازي صغير يدعي التقدمية ، و هو حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي عمل على الهيمنة على نقابة الإتحاد المغربي للشغل ، و احتواء عدة طبقات من طبقة عاملة و فلاحين فقراء و كادحين و بورجوازية صغرى ، و بالتالي الهيمنة على حركة المقاومة الوطنية و جيش التحرير و تمت مكافأته من طرف النظام القائم بتسيير ما يسمى بحكومة عبد الله إبراهيم.
و تبقى القيادات البورجوازية لحزب الإستقلال في أحضان النظام القائم بعد الفرز على مستوى الساحة السياسية و الجماهيرية ، لتلعب دور العمل على مزيد من الإنشقاق وسط الطبقات الشعبية و ذلك بتأسيس نقابة الإتحاد العام للشغالين بالمغرب و الهيمنة عليها ، من أجل تسهيل هجوم تحالف الكومبرادور و الملاكين العقاريين الذي يمثل هذا الحزب تعبيرها السياسي على مصالح الطبقات الشعبية التي يمثل حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية تعبيرها السياسي .
فكان لا بد من أن تلعب قيادات حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية دورها في تصفية الحركة الوطنية الثورية كيف لا و هذا الحزب يضم بداخله قوى الإتجاه التحرري الوطني الثوري ، و هو أقوى حزب يضم في صفوفه الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين إلى جانب البورجوازية الصغرى الثورية و مناضلي المقاومة الوطنية و جيش التحرير الذين يرفضون الانتماء إلى الجيش و الشرطة ، و عمل هذا الحزب بقبول رئاسة حكومة النظام القائم في 1960 ، التي لم تدم طويلا ، لإيهام الجماهير الشعبية على أن هناك بالفعل نظام وطني ديمقراطي يفتح المجال أمام الجماهير لتسيير شؤون البلاد ، في الوقت الذي ساهمت فيه القيادة البورجوازية لهذا الحزب في القمع و التقتيل الذي تعرضت له الثورة الريفية في 1958 و1959 و بالتالي تصفية جيش التحرير بالجنوب في 1960 بقبولها رئاسة هذه الحكومة الطبقية .
و لم يستمر الزواج العذري بين هذه القيادات و النظام القائم الذي لم يستهدف إلا تغليط الجماهير الشعبية و فتح المجال أمام تصفية ما تبقى من الحركة الوطنية الثورية بالجنوب ، حيث تم طردها بعد ما انتهى دورها الرجعي التصفوي المرسوم لها من طرف تحالف الكومبرادور و الملاكين العقاريين ، ليفتح لها هامش من الفعل السياسي الديمقراطي البورجوازي الصغير عبر هذه الحكومة ، و هي التي لا تتعلم الدروس من التجارب حتى بعد مقاطعة الدستور في 1962 التي نتج عنها مزيد من القمع و اعتقالات المناضلين الثوريين ، و بالتالي تقرر المشاركة في انتخابات 1963 التي عرفت مزيدا من القمع و الإعتقالات و التزوير لتستكمل أدوارها التي رسمت لها ، لإيهام الجماهير الشعبية بأنها بالفعل تلعب دور المعارض داخل نظام إستبدادي مطلق ، لتركن إلى تصفية المناضلين الثوريين بداخل الحزب ، و الهيمنة على نقابة الإتحاد المغربي للشغل التي بنتها الطبقة العاملة بالدم في السرية في عهد الإستعمار المباشر .
و استكمل النظام القائم بنياته باحتواء القيادات البورجوازية لهذين الحزبين بعد القضاء على الحركة الثورية داخل المقاومة الوطنية و جيش التحرير ، التي عملت بعض مجموعاتها التي رفضت تسليم السلاح على القيام ببعض العمليات ضد رموز السلطة خاصة في المدن ، كما هو الشأن بالنسية لمجموعة شيخ العرب و امتداداتها بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية التي استمرت مقاومتها إلى 1964 بعد القضاء عليها و اعتقال مناضليها و محاكمتهم و إدانتهم ، و بالتالي تصفية ما تبقى منها بعد العملية البلانكية في 1973 عبر مجموعة عمر دهكون ، ليتم تصفية هذا الحزب الديمقراطي البورجوازي الصغير من كل امتدادات الثورة المغربية ضد الإسيتعمار المباشر، لفتح المجال أمام قيادته البورجوازية لتأسيس حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية في 1975 الذي عمل على تعميق تشرذم الطبقة العاملة بعد تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشعل.
و كان للأوضاع المزرية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين و الزخم النضالي الثوري الذي عرفته 10 سنوات من الإستقلال الشلكي ، أثر كبير في الإنتفاضة الشعبية في 23 مارس 1965 بالدار البيضاء التي واجهها النظام القائم بمزيد من إراقة الدماء ، و التي لعبت فيها الشبيبة الطلابية والتلاميذية الثورية دورا أساسيا في تأجيجها ، في الوقت الذي ركنت فيها القيادات الحزبية و النقابية البورجوازية إلى أساليب المساومة مع النظام القائم و التراجع عن مطلب الطبقات الشعبية في التغيير الثوري .
لكن النظام القائم تعلم مزيدا من الدروس في هذه الأحداث و خاصة في الإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء في مارس 1965 ، التي علمته أن الشعب المغربي الذي أفرز مناضلين ثوريين أمثال الشهيد محمد بن عبد الكريم الخطابي و عباس المساعدي و حدو أقشيش و شيخ العرب و غيرهم ، باستطاعته إفراز مناضلين ثوريين في كل مكان وزمان و عرف جيدا أن الأحزاب و النقابات البورجوازية و مؤسساته المزورة لن تقيه من الإنتفاضات الشعبية و الحركات الثورية ، و هو يعي جيدا أن نظامه القائم على الإستبداد لن يدوم أمده إلا بممارسة القمع و التقتيل باعتباره نظاما تناحريا تبعيا للرأسمالية الإمبريالية ، و كان لا بد له من حل مؤسساته المزورة و تعطيل أحزابه البورجوازية و شيوع العسكرة و القمع البوليسي و فرض حالة الطواريء و الإستثناء و ملاحقة الثوريين و تصفيتهم لعقود موالية ، كما هو الشأن بالنسبة للشهيد المهدي بن بركة الذي تم اغتياله في أكتوبر 1965 بباريس عاصمة الثورات الديمقراطية و الإشتراكية ، بمؤامرة مع المخابرات الإمبريالية و الصهيونية و قمع مناضلي الحركة الماركسية اللينينية حتى الإستشهاد بعد اعتقال و اغتيال القائد الشهيد عبد اللطيف زروال في 1974 .
و بذلك أصبح النظام القائم بالمغرب مؤهلا للعب دوره في حماية مصالح الرأسمالية الإمبريالية ، أما الحزب الشيوعي المغربي فما كان عليه إلا هيكلة نفسه من أجل إيجاد مكان لائق به في المشروع السياسي الديمقراطي البورجوازي حتى لا يبقى مجالا لتربية الماركسيين اللينينيين ، فأصبح حزب التحرر و الإشتراكية التسمية التحريفية الجديدة في بداية من التراجعات عن أهدافه في توحيد الحركة العامليية المغربية و قيادتها ، ليتحول إلى حزب إصلاحي يتنكر للمرجعية الأيديولوجية الماركسية اللينينية و بالتالي تحريف ما يمكن تحريفه من تعاليم الماركسية بالتبعية للحزب الشيوعي السوفييتي التحريفي.
و أمام القمع الشرس للنظام القائم بعد الإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء في 23 مارس 1965 و تواطؤ القيادات البورجوازية الحزبية و النقابية بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب التحرر و الإشتراكية و نقابة الإتحاد المغربي للشغل ، لا بد من الفرز السياسي الثاني داخل هذين الحزبين في أواخر الستينات و الذي أفرز الجيل الثاني من المناضلين الثوريين الذين أسسوا الحركة الماركسية اللينينية المغربية خاصة منظمة "إلى الأمام" ، و التي اتخذت من السرية أسلوبا للعمل التنظيمي و السياسي و هو أسلوب تنظيمي مفروض بفعل المشروع الثوري الذي تحمله ، و الأوضاع السياسية التي يسود فيها الرعب و القمع و الإعتقال أمام خيانة القيادات البورجوازية الحزبية و النقابية لمشروع التغيير الثوري .
في ظل هذه الأوضاع السياسية نشأت الحركة الماركسية اللينينية المغربية التي تضم في صفوفها المثقفين الثوريين والشبيبة الطلابية و التلامذية و بعض العمال ، و التي ترتكز أسسها المرجعية إلى الماركسية اللينينية من أجل بناء الحزب الثوري و إنجاز الثورة المغربية ، و لعل الوثيقة الأيديولوجية و السياسية لهذه لمنظمة "إلى الأمام" التي تنطلق من القراءة النقدية للإتجاه البيرقراطي داخل حزب التحرر و الاشتراكية في علاقته بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب الإستقلال ، توضح مدى الصراع القائم حول التوجه الأيديولوجي و السياسي للحزب بين القيادات البيروقراطية و الطليعة الثورية التي تسعى إلى التغيير الثوري.
جاء في الوثيقة التأسيسية لمنظمة "إلى الأمام" : " سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق الثوري " التي تمت صياغتها في غشت 1970 :
" فإعادة تكتل الأحزاب البرجوازية الوطنية (الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية) في إطار الكتلة الوطنية وظهور البرجوازية على حقيقتها ، بعد أن سقطت أقنعتها، بمثابة سمسار يجتهد في تسخير الشعب لنيل مساهمة ضئيلة في الحكم ، عملية جعلت حدا لكل المغالطات الناجمة عن انقساماتها السطحية ، ومواجهة برلمانية الحكم الفردي المزيفة ببرلمانية برجوازية ، مادة بذلك أحسن الضمانات للحكم الفردي ، بيد أن كلتي البرلمانيتين لا تعتبر الشعب أكثر من حصان تمتطي صهوته.، ولعل محاولة" حزب التحرر والاشتراكية" الرامية إلى نيل نصف مقعد في حظيرة "الكتلة" على أساس نفس البرلمانية البرجوازية لتعبر عن نفس الروح الطبقية للبرجوازية التي يميزها نفس الاحتقار للجماهير."
في ظل هذه الظروف حدث الفرز السياسي الثاني بعد 15 سنة من الإستقلال الشكلي استطاع فيه النظام القائم هيكلة آليات مشروعه السياسي و الإقتصادي الطبقي ، في إطار نظام إستبدادي مطلق خدمة للمشروع الرأسمالي الإمبريالي الذي سيتم مواجهته من طرف الحركة الماركسية اللينينية المغربية و خاصة منظمة "إلى الأمام" ، و هذا الفرز السياسي الثاني له تأثيره كبير على الفرز الجماهيري بعد تشتت الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين بعد القضاء حركة المقاومة و جيش التحرير ، و انشقاق حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الإستقلال و تأسيس نقابة الإتحاد العام للشغالين .
و بالموازاة لهذا الفرز السياسي و الجماهيري تأتي المنظمة الطلابية الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في واجهة النضال الثوري ، و هي التي لم تسلم من تأثير القيادات البورجوازية الحزبية و النقابية ، و ذلك لضرب نضالية الحركة الطلابية الثورية التي لم تكن غائبة عن الحركة الوطنية الثورية خلال مرحلة الإستعمار المباشر ، و التي عرفت تنظيماتها المستقلة بعد تأسيس جمعية طلبة مسلمي شمال إفريقيا سنة 1912 و اتحاد طلاب المغرب في 1925 و جمعية الطلاب المغاربة سنة 1948 ، و كانت الأنوية الأولى التي أعطت قيادات الحركة الوطنية الثورية من خلال مقاومة الإستعمار المباشر عبر الصراع الفكري و الثقافي و بالتالي الصراع السياسي و الحركة المسلحة.
و يعتبر تأسيس الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في 1956 امتدادا لحركة طلبة المغرب خلال مرحلة الإستعمار المباشر ، و لا غرابة أن نجد المنظمة الطلابية منذ تأسيسها لم تسلم من تأثير القيادات البورجوازية للحركة الوطنية و هيمنة النظام القائم ، و التي حددت من ضمن أولوياتها الحصول على الإستقلال الشكلي و الإرتكاز عليه في حل القضايا السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية ، و كانت مقرراته لا تحمل أي موقف من النظام القائم نظرا لتأثير القيادات البورجوازية لحزب الإستقلال خاصة في المرحلة الممتدة من 1956 إلى 1958 ، عبر مقررات مؤتمراتها الثلاثة الأولى في دجنبر 1956 بالرباط و شتنبر 1957 بفاس و يوليوز 1958 بتطوان ، و كان للتحولات التي عرفتها الساحة السياسية و الجماهيرية بعد الإنشقاقات الحزبية و النقابية و تصفية الحركة الوطنية الثورية و جيش التحرير أثر كبير في التحولات داخل الحركة الطلابية ، وكان لا بد للحركة الطلابية أن تختار صف الجماهير الشعبية التي أفرزتها أحداث 1958 و 1959 بالريف و1960 بالجنوب و حظر الحزب الشيوعي وفشل القيادات البورجوازية الحزبية و النقابية في حكومة عبد الله إبراهيم في 1960 ، و تمرير دستور الحكم المطلق في 1962 و الإنتخابات المزورة في 1963 ، كان لهذه التناقضات التي أفرزتها السنوات الأولى للإستقلال الشكلي تأثير كبير في تحول مواقف الحركة الطلابية التي سارت في اتجاه الحركة الوطنية الثورية.
و شكلت مؤتمرات الإتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقدة بين 1959 إلى 1964 مرحلة هامة في تاريخ المنظمة و ذلك بإبراز التوجه الثوري داخلها انسجاما مع الفرز السياسي الأول في صفوف حزب الإستقلال ، و الذي اختارت فيه الحركة الطلابية صف الطبقات الشعبية باعتبارها منظمة ثورية لا تناضل فقط من أجل المطالب النقابية للجماهير الطلابية ، بل تعتبر نفسها معنية بالتغيير الثوري من أجل استكمال التحرر الوطني الذي تم إجهاضه من طرف القيادات البورجوازية الحزبية و النقابية ، كانت هذه المرحلة إذن حاسمة في وضع استراتيجية نضال الحركة الطلابية الذي لا ينفصل عن نضالات الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء و الكادحين ، و كان لهذا التحول أثر كبير في بروز دور الحركة الشبيبية في الإنتفاضة الشعبية في 23 مارس 1965 بالدار البيضاء ، و تم وضع معالم المد الثوري الذي ستعرفه الحركة التلاميذية و الطلابية في المرحلة الممتدة بين 1965 تاريخ الإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء و 1973 تاريخ حظر المنظمة الطلابية ، و خاصة بعد القمع الشرس الذي تعرضت له الجماهير الطلابية خلال سنوات 1965 و 1966 و 1967 و تأثير الحركة الطلابية بفرنسا 1968 و المد الفكري الماركسي اللينيني في صفوف المثقفين و الطلبة والتلاميذ.
و في ظل هجوم النظام القائم على المنظمة الطلابية من أجل إضعافها و إسكات صوتها الذي يعتبر ما تبقى من أصوات المواجهة في الساحة الجماهيرية ، بعد تطبيق حالة الإستثناء و حل مؤسساته المزورة وإخضاع القيادات البورجوازية الحزبية و النقابية ، في ظل هذه الظروف العصيبة تأسس فصيل الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين باعتباره تيارا تقدميا داخل الجامعة عمل على صيانة المباديء التقدمية للمنظمة والدفاع عن جماهيريتها ، و كان لنجاح المؤتمر 13 في 1969 دور هام في ترسيخ مباديء المنظمة عبر اختيار أشكال تنظيمية تعيد للجماهير الطلابية مكانتها في اتخاذ القرارات و بلورتها بعد أن كانت ممركزة في يد اللجنة التنفيذية ، و تم وضع المباديء الأساسية للمنظمة الطلابية المتجلية في الإستقلالية والتقدمية و الديمقراطية و الجماهيرية ، و بالتالي وضع برامج لدفع الحركة النضالية الطلابية للدفاع عن المكتسبات التاريخية للمنظمة الطلابية ، و كان رد فعل النظام سريعا و ذلك بعقد مناظرة إفران في 1970 حول التعليم من أجل احتواء الحركة الطلابية و التي باءت بالفشل ، الشيء الذي دفع بالنظام القائم لابتداع أشكال قمعية جديدة و استدعى 15 عضوا من اللجنة التنفيذية للتجنيد العسكري في مايو 1970 ، و كان جواب الجماهير الطلابية سريعا و ذلك بشن اضرابات عامة لأسابيع من أجل إلغاء التجنيد الإجباري العسكري إلى ما بعد التخرج .
لم تغب النضالات الطلابية عن مواكبة النضال السياسي رغم القمع الشرس المتسلط على الحركة الطلابية و للتعبير عن صمودهم شن طلبة الجامعة بالرباط إضرابا في يوم 04 مايو 1970 ضد زيارة الوزير الإسباني "لوبيز برافو" للمغرب ، هذه الزيارة التي تستهدف استغلال فوسفاط بوكراع في ظل الإستعمار الإسباني للصحراء الغربية بعقد اتفاق بين المغرب و إسبانيا من أجل ذلك و استطاعت الحركة الطلابية إفشال هذا المشروع الإستعماري ، فكانت محطة المؤتمر 14 في 1970 المناسبة التي ينتظرها أصحاب الخيار البيرقراطي من أجل عرقلة المد الثوري داخل المنظمة و احتوائها من طرف النظام القائم ، و عملت البروقراطية الحزبية على انتقاء المؤتمرين و محاولة إقصاء بعض المؤسسات المعروفة بالمد التقدمي كالمدرسة المحمدية للمهندسين و المعهد الوطني للإحصاء و المدرسة العليا للأساتذة و كلية الآداب بالرباط ، وشكل هذا المؤتمر تراجعا خطيرا على مستوى هيكلة المنظمة بعد إلغاء تأسيس الفروع و تهميش المجالس الطلابية و بالتالي إلغاء العمل التنظيمي القاعدي لمركزة المنظمة في قبضة اللجنة التنفيذي مما دفع بالجماهير الطلابية إلى تجاوز قراراتها ، و عرفت سنة 1970 إضرابات عارمة لم تشهدها الحركة الطلابية من قبل إن على مستوى القاعدة الجماهيرية الطلابية أو على مستوى الشعارات المرفوعة ، و كانت فروع الإتحاد الوطني لطلبة المغرب بالخارج الدعامة الأساسية للخط الثوري داخل المنظمة ، و احتل الطلبة المغاربة بسوريا السفارة المغربية بدمشق في مارس 1972 احتجاجا على الأوضاع المزرية للطلبة بالمغرب مما أدى إلى اعتقالهم .، وقرر النظام القائم في 17 أبريل 1972 الإفراج عن جميع الطلبة المعتقلين تحت ضغط الإضرابات الطلابية ، و كنتيجة حتمية للنجاح الذي عرفه المؤتمر 15 بعد تحقيق إعادة الهيكلة في اتجاه دعم المد الثوري داخل المنظمة الطلابية ، و بعد أسبوع من انتهاء أشغال المؤتمر أعاد النظام القائم هجومه من جديد على قيادة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ، و ذلك باختطاف رئيسها و نائبه في 02 غشت 1972 و محاكمتهما غيابيا و الحكم عليهما بالسجن المؤبد و تم حظر المنظمة الطلابية في يناير 1973.
و هكذا يكون تحالف الكومبرادور و الإقطاع قد استكمل هيمنته على السلطة السياسية للتفرغ للإستغلال الإقتصادي ، بعد تفويت الضيعات التي أقامها المعمرون على أراضي الفلاحين الفقراء للإقطاع و الكومبراور لتنشأ طبقة الملاكين العقاريين ، و عمل النظام القائم على إصدار قانون 1963 الذي يمنع على المعمرين بيع ممتلكاتهم دون موافقته و ذلك للتحكم في أراضي الفلاحين الفقراء التي تم احتلالها بموجب قانون غشت 1913 الذي يشرعن هذا الإحتلال وقانون 1914 المحدد للأملاك العمومية و قانون 1916 المحدد للمحافظة العقارية ، و ذلك نظرا لطبيعة النظام القائم المرتكزة إلى تحالف الإقطاع و الكومبرادور حتى يضمن لكل واحد منهما موقعا في السلطة ، فبعد تراكم الأموال بأيدي البورجوازية الكومبرادورية بعد استيلائها على المعامل و المصانع و الأبناك بالمدن و هيمنتها على اقتصاد البلاد نشأت طبقة الملاكين العقاريين ، الذين استولوا على الضيعات بالبوادي و أصبحوا ينافسون الإقطاع بعد الإستيلاء على المياه بسن سياسة السدود .
و لم يبق أمام الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين إلا مواجهة هذا المخطط الإستعماري الجديد التابع للرأسمالية الإمبريالية ، عبر التنظيم السياسي الذي يرى فيه المعبر عن طموحاته و هو الإتحاد الوطني للقوات الشعبية لكون قياداته البورجوازية انحدرت من الحركة الوطنية الثورية خلال مقاومة الإستعمار المباشر ، في الوقت الذي تجهل فيه الطبقات الشعبية التوجهات الحقيقية لهذا الحزب الديمقراطي البورجوازي الصغير الذي عرف نكسات سياسية ، بعد القضاء على مناضليه المرتبطين بالمقاومة و جيش التحرير في1960 و 1963 و 1964 و أخيرا في الإنتفاضة الشعبية في 1965 و اغتيال أحد قادته البارزين الشهيد المهدي بن بركة في أكتوبر 1965 ، و عبر انتفاضاتها العفوية خاصة انتفاضات الفلاحين الفقراء بأولاد خليفة و تسلطانت و أولا تايمة ، و لم يبق أمام الطبقة العاملة إلا تنظيمها النقابي الإتحاد المغربي للشغل للدفاع عن مطالبه الإقتصادية و مقاومته للمخطط الإمبريالي التبعي ، و في 1961 خاض المنجميون بمناجم الفوسفاط إضرابا استمر 10 أيام من أجل الدفاع عن المكتسبات التاريخية التي حققوها في إطار قانون المنجميين بالموازاة مع مكتسبات العمال في القطاع العام و خاصة في الطاقة و الكهرباء و السكك الحديدية ، إلا أن المد البيروقراطي داخل الإتحاد المغربي للشغل و بتواطيء مع النظام القائم و للحد من المد النضالي الثوري عمل على تركيز ما كان يسمى ب" سياسية الخبز" للفصل بين العمل السياسي و النقابي و بالتالي فصل الطبقة العاملة عن نضالات الطبقات الشعبية ، و لا غرابة أن يتم تغييب الطبقة العاملة في الإنتفاضة الشعبية في 1965 كطبقة ثورية ، وهي وليدة الصراع ضد الرأسمالية الإمبريالية خلال الإستعمار المباشر شاركت في تركيز دعائم الحركة الوطنية الثورية بقيادة الإتحاد المغربي للشغل.
و بعد القضاء على تحالف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و عزل المدن عن البوادي بقيت الحركة الشبيبية الثورية لوحدها في المواجهة عبر الحركة الطلابية و التلاميذية في إطار الإتحاد الوطني لطلبة المغرب و نقابة التلاميذ ، و لم تحدث أية انتفاضة بعد 1965 إلا و كان المحرك الأساسي فيها هو الشبيبة انطلاقا من إضرابات 1970 و 1971 و 1972 و وصولا إلى انتفاضات 1981 و 1984 و 1990 و 2008 ، و لهذا نجد أن النظام القائم بعد استنفاذه لجميع وسائل القضاء على الحركة الطلابية الثورية بالجامعات و الثانويات ، لم يبق أمامه إلا فرض الحظر على المنظمة الطلابية الثورية خاصة ما بين 1973 و 1978 و بعدها الحظر العملي ، بعد القضاء على قيادات الحركة الماركسية اللينينية المغربية خاصة منظمة "إلى الأمام" بالقمع و الإعتقال و الإختطاف و التعذيب حتى الإستشهاد و على رأسها الشهيد عبد اللطيف زروال ، ومواجهة كل الحركات الطلابية و التلاميذية بالقمع و الإعتقال و المحاكمات الصورية و التي لم يستطع إخمادها إلا أنه استطاع فصلها عن الحركة الجماهيرية الشعبية خاصة مع تنامي الحركة الإجتماعية الإحتجاجية بالمغرب ، بعد احتواء تعبيراتها السياسية و النقابية بتواطيء مع القيادات البورجوازية الحزبية و النقابية ، و أصبحت الجامعة منفصلة عن الواقع الإجتماعي للطبقات الشعبية بعد القطيعة بين تنظيمها الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ذي التوجه الماركسي اللينيني والتنظيمات الحزبية و النقابية البورجوازية التي تهيمن عليها القيادات البورجوازية الحزبية البيروقراطية .
في ظل هذه الأوضاع عمل الطلبة الصحراويون الثوريون في الجامعات المغربية على تأسيس لجنة للدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي محاولين الإتصال بوزير الداخلية قصد طرح قضية تقرير مصير الشعب الصحراوي دون جدوى ، و غادر هؤلاء المغرب في اتجاه ليبيا و الجزائر اللتان وجدوا فيهما مجالا لبلورة أفكارهم حول قضية استقلال الصحراء الغربية ، و أسسوا فيما بعد جبهة البوليساريو و أعلنوا الجمهورية الصحراوية في الوقت الذي يشتغل فيه النظام القائم في تصفية تناقضاته الداخلية ، و المتمثلة في التناقضات بين الأجهزة العسكرية التي استغلها في قمع الحركة الوطنية الثورية و الإنتفاضات الشعبية ، فكان لا بد من تصفية الحسابات الداخلية لهذه الأجهزة خاصة و أنها حصلت على امتيازات سياسية و اقتصادية خلال 15 سنة من القمع في ظل الإستقلال الشلكي، و أصبحت من أجهزة النظام القائم الأساسية نتيجة جرائمها ضد الشعب المغربي في الريف و الجنوب و الإنتفاضة الشعبية في 1965 و الحركة الطلابية و التلاميذية في الجامعات و الثانويات و المعتقلات السرية و العلنية ، و اغتيالات المناضلين الثوريين خاصة الشهداء عباس المساعدي و حدو أقشيش و المهدي بن بركة و عبد اللطيف زروال فيما بعد و نشر الرعب في صفوف الشعب المغربي .
في ظل هذه الأوضاع حدث انقلابان عسكريان في يوليوز 1971 و غشت 1972 اللذان يعبران عن مدى ما وصلت إليه التناقضات الداخلية للنظام القائم ، و في مارس 1973 قام الجناح العسكري البلانكي بالإتحاد الوطني للقوات الشعبية بعمليات عسكرية في بعض المناطق و هي لا تستمد شرعيتها من الحركة الثورية المغربية ، الشيء الذي زعزع أركان النظام القائم بعد هذه المحاولات الثالث و دفعه إلى فتح الحوار مع القيادات البورجوازية لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب الإستقلال في إطار الكتلة الوطنية حول عقد ما يسمى بالسلم الإجتماعي و المسلسل الديمقراطي ، و شارك الجيش في حرب أكتوبر 1973 لإيهام الجماهير الشعبية بارتباط النظام القائم بالقضايا العربية ، و بالتالي فتح جبهة الصحراء الغربية كبؤرة توتر في حربه ضد جبهة البوليساريو من 1975 إلى 1991 ، التي جعلها مجالا لتصفية الأجهزة العسكرية و أداة لقمع الحركات الثورية بافتعال ما يسمى بالوحدة الوطنية.
في ظل هذه الأوضاع السياسية نشأت الحركة الماركسية اللينينية في 1970 من طرف المناضلين الثوريين المنشقين عن حزب التحرر و الإشتراكية و الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذين أسسوا منظمتي"إلى الأمام" و" 23 مارس" ، و كان أول عمل مشترك بينهم هو الحركة السياسية عبر الإضراب في 04 ماي 1970 ضد زيارة وزير الخارجية الإسباني لوبيز برافو للمغرب ، الذي اعتزم عقد صفقة بين النظامين الديكتاتوريين بالمغرب و إسبانيا حول استغلال فوسفاط بوكراع ، و ساهمت في هذه الحركة بشكل كبير المنظمة الطلابية مما عرض الحركة الماركسية اللينينية للقمع الشرس من طرف النظام القائم ، خاصة و هي في طور التأسيس بعد تواطؤ القيادات البورجوازية لحزب التحرر و الإشتراكية و حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ضد مصالح الشعب المغربي ، و شملت اعتقالات 1972 و 1974 قيادات منظمة "إلى الأمام" و قيادات الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ، وعلى إثرها تم استشهاد الشهيد القائد عبد اللطيف زروال في 14 نونبر 1974 .
و استمر قمع منظمة "إلى الأمام" 12 سنة إلى آخر الإعتقالات في 1986 ، و حدث تراجع خطير في صفوف قيادات المنظمة داخل السجون باختيار خط النضال السياسي الديمقراطي بعد محاولة الحصول على العفو في بداية الثمانينات من القرن 20 ، و مع انهيار الإتحاد السوفييتي في 1990 تنامى في صفوف الحركة الماركسية اللينينية خاصة منظمة "إلى الأمام" الإتجاه التحريفي الإنتهازي الذي ابتدأ بالسجون في أواخر 1979 ، الذي تخلى عن الطرح اللينيني و تم تركيزه بعد ما سمي بالعفو عن المعتقلين السياسيين و المنفيين في سنة 1994 الذي استفادت منه القيادات التحريفية الإنتهازية.
و نما في الجامعات الإتجاه الظلامي الذي حاول السيطرة على المنظمة الطلابية و نشر الرعب و القمع في صفوف الطلب خاصة بعد اغتيال الشهيدين محمد أيت الجيد بفاس و الطيب بوملي بوجدة ، و عمل النظام القائم على تعزيز هذا الخط بتأسيس حزب العدالة و التنمية المعبر السياسي عن الخط الظلامي بالجامعة في الوقت الذي تعرف فيه الحركة الماركسية تشرذما ملحوظا ، كما نما بالجامعة خط ما يسمى ب"الحركة الثقافية الأمازيغية" الذي تمت تزكيته بعد تأسيس ما يسمى ب"المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية" و تم دعم هذا الخط بتأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي الذي تم حله من طرف النظام القائم .

في ظل هذه الظروف تحمل الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية رئاسة الحكومة في 1998 فيما يسمى ب"الإنتقال الديمقراطي" و "العهد الجديد" ، لتيسير سلاسة المرور من عهد إلى عهد لا يختلف عن سابقه إلا باتخاذ القوانين الطبقية ضد مصالح الجماهير الشعبية التي سنتها و صادقت عليها الأحزاب البورجوازية الإصلاحية بالبرلمان ، و من بينها تلك التي تسمي نفسها "اشتراكية" و التي تنحدر قياداتها من صلب الحركة الماركسية اللينينية ، و دخلت في مساومات مع النظام القائم من أجل تصفية إرثه المظلم خلال سنوات القمع الأسود ، و تمرير الشرعية القانونية والتاريخية للنظام القائم في إطار ما يسمى ب"طي صفحة الماضي" من 1956 إلى 1999 لتبرئة النظام القائم من جرائمه ضد الشعب المغربي ، و بالمقابل سن مجمل القوانين الطبقية (مدونة الشغل،قانون الإضراب،قانون الأحزاب،قوانين الخوصصة...) من أجل تركيز سيطرة الكومبرادور و الملاكين العقاريين على السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية ، عبر ما يسمى ب"المسلسل الديمقراطي" ابتداء من 1975 بعد تصفية الحركة الثورية و انتهاء بتركيزه في انتخابات 2007 و 2009 ، و ذلك برد الإعتبار لحزب الإستقلال الذي يقود اليوم مسار تصفية ما تبقى من المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين.
و عاشت الحركة الماركسية اللينينية بالجامعة صراعات مريرة ضد الخطين الظلامي و الأمازيغي الشوفيني من أجل إبراز الخط التقدمي داخل الجامعة ، إلا أن ضعف التنظيم و التشرذم الذي تعيشه الحركة الماركسية اللينينية ساهما في ضعف أداء المناضلين الماركسيين اللينينيين بالجامعة ، في غياب امتلاك الأداة الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية خارج الجامعة و معبرها السياسي في إطار تنظيمها الثوري الذي يجب أن يقود الحركة ، و لن تكون الجامعة إلا فضاءا من فضاءاتها الرحبة التي يجب أن تلعب دورا هاما في خدمة المد الثوري قي صفوف الجماهير العمالية ، التي تشكل فيها البروليتاريا قاعدتها الثورية بتحالف مع الفلاحين الفقراء و الكادحين و البورجوازية الصغرى الثورية و على رأسها المثقفون و الطلبة و التلاميذ ، لكن غياب التنظيم الثوري جعل الطلبة الماركسيين اللينينيين يقعون في صراعات خاسرة فيما بينهم من جهة و مع الخطين الظلامي و الثقافي الأمازيغي الشوفيني من جهة أخرى ، لدى وجب الوقوف عند محطة النضالات الطلابية باعتبارها أساسية في بلورة الفكر الماركسي اللينيني بالجامعة وتقييمها و توجيهها في صالح الحركة الماركسية اللينينية المغربية حتى لا يتم إعادة أخطاء الماضي ، سواء في تجربة منظمة "إلى الأمام" أو في التجارب التي تمت بلورتها خارج هذه المنظمة من أجل توحيد حلقات الحركة الماركسية اللينينية داخل الحركة الطلابية ، و بالتالي بلورة مواقف موحدة داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية.

و لضرب الحركة النقابية تمت تصفية الإتجاهات اليسارية في صفوف حركة التحرر الوطني بعد الإنشقاقات الحزبية و النقابية خلال سنوات 1959 و 1961 و 1975 و 1978 و 2002 بعد تأسيس حزبي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية و الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، مما نتج عنه تأسيس مركزيات نقابية : الاتحاد العام للشغالين بالمغرب و الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و أخيرا الفيدرالية الديمقراطية للشغل إلى جانب الإتحاد المغربي للشغل ، و عرف النضال الكفاحي تراجعا تلو الآخر خلال سنوات القمع الأسود و عرف العمل النقابي تدهورا تلو الآخر خاصة بعد نكسة الإضراب العام في 14 دجنبر 1990 التي تم تتويجها بما يسمى باتفاق فاتح غشت 1996 المشؤوم و الذي مهد لما يسمى ب"حكومة التناوب" التي أشرفت على إتفاق 30 أبريل 2003 المشؤوم ، و دخل النضال النقابي في مرحلة الجمود بعد دخول المركزيات الأربع فيما يسمى ب"السلم الإجتماعي" على حساب مصالح الطبقات الشعبية بالمصادقة على مدونة الشغل الرجعية التي تشرعن استعباد الطبقة العاملة ، و ما وصلته الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية للطبقة العاملة من تردي نتيجة الهجوم على مكتسبات الطبقات الشعبية ليس إلا نتيجة تآمر الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغرى و المركزيات النقابية التابعة لها.
و في ظل هذه الأوضاع تأتي أهمية النضال الطبقي الكفاحي للماركسيين اللينينيين لكون الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغرى غير معنية بالصراع الطبقي ، باعتبار مشاريعها لا ترتبط بمصالح الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، و هذه الطبقات لا تملك إلى حد الآن حزبها الثوري الذي يستطيع قيادة صراعها ضد البورجوازية عكس جميع الطبقات البورجوازية التي تملك تنظيماتها السياسية التي تعبر عن مصالحا، و تبقى الطبقة العاملة في مواجهة مشاكلها في ظل :

ـ تطور أساليب هيمنة الرأسمالية الإمبريالية في غياب أنظمة اشتراكية تواجهها .
ـ سقوط التجارب الاشتراكية بالإتحاد السوفياتي و شرق أوربا و نهب أموالها.
ـ تسخير الثورة التيكنولوجية الهائلة في مجال الإعلام و الإعلاميات في السيطرة على ثروات الشعوب.
ـ العسكرة المفرطة للدول الإمبريالية و بروز الإستعمار المباشر و الحروب بقيادة أمريكا.
ـ التدخل المباشر في قضايا الشعوب من طرف الإمبريالية الأمريكية و حلفائها عبر أجهزة الأمم المتحدة.
ـ نشوء إمبرياليات حديثة كروسيا و الصين.

إن ما يعرفه العالم من تحولات إقتصادية و سياسية يجعل دور الطبقة العاملة حاسما في الصراع الطبقي في الوقت الذي أصبحت فيه الشغيلة ذات مكونات متعددة ، و هي تتأرجح بين من يبيع قوة العمل العضلية و من يبيع قوة العمل الفكرية و من يتعرض للتهميش و التفقير ليصبح الجيش الإحتياطي القابل للإستغلال الرأسمالي ، والتي يطالها جمعا إستغلال الرأسمالية الإمبريالية و بالتالي ضرب مصالح الشعوب عبر ما يلي :

ـ تكثيف استغلال الرأسمال لقوة العمل و تراكم القيمة الزائدة في أيدي أقلية من البورجوازيين .
ـ هيمنة الرأسمال المالي على الرأسمال الصناعي و التجاري .
ـ هيمنة المضاربات المالية في السوق على حساب الإنتاج الصناعي و الفلاحي .
ـ الصناعة العسكرية المفرطة و ترويج الأسلحة و إشعال الحروب .
ـ إنتشار اقتصاد الريع و تنقل رؤوس الأموال و الحد من تنقل الطبقة العاملة في اتجاه دول الشمال .
ـ هيمنة الشركات المتعددة الإستيطان على السوق الحرة و تأثيرها سلبا على اقتصاديات الدول .
ـ التحكم في سوق العمل و تحديد قيمة الأجور و الأسعار و نشر العطالة .
ـ العمل على اضمحلال الدولة القومية لتغييب دورها في توجيه الإنتاج و التدخل في الأنشطة الاقتصادية و الاجتماعية .
ـ حماية الرأسمال بنشر سياسة الخوصصة و سن قوانين رجعية تضرب المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة و تشرعن استعبادها و تبيح نهب المؤسسات المالية و الصناعية و الفلاحية الوطنية.
ـ بروز الأزمة المالية نتيجة المضاربات العقارية و هيمنة البورجوازية على رؤوس الأموال العالمية عبر استغلال البورسات.


5 ـ الصراع الطبقي و مهام الثورية للماركسيين اللينينيين المغاربة

بعد أزيد من نصف قرن من التحريف بالإتحاد السوفييتي الذي نتج عنه تراجع الفكر الماركسي اللينيني نعيش اليوم مرحلة البعث الماركسي اللينيني بعد جلاء الحقيقة عن دعاة الحداثة و اللاعرفانية ، و الحركة الماركسية اللينينية المغربية في حاجة إلى البعث في ظل هجوم البورجوازية و التحريفية الانتهازية على الماركسيين اللينينيين، و أصبح الصراع الإيديولوجي ضرورة تاريخية من أجل تركيز أسس الماركسية اللينينية في صفوف الشبيبة المغربة ، و بلورتها في صفوف البروليتارية و الفلاحين الفقراء ببلورة مفهوم الثورة في النضالات الطبقية لهذه الطبقات ، و تركيز المهام الثورية للبورجوازية الصغرى في صفوف البروليتاريا خاصة منها المثقفة باعتبارها معرضة للدفع بها من طرف الرأسمالية الإمبريالية لخدمة البورجوازية ، وكان لا بد من فضح المنطلقات اللاعرفانية للانتهازية التحريفية و محاربة أفكار شيعها في صفوف النساء والشبيبة و البروليتاريا و الفلاحين الفقراء و البورجوازية الصغرى ، و كان لابد من بعث الحركة الإجتماعية الإشتراكية التي تؤسس لبعث الحركة المعرفية الإشتراكية من أجل إشعال الصراع الطبقي بين الحركة الإجتماعية و المعرفية الإشتراكية و الحركة الإجتماعية و المعرفية البورجوازية في ظل وحدة التناقضات الأساسية للحركة ، و قد برزت الحركات الإجتماعية الإشتراكية العالمية و التي انعكست على الحركة الإجتماعية المغربية على شكل حركات اجتماعية احتجاجية ذات أبعاد متعددة ، التي عرفت في مراحل تاريخية سابقة تسلط النظام القائم الذي واجهها بالحديد و النار و شيع القمع و الرعب في أوساط الطبقات الشعبية و شهدت أربع مراحل أساسية :
ـ المرحلة الأولى و المتسمة بحمل السلاح بعد الإستقلال الشكلي من طرف ما تبقي من أعضاء المقاومة و جيش التحرير بعد تصفية قياداتها السياسية و على رأسهم عباس المساعدي و حدو أقشيش بالريف في نهاية الخمسينات ، و اندلاع الإنتفاضة الريفية التي تم قمعها بالسلاح في 1958/1959 و بالتالي تصفية ما تبقى من عناصر جيش التحرير بالجنوب ، مما دفع ببعض المجموعات المسلحة بالقيام بعمليات متفرقة بالمدن لتصفية رموز النظام القائم و على رأسها مجموعة شيخ العرب خلال النصف الأول من الستينات من القرن 20 ، و تتويج هذه المرحلة بالإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء في مارس 1965 التي قادتها الشبيبة التلاميذية و الطلابية و تم قمعها بالحديد و النار و حل المؤسسات المزورة و فرض حالة الإستثناء و اغتيال الشهيد المهدي بن بركة.
ـ المرحلة الثانية بعد انتفاضة 1965 المتسمة بنشأة الحركة الماركسية اللينينية جراء الإنسحابات من الأحزاب الإصلاحية و بعث الحركة الطلابية الثورية بعد أحداث 1968 بفرنسا ، و برزت التناقضات الداخلية للنظام القائم عبر الإنقلابين العسكريين الفاشليين في 1971 و 1972 و حركة 03 مارس 1973 البلانكية من طرف الجناح المسلح لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، و عرفت هذه السنوات اعتقالات و محاكمات وإدانات و إعدامات و بالتالي مزيدا من الإنحلال و التفسخ و الإنبطاح السياسي الحزبي الإصلاحي ، الذي أيد فتح جبهة الصحراء في 1974 و إشعال نار الحرب التي دامت إلى 1991 و التي لعبت دورا أساسيا في استقرار مرحلي للنظام القائم عبر لفت الأنظار إلى الصراع الخارجي المتمحور حول الحرب في الصحراء الغربية و قمع كل من يعارض الحرب.
ـ المرحلة الثالثة المتسمة بالقمع الأسود ضد الحركة الماركسية اللينينية بعد اعتقالات 1974 و استشهاد الرفيق عبد اللطيف زروال في معتقلات النظام القائم ، و برز الفكر الظلامي بعد اغتيال الشهيد عمر بنجلو في 1975 في الوقت الذي عرفت فيه الأحزاب الإصلاحية و النقابات التابعة لها الدخول في "السلم الإجتماعي" و"المسلسل الديمقراطي" على حساب نهب خيرات البلاد و قمع الحريات ، و إثر الزيادة في الأسعار و تنظيم الإضرابات من طرف النقابات اندلعت الإنتفاضة الثانية بالدار البيضاء في 1981 و التي تم قمعها بالحديد والنار و تم تقسيم المدينة إلى عمالات من أجل سيادة الضبط الإجتماعي و القمعي ، و استمر قمع الحركة الماركسية اللينينية و نشر الرعب في الثانويات و الجامعات و اندلعت انتفاضات شعبية بمراكش و الريف وداخل الحركة التلاميذية و الطلابية في 1984 ، و استمرت اعتقالات الماركسيين اللينينيين إلى سنة 1986 لتبدأ مرحلة الإفراج عن المعتقلين السياسيين بعد فضح معتقل تازمامرت بالخارج ، و اندلعت انتفاضة 1990 بفاس إثر الإضراب العام الذي دعت إلية النقابات و تم قمعها بالحديد و النار ، ليسود هدوء نسبي بالجامعات بعد بروز الفكر الظلامي المدعوم من طرف النظام القائم الذي سيطر على المنظمة الطلابية بعد اغتيال الطالب محمد أيت الجيد من طرف عصابات ظلامية بفاس في 1992 ، و تم تركيز ما يسمى ب"المسلسل الديمقراطي" و تهييء النظام القائم لما يسمى ب"التناوب الديمقراطي" بعد إصدار "العفو" عن المعتقلين السياسيين و المنفيين في 1994 .
ـ المرحلة الرابعة المتسمة بالتنازلات السياسية الخطير على جميع المستويات بعد ما يسمى باتفاق فاتح غشت 1996 المشؤوم و الذي ضرب في الصميم حقوق الطبقة العاملة ، و كانت الكوفدرالية الديمقراطية للشغل السباقة إلى مباركة هذا الإتفاق من أجل فتح المجال أمام الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية لرئاسة الحكومة بقيادة عبد الرحمان اليوسفي ، ليبدأ مسلسل تصفية المؤسسات الوطنية المالية و الصناعية و الفلاحية وتسريح/طرد الطبقة العاملة بعد المصادقة على مدونة الشغل الرجعية التي تشرعن استعباد العاملات و العمال، و تم التوقيع على اتفاق 30 أبريل 2003 الذي يركز الإجهاز الفعلي على حقوق الطبقة العاملة و تصفية ما تبقى من المؤسسات الوطنية الفلاحية من أراضي صوديا و سوجيطا و معامل التلفيف التابعة لها ، و تم تركيز أسس النظام القائم بعد المصادقة على قانون تأسيس الأحزاب الذي حول الأحزاب إلى كائنات تتنافس على الفوز بتنفيذ البرامج السياسية المسطر لها في إطار الخوصصة ، التي نعيش أطوارها الخطيرة اليوم و التي تستهدف ضرب ما تبقى من المكتسبات التاريخية للطبقات الشعبية من خدمات اجتماعية كالتعليم و الصحة.
و تعرف الحركة الماركسية اللينينية المغربية في الآونة الأخيرة دينامية ملحوظة على مستوى الصراع الإيديولوجي و السياسي و الجماهيري مما يؤشر على بروز بوادر بعث هذه الحركة ، بعدما عرفت خلال العقود الثلاث الماضية تناقضات صارخة خاصة داخل منظمة "إلى الأمام" التي تعتبر رمز الصمود الثوري في صفوف الماركسيين اللينينيين المغاربة ، و الذين عاشوا صراعات أيديولوجية و سياسية ضد التحريفية الإنتهازية منذ تأسيسها ، سواء داخل المنظمة أو على مستوى العلاقات مع الفضائل الأخرى للحركة الماركسية اللينينية المغربية ، و صمد الخط الثوري بهذه المنظمة العتيدة في وجه التحريفية الإنتهازية من جهة و في وجه القمع الشرس للنظام القائم خلال سنوات القمع الأسود من جهة أخرى ، و عرفت أربع مراحل تاريخية أساسية :

1 ـ مرحلة ما بين 1970 و 1979 التي يمكن نعتها بمرحلة التأسيس المتسمة بالمد الثوري داخل المنظمة و التي راكمت فيها تجارب مهمة على مستوى دقة التصورات و جسامة النضالات في المجالات الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية و النضالية و بناء الخط و الإستراتيجية الثوريين للحركة الماركسية اللينينية و الثورة المغربية.
2 ـ مرحلة ما بين 1980 و 1991 التي اتسمت بالتراجعات الأيديولوجية و السياسية و بروز الإتجاه التحريفي الإنتهازي المعادي للخط والإستراتيجية الثوريين للمنظمة من داخلها ، بعد صعود القيادة الثانية في أواسط الثمانينات التي عملت على التخلي عن نظرية الثورة واختيار خط النضال السياسي الديمقراطي البورجوازي الصغير.
3 ـ مرحلة ما بين 1992 و 2004 التي تم خلالها تركز مفهوم العلنية و القطع مع السرية و بلورة خيار النضال السياسي الديمقراطي و محاولة تصفية ما تبقى من الإرث الثوري للمنظمة من طرف التحريفية الإنتهازية ، التي قادت لواء التراجعات و القطيعة مع التصورات الثورية للحركة الماركسية اللينينية المغربية في محاولة للسيطرة على الإرث التاريخي للمنظمة و تصفيتها.
4 ـ مرحلة ما بعد المؤتمر الأول ل"حزب النهج الديمقراطي" في يوليوز 2004 الذي تمخض فيه الفرز السياسي بين التيار التحريفي الإنتهازي و المناضلين الثوريين داخل الحزب ، في الوقت الذي تشكلت خارج هذا الحزب حلقات الماركسية الينينية الثوريين داخل الجامعات تتسم بالدينامية الثورية ، مما أعطى نفسا جديدا و انطلاقة جديدة للحركة الماركسية اللينينية المغربية.

ففي ظل التراجعات على المستوى الأيديولوجي و السياسي للقيادات التاريخية لمنظمة "إلى الأمام" التي حملت لواء التحريفية الإنتهازية خاصة داخل "حزب النهج الديمقراطي" ، تعرفت الحركة الماركسية اللينينية المغربية انتعاشا ملحوظا إن على مستوى المد الثوري داخل الحركة أو على مستوى النضال الأيديولوجي والسياسي ، إلا أن هذا المد لا يجد ما يوازيه من الحركة على مستوى التنظيم/ الأداة الكفيلة بتسريع وثيرة الحركة و ضبط مسارها النضالي الثوري .
فإذا كان انبثاق منظمة "إلى الأمام" من صلب الحركة السياسية داخل الحزب الشيوعي المغربي/التحرر و الإشتراكية ، فإن المناضلين الماركسيين اللينينيين المغاربة اليوم ينحدرون من تجارب سياسية مختلفة تتسم بضعف التجربة التنظيمية في أغلب الأحيان ، ذلك ما جعل الحركة تعرف عدم الإستقرار و الإنسجام و الإنضباط التنظيمي مما جعل العمل بداخلها يتخذ أشكلا من الإرتجال و العفوية و الإنعزالية و التشرذم مما يفتح المجال أمام سهولة اختراقها من طرف النظام القائم ، الشيء الذي جعل سير و ضبط النقاش الأيديولوجي و السياسي صعبا بين الماركسيين اللينينيين الذين يتواجدون على شكل حلقات متناثرة هنا و هناك لم ترق بعد إلى مستوى الفصائل ، مما ساهم في ضعف الوضوح الأيديولوجي و السياسي والضبابية في الخط و الإستراتيجية الثوريين ، و بالتالي بروز الزعاماتية الكارزمائية داخل كل حلقة و سيادة الخلاف والإختلاف و الصراعات الضيقة حول الإنتماء إلى الحركة الماركسية اللينينية ، كما أن تجربة المناضلين الماركسيين اللينينيين ب"حزب النهج الديمقراطي" تطرح اشكالية التوافق بين العلنية و السرية بفعل السلوكات الليبرالية التي حاولت القيادات التحريفية الإنتهازية بالحزب زرعها في صفوفهم.

كل ما تمت الإشارة إليه يهدد كيان الحركة الماركسية اللينينية المغربية بالعصف به نحو مزيد من التشرذم والإنشقاق ، مما يضع على عاتق الماركسيين اللينينيين الصامدين و المنحدرين من صلب تجربة منظمة "إلى الأمام" تحمل هذا العبء الثقيل ، الذي يجعلهم في صدارة المسؤولية التاريخية اتجاه وحدة الماركسيين اللينينيين المغاربة بتحمل الصعاب من أجل لم شملهم نظرا لما اكتسبوا من تجارب تنظيمية في السرية و العلنية ، كما يضع قيادات باقي الحلقات التي تم بناؤها خلال العقدين الأخيرين خارج "حزب النهج الديمقراطي" أمام هذه المسؤولية التاريخية الجسيمة التي تتطلبها الحركة في المرحلة الراهنة للمساهمة في البناء التظيمي ، من أجل الخروج من وضع التشرذم والإنشقاق إلى الشكل التنظيمي الثوري الواعي ، و موازاة مع أهمية التنظيم داخل الحركة فإن الشروع في بلورة التحليل السياسي للمرحلة الراهنة و الوضوح الأيديولوجي يعتبران من المهام الجسام المطروحة اليوم ، من أجل رسم الخط والإستراتيجية السياسيين للثورة المغربية .
و تعتبر أوراق منظمة إلى الأمام خلال المرحلة الأولى من نشأتها ذات أهمية قصوى في ضبط معالم الوضع الراهن و التصور السياسي و الأيديولوجي لدى المناضلين الماركسيين اللينينيين المغاربة ، على اعتبار أن هذه الأوراق تشكل الأرضية التي انبثقت منها الحركة الماركسية اللينينية المغرب و تعتبر ذات أهمية في رسم معالم النضال الثوري بالمغرب ، انطلاقا من أهمية ضبط الصراع بين الطبقات المتناقضة و رسم أسس الصراع الطبقي وفق شروط الحياة المادية للمجتمع المغربي اليوم ، كما أن الإطلاع على مرحلة التراجعات التصفوية لإرث المنظمة يعتبر ذا أهمية قصوى في مسار الحركة الماركسية اللينينية ، خاصة و أننا نعرف ما تتطلب المرحلة الراهنة من نضال مرير لفضح التحريفية الإنتهازية التي يجب فتح الصراع الأيديولوجي و السياسي ضدها و محاربة تداعياتها في أوساط الحركة .
و يعتبر تفعيل القراءة النقدية لتاريخ و مسار الحركة الماركسية اللينينية المغربية و خاصة منظمة "إلى الأمام" أمرا ضروريا لتوضيح الرؤية لدى المناضلين الثوريين لتجاوز سلبيات تجارب المنظمة ، كما تشكل القراءة النقدية لتجارب الحركات الثورية العالمية الدعامة الأساسية لتجربة الحركة الماركسية اللينينية والمنظمة بصفة خاصة .

لقد بات من الضروري فتح نقاش جاد بين الماركسيين اللينينيين الثوريين حول القضايا الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية للحركة ، الشيء الذي يتطلب التحليل الملموس للوضع السياسي الراهن في جميع المستويات السياسية و الإقتصادية و الثقافية و تشكل الطبقات الإجتماعية لضبط مسار الصراع الطبقي بالمغرب و الطبقات المتصارعة و بلورة مفهوم النضال الثوري موازاة مع بناء المنظمة الثورية الأداة الكفيلة لضبط الحركة الثورية بالمغرب.

في ظل هذا الوضع السياسي الراهن الذي ساهم في ضرب المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة باعتبارها الطبقة التي قادت جميع الصراعات ضد الإستغلال الرأسمالي ، يأتي دور الحركة العمالية في الواجهة اليوم و تطرح عليها مهام جسيمة من أجل استرجاع مكانتها في الصراع الطبقي ، فأية استراتيجية لأية حركة نضالية للطبقة العاملة المغربية تبرز في الأفق ؟

ففي ظل صراع الطبقات الشعبية ضد تحالف البورجوازية الكومبرادورية و الملاكين العقاريين نشأت أحزاب "اليسار" بالمغرب التي أفرزها الصراع داخل ما يسمى ب"الحركة و الوطنية" ، و بعدها الحركة الماركسية اللينينية المغربية عبر نضالاتها منذ السبعينات من القرن 20 بعد فضح القيادة البورجوازية للأحزاب الإصلاحية ، و واجه المناضلون الماركسيون اللينينيون القمع الشرس داخل السجون بمزيد من الصمود و التحدي و النضال السياسي و الايديولوجي ، إلى أن تم تحقيق جزء مهم من مطالبها و هو فتح هامش ضيق في مجال حرية التعبير و التنظيم التي أتاحت هامشا من الحركة في أوساط الطبقات الشعبية ، إلا أن المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي قد عرفت تراجعا خطيرا ، و بعد التجربة المريرة للماركسيين اللينينيين و التي مرت في أغلب مراحلها في السرية و القمع دخل جزء منها في مرحلة العمل العلني المنظم الذي يهيمن عليه الإتجاه التحريفي الإنتهازي الذي رفع الشعارات التالية :

ـ إختيار النضال السياسي الديمقراطي مرحليا في أفق بناء المجتمع الإشتراكي.
ـ المساهمة في بناء جبهة الإشتراكيين و الديمقراطيين ضد البورجوازية.
ـ المساهمة في بناء التنظيم السياسي للطبقة العاملة و الكادحين إستراتيجيا.

و بالنظر إلى مكونات هذه الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغيرة يمكن تسجيل ما يلي :

ـ تضم في صفوفها مناضلين يتبنون الماركسية كمرجعية أيديولوجية و التخلي عن الماركسية اللينينية .
ـ ينتمون إلى البورجوازية الصغرى التي تعتبر الطبقة العاملة حليفا لها.
ـ يشتغل جلهم بالإطارات الجماهيرية و خاصة النقابات .

و تبقى التصورات السياسية لهذه الأحزاب بعيدة عن مصالح الطبقة العاملة نظرا للعوائق الطبقية التي تتسم بها و التي تتجلى في :

ـ عدم قدرة هذه الأحزاب على استقطاب الطبقة العاملة إلى صفوفها و يتضح ذلك في التركيبة الطبقية لتنظيماتها التي يتكون أغلب مناضليها من الطبقة البورجوازية الصغرى .
ـ رغم أن جل مناضليها يعمل في الإطارات النقابية تبقى الصفة الطبقية الديمقراطية البورجوازية الصغيرة لهؤلاء المحدد الأساسي لتعاملهم مع مصالح الطبقة العاملة.
ـ التعاطي المفرط للعمل النقابي الصرف و الذي يؤدي إلى بروز اتجاهات انتهازية في صفوفهم.
ـ النزعة الزعامتية و الطموح إلى الإرتقاء الطبقي و طغيان المفهوم الإصلاحي للنضال عبر الوصول إلى المؤسسات الرسمية / المجالس الجهوية و الغرفة الثانية .

كل هذه العوائق تعصف بالعمل النقابي في اتجاه المفهوم الليبرالي للنقابة الذي تكون نتائجه وخيمة على مصالح الطبقة العاملة و بالتالي ابتعاد مناضليه عن الخط و الإستراتيجية السياسيين للحركة الماركسية اللينينية ، و هكذا يثبت التاريخ مرة أخرى أن الطبقة البورجوازية الصغرى لا يمكن أن تقود نضالات الطبقة العاملة رغم المشروع المجتمعي الذي تحمله تصوراتها السياسية في غياب قيادة الطبقة العاملة لنضالاتها ، و يبقى هدف بناء الحزب البروليتاري هدفا بعيد المنال في ظل هذه الممارسات، و يبقى بناء هذا الحزب موكولا للطبقة العاملة و حلفائها التاريخيين/الفلاحون الفقراء و الكادحون بقيادة الماركسيين اللينينييين ، و بالرجوع إلى تجربة النضال ضد الإستعمار المباشر و الذي يشكل فيه تحالف المدن والقرى/الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء ضد تحالف الاستعمار والإقطاع عاملا أساسيا في حسم الصراع الطبقي ، يمكن الوقوف على ما تمثله هذه التجربة الرائدة في تاريخ الصراع الطبقي بالمغرب ، لذا فالصراع القائم اليوم هو صراع طبقي على الرغم من أنه يحمل بداخله صراعات اجتماعية ذات صبغة ما قبل-طبقية ، نظرا لكون العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع المغربي ليست بعلاقات اجتماعية رأسمالية محضة لكون صفة التبعية ما زالت قائمة ، لكونها تحمل بداخلها علاقات اجتماعية ما قبل رأسمالية وما يصاحبها من علاقات التبعية للكومبرادور و الإقطاع ، والتي تبرز تجلياتها أساسا لدى الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين في الصراع ضد كبار الملاكين العقاريين بالبوادي ولدى الطبقة العاملة والكادحين بالمدن ضد الباطرونا و التي تبرز في مواسم الإنتخابات ، و يبقى بناء التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين هدفا أسمى سيقدم بشكل كبير الصراع الطبقي الذي لن يتحقق إلا في ظل تحقيق الأهداف التالية :

ـ إمتلاك الوعي الطبقي لدى مناضلي اليسار و بلورته عبر الممارسة العملية للمحترفين السياسيين المرتبطين جذريا بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين .
ـ العمل اليومي الدؤوب بالتنظيمات الذاتية للطبقات الشعبية و على رأسها الطبقة العاملة للدفاع عن مصالحها الطبقية ضد هجوم البورجوازية.
ـ العمل على بناء تحالف تنظيمي بين هذه التنظيمات لمواجهة هجوم الرأسمالية الإمبريالية على مصالح الطبقات الشعبية.
ـ مناهضة الانحرافات ومفاهيم البورجوازية والسلوكات ما قبل-طبقية التي تبرز في أوساط المناضلين و في أوساط الطبقات الشعبية .
ـ العمل على تطوير الوعي الحسي لدى الطبقات الشعبية للمرور إلى مرحلة الوعي السياسي والممارسة السياسية من الموقع الطبقي الذي تنتمي إليه.
ـ المرور إلى مرحلة الممارسة السياسية للطبقات الشعبية بالانتماء إلى الحزب البروليتاري عبر تحمل المسؤوليات السياسية في هياكله .
ـ العمل على تطوير الوعي السياسي لديها من أجل تحقيق الوعي الطبقي الآلية الوحيدة الكفيلة لحسم الصراع الطبقي ضد البورجوازية .
لقد رأينا كيف استطاعت البورجوازية الحزبية و النقابية لجم نضالات الجماهير الشعبية بفعل ممارساتها الإنتهازية التحريفية ، و تبقى مهمة إنجاز الثورة الإشتراكية على عاتق الماركسيين اللينيين الذين يعتبرون من الطبقة البورجوازية الصغرى التي اختارت طريق الممارسة البروليتارية ، نظرا لعدم تغلغل الفكر الماركسي اللينيني في أوساط الطبقات الشعبية حتى يصبح قوة مادية تقهر غطرسة النظام القائم ، و تعتبر تجربة منظمة إلى الأمام أساسية في بلورة تصوراتنا انطلاقا من تناول و رقتها المرجعية التأسيسية التي تعبر عن التصورات الأيديولوجية و السياسية للحركة الماركسية اللينينية المغربية و هي منبثقة من تجربة مؤسس الماركسية اللينينية المناضل الثوري لينين.
تقول وثيقة منظمة إلى الأمام "سقطت الأقنعة فلنفتح الطريق الثوري" عن البورجوازية الصغرى و البروليتاريا :
"القوى الثورية المتواجدة في المغرب :
ب) إن البرجوازية الصغيرة تشمل أصحاب المهن الليبرالية, أي المثقفون, أساتذة التعليم الثانوي والمعلمون, وكذا طلبة الجامعات والتقنيون المتوسطون والموظفون الصغار والمتوسطون وصغار التجار والصناع التقليديون المتوسطون باستثناء الفئات العليا التي تساهم فعلا في بناء البرجوازية البروقراطية. مما سبق يتضح أن هذه الطبقة تتكون من عناصر لها وظائف جد مختلف ، في المجتمع , وظائف وهياكل تحول دون تماسكها."
إن مهمة البورجوازية الصغرى الثورية و خاصة المثقفة منها هي الإنغراس في أوساط الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء والكادحين و نشر الفكر الماركسي اللينيني في أوساط الجماهير العمالية ، و أثناء القيام بمهامها هذه يمكن أن تتعرض للقمع والإعتقال و الإستشهاد ، لأن مهامها هذه تمثل التناقض الأساسي بين تحالف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين و تحالف الكومبرادور و الملاكين العقاريين ، و النظام القائم يرى في الطبقة البورجوازية الصغرى الثورية العدو الأساسي باعتبارها ترفض الإنتماء الطبقي لطبقتها القابلة للحصول على امتيازات الطبقة البورجوازية ، إلا أن البورجوازية الصغرى الثورية ترى في الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين الحليف الأساسي لإنجاز الثورة ، التي تعتبر الإنجاز الأساسي الضروري لحل القضايا السياسية والإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية ، التي لا يمكن أن تلقى حلولها الناجعة إلا في ظل تحقيق الثورة الديمقراطية البروليتارية التي يجب أن تكون طليعتها من الطبقة العاملة في ظل قيادة الحزب البروليتاري.
من هنا نرى أن للبورجوازية الصغرى الثورية دورا أساسيا في نقل الفكر الماركسي اللينيني إلى الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين من أجل الإنتقال بهم من الوعي الحسي بتناقضاتهم مع الملاكين العقاريين و الكورمبرادور إلى الوعي السياسي و الطبقي ، و لكن بلورة الوعي الطبقي في صفوف الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء و الكادحين لا يجب أن يتم بشكل مباشر إلا عبر طليعتها الطبقة العاملة و بمساهمة البورجوازية الصغرى الثورية ، و طليعة الطبقة العاملة يجب أن تكون الطليعة الثورية و القيادة الثورية لحزب الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، و يصبح آنذاك موقع البورجوازية الصغرى الثورية ثانويا لآن المهمة الأساسية التي يجب أن تنجزها هي بلورة الفكر الماركسي اللينيني لدى الطليعة الثورية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، و بالتالي فإنها لا يجب أن تتحمل المسؤولة القيادية في الحزب الثوري الذي يجب أن يقود مهام إنجاز الثورة .
إن البورجوازية الصغرى الثورية و من بينها المثقفون و الطلبة الماركسيين اللينينيين ملقاة على عاتقهم المساهمة في إنجاز الثورة بنشر الفكر الماركسي اللينيني في أوساط الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء و الكادحين، باعتبار أن غالبية الطلبة بالجامعات المغربية ينحدرون من أوساط الطبقات الشعبية بالبوادي و الأحياء الشعبية بالمدن ، و لكونها تملك المعرفة و هي ثورية فإن مهامها تتجلى في بلورة الفكر الثوري في أوساطها الشعبية بالإلتحام مع الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، إلى جانب نشر الفكر الماركسي اللينيني في أوساط الطلبة و مناهضة الفكر البورجوازي والتحريفية الإنتهازية ، و الدفاع عن مطالب الطبقة التي ينتمون إليها و التي تعتبر بالضرورة مطالب الجماهير الشعبية نظرا لكون الأحزاب البورجوازية الإصلاحية ليست لها مصلحة في التغيير الثوري ، و هي منشغلة بصراعاتها حول مؤسسات النظام القائم للظفر بخدمة مشروعه السياسي الطبقي في كل المجالات السياسية و الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية.

خلآصـــــــــــــــة

تعيش الرأسمالية الإمبريالية اليوم أعمق أزماتها المزمنة باعتبارها نظاما تناحريا يلازمه الصراع الأبدي بين العمل و الرأسمال ، و أبرزت الأزمة المالية العالمية تجليات انهيار الرأسمال المالي المسيطر على السوق التجارية العالمية ، مما دفع الدول الإمبريالية إلى الإسراع لإنعاشه حماية لمصالح الطغمة المالية الإمبريالية على حساب قوة عمل الطبقة العاملة ، عبر تدفق الأموال المسروقة من عرق و دم البروليتاريا في شرايين الشركات الإمبريالية العابرة للقارات و تكثيف استغلال الطبقة العاملة و ضرب المكتسبات التاريخية للحركة العمالية الثورية ، و هبت جماهير العمال و المعطلين و الطلبة إلى شوارع المدن الأوربية (اليونان، فرنسا، البرتغال، إنجلترا ...) للإحتجاج ضد السياسات الطبقية المفروضة على الطبقات الشعبية مما عمق أزمة الرأسمال المالي الذي أوشك على الإنتهيار التام.
لقد عبرت الطبقة العاملة بفرنسا في انفاضتها في أكتوبر 2010 عن قدرتها الجبارة على تحريك الشارع بعد مشاركة الحركة الطلابية و التلاميذية دفاعا عن المكتسبات التاريخية للحركة العمالية الثورية ، مما أعاد إلى الأذهان أهمية ملحمة 1968 بقيادة البروليتاريا إلا أن الإنتفاضة الشعبية لم ترق إلى مستوى الإضرابات الجماهيرية رغم أنها أعطت للرأسمال المالي ضربات قاسية مما عمق أزمته ، و تسارعت التحريفية الإنتهازية من أجل الظفر بنتائج الحركة العمالية الثورية لاستثمارها في السيطرة على السلطة السياسية ، و تسارعت الأحزاب الإشتراكية الإمبريالية لاحتواء احتجاجات الطبقة العاملة و تقديم نفسها لتسيير و تدبير الأزمة المالية بفرنسا ، و بقيت الحركة العمالية عاجزة عن تخطي حدود ثورة 1871 بعد إرشاء الأروستقراطية العمالية مما يؤكد صحة أهمية استقلالية الطبقة العاملة في ظل حزبها الثوري ، الذي يجب أن يقود الحركة العمالية الثورية من أجل إسقاط الرأسمالية الإمبريالية و بناء دولة ديكتاتورية البروليتاريا.

في ظل هذه الأوضاع العالمية تعمل الأنظمة الرجعية التابعة للإمبريالية على تطبيق السياسات الإقتصادية الطبقية المملاة عليها من طرف المؤسسات المالية الإمبريالية ، من أجل ضخ المال في شرايين الرأسمال المالي المحتضر باعتبار الثروات البشرية و الطبيعية بالبلدان التابعة الدعامة الخلفية للرأسمالية الإمبريالية ، و هي صمام أمان الإحتكارية الإمبريالية في علاقتها بالمزاحة الحرة المبنية على المشاريع الصغرى بالبلدان التابعة عبر تطبيق سياسات اقتصادية طبقية تكرس هيمنة الكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار على السلطة السياسية و الإقتصادية ، و لعبت الأحزاب الإصلاحية المسيطرة على النقابات دور المعرقل الأساسي لنضالات الحركة العمالية بدعم من التحريفية الإنتهازية التي لعبت دورها التاريخي في عرقلة المد الثوري داخل الحركة العمالية عبر المساومة مع الأنظمة القائمة بالدول التابعة ، سعيا وراء ذلك إلى الظفر بهامش من السلطة السياسية لتسيير و تدبير أزمة الكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار ، و لم ترق احتجاجات العمال و الفلاحين و المعطلين و الطلبة بهذه الدول إلى مستوى الإضرابات الجماهيرية و تتجاوز الهيمنة البيروقراطية الحزبية و النقابية ، و سرعان ما يتم قمع الإنتفاضات الشعبية و اجتثاثها في عزلة عن بعضها البعض مما يسهل إخمادها.

لقد حطمت الإنتفاضات الشعبية المغاربية و العربية كل الإدعاءات المغلوطة حول أهمية الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية التي تحاول التحريفية الإنتهازية زرعها في صفوف الطبقة العاملة ، عبر نشر المفاهيم البورجوازية حول "نهاية التاريخ" بنشر مقولاتها التضليلية و التعتيمية حول تهاية عصر البروليتاريا و الصراع الطبقي و أهميتهما في التغيير الثوري ، و سجلت الجماهير الشعبية المغاربية و العربية بعرقها و دم شهدائها صفحات لن تمحى دروسها التاريخية العظيمة التي أبرزت بالملموس النموذج الثوري المظفر للجماهير الشعبية أمام طغيان الأنظمة الرجعية بالدول التابعة ، و أكدت أن الوعي الجمعي للجماهير الشعبية عندما يكتمل في الشارع يصبح قوة مادية لا تقهر تسمد صلابتها من دروس التاريخ و تخلق مناعتها ضد الإنهزامية عبر استنباط شعاراتها الثورية من سلب وحي الثورة الأولى ضد الإستعمار القديم في مواجهة الإستعمار الجديد.

إن أهمية العلاقة الجدلية بين الثورة الإشتراكية بالدول الإمبريالية و الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية المغاربية و العربية ، تقودنا إلى أهمية العلاقة الجدلية بين الحركة العمالية الثورية بالدول الإمبرالية و نظيرتها بالدول التابعة ، مما يقودنا إلى أهمية بناء التحالف العمالي العالمي ضد تحالف الإمبرياليين والكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار ، كما أن سيطرة البروليتاريا على السلطة بالدول الإمبريالية رهين بسيطرة البروليتاريا على السلطة بالدول التابعة للإمبريالية في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا ، نظرا لأهمية وقف تدفق أموال البلدان الفقيرة في شرايين الرأسمال المالي مما يوقف تدفق الأموال على الأروستقراطية العمالية بالدول الإمبريالية ، الشيء الذي يعمق الأزمة المالية و يحرر الحركة العمالية الثورية من قبضة التحريفية الإنتهازية و يعجل بقياة الثورات الإشتراكية بالدول الإمبريالية و يحرر الحركة العمالية الثورية بالدول التابعة من قبضة الإصلاحية الحزبية و النقابية ، و يعجل بإسقاط الرأسمالية الإمبريالية و بناء دول ديكتاتورية البروليتاريا بقيادة الطليعة العمالية الثورية.
إن نجاح الثورات المغاربية و العربية لن يتحقق إلا بسيطرة الطبقة العاملة على السلطة السياسية و الإقتصادية و الشروع في البناء الإشتراكي ، و تهافت الأحزاب الإصلاحية على السلطة بعد سقوط الديكتاتوريات عبر ما يسمى ب"حكومة الوحدة الوطنية" ليس إلا مناورة الإصلاحية الحزبية و النقابية لجني ثمار الإنتفاضات الشعبية ، و تبقى التحريفية الإنتهازية على هامش جني هذه الثمار بعدما عملت على عزل الطبقة العاملة عن مهامها التاريخية في قيادة الثورة ، بعدما هبت الجماهير الشعبية بعفوية ضد الأنظمة الكومبرادورية الديكتاتورية ، و يبقى على عاتق الماركسيين اللينينيين الإستعداد التام لمواجهة تحريف الثورات المغاربية و العربية عن مسارها الحقيقي الذي سطرته الجماهير الشعبية بعرقها و دم شهدائها و الذي يتجلى في تحقيق الثورة الديمقراطية البروليتارية اقتداء بثورة أكتوبر العظيمة.






#امال_الحسين (هاشتاغ)       Lahoucine_Amal#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركسية أم ماركسية لينينية ؟ -دحض الفكر التحريفي الإنتهازي-
- أهمية النضال الأيديولوجي و السياسي ضد الفكر المثالي الذاتي ا ...
- عن طبيعة حركة 20 فبراير
- المذهب الماركسي اللينيني أعلى مراحل تطور الدياليكتيك الماركس ...
- المذهب الماركسي اللينيني أعلى مراحل تطور الدياليكتيك الماركس ...
- المذهب الماركسي اللينيني أعلى مراحل تطور الدياليكتيك الماركس ...
- المذهب الماركسي اللينيني أعلى مراحل تطور الدياليكتيك الماركس ...
- المذهب الماركسي اللينيني أعلى مراحل تطور الدياليكتيك الماركس ...
- المذهب الماركسي اللينيني أعلى مراحل تطور الدياليكتيك الماركس ...
- الحركة الماركسية اللينينية المغربية في مواجهة التحريفية الإن ...
- الثورات الشعبية المغاربية و العربية في القرن 21 في مواجهة دك ...
- المعركة الوطنية المفتوحة للمعطلين ترفع راية النضال الثوري با ...
- الثورة التونسية و الثورة المضادة
- جمهورية ديمقراطية أم ملكية برلمانية ؟
- النضال الطبقي العمالي من خلال تجربة المنجميين ب-إيمني- درس ...
- الحركة الشبيبية الثورية المغربية في علاقتها بحركة 20 فبراير
- الحركة الشبيبية في علاقتها بانتفاضة 23 مارس 1965
- الإنتفاضة الشعبية المغربية و مهام حركة 20 فبراير
- أهمية البناء الجماهيري لحركة 20 فبراير
- ما معنى -الشعب يريد إسقاط النظام- ؟


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - امال الحسين - الوضع السياسي الراهن و مهام الماركسيين اللينينيين المغاربة