أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - التعليم واقتصاد المعرفة















المزيد.....

التعليم واقتصاد المعرفة


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3450 - 2011 / 8 / 8 - 09:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لاأشك أننا أمام مسرح مفتوح لعالم مختلف، أهم ثوابته هو التجدد والمفاجآت والدهشة، وقانونه الحاسم هو تسارع معدلات الأداء والإبداع والحركة، ولايمكن اعتمادك لاعباً علي مضماره إلا إذا تجلت قدرتك علي الاستجابة والإضافة وسرعة التفاعل والمبادرة، إنه عالم لايعبأ بالقاعدين من المتفرجين والمتلقين غير المشاركين، عالم ليس لديه وقت للمماحكات والاستجداء والشفقة، إنه عالم مشغول بظواهره وإبداعه، واقتصاد المعرفة هو واحد من أهم هذه الإبداعات.

والمعرفة مفهوم تاريخي قديم يكاد يكون عمرها بعمر الإنسان، وهي بطبيعتها تراكم ودينامية وتجدد، ولقد شبه بعض الباحثين المعرفة بالنقود أو الإلكترونات، لايمكنك الشعور بقيمتها إلا إذا دخلت إلي حيز الفعل والتأثير والتحفيز والحركة، والمعرفة في كل الأحوال لاتنضب ولايتناقص حجمها أومحتواها بالإستخدام، بل ربما تزايدت وأخصبت ونمت كلما خضعت للتوظيف والمشاركة والتبادل والاستثمار.. ومنذ تسعينيات القرن العشرين ومع بزوغ ثورة الإتصالات والمعلوماتية اتجهت حركة العالم أكثر فأكثر نحو إقتصاد المعرفة، حيث تحول رأس المال الدافع للإنتاج في هذا الإقتصاد الجديد من عملة ونقود وتوريق ومستلزمات إنتاج إلي أفكار وإبداع واختراع وتكنولوجيات حديثة. فإذا كان عصر الثورة الصناعية قد أوجد الثروة عبر استثمار الآلة عوضاً عن الإنسان، فإن الاقتصاديات الجديدة قد ردت الاعتبار لهذا الإنسان واعتمدت في تكوين الثروة علي معارفه وإبداعاته التي راكمها عبر تاريخ طويل من التجريب العلمي ونواتجه وتطبيقاته.

وبمعني آخر فقد كانت الأرض والعمالة ورأس المال هي العوامل الأساسية للإنتاج في الإقتصاد القديم، فأصبح العنصر الحاكم في الإقتصاد الجديد هو الفكر والمعرفة والتقنيات الحديثة والابتكار والذكاء ونظم المعلومات، هذا معناه أن المعرفة وبكافة صورها ومصادرها ومحتواها أصبحت هي المحرك الرئيس للنمو الإقتصادي، وليس هناك مصدراً لتوليد المعرفة أكبر أو أهم من البحث العلمي سواء في جوانبه الإنسانية من فلسفة وآداب وتاريخ وفنون وعمارة أوعلومه الأساسية من رياضيات وفيزياء وكيمياء، وعلومه التجريبية من تكنولوجيات حيوية وتكنولوجيا المعلومات والبيولوجيا الجزيئية والهندسة الوراثية وتكنولوجيا الطاقة الذرية وعلوم الفضاء ووسائط المعرفة والنواتج والبرامج الرقمية، وبدءاً من فهم وتوظيف مكونات الخلية ومحاولة إعادة تركيبها وإنتاجها، حتي صنع حواسيب عملاقة من أغشية بيولوجية ومواد نانومترية " متناهية الصغر" جديدة.

وكما يري أستاذ الإدارة العلمية الأمريكي " بيتر دراكر" فقد تحول العالم باقتصاده الجديد إلي صناعات معرفية، الأفكار ونواتج البحث العلمي منتجاتها، والبيانات والمعلومات هي موادها الأولية، والعقل البشري بقدراته ومبادراته هي ماكيناتها العملاقة وآلياتها.

هذا هو إقتصاد المعرفة Knowledge Based Economy

حيث القيمة المضافة مؤشراً علمياً وليس إنتاجياً فقط، يساهم في تطوير التصنيع والإستثمار وفي زيادة الدخل القومي العام ودفع عجلة التنمية المستدامة باستيعاب عمالة جديدة مؤهلة في خطوط إنتاج حديثة، وصناعات نظيفة قادرة علي المنافسة والمشاركة في اقتصاديات العالم المتقدم.

وفي هذا السياق بزغت مفاهيم الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية التي تشكل المعرفة جوهرها وقوتها المحركة. وهنا تبدت الأرباح الفلكية، فلم تعد القيمة المضافة هامشاً بسيطاً مقابل التكلفة ولكنها صارت أرقاماً ضخمة ناتجة عما أضيف إليها من معرفة، هي بالأساس قيمة علم وتكنولوجيا واختراع وإبداع وابتكار. وكما تري فإن التحول إلي إقتصاد المعرفة هي واحدة من ظواهر عالمنا المعاصر وإبداعاته.

في دراسة للبنك الدولي عام 2005 يري الباحث الاقتصادي الشهير "كيرك هاملتون" أن ثروات العالم الإقتصادية تنقسم إلي نوعين، الأول هو الثروات المحسوسة التي لها طبيعة فيزيائية مادية مثل البترول والمعادن، والبني التحتية من مدن وعمارة وطرق ومؤسسات إنتاج وجامعات ومعامل ومنتجات سلعية ومعدات وخلافه، أما النوع الثاني فهو الرأسمال الإنساني مثل مهارات الأفراد وتأهيلهم العلمي ومستوي الثقة بين مجتمع ما وبين مؤسساته ونوعية هذه المؤسسات، ومدي الالتزام بالقانون، ومستوي فاعلية النظام التعليمي في إنتاج كوادر وطنية ماهرة وحقوق الملكية الفكرية للمؤلفات والابداعات الثقافية والاختراعات.

في دراسته يشير هاملتون إلي أن 80٪ من ثروات الدول الأكثر غني في العالم هي ثروات تتعلق بمهارات الإنسان ومدي علمه وكفاءته وثقافته، وهي رهن بفاعلية النظام التعليمي الذي يؤهله، وعلي العكس، فإن أي اقتصاد تسود فيه ثقافة الفساد ويعاني من تخلف مؤسساته التعليمية لا ينتج إلا الفقر والتخلف، ومهما كانت ثرواته الطبيعية كبيرة ومتراكمة.
إذن وكما كتبت لك من قبل، فإن منظومة التعليم والبحث العلمي هي المصدر الأساس لتوليد المعرفة التي أصبحت في الاقتصادات الجديدة هي كل مانشتريه ونبيعه ونستعمله، ولقد أصبحت عناصر رأس المال الفكري أو القوة العلمية الناعمة من مهارات وقدرات وخبرات وثقافة أفراد وأفكار وقواعد بيانات وتدريب وأبحاث ودراسات وبراءات إختراع وتقنيات، هي الأصول المعرفية أو قوة العقل التنظيمية، وهي عوامل الإنتاج الأكثر أهمية لاقتصاد المعرفة وهي المحرك للتقدم والتنمية. وحتي تزدهر هذه القوة الناعمة فهي تحتاج إلي استراتيجيات جديدة ونظم إدارة علمية حديثة، وحتي مفردات لغوية جديدة، لإعادة هيكلة نظامنا التعليمي وتحديث مؤسسات البحث العلمي وإعمال نظريات الإدارة العلمية ومدارسها الحديثة من جودة شاملة T.Q.M. وشروطها، وإعادة الهندسة Re-engineering وابتكاراتها ومنظومة القوة الناعمة Intellectual Capital وإبداعاتها.. وبشكل أو بآخر فإن عولمة الاقتصاد قد وضعت كافة الدول سواء الصناعية الكبري أو النامية أمام خيارات صعبة، حيث أكتشفت أن البني والهياكل التقليدية للتعليم كالمدارس والجامعات ومراكز الأبحاث ليست قادرة وحدها علي هذا التحدي دون إستحداث بني مكملة وآليات قادرة علي الإبتكار Innovation وإحتضان الأفكار ومواهب الإبداع، ولابد من استحداث مؤسسات جديدة من المدن التكنولوجية Techno-parks ووديان العلوم Science Parks ومراكز التميز العلمي Centers of Excellence والحاضنات التكنولوجية Incubators

وتجمعات صناعة المعرفة وحاضنات رواد الأعمال.. وهكذا العالم من حولنا يتجدد ويتغير ولا يترك مجالاً للمصادفة والاحتمال، بل يظل أبداً في عمل مؤسسي منتج ومبهر ودءوب، وهو نادراً مايستقر علي حال ثابت أو وتيرة معروفة ولو للحظة، فاللحظة زمن ومهما كان قصيراً أو محدوداً، فهو يساوي الكثير لدي من يعرفون أن الزمن دالة للتغير ودلالة للتقدم وعلامة علي التطور، لذا فالعالم لايفتأ يغير قواعد اللعبة كل حين، فإما أن تكون قادراً علي اللحاق بالركب أو تكونن من القاعدين والمهمشين، وهذا وضع كلفته أكبر من أعباءه والتزاماته، فالتهميش أمر يناقض تاريخ دولة محورية في إقليمها مثل مصر، التي هي دور قبل موقع ومكانة قبل موضع، وهي نموذج قبل واقع وهي موعد مع القدر ومهما تباطأت بها الأحوال والمقادير والأيام.
وللدخول إلي ذلك الفكر المتقدم للعمل في إطار علوم إقتصاد المعرفة، ومواكبة ذلك العالم المتجدد، يتحتم علينا إجراء عملية تحديث منهجية لمنظومة التعليم والبحث العلمي تؤسس لثقافة الإبداع والإبتكار، فتحوله من تعليم ناقل إلي تعليم عاقل، ومن ثقافة الإيداع إلي ثقافة الإبداع وتنمية القدرات النقدية والتحليلية بديلاً للحفظ والاجترار، لابد من خطة مؤسسية تنمي مدارك الوعي وأسس التفكير ومنهجية التعلم وتأسس لبناء القدرات وتنمية المهارات وتخلق الوعي بمفاهيم الحداثة والمعاصرة وسرعة الإستجابة والمبادرة، وتراعي النظم العلمية الحديثة في إدارة مؤسساتنا العلمية، وتوظيف إمكانات كوادرنا وقدراتنا في إطار رؤية استراتيجية لا مبادرات إحتفالية تتسم بطابع الشكلية والموسمية وانعدام الكفاءة والإرتجال.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم شفرة النهضة ورهانها
- براءة الثورة ودهاء السياسة - المجلس العسكري والثورة مابين مط ...
- ثورة تبحث عن مؤلف .. (علي المجلس العسكري أن يتحمل مسئولياته ...
- -جمعة كشف المستور والبث التجريبي لدولة الخلافة‮-..  ...


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد السعدنى - التعليم واقتصاد المعرفة