أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - لن تخبو نار بروميثيوس















المزيد.....

لن تخبو نار بروميثيوس


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3467 - 2011 / 8 / 25 - 22:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قاتل الله السياسة، إنها حمقاء غبية فلنتركها في غيها، علينا بالشعر إذن ياعزيزي، فلنقلب معاً صفحات في كتابه ولنتأمل معاً بعضاً من كلماته، نعم إنه الشعر وماأحوجنا إليه، عله يخرجنا من صحراء السياسة القاحلة وأجواؤها الخانقة وأفاعيلها المتخلفة، فلنلق بأنفسنا معاً في أحضانه، ولننعم في فضاءاته ودروبه، ولقد جربت ذلك وحدي مرات كانت آخرها في مقال الأربعاء الماضي حين اتخذت شاهداً من أعمال فاروق جويدة، مفتتحاً لمقال عن مفهوم الزمن مابين العلم والأدب، كنت أعرف طبيعة ما أتناوله ومدي صعوبته علي البعض أو بعده عن دوائر إهتمام البعض الآخر، وما إن بدأت بالشعر وكأنني من حيث لاأدري فتحت كوة في جدار متهالك فانسابت شلالات الماء العذب لنهر الأحاسيس المرهفة الذي طالما اختبأ وراءه وتخفي خلف جدران نفوسنا المتعبة وأذهاننا المرهقة وتهاويم حياتنا الملتبسة وأحلامنا المفارقة وأمانينا الجمعية المجهضة، وإذا برسائل القراء وتعليقات الأصدقاء كلها عتاب: لماذا لاتكتب عن الشعر أكثر، ولماذا قدمت لنا فاروق جويدة في مشهد إفتتاح ثم غادرت بنا مسرعاً دون حتي كلمة تشفي غليل المعاني وتثلج الأفكار وتداوي جراحات التردد والتردي والتشظي والاغتراب، غادرتنا مسرعاً إلي حيث العلم والفكر والفلسفة، ليتك توقفت بنا قليلاً في محطات الشعر والأدب. ورغم أنني ختمت مقالي بالشعر أيضاً إلا أنه لم يكن فيما يبدو كافياً، فمكابدة التصحر والجفاف كانت سبباً في زائد الطلب وفائض الشوق لنسمة الجمال وموسيقي الأشعار، وعذوبة الكلمات كانت أكبر من إزجائها ببعض الفتات العاجل من دفقات البديع وسامق الرقي ورائع الخيال.

أذهلني هذا الفيض التفاعلي الحميم وعلقت في ذهني بضع كلمات وتجلت أمامي بضع أفكار، هاهي تقفز الآن فوق الأوراق وبين السطور تستجيب وتدفع وتحفز وتحرض علي إتيان فعل الشعر واستحضار أجوائه وأسراره وأغانيه، وتلمس دعاواه ودلالاته ومراميه وتفهم ضروراته وسياقاته ودواعيه. إنه الشعر، فليكن.

وتطلعت إلي رفوف مكتبتي حيث الشعر يتجاور في حنو ووداعة مع الموسيقي العالمية، وتلمست أصابعي بعض دواوينه حيث أودع عبد الوهاب البياتي عميق أفكاره وأسراره، تصفحت علي عجل وتحيرت، هل نقرأ معاً ديوان "ملائكة وشياطين " أم "أباريق مهشمة، أم المجد للأطفال والزيتون، أم رسالة إلي ناظم حكمت، أم أشعار في المنفي، أم عشرون قصيدة من برلين، أم كلمات لا تموت، أم سفر الفقر والثورة، أم النار والكلمات، أو الذي يأتي ولا يأتي، الموت في الحياة، بكائية إلي شمس حزيران والمرتزقة، الكتابة علي الطين، يوميات سياسي محترف، أم قصائد حب علي بوابات العالم السبع، سيرة ذاتية لسارق النار، كتاب البحر، قمر شيراز، صوت السنوات الضوئية، بستان عائشة، كتاب المراثي، الحريق، خمسون قصيدة حب، البحر بعيد أسمعه يتنهد، أم ينابيع الشمس. تحيرت وتلفت حولي، في الركن القريب كانت تجلس رفيقة الدرب والعمر ورحلة الشروق والفكر والأسفار، زوجتي، وفي ابتسامة ذات مغزي قدمت إلي الأعمال الكاملة لعبد الوهاب البياتي حيث فيها قصاصات الورق الصفراء و"الروز" التي اعتدت وضعها علامات علي قصائد أعجبتني أو كلمات استوقفتني. إنه الشعر إذن، وهاهي الوصفة فاقرأ معي بعض كلماته في" سيرة ذاتية لسارق النار":

داروا مع الشمس فانهارت عزائمهم

وعاد أولهم ينعي علي الثاني

وسارق النارِ لم يبرح كعادته

يسابق الريح من حان إلي حان

ولم تزل لعنةُ الآباء تتبعه

وتحجب الأرض عن مصباحه القاني

فلتلعب الصدفة العيماء لعبتها

إذا عادوا بخيبتهم

وعاد أولهم ينعي علي الثاني

هكذا تكلم عبد الوهاب البياتي، وسواء جاءت كلماته بالخاص والرمز والإشارة إلا أنها حملت في طياتها دليلاً من ذلك الهم الإنساني العام الذي حمله فوق سني عمره وعلي امتداد مسيرته وعمق تجربته وثراء مشروعه الشعري الحداثي الكبير، هم اقتحم عليه ذاته وشغل باله وصهر أفكاره وأصقل عباراته، فأرق ضميره وسكن فؤاده وصبغ كلماته وامتلك عليه نفسه وقض مضاجعه.

في أبياته ربما قصد البياتي أن يعري أولئك المتسلقين المتطلعين من الساسة والشعراء والمثقفين ومن المتنفذين والطامعين، أولئك الذين تبهرهم الأضواء إينما كانت، وكعباد الشمس داروا مع الشمس في كل مداراتها، أكلوا علي كل الموائد وغيروا جلودهم لكل مرحلة وتربحوا وبشموا ولم تفني العناقيد، لكنهم في رحلتهم ودوارهم انهارت عزائمهم، فهم يبهرهم النور دون أن يغشي قلوبهم المظلمة ونفوسهم الصدئة، يأخذهم ظاهر الأشياء لاجوهرها، يغريهم المبني ولا يعرفون المعني، يحركهم التطلع دون مسوغ من معرفة أوعلم، اللهم إلا التبعة لمن غلب والتمسح في أعتاب السلطة، هم لايفرزون إلا مخالب التسلق والتقرب والزلفي، وفي ذلك يهدرون كل قيمة ولايعاقرون إلا القبح، فإذا غنموا فنعمي هي وإذا غرموا راح كل منهم ينعي علي الثاني ويحمله تبعات فشله ومغبة سقوطه. إنها قصة كل يوم، قصة أعداء النجاح المتطلعين بلاكفاءة أوقدرات، ولقد عاني البياتي منهم كثيراً مثله في ذلك مثل كل النابهين والقادرين والمبدعين، ذلك أننا في بلاد تضيق بالكفاءات وتطارد المميزين، بلادنا لاتحفل إلا بالمسطحين العاطلين عن كل موهبة الواقفين علي أنصاف المسافات وحول الفلاشات.

أما سارق النار " بروميثيوس" فهو العالم قبل العلم والعارف قبل المعرفة وهو العظيم الذي تبوأ موقعه في الأسطورة اليونانية إلي جوار آلهة الأولمب "زيوس" ورفاقه الذين حالوا دون امتلاك الإنسان جذوة المعرفة وقبس العلم " النار المقدسة" فأخذها بروميثيوس وأعطاها لبني البشر شعلة مقدسة تفتح أمامهم باب الطموح والخلود والقوة والترقي والحكمة والتعلم. ومن أسف حكمت عليه الآلهة بالتيه والعذاب والطرد من جوارها الأعلي، ورغم أنه فعل مافعل من أجل البشر، إلا أنهم تخلوا عنه وتركوه وحيداً وذهبوا يقدمون قربانهم لآلهة رخيصة مخادعة مزيفة لاتحفل إلا بمصالحها وملكوتها. إنها قصة البشر في أرزل طباعهم، يتمتعون بما قدمه بروميثيوس بينما هو في المنافي والسجون والغربة، كلما أوقد مصباحه أطفؤوه بجهلهم وغبائهم وحقدهم وسوء منبتهم ودنئ أخلاقهم. بروميثيوس إذن ليس أسطورة فحسب، هو واقع يكابده أصحاب الرسالات والسالكين في محراب العلم والفكر والإنسانية والوطن. وأبداً لن تخبو نار بروميثيوس، ولعل الصدفة العمياء تلعب لعبتها.

عبد الوهّاب البياتي شاعر وأديب عراقي (1926 - 1999) وهو ناظر مدرسة الشعر الحديث في العراق ومؤسسها مع نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وشاذل طاقة، وهو صوت تكامل مع مدرسة شعر التفعيلة المصرية العربية وروادها صلاح عبد الصبور ومحمود درويش ونزار قباني وسميح القاسم وأمل دنقل وملك عبد العزيز ومحمد عفيفي مطر وبلند الحيدري وسعدي يوسف وأدونيس وفدوي طوقان.

البياتي كان مسكوناً بهاجس التاريخ وأزمة المادية الجدلية وديالكتيك الفكر وعمق التراث وقضايا الوجود والحرية، إمتزجت في كيانه وأشعاره إشراقات الصوفية والرمزية إلي جانب الأسطورة والثقافة الكوزموبوليتية. البياتي ينبوع الشمس الناسك في مملكة الرب وقف علي بوابات العالم السبع يكتب قصائده وجاوب صداه أشعار لوركا وآراجون ووليم بانكر ييتس وبول إيلوار وتوماس ستيرنر إليوت وناظم حكمت وبوشكين وبابلو نيرودا وشاندور بيتوفي ورفائيل ألبرتي ويفتشنكو. كان البياتي ترجمان الأشواق في تحولات محي الدين بن عربي ورسائل الإمام الشافعي ورفيق الحلاج في أسفاره إلي الله، حيث يقول:

لماذا يا أبتي أنفي في هذا الملكوت؟

لماذا تأكل لحمي قطط الليل الحجريِّ الضارب في هذا

النصف المظلم من كوكبنا؟

ولماذا صمت البحر؟

هذا عصر شهود الزور؟

في منتصف الليل يغيب النجم القطبي وينبح قمر الموت

لماذا يا أبتي صمت الإنسان؟

ولماذا يا أبتي صُلب الحلاج؟ت

كل الفقراء اجتمعوا حول الحلاج وحول النار

في هذا الليل المسكون بحمي شيءٍ ما

قد يأتي أو لا يأتي من خلف الأسوار



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام التعليم العالي وخطاياه
- مطعم القردة الحية
- صفحات في ذاگرة التراث
- ذهنية -خراسان- وأصولية السياسة
- أقروا الماجنا كارتا وخذوا كل المقاعد
- إنتاج وإدارة المعرفة
- »فصل المقال فيما يكتب عن الدستور أو يقال
- ضرورات الثورة ومحاذير الفوضي
- الكومبرادور يحاول إغتيال الثوره
- إستراتيچيات المشروع العلمي للثورة
- الزمن ما بين نيوتن وجويدة
- عن الثورة وجمال عبد الناصر
- من الثورة إلى النهضة..كيف؟
- إنتروبيا العلم والسياسة
- التعليم واقتصاد المعرفة
- العلم شفرة النهضة ورهانها
- براءة الثورة ودهاء السياسة - المجلس العسكري والثورة مابين مط ...
- ثورة تبحث عن مؤلف .. (علي المجلس العسكري أن يتحمل مسئولياته ...
- -جمعة كشف المستور والبث التجريبي لدولة الخلافة‮-..  ...


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - لن تخبو نار بروميثيوس