أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - أوهام التعليم العالي وخطاياه















المزيد.....

أوهام التعليم العالي وخطاياه


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3465 - 2011 / 8 / 23 - 23:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا شك أننا مجتمع ثري في حياته وتراثه وتنوُّع أفكاره وشخوصه وعاداته وسلوكياته وسياساته وأيضًا مفارقاته، ولا أتجاوز الحقيقة بادعاء أن المفارقة هي السمة الأكبر في مصرنا المعاصرة، فأينما تُولِّي وجهك فثمة مظاهر التقدم ومظاهر التخلُّف، القبح والجمال، النظام والعشوائية، الأصالة والمعاصرة، القديم الكلاسيكي والحديث العصري، الثقافة والجهل، القمة والقاع في تعايش قلَّ أن تجد مثيله في أيٍّ من الدول الكبرى والمتقدمة.

وبمثل هذا القدر تجد على ألسنة البعض مقولات تفلسف مشكلاتنا وقضايانا المعاصرة، يعيدون ويزيدون في ترديدها ورفعها عناوين لبعض أزماتنا ومشكلاتنا ويصورون لك أن فيها الحل والإصلاح والتقدم، وهي في حقيقتها لا تعدو أن تكون عناوين مضللة ومفاهيم خاطئة واستدلالاً في غير موضعه، وتوجهًا فيه الضياع والتخلُّف لا كما يؤكِّدون باعتباره الحل والتقدم، إنها ظاهرة من مظاهر التخلُّف تسمى «ذُهان المعرفة» حيث يصور الوهم للمسؤول أنه عارف بكل بواطن الأمور، فيلتقط كلمة من هنا أو كلمات من هناك لمجرد أنها أعجبته فصار مأخوذًا بجدتها وترديدها دون فهم مستفيض لمعانيها ودلالاتها ولا معرفة لحدودها وأبعادها ولا تقدير لسياقها وظروفها وملابساتها، وهنا تكمن المفارقة.


ولقد هالني تصريحات وزارية وحكومية تضع تطوير التعليم العالي مرادفًا للوفاء بمتطلَّبات سوق العمل أو تعلّق تقدم البحث العلمي على اكتشاف الموهوبين والمخترعين والمبدعين من الشبان والباحثين، وفي ذلك وضع للعربة قبل الحصان، وهي مغالطات في بنية فكر التحديث والنهضة ومقولات تؤكد «ذُهان المعرفة» وتنفي قدرتنا على تشخيص أزمة التعليم العالي والبحث العلمي، ناهيك عن وضع الحلول لها، وهي تنذر بعدم فهم لطبيعة إشكاليات التنمية ومقوِّمات التحديث والنهضة، وهي عناوين تكرس «لبغبغة» فكرية لا معنى لها ولا أمل لتقدم بها، إذ هي انعكاس لفكر استاتيكي ينظر تحت الأقدام ولا يخاطب فعل المستقبل واحتماله، فكر سقيم يكرس لحاكمية السوق وتسليع البشر وتعليب الكوادر والنظرة إلى المستقبل بمنطق السماسرة والبائعين وأصحاب التوكيلات.


إذ كيف نسلِّم بأن تكون متطلّبات سوق العمل هي المحدّد لشكل وطبيعة وفلسفة وأهداف ووظيفية التعليم؟ سوق العمل مهما اتسعت آفاقها أو تشعَّبت دروبها، لا تزال محدودة في مجتمع نامٍ ودولة من العالم الثالث، بينما ينبغي أن تربط السياسات التعليمية وبنائية منظومة التعليم ووظيفيتها بخطط تنموية طموحة في إطار مشروع أكبر للنهضة يتحوَّل معها التعليم العالي والبحث العلمي إلى المحور الرئيسي في علاقات الإنتاج، وتكون فيه السياسات التعليمية هي المتغير الأساسي في معادلة التطوير والتحديث والتنمية، لا المتغير التابع لسوق العمل ومتطلباتها المحدودة والمتخلفة بطبيعتها وظروفها عن مثيلاتها في الدول الصناعية الكبرى والمتقدمة.



التعليم العالي والبحث العلمي هما قاطرة التنمية والتحديث والنهضة والتي ينبغي ربطها لا بسوق العمل وإنما باقتصادات ما بعد الحداثة في الدول الكبرى، وهي اقتصادات المعرفة، أي ربطها بإقامة مجتمع المعرفة، أي مجتمع إنتاج وإدارة المعرفة، بمعنى أن تتوجه سياسات التعليم العالي والبحث العلمي إلى الاقتصاد المبني على المعرفة، بما يشمل توطين وتطوير التكنولوجيا وإحداث نقلة نوعية في الاقتصاد وتحديث الصناعة ورفع تنافسية المنتج المصري وتحويل المعادلة الحدية للإنتاج في المجتمع من موازنات رأس المال العيني: المصانع والماكينات والمنشآت وتكاليف خطوط الإنتاج وسوق العمل، إلى رأس المال الفكري، أي الكوادر المؤهلة والاختراعات والإبداعات والتكنولوجيات الحديثة وبراءات الاختراع ووديان العلوم والتكنولوجيا والمدن الصناعية وجميع مخرجات ما بعد الحداثة، هكذا تصبح السياسات التعليمية هي الموجه للاقتصاد والحاكم لطبيعة ونوع سوق العمل، وبالتالي فائض القيمة الضخم الذي يعني طموحات التنمية وتفوُّق آلياتها وليس العكس.

وهكذا تكون على منظومة التعليم العالي والبحث العلمي صناعة المبدعين والمخترعين لانتظار الصدفة لاكتشافهم ومحاولة توظيف إمكاناتهم وقدراتهم.
علينا وضع الخطط اللازمة لصنع المبدعين والمخترعين، وهي خطط معروفة ومدروسة وناجحة، وسبق تجريبها في كل من كوريا والصين واليابان وماليزيا، ويمكننا الكتابة عنها تفصيلاً في مرات قادمة. أما الأفكار المسلوقة على عجل، أفكار «التيك أواي» فهذه لا تصلح عنوانًا لتطوير التعليم وتحديثه، بل تصلح عنوانًا على ذُهان المعرفة، وأوهام التقدُم وخطايا سياسات التعليم العالي والبحث العلمي.


أما الوفاء بمتطلَّبات سوق العمل فهو واحد من الخطط القصيرة المدى التي تضطلع بها مؤسسات وزارة التجارة والصناعة مثل مصلحة الكفاية الإنتاجية ومثل مجلس التدريب الصناعي في اتحاد الصناعات ومراكز التأهيل المهني والإنتاجي ومؤسسات التعليم الفني، وهي ليست خططًا بعيدة المدى لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي التي ينبغي أن يكون دورها أكبر من ذلك وأهم في وضع خطط بعيدة المدى للتنمية واقتصادات المعرفة، وبالتالي وضع البرامج والسياسات التعليمية للوفاء بشروط النهضة وليس العمل سمسارًا للكوادر ومكاتب «مخدمين» فيما يسمى بالتعليم التبادلي، وهو واحد من العناوين المضللة والسياسات الوهمية التي تكرس لتخلف التعليم وضياع المستهدف من ورائه.



التعليم التبادلي قامت فكرته في الدول الصناعية الكبرى على المزاوجة بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي، وهو برنامج معمول به في مؤسسات وزارات الصناعة والتجارة وليس التعليم العالي، وهو على غرار نظام التلمذة الصناعية الذي كان معمولاً به في الترسانة البحرية والسكك الحديدية ومصانع الحديد والصلب ومصانع النحاس المصرية وفنادق وزارة السياحة المصرية، وهو يؤهل الدارسين للقيام بمهام العمالة الفنية الماهرة والمدربة، ما يدرسه نظريًّا يقوم بتطبيقه عمليًّا وليس لوزارة التعليم العالي في أي دولة متقدمة دخل أو دور فيه، هو مسؤولية الصناعة وإحدى أدواتها لتنمية قدرات ومهارات العاملين فيها.
أما وزارة التعليم العالي المصرية فقد اخترعت حديثًا ذلك البرنامج ضمن خلطتها السحرية غير المدروسة والمصنوعة على عجل لمجرَّد طرح مسميات تؤكِّد قدرتها على الابتكار والاختراع، وما هي إلا دليل على وهم ذهان المعرفة والتباس الرؤى وخلط الأفكار وتضارب المعايير، قامت فكرة الوزارة على أن يدرس الطالب «ترم» أو سنة دراسية في الجامعة، ثم يقوم في الترم التالي أو السنة التالية بالتدريب العملي في الصناعة، فمثلاً طلاب كلية السياحة والفنادق يطبق عليهم هذا البرنامج الفاشل الذي يصرخ الطلاب وأولياء أمورهم منه، إذ أقبل عليه الطلاب لأنه يعطيهم مكافأة شهرية قدرها أربعمائة جنيه شهريًا مقابل التدريب العملي والذي يرتِّب لصاحب العمل أن يتحكَّم في 50% من درجات الطالب، وماذا كانت النتيجة؟ صاحب العمل يضع شروطًا مجحفة لساعات العمل ونوعيتها بما يحقق له أقصى استغلال لطاقات الشباب الدارسين ووضعهم تحت ضغوط التشغيل المجحف والخصومات وسيف الرسوب في درجات التدريب العملي بما يحولهم سخرة وعمالة رخيصة تمتهن كرامتها ولا تؤمن لها حقوقها، ذلك لأن التعليم التبادلي فكرة تلفيقية هي أشبه بمتعهدي التشغيل والسمسرة في توظيف العمالة وليس التعليم والتدريب، إذ يلزم لنجاح الفكرة أن تكون المؤسسة القائمة عليها واحدة تتبع الصناعة وليست تعاقدًا جائرًا يتم التلاعب في شروطه بين وزارة التعليم العالي التي ليست هذه مسؤوليتها ولا مناط عملها وبين رجال أعمال وأصحاب عمل مهمتهم الأولى تعظيم الربحية بصرف النظر عن توابع ذلك وتداعياته.


الوفاء بمتطلَّبات سوق العمل عنوان لن تصافحه عيناك إلا في الدول العربية والأفريقية والتي قصد الغرب إلى تكريس تخلُّفها الصناعي وتعويق تقدُّمها لتظل سوقًا لإنتاجه ومستهلكًا لمخرجات صناعاته ومعارفه ومستنزفًا لمواده الخام وموطنًا لصناعاته الملوِّثة للبيئة. متطلبات سوق العمل عنوان زائف وخطيئة لا تقل عن مقولة اكتشاف المواهب والموهوبين الذين ينبغي صناعتهم منذ الصغر وتكوين عقولهم ومهاراتهم وإمكاناتهم في منظومة تعليمية حداثية واعية لا تعاني ذُهان المعرفة وخطأ التوجه وخطيئة التثاقف وادعاء العلم والمعرفة



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطعم القردة الحية
- صفحات في ذاگرة التراث
- ذهنية -خراسان- وأصولية السياسة
- أقروا الماجنا كارتا وخذوا كل المقاعد
- إنتاج وإدارة المعرفة
- »فصل المقال فيما يكتب عن الدستور أو يقال
- ضرورات الثورة ومحاذير الفوضي
- الكومبرادور يحاول إغتيال الثوره
- إستراتيچيات المشروع العلمي للثورة
- الزمن ما بين نيوتن وجويدة
- عن الثورة وجمال عبد الناصر
- من الثورة إلى النهضة..كيف؟
- إنتروبيا العلم والسياسة
- التعليم واقتصاد المعرفة
- العلم شفرة النهضة ورهانها
- براءة الثورة ودهاء السياسة - المجلس العسكري والثورة مابين مط ...
- ثورة تبحث عن مؤلف .. (علي المجلس العسكري أن يتحمل مسئولياته ...
- -جمعة كشف المستور والبث التجريبي لدولة الخلافة‮-..  ...


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - أوهام التعليم العالي وخطاياه