أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بوية محمد الاغظف - العقل السياسي عند العرب ....الجزء الاول















المزيد.....



العقل السياسي عند العرب ....الجزء الاول


بوية محمد الاغظف

الحوار المتمدن-العدد: 3459 - 2011 / 8 / 17 - 18:23
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


 الفهم الفقهي للمتغيرات السياسي :
يشكل الإسلام بالنسبة للفقيه، النموذج المستحضر للعدالة وإحقاق الحقوق إذ أن الفقيه يعتبر المثقف الباني، حامي المعتقد الديني والساهر على تطبيقه بل إنه الرقيب المخول له الحافظ على السلطة السياسية، إن الفقيه بهذا المعفى يضفى الشرعية على أي نظام سياسي لبيان مدى مطابقته للشريعة أو الإبتعاد عنها. لكن مهما كانت رؤية الفقيه، فقد كانت العلاقة دائما في توتر مع الفاعل السلطوي أو السياسي الحاكم الذي سعى دائما إلى استتباع الفقهاء، بالترغيب تارة أو بالترهيب، بحسب الاقتضاء.
ينطلق الفقيه من مسؤولية أخلاقية اتجاه الإسلام وتطبيقاته، فعلى الرغم من مشاركة الحاكم للفقيه في الإدعاء لنفسه خلافة الرسول، وأعطى نفسه لقب "الخليفة" يتمسك الفقيه بحديث "العلماء ورثة الأنبياء" وبالرغبة الأكيدة في دراسة وفهم الواقع السياسي ومتغيراته.
لقد عرف مسار السلطة السياسية تغيرات عدة، وانعرض عقد الخلافة الإسلامية ودخلت الدولة الإسلامية في متاهات الصراع والمنافسة والإحتكام القانون الغلبة والعصبية وعلى الرغم من ذلك ظهرت محاولات إصلاحية ومحاولات لتوضيح الرؤى والمواقف والتصورات.
من أبرز هذه المحاولات لفهم المتغير السياسي ما اصطلح عليه بفقه الأحكام السلطانية، وهو «فقه عصور الإنحطاط والأزمة، وتشريع دولة الحكام والمتغلبين غير الشرعيين والملاحظ أن مؤلفات الفقهاء هؤلاء تبدأ بعرض مسهب عن الإمامة والخلافة وشروط إقامتها وصفات ومؤهلات من ينتخب لها. بإحاطة سريعة ومقتضبة لما جرى يوم "السقيفة" مع إيراد الأحاديث المعروفة والمتداولة حول الخلافة في قريش، ثم يتم الانتقال للبحث المسهب في صلاحيات السلطان...».
كتاب ومؤلفي الأحكام السلطانية، قدموا حلولا لإشكالية الحكم والتغيرات السياسية الذي عرفها الفكر السياسي العربي، ومن أبرز المؤلفين الباحثين والذي كان له الباع الطويل في مجال الفقه وأحكامه ودراسة السلطة السياسة الإسلامية ورهاناتها والفقيه والعالم "الماوردي" ولقد حاول إضفاء طابع التجربة على كتابه الذي اعتبر من قبل الباحثين عصارة فكره السياسي وخلاصة خبراته النظرية والميدانية لمعالجة الوضع المضطرب للأمة في عصره، في ظل ضعف الخلافة وتسلط البويهيين، لقد بدأ الماوردي منطلقا من الخلافة الإسلامية التي كانت محور انطلاقته باعتبارها الشكل التاريخي للسلطة في الإسلام، ساعيا لتقويتها خوفا من زوالها بالانقسام وتعدد الآراء، ويلاحظ أن الكتاب حافل بالنصائح والتحذيرات من مغبة استمرار الواقع السياسي الفوضوي في العهد العباسي في ظل ضعف الخليفة أي السلطة المركزية وتسط الأمراء البويهيين، إذ أن المحرك الرئيسي فكرة المحافظة والحرص على استقرار السلطة ملتزما بفقه أهل السنة، إضافة إلى أهمية الكتاب نجد أن الكتاب يمثل مشروعا سياسيا محدد الأهداف بمشروع إكتملت له كل العناصر الضرورية لقيامه، قراءة تأصيلية للوضع السياسي الذي عاصره محاولا إيجاد حلول من أجل تغيير الواقع.
إن "الماوردي" من خلال كتابه "الأحكام السلطانية" يخصص حيزا مهما للمرجعية الدينية كمنطلق مركزي ثابت، تسوغ إقامة الإمام والسلطان ويبحث حول أهل الحل والعقد وأهل الرأي الدين يملكون القرار السياسي في ترشيح الخليفة وفي بيعته لأن الحاكم هو القائم على أحكام الشريعة، سلطة واجبة، وهو ظل الله على الأرض بماله من قوة قهرية، ويقول "الماوردي" في مقدمته : «إن الله جلت قدرته ندب للأمة زعيما خلف به النبوة، وحاط به الملة، وفوض إليه السياسة ليتصدر التدبير عن دين مشروع، وتجتمع الكلمة على رأي متبوع فكانت الإمامة أصلا عليه استقرت قواعد الملة، وانتظمت به مصالح الأمة حتى استثبتت بها الأمور العامة...».
ولحل مشاكل الإمارة والأوضاع السياسية يطرح "الماوردي" دور الدين باعتباره الرهان الوحيد الذي يمكن به المحافظة على المملكة أو الإمارة وضمان طاعة الملك فيقول : «إن الله سبحانه حسم مواد الاعتراض منها (الرعية) على أفعاله (الملك) وكف أسنتها عن رده ما رآه في اجتهاده وأوجب عليها طاعته وألزم الإنقياد له لحكمه وأمرهم أن يتصرفوا بين أمره ونهيه».
إن خطاب "الماوردي" خطاب فقهي أصيل منه يفسر التحولات السياسية ومن منظاره يقدم العلاج للمشكلات السياسية الطارئة، رافضا أي خطاب إيديولوجي أو خطاب يخرج الدين من معالجة وفهم واستيعاب المتغير السياسي، الدين أساسي وحاضر، فقد استهل كتابه "الأحكام السلطانية" بقوله : «الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا».
ولا يخرج عن هذا الإطار مواقف وتصورات مجموعة من الفقهاء الذين يفهمون التقلبات السياسية من منظار فقهي محض فالإمام الغزالي الصوفي المتفلسف يرفض فكرة الخروج من النظام السياسي أي السلطان لأن من شأن الخروج من تحت سلطته خلق الأرباك والفوضى وتعميق الخلاف المؤدي إلى كسر وحدة المسلمين يقول "الإمام الغزالي" : «فإذا خلا الوقت عن إمام فتصدى من هو ليس أهل لها، وقهر الناس بشوكته وجنوده بغير بيعة أو استخلاف، إنعقدت له بيعته ولزمت طاعته لينظم شمل المسلمين، ويجمع كلمتهم ولا يقدم في ذلك كونه جاهلا أو فاسقا في الأصح، وإذا إنعقدت الإمامة بالغلبة والشوكة لواحد ثم قام آخر فقهر الأول بشوكته وجنوده انعزل الأول وصار الثاني إماما لما قدمنا من مصلحة المسلمين وجمع كلمتهم».
إن الصراع على السلطة الذي ظهر بعد وفاة -النبي عليه السلام- جاء نتيجة لسلسلة من الصراعات بين الأنصار والمهاجرين منذ عقد النبي الحلف بينهما بعد الهجرة وطيلة حياته.
إن مبدأ الأخوة والتشارك وهو قانون أخاء بين المهاجرين والأنصار، لكن وضع حد للمواجهة والصراع بين الطرفين، لكن بعد وفاة النبي عليه السلام حدثت تحولات كبيرة في ميزان القوى الذي أصبح لصالح المهاجرين، فقد اختفت الهيئات والمؤسسات التي كانت تمثل الأنصار وتعبر عن مواقفهم مثال ذلك –على سبيل المثال لا الحصر- إنهاء العمل بهيئة النقباء الإثني عشر التي تظم الصحابة من الأنصار.
إن الصراع بين الأنصار والمهاجرين قاد إلى وجود تباين كبير في مسألة استخلاف النبي، وفي مسألة الخلافة وفي من تجب، إنه صراع سياسي خطير وما حادث السقيفة إلا برهانا على توثر في العلاقة مما أثار حفيظة الكثير من كبار الصحابة، إن هذه الحادثة ستؤرخ لمرحلة جديدة ولاسيما بعد بروز فكرة "فقه الإمام"، لقد استنتج الفقهاء من واقعة السقيفة قواعد فقهية دستورية فيما يخص شروط إقامة الإمام أي السلطة والدولة، أول القواعد أن مبدأ الخلافة هو الشورى وثانيها : أن مجلس كبار الصحابة هو الذي يتولى بإسم الأمة انتخاب الخليفة وترشيحه، وهم أهل الحل والعقد، وثالثها : أن البيعة عامة والشرط الرابع، أن الإجماع ضروري لإقامة الإمام وتأسيس الدولة وخامس الشروط أن الأئمة من قريش.
إن اجتماع السقيفة سيؤجح صراعا سياسيا وثقافيا وفكريا حول مفهوم الدولة والخلافة وسيقودنا للحديث أن تباين المواقف سيكون حتما سببا لوجود قوى سياسية وفكرية وثقافية علما أن هذه القوى المتصارعة ستجعل من السجال والجدال للإثبات الحقوق التاريخية في الخلافة. لقد أوجز الدكتور "محمد عابد الجابري" في كتاب "العقل السياسي محددات وتجليات"، محاولة الإجابة عن سؤال : كيف حل العرب المسلمون مسألة الخلافة بعد وفاة النبي انطلاقا من المحددات الثلاث (القبيلة، الغنيمة، العقيدة) قائلا : «من جميع ما تقدم يبدو واضحا أن مسألة خلافة النبي قد تم الفصل فيها بالطريقة التي كانت تمليها الوضعية الإجتماعية القائمة يومئذ (منطق القبيلة)، وبها أن الدعوة المحمدية كانت قد عملت على تجاوز القبيلة بالمعنى الضيق للكلمة، وإحلال الأمة محلها كمشروع مستقبلي، وكواقع ثم الشروع فعلا في بنائه، فإن منطق القبيلة الذي عالج به الصحابة مسألة الخلافة أقرب ما يكون إلى اختيار الأمة إلى العمل برأي الأغلبية لا بالمعنى الكمي الذي يعتمد عدد الأفراد والأصوات بل بالمعنى الكيفي، إن وزن المهاجرين كان أقوى من وزن الأنصار، كما أن مقام أبي بكر في الدعوة المحمدية لم يكن يعلوه مقام آخر غير مقام النبي نفسه».
‚ كيفية معالجة مسألة المشروعية :
ينظر المفكرين والعلماء المسلمين أن السيادة في الإسلام للشريعة ومبدأ الخلافة مبدأ راسخ، واعتبرت الشورى سلطة حكم تبلورت في عهد الراشدين على أنها ظهرت فكرة الشورى بلبوس فكرة أهل الحل والعقد، فسيادة الشريعة في المجتمع الإسلامي الأول أمر مسلم به لدى سائر الأطراف (أي لدى كل الفرق الإسلامية)، بل إن الإسلام موجود بين ظهراني الأمة، ولكنه لا يكتمل إلا بتطبيق الشريعة أو ما اصطلح عليه بالحكم الإسلامي عن طريق قيام الدولة أو الخلافة الإسلامية.
كانت الحلاقة الإسلامية أوج النظام السياسي وأكثر النظم عدالة في نظر الكثيرين بل ينظر إليها كبديل عن الدولة المعاصرة في العالم العربي –حاضرا- يقول "عبد الله العروي" «إرتناهو إرث الدولة السلطانية، لم تكن تستوجب ولاء الفرد، كانت الدولة معزولة كليا ومرفوضة ذهنيا، حيث كان الجميع ينتظر بزوغ الخلافة أي الدولة الفضلى». لكن كيف عالج العلماء والفقهاء مسألة المشروعية ؟
إن غياب الخلافة أو إلغاء نظام الخلافة وظهور نظام الملك والإمارة ولد الكثير من المواقف المتباينة، فالخلافة عند "الماوردي" هي نواة الفكر السياسي فـ «الحديث عن المشروع السياسي الماوردي يجعل الخلافة المؤسسة التي يجتهد الماوردي في التشريع لحقوقها وواجباتها، تفكير الماوردي السياسي تفكير يستهدف التنظير للدولة الإسلامية».
ليس "الماوردي" وحده من وقف ضرورة الإلتزام بالشرعية الدينية، أي نظام الخلافة أو الحكم العادل، بل المسألة أخذت من الفقهاء الكثير من التصورات والمواقف والهدف واحد معالجة مسألة المشروعية في الخطاب السياسي الإسلامي، فالأزمة أزمة نظام وحكم. فكيف السبيل لمواجهة التغيرات السياسية ؟
يرى "إبن تيمية" أن النظام السياسي في المدينة المنورة بعد وفاة -الرسول عليه السلام- «بأنها خلافة نبوة ورحمة».
وفي ظل غياب الخلافة أو المنهج النبوي لا يسع "إبن تيمية" إلا أن يتحدث عن فكرة وحدة الأمة الإسلامية، فيقدم لنا مشروعا متكاملا في هذا الاتجاه إذ قال : «إن الله تعالى أمرنا بالجماعة والإئتلاف ونهانا عن الفرقة والإختلاف وقال لنا في كتابه العظيم )واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا( وربنا واحد وكتابنا واحد ونبينا واحد وأصول الدين لا تحتمل التفرق والإختلاف».
لقد أصل "إبن تيمية" فقه مرحلة جديدة ومواكب، واستطاع بناء أصول وقواعد للتلاقي بين الفرق الإسلامية المتعددة المشارب، تحقيقا لروح التآلف وعملا على بناء مفهوم الجمعي للأمة. إن ما وقع من ضياع للخلافة كان في نظر "ابن تيمية" نتيجة حتمية لتراكمات كثيرة وتداعيات متعددة أدت في النهاية إلى ضياع الخلافة، وأزمات أوجد من خلالها "ابن تيمية" قاعدة لعمل سياسي وقف منهج غايته وفق الإنهيار الجارف في الكيان السياسي للأمة والحفاظ على هبة السلطان أي الدولة (مبايعة السلطان في القاهرة بعد معركة عين جالوت).
إن واقع أزمة الشرعية، إثر تمزق الخلافة سيكون له الوقع الشديد على كتاب ما بعد مرحلة الخلافة وتعدد الحكم والصراع على السلطة، فهذا "ابن خلدون" صاحب "المقدمة" التي تعتبر بحق أول بحث مؤسس لفلسفة تاريخية يمهد لبحوثه التاريخية بمقدمته الشهيرة التي احتوت على أهم دراساته التي إنتهت به إلى تأسيس علم مستقل بنفسه يقول "إبن خلدون" «وكأن هذا علم مستقل بنفسه، فإنه ذو موضوع وهو العمران البشري والإجتماع الإنساني وذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة بعد أخرى، وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو عقليا، وأعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غريب النزعة غزير الفائدة أعثر عليه البحث وأدى إليه الغوص».
اهتم ابن خلدون بتوصيف الواقع السياسي وتطوره وربطه بالبناء الإجتماعي كانت الدولة إلى جانب العمران وطبيعة الإجتماع وضرورته وكيفية تنوعه، وأثر الطبيعة في أخلاق البشر وأحوالهم.
لقد أشار إلى قيام الدولة على القبيلة والعصبية مبينا خصائص وأشكال وأسباب سقوط الدولة، متحدثا عن الدولة من عهد قوة البداوة إلى عهد الحضارة وعن أنواع الملك وعن الإمامة والخلافة وما يتعلق بها من بيعة وولاية العهد، لقد حاول "ابن خلدون" الفقيه والمؤرخ أن يفرق ويبرز الفارق أو الإختلاف بين الملك والسياسة والخلافة، فالملك مثلا عرفه على أنه حمل العامة على مقتضى الغرض والشهوة أي أن الملك في نظره مبنيا على الغلبة والقهر، أما الحكم السياسي فهو حمل العامة على مقتضى النظر العقلي أما الخلافة تبقى الحكم الأكثر إرتباطا بالشرع فالخلافة «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها».
وأخيرا يمكن القول بأن الحكومة في نظر ابن خلدون لا تخرج عن إطار المصالح العامة التي فوض الله أمرها إلى الأمة، وهو يرى من وجهة نظر فقهية أن مقصد الشارع أن يكون للمجتمع نظام عادل يصون بيضته ولحمته الداخلية ويحميه من حالة العدوان الخارجي ولذلك فإن الشرع لم يحدد شكل الحكومة.
إن أزمة الشرعية تتجلى في عدة كتبا ومصادر وضعت تحت بناء وإشارة السلاطين والأمراء نشير هنا إلى كتاب "الإشارة إلى أدب الإمارة" لأبي بكر محمد بن الحسن المرادي الحضرمي (ت 489هـ)، الكتاب عبارة عن رسالة موجهة إلى أمير المرابطين في المغرب أبي بكر بن عمر المتوني، يعكس الكتاب أزمة الشرعية السياسية في عصره، فالدولة المرابطية لم تحظى بأية شرعية أو إعتراف أو إقرار لا من دولة الشرف العباسي ولا الدولة الفاطمية القائمة في مصر. وما يهم في الكتاب وموقف صاحبه أنه لم يخرج عن المنهج التوفيقي التبريري الذي كان يهدف إلى إضفاء المشروعية على الحكم، بل تكريسا لشرعية الحكام مهما كانت نوعية وأسلوب حكمهم.
هذه المواقف قد تصطدم فيما بينها، لكن لا ننسى أن كل موقف يعبر عن رؤية وتصور سياسي، فالإسلام كعقيدة توحيدية وكإيديولوجية سياسية وكثقافة أسس رباطا وثيقا بين الدين والقبائل العربية. وقد لاحظ ابن خلدون في المقدمة بل كان سباقا في الحديث عن قانون يؤسس لعلاقة الدين بالدولة «بأن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بدعوة دينية». بل إن الممارسة كانت دائما طابع الدولة التي تأسست أصلا لتلبية متطلبات موضوعية وأساسية ومشروعة، جسدها الخطاب الديني بتعبير واضح بالتطلع إلى الوحدة والخلاص من الفوضى وانعدام الأمن مع تنمية تحطم العوائق المادية والفوارق الطبقية والتناحرات القبلية العشائرية.
إذا كانت الدولة موجهة لتلبية رغبة الفرد والمواطن /فكان لابد من رؤية دولة الخلافة ومادام العائق موجودا الإختلال والصراع كان لابد من ظهور تصورات تناقش فكرة الدولة. نقف هنا عند موقف سياسي آثار الكثير من اللغط، منها ثورة رجال الدين المصريين وقد كان عضوا في هيئات الأزهر العلمية، واعتبروا كتابه "الإسلام وأصول الحكم" مخالفا للأصول الإسلامية، وطردوه من صفوف الأزهر معلنين الحرب ضد الكتاب وضد المؤلف مطالبين بمحاكمته.
ناقش "علي عبد الرزاق" من خلال كتابه "الإسلام وأصول الحكم" مسألة تأسيس الدولة في المدينة واصلا إلى نتيجة مفادها أن الرسول –عليه السلام- لم يؤسس دولة، مبينا أن الخلافة لم تكن ضرورة شرعا، وأن المسلمين أحرار في أن يقيموا الحكم الذي يلائم حياتهم. يقول "علي عبد الرزاق" «إذا كان الرسول قد أسس دولة سياسية فلماذا خلت دولته من أركان الدولة ودعائم الحكم ؟ فليس فيها نظام للقضاة والولاة ومن علائم ذلك (نظام الملك وقواعد الشورى والإضطراب والحيرة في النظام الحكومي) كما أن هناك نقصا مقصودا في الرواية عن نظام الحكم في عهد الرسول، وكل ما يمكن ملاحظته على الدولة النبوية يرجع عند التأمل إلى معنى واحد ذلك هو خلوها من تلك المظاهر التي صارت اليوم عند علماء السياسة من أركان الحكومة المدينة، وهي في حقيقة الأمر غير واجبة، ولا يكون الإخلال بها حتما نقصا في الحكم ولا مظهرا من مظاهر الفوضى والإختلاف فهي دولة البساطة والفطرة».
هاجم "علي عبد الرزاق" دعاة وجوب الخلافة ووجوب الإمام والخليفة كأساس وركن من أركان وقواعد الإيمان، مدحضا هذا الإدعاء وخلص إلى إعطاء رأي واضح وصريح «ما كان رسول الله إلا رسول بدعوة دينية خالصة الدين لا يشوبها نزعة ملك ولا حكومة وأنه لم يقم بتأسيس مملكة بالمعنى الذي يفهم سياسة من هذه الكلمة. ومرادفاتها وما كان إلا رسولا وما كان ملكا ولا مؤسس دولة ولا داعيا إلى ملك... فهو مؤسس سلطة روحية وكان سلطانه عاما وشاملا أكبر من سلطان الملوك والحكام بينما ولاية الحكم ولاية مادية... إن تداخل الكلمات، الملك والسلطان وحاكم وأمير وخليفة ودولة ومملكة وخلافة هو السب في الفوضى التي ستسود الفكر السياسي».
أثبت الشيخ "علي عبد الرزاق" وجهة نظر سياسية وعقائدية يقول، بأن الخلافة ليست واجبة القيام دينيا لأنها مسألة دنيوية تخص المسلمين، هم أحرار في إقامتها أو قبلوا بوجود نظام أفضل منها، إلا أن هذا الموقف الحداثي في نظر مناصريه سيصطدم مع تصورات ترى أن النبي –عليه السلام- قد أسس دولة إسلامية، من هذه المواقف والآراء نستحضر رؤية فكرة ونظرة الشيخ "رفاعة الطهطاوي" مفاد الفكرة أن دولة المدينة تجلت بوجود الإمارة العامة على النواحي أي سيطرة إدارة مركزية على الأقاليم ووجود قضاة وكتاب العقد والمواريث والنفقات والغنائم، إنها حكومة فيها الكثير من ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة السياسية وأثار السلطان والملك.
يؤكد "الرفاعي" بأن الدولة قوة مادية قمعية وقهرية وسلطات سياسية، ووظائف إدارية واقتصادية وعدلية ودفاعية، ولاشك أن فكرة الدولة النظام لا يستوجب وجود خلافة، فالدولة قائمة تراعي مصالح الناس يكفي ذلك.
ƒ التأويل التاريخي للفقه السياسي :
تشعبت المذاهب بداء من إختلاف المسلمين حول مسألة الإمامة مما جعلهم يستوحون من القرآن الكريم الكثير من الأحكام والمفاهيم التي تخدم المذهبية مما شجع على نشوء فرقا وطوائف دينية متفاوتة في الرأي وبذلك فإن تأويل الخطاب القرآني هو الهاجس السياسي والإيديولوجي الذي يحدد المقولات والمفاهيم حتى يتم استغلالها في الصراعات والمعارك، ولقد تمكن الإمام الشافعي مثلا من تقنين البيان وتحديد دلالته وأصول الفقه ودائرته.
إن الفقه أساسي في معرفة قواعد الدين وكل ما يشرع من قواعد وعمل وحكم سياسي يجب أن يكون مطابقا للشرع ولذلك فإن "محمد عابد الجابري" سيلخص مسألة الصراع المرير بين السلطة العلمية والسلطة السياسية حول المقولات والمرجعيات وحول النصر المؤسس (القرآن والسنة). إن مشكلة الخلافة هي أول قضية طرحت نفسها في الفكر العربي والإسلامي فإنما كانت آخر قضية حول هذا الفكر.
إن الحديث عن الخلافة يقودنا للوقوف عند أهمية الآراء السياسية حول هذه المسألة ولاسيما آراء الفقهاء، وبرجوعنا إلى آثار السلف وفي مقدمتهم "الماوردي" فإن جل ما كتب في هذا الإطار مقيد بزمن إجتهادي محدد في مرحلة تاريخية معينة، بحيث تتطلع إلى حكم على الأحكام بأنها ظرفية ومن هنا كان ضرورة استحضار البعد التاريخي في تأويل الخطاب الفقهي السياسي، إذ أن المقاربة التاريخية للفقه السياسي يمكن تحديدها في مسلكين إثنين يكمل أحدهما الآخر. وهما : المسلك الأول : إبراز المشكلات التاريخية والقضايا التي تعبر عن الإستجابات الفقهية المتكررة للمتغيرات التاريخية الظرفية. المسلك الثاني : التأويل التاريخي للفقه السياسي، أي الوقوف عند الإعتبارات والضغوط الراهنة التي كان يلحظها التنظير الفقهي والتي ساهمت في تشكل مختلف الرؤى الفقهية.
الفصل الثاني: مصادر المعرفة والتنظير (مصادر سوسيولوجية
السياسة)
 مفهوم اللاشعور في علم النفس :
يعرف اللاشعور بأنه مقبرة قديمة ومنسية بشكل عام لمجمل النشاط النفسي البشري بما فيها من ذكريات وأفكار قديمة ورغبات متخصصة وغير متخصصة، علما أن اللاشعور يؤثر كثيرا في الشعور بصورة غير محسوسة ومعقدة، ويؤدي الكبت دورا جوهريا في تعقيده.
يرتبط اللاشعور ارتباطا وثيقا مع الهو –منطقة النشاط الغريزي- من الناحية الوظيفية. ويعتبر "فرويد" أول من وضع اللمسات الحقيقية لهذا الجزء من الوعي البشري وإعطاءه صبغة المؤثر الأساسي في كل تصرفاتنا اليومية بشكل غير محسوس.
إن اللاشعور الفرويدي يعتبر الحجر الأساس لنظرية التحليل النفسي ويضع فرويد عامل الكبت وعامل الغريزة الجنسية وعامل التسامي أي تحويل الدافع الجنسي إلى معنى أسمى مثل الفن والعلم كعوامل لها تأثير في اللاشعور، وتأثير مجموعة من العقد النفسية الرئيسية كعقدة أوديب (تعلق الإبن بأمه) وعقدة أليكثرا (تعلق الفتاة بأبيها) وعقدة ليلث (الأنثى المتوحدة)، والتداعي الحر مصطلح فرويدي خاص وهو محاولة كشف اللاشعور الذي يقوم بها المحلل النفسي، ويضع العالم "ألفرد أدلر" غريزة الإرادة نحو السلطة أساسية في اللاشعور بينما يضع العالم "كارل يونغ" اللبيدو الدافع الحيوي أساسي في اللاشعور.
فلسفيا فإن من أهم خلاصات دراسة اللاشعور والتحليل النفسي للإنسان أنه كائن عضوي تؤثر فيه عوامل داخلية نفسية بشكل أساسي والعوامل الخارجية الإجتماعية لها دور ثانوي في تكوين شخصية الإنسان وأهم بعد زمني عند الإنسان هو الماضي الذي يؤثر بشكل مباشر على الحاضر والمستقبل.
عالم اللاشعور يمتلك لغة خاصة على شكل ديناموصوري معقد لكل الذي حدث في شريط حلزوني ملتف على نفسه، اللاشعور خاصية مميزة يتفرد عن باقي المناطق في بناء نظام ذاتي، تلك الذاتية لا تجعله يحتاج إلى وسط خارجي للتعبير عن تلك الديناميكية بملكة الخيال التي يوظفها اللاشعور ببراعة، لكن مع حلول القرن العشرين برزت فكرة اعتبرت نظرية جديدة وإضافة جديدة، النظرية "لكارل غوستن فيونغ" الذي أوجد اللاشعور الجمعي وتنص هذه النظرية على ارتباط الذكريات البشرية في منطقة اللاشعور لمجتمع كامل في نظام واحد يؤثر بصورة غير محسوسة في تصرفات الناس هذا النظام عامل محرك أولي لجماعة بشرية كبيرة كانت أو صغيرة، تلك الجماعة تكره أشياء وتحب أشياء بشكل جمعي غير محسوس.
إذا كان "سيجموند فرويد" قد أولى أهمية كبرى وخاصة لمفهوم "اللاشعور" إذ جعل منطقة واسعة من الجهاز النفسي تضم الدوافع الغريزية والرغبات المكبوتة، واعتبره مسؤولا عن قسم كبير من سلوك الفرد البشري، فإن "يونغ" يعطي لمفهوم "اللاشعور" أبعادا أخرى تجعله يضم ليس فقط غرائز الفرد ومكبوتات طفولته، بل أيضا بقايا نزعات وعواطف جمعية تنتمي إلى ما البشرية، لتشكل نوعا من "اللاشعور الجمعي".
لكن ما العلاقة بين اللاشعور في التحليل النفسي واللاشعور السياسي ؟ أشار "محمد عابد الجابري" إلى أن "أريجيس دوبري" قد ميز بين مفهوم اللاشعور السياسي واللاشعور الجمعي، حيث جعل من اللاشعور السياسي مفهوما مستقلا يقتصر على الجماعات المنظمة كالقبيلة والحزب والأمة، إلا أن اللاشعور الجمعي يكتسي طابعا سكولوجيا (نفسيا) بينما يتخذ اللاشعور السياسي طابعا سياسيا إيديولوجيا.
يشرح "دوبري" مفهوم اللاشعور السياسي من خلال نقده للنظام الاشتراكي –الإتحاد السوفياتي سابقا- من خلال شرحه يرى أن التجربة بعثت في كل مكان وفي كل حين أشكالا دينية كان يفترض أن ظهورها ثانية شيء ستحوله دونه علاقات الإنتاج الجديدة، أن هذا الدليل على أنه يوجد في جدور الظاهرة الإجتماعية قوة غير مراقبة تبدو في الظاهر لاعقلانية تفسد قوانينا المنطق، وهذه القوة لا تتحكم في تأثيرها وفعلها لا المخططات ولا الإرادة الصريحة للأفراد، أنها شيء من قبيل السحر تنتمي إلى عالم الأسرار.
ويخلص "دوبري" إلى أن الشعور لا يشكل جوهر الحياة النفسية للفرد، كما أن المؤسسات والتصورات السياسية لا تؤسس الحياة السياسية للمجموعات البشرية، فليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم السياسي، بل إن وجودهم الإجتماعي هو الذي يحدد وعيهم الذي يخضع هو نفسه لمنظومة منطقية تبقى حاضرة عبر مختلف أشكال المؤسسات القانونية والفلسفية التي يناظر كل نوع منها بنية اقتصادية، والناس لا ينتجون هذه العلاقات من خلال الروابط التي يقيمونها بحرية، بل إنهم هم أنفسهم نتاج هذه العلاقات، وكما هو الحال بالنسبة للأفراد فإن الجماعات البشرية المنظمة لها لا شعور نوعي خاص بها تشكل الديانات وما يقوم مقامها من الإيديولوجيات أكثر أعراضه وضوحا، لا شعور نطلق عليه هنا إسم "اللاشعور السياسي" إن هذا اللاشعور ليس من طبيعة سيكولوجية إذ لا تتكون قاعدته من التصورات النموذجية، وليس هو بالأحرى من طبيعة روحية ولا مما ينتمي إلى عالم الغيبات، إنه لا يتحدد بأشكال رمزية طافية على السطح بل يتحدد بأشكال ثابتة من التنظيم المادي ليست الأشكال الرمزية تلك إلا رسوما لها وبصمات».
يرى "دوبري" أن الظاهرة السياسية لها دوافع، اصطلح عليه باللاشعور السياسي فهو يعرف حسب "دوبري" عبارة عن بنية قوامها علاقات مادية جمعية تمارس على الأفراد والجماعات ضغطا لا يقاوم، علاقات من نوع العلاقات القبلية العشائرية والعلاقات الطائفية والعلاقات المذهبية والحزبية الضيقة التي تمارس قوتها المادية القسرية.
إن مفهوم اللاشعور السياسي يتخذ وظيفة أي إبراز ما هو عشائري وديني في السلوك السياسي في المجتمعات الأوربية المعاصرة. لكن السؤال هل يمكن استعمال هذه الوظيفة الخاصة بالفيلسوف الفرنسي "دوبري" لدراسة الأنساق السياسية لعالمنا العربي علما أن الإختلاف واضح بين البنيتين الأوربية الغربية التي تعتمد وتتبنى سلوكا سياسيا خاصا، والبنية العربية الإسلامية المؤسسة على الخطاب الديني والقبلي ؟ وكما يقول الدكتور محمد عابد الجابري : «فاللاشعور السياسي عندنا لا يتأسس دائما على الدين كما في أوربا الحاضرة على الأقل حسب "دوبري" بل إن التمذهب الديني عندنا هو الذي يطفو على اللاشعور ويغطيه».
ونختم بملاحظة قدمها "برهان غليون" في كتابه "اغتيال العقل" «أن اللاوعي هو أصل أو قاعدة كل سلوك وليست المدينة شيء سوى إبداع وبلورة النظم العلمية والإيديولوجية والفنية التي تساعد من خلال إخضاع انفعالاتنا لضوابط وقواعد مقبولة ومعقولة ومدركة على التحكم بها وتجاوزها. أي على توسيع دائرة المدرك، والوعي وهو أصل الحرية وتحكم الإنسان بنفسه ومصيره. فإذا وهنت هذه المنظومات والقواعد أو فسدت، عادت ردود الأفعال اللاواعية لتحتل موقع الصدارة في سلوك الإنسان بدل الأفعال الواعية والمتردية».
‚ المجال السياسي :
مفهوم شائع في الدراسات الإجتماعية المعاصرة، وقد اقترن ظهور هذا المفهوم بإنتهاء الصراع بين الكنيسة والسلطة، إذ بعد صراع مرير اعتبرت السلطة السياسية مصدرها الشعب إما عن طريقة العقد الإجتماعي أو المصلحة العامة وليس مصدرها الكنيسة ولا الحق الإلهي للحاكم (الأمير أو الملك).
إن المجال السياسي هو مجال خاص تمارس فيه السياسة في أوربا بدون كنيسة ظاهرة تسيطر المجال السياسي كمفهوم برز بشكل عام في إطار المقارنة بين التطورات السياسية في أوربا، حيث قامت دولة المؤسسات المستمرة شرعيتها من إرادة الشعب وتعبر عن المصلحة العامة نتيجة عملية تاريخية أدت إلى ظهور مجال جديد هو مجال "السياسي" الذي يرى "محمد عابد الجابري" «بأنه يجسم ما يعبر عنه بالحداثة السياسية» والتي تتجسم بدورها في دولة المؤسسات التي ظهرت كنفي لدولة الأمير أو الملك.
«دولة المؤسسات هي سلطة قائمة على المؤسسات، سلطة تحددها القواعد القانونية والأصول الشرعية المرعية التي تمنح صاحب السلطة من التحرك والقيام بأي أعمال على مقايسه ودون العودة للقانون والدستور حسب موريس دفرجيه». ودولة المؤسسات هي الدولة التي تعتمد على فكرة مبدأ فصل السلط وهو مبدأ أسسه وتبناه مونتسكيو المؤسسات ثلاثة مستقلة أو الوظائف الثلاث، تسمى الوظيفة التشريعية وظيفة إعداد القواعد (سلطة تشريعية) وتسمى الوظيفة التنفيذية (السلطة التنفيذية) وظيفة تطبيق القواعد والوظيفة القضائية (السلطة القضائية) وتسمى وظيفة تلزيم القواعد دون أن نغفل وظيفة التواصل بين الحاكم والمحكومين أو الإتصال بين مختلف عناصر النظام السياسي.

ƒ المخيال الإجتماعي /السياسي :
كلمة Imginaire، الكلمة مشتقة من Image بمعنى صورة، صورة الشيء في المرآة أو في النفس أو في الخيال، أما لفظ Imaginaire (خيالي) فهو في الأصل وصفا لما لا يوجد إلا في المخيلة كالغول والشخصيات الأسطورية ويستعمل كذلك بمعنى عام كإسم موصوف ويستدل به على /عالم الخيال.
والخيال الإجتماعي هو عبارة عن شبكة من الرموز والمعايير يتم فيها ربط تأويل الأشياء والظواهر إن الوقوف عند المصطلح لغويا ينقلنا إلى الحديث عن معنى المصطلح انطلاقا من الدراسات الفكرية ولاسيما السوسيولوجيا، إذ أن المخيال الإجتماعي أصبح يكتسب أهمية كبرى ليس فقط في الدراسات الإجتماعية وإنما كذلك في العلوم الأدبية والسيميائية حسب«Claude Gillet » في كتابه Les lectures : cours social «قيام الجماعات البشرية بإنشاء معان ودلالات مخيالية اجتماعية، تتمكن من إعطاء معنى لكل ما هو "موجود" لكل ما يمكن أن يقوم فيها أو يقوم خارجها، وأيضا فبفضل هذه الدلالات والمعاني المخيالية الاجتماعية تقوم الجماعات البشرية بتدشين العمل التاريخي وتنشيطه» ويضيف Claude Gillet «إن كل مجتمع يقدم نفسه للرؤية، لرؤية الآخرين له، من خلال الصورة التي يكونها عن نفسه، فمن خلال هذا يرى الآخر ويصدر عليه حكما، سواء كان هذا الآخر وحشيا أم متحضرا، كافرا، مؤمنا، وهذه التمثلات والتصورات الخيالية تمارس سلطتها ليس في ميدان التصور وحسب بل أيضا في مجال الفعل الإجتماعي الذي تقوم به كل جماعة بشرية قائمة تعرف نفسها من خلال المقارنة مع الآخرين».
أما "بيير أنصار" فيعرف المخيال الاجتماعي بقوله : "والواقع أنه [أي الفعل الإجتماعي] يفترض من أجل إنجازه أن يندمج كل سلوك فردي في عمل يتحمل طابع الاستمرارية وأن تنتظم التصرفات وتتجاوب بعضها مع بعض طبقا لقواعد ضمنية مستضمرة، حسب ما ينتظره كل منها من الأخرى، وبعبارة أخرى فإن الممارسة الاجتماعية، بوصفها تنتظم شتات تصرف الأفراد وتوجهه نحو الأهداف مشتركة، تفترض وجود بنية معقدة من القيم وعمليات التعيين والإندماج المحمل بمعان ودلالات، كما تفترض لغة رمزية [شيفرة] اجتماعية ومستضمرة، ليست هناك أية ممارسة اجتماعية يمكن إرجاعها فقط إلى عناصرها الفيزيقية والمادية، ذلك لأنه مما يشكل جوهر الممارسة الإجتماعية أنها تسارع إلى التحقق في شبكة من الدلالات يتم فيها استيعاب وتجاوز الطابع الجزئي للتصرفات والأفراد واللحظات، ومن هنا فإن كل مجتمع ينشئ لنفسه مجموعة منظمة من التصورات والتمثلات، أي مخيال، من خلاله يعيد المجتمع إنتاج نفسه، مخيالا يقوم بالخصوص ويجعل الجماعة تتعرف بواسطته على نفسها، ويوزع الهويات والأدوار ويعبر عن الحاجات الجماعية، والأهداف المنشودة، والمجتمعات الحديثة، مثلها مثل المجتمعات التي تعرف الكتابة، تنتج هذه المخاييل الإجتماعية، هذه المنظومات من التمثلات، ومن خلالها تقوم بعملية التعيين الذاتي، تعين نفسها بنفسها وتثبت على شكل رموز معاييرها وقيمها.
لكن السؤال المطروح هو ما علاقة الخيال بالإيديولوجيا ؟ للإجابة عن هذا السؤال ننفتح على تصور "لجورج بلا ندييه" G. Balandier، في كتابه "الأنتروبولوجيا السياسة" : «المقدس هو أحد أبعاد الحقل السياسي» إذ أن هناك علاقة وثيقة بين مختلف عناصر الاستراتيجية السياسية «فالله والأموات والسحرة يدخلون في نظام السلطة مثلما يدخل فيه الأحياء من الناس» ومن هنا «فالمخيال الديني مهيأ جدا لأن يجيش ويعبأ من أجل شن المعارك المقدسة».
تاريخيا يحتل المخيال مكانا أساسيا فالمخيال الجمعي لدى المؤمن كان مسلما أو مسيحيا أو غيرهما قد شكل عبر تلك السيرورة الإجتماعية التاريخية التي شهدها تاريخ الأديان، فهناك حقل معنوي ومتماثل ثابت لا يتغير، يسبح فيه أو يتحرك فيه دون أي نشاز كل الناقلين للأمانة الأصلية أو الوديعة الأولية من هنا سينشأ تصور مثالي وأسطوري للتاريخ، يغيب معه كل اعتبار لمصالح وصراعات الفئات الإجتماعية المختلفة، ويظل الوعي الديني الإيماني يغفل الشروط الثقافية والسياسية والنفسية التي تمت فيها الصياغة الأسطورية والخيالية للأحداث التاريخية الدنيوية كالأحداث المثيرة التي مست عمق الخطاب الديني أو المعتقد الديني.
المخيال السياسي : يرى الباحث العراقي الدكتور "عامر عبد زيد" في كتابه "المخيال السياسي في العراق القديم"، إن المخيال مفهوم بسيط لكنه متشعب فالمخيال هو وجود العقل اللاشعوري أي التخيل في غياب المحسوس وفي تعريف آخر يورد بأن الخيال هو "الكبت" وهو الفاصل بين الماضي المتخيل والواقع المحسوس أو القادم من سن الطفولة. تعريفات عدة لكن ما يهمنا هو الخيال السياسي : في رأي الباحث فإن السلطة أي السلطة السياسية تعد آلية من آليات تأسيس المخيال، كيف ذلك ؟ من خلال أساليب الإقناع والإكراه المعتمدة من خلال ما تعرض السلطة السياسية من نظرية مؤسسة لمخيال جمعي، وفي هذا اعتمد الباحث على ما ذهب إليه الباحث والعالم السوسيولوجي "ماكس فيبر" فالسلطة السياسية في هذه الحالة تسعى لتأسيس مخيال سياسي اجتماعي في إطار أهداف ترسمها السلطة السياسية من أجل بلوغ أهداف معينة وهذه الإحالة من الإحالات الموضوعية التي اعتمدتها تلك السلطة سواء كان ذلك في البلدان الغربية أو غيرها، وقد لعب المخيال السياسي في الكثير من الدول والثقافات دورا كبير في تنظيم الحياة السياسية.
المقترب التاريخي :
المبحث الأول : فردانية الفيلسوف : (المدينة الفاضلة)
إن البحث عن حل لأزمة الخلافة والمشروعية في الفكر السياسي العربي يقودنا إلى إبراز والإنفتاح على آراء أهل المدينة الفاضلة أو الفلاسفة المسلمين الذين أسهموا بتصورات مثيرة للجدل، فمنذ أن بدأ المسلمون في العصر الأموي بنقل التراث اليوناني إلى العربية من خلال الفلاسفة اليونان الذين عاشوا في مدينة الإسكندرية ظهر بعض الفلاسفة المسلمين الذين تأثروا بشكل كبير بأفكار فلاسفة اليونان الأوائل كأفلاطون وأرسطو.
إن إهتمام المسلمين بالفلسفة لم يتجاوز الترجمة والدراسة للفلسفة اليونانية وكذا الفارسية، أي قبل ظهور الفارابي الذي أسس مباحث حول حقيقة السلطة والسياسة.
لقد انصب إهتمام الفلاسفة المسلمون بمسألة وجوب الإمامة أو الخلافة شأنهم شأن الفقهاء، لكن مع اختلاف واضح، فالفلاسفة أرجعوا وجوب الخلافة مثلا إلى العقل خلافا للفقهاء، النص أو السمع.
إن هذا الموقف الفلسفي من الإمامة أو الخلافة مخالفا للتصور السني ووافقوا بذلك بعض الفرق الكلامية كالمعتزلة والزيدية.
إن إقرار وجوب الإمامة بالعقل سيتمخض عنه بلورة نظريات ورؤى سياسية لكن في معظمها مقتبسة من الإغريق أو فلاسفة الإغريق، فأسس "الفارابي" (257-339هـ) رؤية وتصور حول الدولة –المدينة- «معتبرا إياها أعلى نموذج للتنظيم السياسي على المنهج الأفلاطوني والأرسطي، منفتحا على دراساتهما في المدينة الفاضلة».
ربط "الفارابي" «وفقا للمنهج الأفلاطوني والأرسطي بين السياسة والأخلاق، لذلك خلص إلى نتيجة أن الإجتماع الفطري للإنسان لا يحصل إلا بدولة المدينة». وفي كتاب "آراء أهل المدينة الفاضلة" الذي يتناول فيه السياسة وقيام الدولة على الأخلاق، يؤسس "الفارابي مدينة الفاضلة على غرار مدينة أفلاطون على النظام والعلم والفضيلة.
ومن خلال تقصي آراء "الفارابي" : في الكتاب نلاحظ وجود ثلاثة أو يمكن تقسيم الفلسفة السياسية عند "الفارابي" إلى ثلاثة أقسام :
u القسم الأول : سيعرض فيه النظريات الفلسفية ممزوجة بما هو إجتماعي لدى الفلاسفة السابقين (اليونان).
v القسم الثاني : يدرس الواقع السياسي لعصره والفكر المتداول.
w القسم الثالث : ويبحث في فلسفته السياسية.
يعتبر الفارابي أول فيلسوف عربي يهتم بمباحث في الفلسفة السياسية والإجتماعية مفردا لها أبحاثا منفصلة في مؤلفه "آراء في أهل المدينة الفاضلة"، ينحو "الفارابي" حسب المفكر المغربي "علي أومليل" منحى الحديث عن أشياء واقعية «يتحدث عن ضرورة الإجتماع الإنساني للتعاون، وتقسيم العمل، وكذلك حين يتحدث عن المدن المناقضة لمدينة الفاضلة : "المدن الجاهلية" و"المدن الفاسقة" و"المدن الضالة"».
يبدأ "الفارابي" في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة" باستعراض آراء فلاسفة اليونانيين السابقين حول الموضوع : ففي باب آراء أهل المدن الجاهلية والضالة يقول : "بأن هذه المدن تحدث متى كانت الملة مبنية على بعض الآراء القديمة الفاسدة" أي بمعنى آخر عندما تكون مبادئ الإجتماع الإنساني غير مستندة إلى نظرية فلسفية أو إلى تشريع نبوي ففي هذه الحالة فالدولة هنا تقوم على القهر والإستبداد والإستعباد أي كما يسود في مملكة الحيوان، حيث الغلبة للأقوى، يقول "الفارابي" : «قال قوم نرى أن الموجودات التي نشاهدها متضادة، وكل واحد منها يلتمس أبطال الآخر ونرى كل واحد منها إذا حصل موجودا، أعطي مع وجوده شيئا يحفظ به وجوده من البطلان وشيئا يدفع به عن ذاته فعل ضده... ونرى أن كثيرا من الحيوانات بنيت على كثير من باقيها فيلتمس إفسادها وإبطالها من غير أن ينتفع بشيء من ذلك... كأنه طبع على أن لا يكون موجود في العالم غيره... ثم أن كل واحد منهما إن لم يرم ذلك أي إفناء الآخرين، إلتمس أن يستعبد غيره فيما ينفعه... فالأقهر منها لسواه يكون أتم وجودا، والغالب أبدا إما أن يبطل بعضه لأنه في طباعه أن وجود ذلك الشيء نقص ومضرة في وجوده هو... وإما أن يستخدم بعضا ويستعبده».
تعكس مواقف الفارابي السياسية موقفه من وضعية السلطة والواقع الإجتماعي في عصره الخلافة الإسلامية في بغداد انحلت وتجزأت الأقاليم وتشكل مجموعة دويلات إقليمية وأصبح الخليفة رمزا دينيا، ينصب دون السماح له القيام بممارسة حقوقه كحاكم بل ينفذ أوامر القادة والأتراك والديلم، وقد ساد الفساد والقهر والإستبداد مما ساد أجواء من التصعيد وتشابك العلاقات وانهيار مقومات السلم الإجتماعي، فلا شريعة ولا قوانين وضعية رادعة، قانون الغلبة للأقوى هو السائد والمتغلب، وانطلاقا من هذه الوقائع والأحداث يدعونا الفارابي في مدينته إلى التمسك بالقانون والعدل يقول "الفارابي" بأن : «التغالب والتهارج يكون من أجل السلامة والكرامة واليسار واللذات، وينبغي أن يروم كل طائفة، لأن تسلب جميع ما للأخرى من ذلك، وتجعله لنفسها، فالقاهرة، منها للأخرى على هذه هي الفائزة، وهي المغبوطة وهي السعيدة، وهذه الأشياء هي التي في الطبع... والعدل هو أنا يقهر ما اتفق منها، المقهور إما أن يقهر على سلامة بدنه، أو هلك وتلف، وتفرد القاهر بالوجود، أو قهر على كراهته، وبقي ذليلا مستعبدا، فاستعباد القاهر للمقهور هو أيضا من العدل وأن يفعل المقهور ما هو الأنفع للقاهر هو أيضا عدل، وهذه الأفعال هي الأفعال الفاضلة، فإذا حصلت الخيرات للطائفة القاهرة فينبغي أن يعطي من هو أعظم غناء في الغلبة على تلك الخيرات أكثر، والأقل غناء فيها أقل».
أما فيما يخص نظام الرئاسة في المدينة الفاضلة، يخضع حسب الفارابي «لقوانين طبيعية وإجتماعية لها طابع إلهي، تربط بين أجزاء المدينة كما ترتبط أعضاء الجسد، وأجهزته ببعضها برباط حيوي وعضوي دقيق تحدده العضوية للإنسان. إنها مدينة قائمة ومؤسسة على شريعة واحدة لا تقبل الرفض يؤسسها العقل الفعال الذي هو السبب في أن تحصل المدينة وأجزاؤها والسبب في أن تحصل الملكات الإرادية التي لأجزائها وفي أن تترتب مراتبها».
وختاما لرؤية "الفارابي" السياسية يمكن القول بأن أفكار الفيلسوف جاءت متأثرة بواقع مأزوم وخلافة مخلة ومجتمع يغلب عليه قانون الغاب وآفاق مستقبلية مسدودة على ضوء إنهيار أدوات الإنتاج وتدهور القوى المنتجة، مما جعل حلم المدينة الفاضلة حلما مثاليا، مدينة يسودها العدل والمساواة والشريعة والقيم الأخلاقية تحت قيادة إمام عادل ومعصوم. لكن مع ذلك ينتقد الدكتور "علي أومليل" مدينة "الفارابي" بقوله : «إن مدينة الفارابي الفاضلة هي بناء ذهني مجرد، قد ركب من قراءة لجمهورية أفلاطون ومما بلغه عن سياسة أرسطو ومن آراء أفلاطونية، وطبعا خلاصة لهذه المدينة الذهنية المركبة بالمدينة الإسلامية، ولكن ليس هذا هو المهم، بل المهم أنها لم تكن مشروعا لدعوة سياسية إلى الإصلاح أو التغيير، فهي "مدينة" يستنبطها الوجدان الفلسفي المغترب، عسى أن يدبر بها غربته».
أما "إبن باجة" فقد تحدث عن الدولة وخاض في بعض المواضيع المتعلقة بالعلم المدني، لكن دون أن يهتم بالدولة في حد ذاتها، إنه حاول من خلال توطئة (مقدمة) للنظر في تدبير الفرد الخارج عن الطبع من أجل إيصاله إلى مرتبة السعداء أو القادة.
خلافا "لأفلاطون" و"الفارابي" و"إبن رشد" الذين درسوا سكولوجية وأخلاق الفرد عن البنية العامة للمدينة. إن هدف ومبتغى "إبن باجة" أن يجد مبرر العزلة الفيلسوف ليبتعد أو يعلن القطيعة مع العمل السياسي تاركا آفاق الدولة وسياستها للفقهاء والمشرعين، فالفيلسوف الفاضل الكامل يمكنه أن يعيش في مدينة ناقصة دون أن يتأثر بها.
ومع ذلك فإن الإتجاه العام الذي طبع فلسفة "إبن باجة" ويظهر ذلك من خلال "رسالة الإتصال" وكتاب "تدبير المتوحد" هو الإتجاه الفردي، الذي يسير في طريق الإستغناء عن المجتمع والتحرر من إلتزاماته ومسؤولياته الإجتماعية والأخلاقية والسياسية. ومع ذلك أسس "إبن باجة" لفكرة الدولة أو المدينة الفاضلة الكاملة التي توفر أفضل الشروط لتحقيق أفضل وجودات الإنسان. فقد «أعطي فيها كل إنسان أفضل ما هو معد نحوه، وأن آ راءها كلها صادقة، وأنه لا رأي كاذب فيها وأن أعمالها هي الفاضلة بالإطلاق وحدها، وأن كل عمل غيره فإن كان فاضلا فبالإضافة إلى فساد موجود».
في نظره يتميز أهل المدينة الفاضلة بالصدق في الآراء والسداد في الأفعال، والمحبة في العلاقات لذلك يقول "إبن باجة" في "رسالة الوداع" عن قوة الأفراد وتوادهم «كان كل أهل المدينة الكاملة نوابث، وكأنهم شخص واحد»، أي أنها مدينة لا تقبل الإختلاف والكثرة، فالوحدة أساسها والصدق في الآراء ويترتب عن ذلك كله غياب الصراع حول المصالح والغايات مما يبعد الدولة حسب "إبن باجة" عن كل مظاهر التحول والفساد، إن سكان الدولة هنا عقلاء بلغوا الغاية في المعرفة العقلية، والفضائل الخلقية والفكرية. ولتحديث أجهزة الدولة والعودة إلى الصواب والحكم الراشد، ترك "إبن باجة" الباب مفتوحا أمام إمكانية تحول المدينة الناقصة إلى مدينة كاملة، إذا ما تكاثر (شرط) فيها الفضلاء أو ما يصطلح عليه بلغة "إبن باجة" جماعة النوابث.
إن آراء "إبن باجة" السياسية ورغم قلتها ينتصر للوجود المعرفي، فالفيلسوف عاش مرحلة إنهيار الدولة في الأندلس وغياب شمس الخلافة، لذلك دعى لتربية المواطن خارج حيزه السياسي، بما تقتضيه من مؤسسات وأنظمة أخلاقية وشرعية والتوجه إليه باعتباره طاقة عقلية خالصة وبوصفه إنسانا يملك قيمة وجودية.
ونخلص القول أن مواقف "الفارابي" و"إبن باجة" الفلسفية المختلفة، فإنهم حسب "علي أومليل" تعلقوا بطوبى واحدة، إنها مدينة الفيلسوف، مجمع الفلاسفة المتواصلين. لقد بنى الفيلسوف مدينته داخل ذاته، يؤوي إليها كلما انسل من عالم الناس، متعاليا عن عقائدهم العامة، وقيمهم المتواثرة، وأنظمتهم القائمة ومادام ليس هناك من سبيل إلى إحلال الفلسفة لتصبح قاعدة للحياة العامة أو إقامة مدينتها كنظام عام، فليشيدها الفيلسوف داخل ذاته».
إبن رشد : كيف ينظر إبن رشد للتغيير أو غياب السلطان العادل أو الحكومة الشرعية ؟.
غياب الخلافة الإسلامية أو الحكم الراشد، وفي ظل أزمة المشروعية يبحث الفيلسوف عن حل لأزمة الواقع أو الفعل السياسي، لا يغيب عن ناظره التوتر السائد بين الحاكم والمحكومين أو ما عبر عنه "إبن سينا" بقوله «كما أن السياسة الموجودة في بلادنا هي مركبة من سياسة التغلب».
ينطلق "إبن رشد" المفكر الفيلسوف المغربي الأندلسي من إنتقاد للإستبداد الموجود في زمانه وقد إستطاع "إبن رشد" معالجة القضايا السائدة في الدولة الموحدية، بل لم يتراجع أمام طغيان الحكم الإستبدادي بل سعى إلى فضح أساليبه وتفكيك بنيته، لكن بلغة واضحة وواقعية بعيدا عن التمثلات الخيالية أو الصور البيانية الشعرية. وهذا ما أوضعه "عابد الجابري" بقوله : «نستطيع أن نقول باعتزاز إن في تراثنا ما يستجيب لهمومنا السياسية المعاصرة، بل يتحدى شجاعتنا وقدرتنا لينوب عنا في نقد أساليب الحكم في مدننا هذه وزماننا هذه»، بمعنى آخر أن النظر الرشدي والتصور الرشدي للإصلاح تصور معاصر صالح لكل زمان ومكان.
«إن شجاعة "إبن رشد" جعلته يختلف تماما عن إيحاءات "الفارابي" واعتزالية "إبن باجة" وهذا ما جلب عليه عداء الفقهاء والسلاطين ولاسيما بعد ظهور كتاب "جوامع سياسة أفلاطون" الذي خصصه للسياسة المدنية في الإسلام باعتباره حسب الباحثين كتابا نقديا يسعى إلى تأسيس علم السياسة كممارسة وكعلم».
ينتقد "إبن رشد" إزدواجية الفقهاء والحكماء بل يتردد في الربط بين العنف والإستبداد والتبرير الديني الذي يقدمه الحاكم السلطان، أي أن الحاكم يبحث عن مشروعية دينية لأجل الإستمرار الحكم «وهكذا فإن الربط بين التبريرات الدينية والممارسات الإستبدادية يعود بالأساس إلى تسخير بعض الأفراد للدين ليصبح في خدمة الإستبداد، وهذه طريقة تسيء إلى كل ما هو هدفه ديني فعلا، وهذه هي حال الدولة التي توجد في هذا العصر».
إن الاستبداد في عصره مرفوض ولاسيما الاستبداد الممزوج بالخطاب الديني، إذ أن هذا النموذج مرفوض لأنه يجعل من الحاكم يستمد سلطته ومرجعيته السياسية من العلماء أو رجال الدين باعتبارهم ممثلين للسلطة الروحية، والتداخل بين السلطتين معناه الإقصاء والتهميش والإستبداد وهذا مرفوض من منطلق رشدي، حيث أن العدالة المطلوبة في الحكم الصالح ما هي في نظره إلا القضاء بالحق. لقد حاول "إبن رشد" تطوير أداء العمل السياسي موظفا كتابات "أفلاطون" ورافضا إعطاء مواعظ ونصائح للسلاطين والملوك كما جرت العادة في الثقافة الإسلامية "الماوردي".
لقد أسس الفكر السياسي الرشدي لقاعدة حكم مرتبطة بضرورة التحرر من الإستبداد وأن لا شرعية للحاكم المستبد، موقف وتصور فلسفي يدعونا لطرح السؤال وهو سؤال مشروع، هل "إبن رشد" يدعو للتغيير أو المحافظة على الحكم خوفا من الفتنة كما برز ذلك الفقهاء.
إن موقف "إبن رشد" البناء جلب له الكثير من المتاعب، بل إن السياسة شكلت معاناة للكثير منهم، "فإبن سينا" عاش فترة مضطربة كما أن "إبن باجة" المستوزر في العهد المرابطي قد عاش معاناة كبيرة، أما "إبن رشد" فانتقاده للدولة الموحدية والسياسة الإستبدادية أدت إلى حالة أو مرحلة النكبة، التي عرفت "بنكبة إبن رشد".

 آليات اشتغال العقل السياسي في الفلسفة السياسية :
العقل نظام مركب ومكسب، وهو مرتبط بثقافة تعكس الشروط الإجتماعية، والتاريخية التي أنتجتها والإشكاليات التي صاغتها، ومع تطور حضارة ما وبروز حضارة جديدة يقود ذلك التطور والظهور إلى تبدل في مفهوم العقلانية. وعلى العموم فإن هذه التحولات الحضارية تولد عقلا أو عقلانية جديدة، بل وتظهر العقلانية التي تحملها كنموذج للعقلانية الحقة وأن تضفي على مفهوم العقل أو نظامه السابق صورة العقل الضعيف أو البدائي أو المتأخر، إن نظام العقل حسب الدراسات الفلسفية هو تأسيس للمعقولية وللمعقول في كل مجتمع وثقافة وحضارة : يقول "برهان غليون" في هذا الصدد «إن العقل هو أفق كل تفكير بالنسبة لكل حضارة وحدوده وهو يمثل في الوقت ذاته حدود هذه الحضارة ويرمز إليها». بمعنى آخر أن العقل والمعقولية هي شرط نشوء وتطور الفكر وتحققه كوظيفة للوعي، نابعة أو ناتجة من إمكانية المشاركة في مفاهيم واحدة والخضوع لقواعد مضبوطة، ثابتة وهي أيضا أي المعقولية مصدر الترابطات الممكنة بين الأفكار أي أنها أساس ومصدر تكوين النظريات والتيارات الإيديولوجية المختلفة التي تسمح للجماعة بتوجيه وضبط حركتها ونشاطها.
إن للعقل تاريخ فعلي بانتصاراته وهزائمه، بتقلباته واستقراره، وهو تاريخ من الصعب الإلمام به دفعة واحدة خصوصا وأنه لا هو تاريخ كان حاضرا في كل الأنشطة النظرية.
العقل يمكن ربطه في العصر الحالي بالمعرفة العلمية، أي بالإنجازات التي قام بها الإنسان لكن لها إرتباط وثيق بالعقل، فأصبحت الحداثة مصدر لثقافة جديدة أو لعقل أو معقولية تشمل حسب صاحب كتاب اغتيال العقل "برهان غليون" منظومات ثلاثة «منظومة العقل النظري، وهي التي تحدد داخل مجتمع محدد، أسس المعرفة الحقة أو الحقيقية، أي أصل المعلومات الصحيحة، وتؤسس إذن للعلم، ومنظومة العقل العملي، التي تحدد معيار السلوك الرمزي أو الخيال، التي تعين معيار الجميل وأصل الجمالية».
إن العقل تركيب اجتماعي بحسب المنظور الفلسفي يتضمن توازنات بين مجالات الحقيقة ومستوياتها المختلفة ويحدد مراتبها ويسهر على قيامها بوظائفها المتباينة.
كل مجتمع يحقق توازنات داخل بنيات العقل، أي يحدد عقلانيته، انطلاقا من المعارف العلمية التي اكتسبها وحسب شروطه الثقافية الخاصة، إن العقل يحاول إثبات وجود حضارة وثقافة وتميزها، فهو حاضر في إنشاء الثقافات هو بناء قيم على أساس من العقلانية ومثال ذلك أن الحداثة الفكرية في أروبا ولدت على قاعدة القيم والمفاهيم المخيلة والأهداف والمطالب الروحية والإجتماعية.
إن العقل أو العقلانية لا علاقة بالثقافة وأفضل ما قدمته العقلانية أو العقل في مجال السياسة مفهوم العلمانية وهي شكل من أشكال العقلانية السياسية في الغرب وتجد العلمانية دورا لها في الصراع بين الكنيسة –أي رجال الدين أو الدين- والمجتمع، وهو صراع ناتج عن رغبة الكنيسة في السيطرة أو الاستعباد وهي التي تملك طبيعة إيديولوجية مغلفة بالوصايا والوعيد. علما أن الصراع بين الدين وبين السياسي، لحظات عاشتها أروبا، لكن العقلانية أضعفت مكانة الهيئة الدينية ورغبتها الجامحة إلى الحلول محل السلطة السياسية. لكن لابد من الإشارة إلى أن هذا الوضع المسيحي مختلف عندما نتطرق للعلاقة بين الخطاب الديني /الفقهي. والخطاب السياسي أو العقلاني في الإسلام، فتاريخ الإسلام السياسي لم يكن في الواقع تاريخ صراع السلطة الزمنية ضد محاولات رجال الدين للسيطرة عليها وإخضاعها بقدر ما كان حسب الباحث والمفكر "برهان غليون" «تاريخ كفاح الجماعة، المجسدة في وجودها أو الممثلة لبقاء الدين وانتشاره، للاستقلال في وجه سلطة زمنية كانت تولد باستمرار في القتال، وعلى قاعدة ميزان القوة».
لقد تأسست العقلانية لأجل تحرير الروح /الإنسان من وصايا السلطة وتحرير المجتمع من وصايا رجال الدين، ولقد كان عصر ما بعد القرون الوسطى بمثابة الانطلاقة الجديدة نحو إعطاء تصدر جديد لمفهوم الإنسان، الإنسان كمركز للعالم ومحور له، وقد كان الهدف الأساسي من بروز فكرة الإنسان الذي يملك الإرادة، النضال ضد كل سلطة تسلب الإنسان حقه في أن يكون سيد أفعاله.
لقد كانت السلطة أو النظام السياسي المتصالح مع مخطط الكنيسة أو رجال الدين، تستمد رؤيتها من "الخالق المبنية على الإيمان بالخاصة المقدسة أو قيمة ما هو خارق للطبيعة، والسلطة البطريكية التقليدية التي تستند إلى الإيمان في الخاصية المقدسة للروتين اليومي تتقاسمان فيما بينهما علاقات السلطة الأكثر أهمية القوانين الجديدة «لا يمكنها أن تدخل في دائرة الأشياء المدعومة بالتقليد إلا بواسطة أشخاص يمتازون ببعض الخصائص الإلهية : معجزات الأنبياء، أو أوامر صادرة عن قرار حرب ذوي صفات إلهية، الكشف والسيف، اللذان كانا السلطتين الاستثنائيتين، كانا أيضا النموذجين، مع أن عملهما تم إنجازه، فالإثنان يقعان بشكل نموذجي في "عملية" إحداث الروتين (La routinisation)».
العقلانية تأسست على القطيعة بين الدين الرسمي والفلسفة، بل ارتبط تحرر وانعتاق المجتمع من الكنيسة بتحرر الفكر من هيمنة المفاهيم اللاهوتية وتأكيد سلطة العقل كسلطة تملك الآراء وتجعل الإنسان قادرا على إعطاء تصورات عقلية وعقلانية. لقد حارب العقل في بداية انطلاقه اللاهوت بل إن "سبينوزا" يرى أنه لا توجد صلة بين العقل والإيمان، أو بين الفلسفة والدين أو كما يقول : «بين العقل والفلسفة من ناحية وبين الإيمان واللاهوت من ناحية أخرى، إذ يقوم كل علم، سواء الفلسفة أو اللاهوت، على مبادئ مختلفة اختلافا جذريا على المبادئ التي يقوم عليها العلم الآخر، فغاية الفلسفة الحقيقة وغاية الإيمان الطاعة... أسلوب الفلسفة هو العقل الذي يدرك الأشياء على ما هي عليه، وأسلوب الإيمان هو التخيل الذي يثير التأثير في النفوس».
صحب تطور وبروز النزعة العقلانية، تطور ونمو الإنتاج الرأسمالي والصناعي الذي كانت من نتائجه إمكانية التحقق والثبات والتطور، بل الأكثر من ذلك أن النزعة العقلانية أصبحت سلاحا ضد هيمنة وتكريس تصورات الكنيسة أو الخطاب الديني. ولذلك فإن العقلانية الفلسفية كانت ذات طبيعة حداثية، ولعل أهم ما يمكن الحديث عنه أن القيم العقلانية كونت في الغرب الحديث مصدر قوة روحية وإنسانية عميقة، أثرت في التحولات التي عرفتها أوربا بل الأبعد من ذلك أسهمت هذه النهضة العقلانية في إحداث خلل في البنية العربية الإسلامية. حداثة غربية وعقلانية ثورية أسهمت في تأسيس وبحث فلسفة سياسية، ويمكن اعتبار حركة النهضة الأوربية أو الحركة الإنسانية كانت أكثر تأثيرا على بروز مدارس سياسية كبرى بل إن «جهود الباحثين الإنسانيين قد مهدت الطريق للتطورات الفلسفية الكبرى التي حدثت في القرن السابع عشر».
في ميدان السياسة أو الفلسفة، أنجبت النهضة الأوربية بفرعها الإيطالي، شخصية بارزة هي شخصية نيكولاي ماكيافيلي Nicola Michiavelli (1469-1527)، بدأ إشتغاله بالسياسة عندما طردت أسرة مديتشي من فلورنسة، في هذا الوقت خضعت المدينة لتأثير سافونا رولا Savonarola المصلح الدومانيكاني الذي تصدى للرذيلة والفساد المنتشرين في عصره وقد دفعته حماسته الشديدة إلى التصادم مع إسكندر السادس، البابا، فأعدم حرقا في العام 1498 والمهم عندنا أن هذه الأحداث أثارت أفكارا عن طبيعة السلطة والنجاح السياسي وقد كتب ماكيافيلي فيما بعد يقول إن الأنبياء غير المسلحين يخفقون دائما. كرس صاحب كتاب الأمير للكتابة في الفلسفة وما يتصل بها من موضوعات.
ألف ماكيافيلي كتاب "الأمير" والخطابات «Discoures » ويأخذ الأول منهما على عاتقه مهمة دراسة الوسائل التي تكتسب بها القوة الإستبدادية وتتم بها المحافظة عليها فيما يقدم الثاني أي كتاب "الخطابات" حسب "برتراند رسل" « Bertrand Russell » في كتابه حكمة الغرب -Wisdon of the west- دراسة عامة للسلطة وممارستها في ظل مختلف أنواع الحكم. إن ماكيافيلي بتصوراته السياسية ولنظام الحكم في أروبا أثر بشكل كبير في نظريات الفلاسفة السياسيين الليبراليين في العصر الحديث.
الفلسفة السياسية كان لها موعد آخر وأحد أعظم شخصيات الحركات الإنسانية، الأمر يتعلق بـ "إرازموس" « Erasmus » (1466-1536)، وقد اهتم بنشر دراسات علمية قيمة، وأثر في ميدان التعليم واضح والواقع أن الدراسة الإنسانية، تدين لجهوده الأدبية والتعليمية وقد واكب وجود "إرازموس" Erasmus بروز "توماس مور" في إنجلترا (1478-1535)، ألف في مجال الفلسفة السياسية وأهم كتبه "اليوتوبيا" وهو كتاب يعرض نظرية اجتماعية سياسية تأملية تستلهم جمهورية أفلاطون وقد واظب "توماس مور" انتقاد تدخل الدين في السياسة والولاء الديني الذي يطبع المجال السياسي في أوربا.
ما يهمنا من خلال هذا الجرد التاريخي لفكرة بروز التفكير الفلسفي السياسي، أن هناك مناخا عقليا الذي بدأ فيه نمو العلم الحديث هو نفسه المناخ الذي سيصحب ظهور فلسفة سياسية حديثة.
لقد وضع "طوماس هوبز" في الفلسفة أساس عناصر كثيرة أصبحت تتميز بها المدرسة التجريبية الإنجليزية فيما بعد،. وكان أهم مؤلفاته هو كتاب " التنين" يقول "راسل" «وفيه طبق آراءه الفلسفية العامة من أجل وضع نظرية في الحكم والسيادة»، تأثر "هوبز" بالصراعات السياسية التي انتشرت في عهده، إن التوتر السياسي كان حاضرا لذلك لا غرابة في القول أن آراؤه كانت تنشد السلام وتحارب الإنشقاق والصراع الداخلي.
عاش "اسبينوزا" محنة تأسيس عقلانية مواجهة للخطاب الديني اللاهوتي، وهو الوحيد الذي طبق من الديكارتيين منهج ديكارت في السياسة، فدرس أنظمة الحكم، مقارنا بينهما، منتقدا الأنظمة التسلطية القائمة على حكم الفرد المطلق، وانتهى إلى أن النظام الديمقراطي هو أكثر النظم اتفاقا مع العقل والطبيعة. وإن اسبينوزا كان سباقا في توجيه النقد والشك للنظم السياسية، والتشريعات الوطنية، وعادات البلد، أي أنه حاول تحديد الصلة بين الفكر والواقع، أو بين الدولة والدين. لقد قاد اسبينوزا ثورة في الفكر السياسي والفكر الديني فيمكن اعتبار رسالة في اللاهوت والسياسية ثورة على هذه الأوضاع الثقافية والسياسية في عصره بل وفي كل عصر، وتطبيق للنور الطبيعي في مجال الدين والسياسة والهدف «حتى لا يخلط الناس بين البدع الإنسانية والتعاليم الإلهية أو بين التصديق الساذج والإيمان الصادق، أو بين الجدل البيزنطي في الكنائس وبين الإحساس الطبيعي بالعدل والخير، أو بين الفتن والمصادمات بين الطوائف باسم الدفاع عن الدين».
هدف "اسبينوزا" أو عقلانية "اسبينوزا" تأصيل الدين وإخضاع الكتاب المقدس للنقد التاريخي العقل الفلسفي الغربي كان دائما في مواجهة الإحتكارية الدينية ورافضا للاستغلال البشع لكرامة الإنسان سيدخل منعطفا جديدا ولاسيما خلال القرن الثامن عشر بداية بمواقف مستنيرة غدتها الحركة الإنسية والتي من أهدافها الدعوة للتنوير.
إن التنوير اعتبر موقفا "قد أصبح في عمومه ممثلا للمناخ العقلي للعصر، واكتسب خلال القرن الثامن عشر موطن قدم في فرنسا أولا، ثم في ألمانيا، والواقع أن حركة التنوير (Enlightemment) لم تكن مرتبطة إرتباطا دائما بأي مدرسة فلسفية معينة، بل كانت نتيجة الصراعات الدينية الدموية".
هي إذن حركة التنوير العقلانية والتي ارتبطت ارتباطا وثيقا بانتشار المعرفة العلمية، وبذلك اهتم الناس بالأمور العلمية بعد أن كانوا لا يقبلوا إلى التفسيرات البالية وغير المفيدة، فمع التنوير بدأوا يتطلعون إلى الطبيعة بأنفسهم، ومنها انطلقت الكشوف العلمية والتي غيرت من وجه الحياة في أروبا الغربية بصفة عامة.
إن عصر التنوير استهدف في جوهره أو إعادة إلى إنشاط العقل المستقل، ونشر النور حيث كانت السيادة للظلام، التنوير إذن ارتبط بفتوحات العقل، هذا العقل الذي أضفى عليه طابع القداسة بل اعتبر مغامرة يقول "إدغار موران" في هذا الصدر «إن مغامرة العقل، منذ القرن السابع عشر، قد أنتجت أشكالا من العقلنة (Rationalité) والعقلانية، والتبرير العقلاني في أن واحد وبصورة غير متمايزة».
إن العقل فرض وجوده عبر التاريخ ومسيرة الحضارة الغربية خير شاهد وإذا بدأنا بالثقافة اليونانية وهي الأسبق تاريخيا، نجد كل من هيرا قليطس وأناكس جوراس، قد حددا العلاقة بين الله والإنسان والعالم بصورة تعبر فعلا ليس فقط عن نظام الثقافة اليونانية كما عبرت عنه الفلسفة بل أيضا بصورة تستعيد عقليا، هيكل التصور الميثولوجي (الأسطوري) السابق للفلسفة والمباطن بصورة من الصور تختلف من فيلسوف لآخر، يقول "محمد عابد الجابري" في صدد البحث عن علاقة العقل بالتفسيرات والبحث في نظام الطبيعة «كان "هيراقليطس" –فيما يذكر مؤرخو الفلسفة- أول من قال بفكرة "اللوغوس" Logos أو "العقل الكوني" فلكي يفسر هذا الفيلسوف النظام السائد في الكون، بعيدا عن الميثولوجيا والأساطير قال بوجود "قانون كلي" يحكم الظواهر ويتحكم في صيرورتها الدائمة الأبدية، والعقول البشرية تستطيع التوصل إلى معرفة صحيحة عن ظواهر الطبيعة».
إن فكرة العقل الكوني ستظل متمسكا بها حتى في عصر الفتوحات، بل يذهب المفكر المغربي "محمد عابد الجابري" إلى أن الفكر الأوربي الحديث ظل متمسكا بفكرة "العقل الكوني"، متصورا بأنه «القانون المطلق للعقل البشري».
العقل الأوربي أخذ في التطور وفي المجال السياسي، إنفتح بشكل أكبر على مجالات العلاقة بين الواقع والعقل كل ما هو واقعي عقلي وكل ما هو عقلي فهو واقعي، لقد أضفى على تحركه في محال إخراج الناس أو الإنسان من بوتقة الحجر مؤسسا لأساس تنويري ولحداثة عقلانية، خطت في المجال الفلسفي خطوات كبيرة، ليضع على بصمات التاريخ فلسفة سياسية يقول المفكر العربي "محمد أركون" عن تطور العقل وتفوقه وخروجه من وضعية إلى أخرى أكبر وأرحب «أصبحنا الآن أمام عقلانية جديدة هي التي آمنت للغرب تفوقه على جميع شعوب الأرض، هذا شيء ينبغي أن يقال وأن يوضح لكي نفهم سر تفوق الغرب، وهكذا إنتقلنا –أو قل انتقلت أوربا- من مرحلة العقل اللاهوتي القرون الوسطى إلى مرحلة العقل الحديث الكلاسيكي، وكذلك الأمر فإن أوربا تنتقل من مرحلة العقل الكلاسيكي المرتكز على اليقينيات المطلقة إلى مرحلة العقل النسبي أو النقدي الذي يعود على نفسه باستمرار من أجل تصحيح مساره أو تعديله إذا لزم الأمر، وهذا ما يدعوه بعضهم الآن بعقل ما بعد الحداثة، أي عقل أكثر تواضحا، ولكن أكثر دقة وحركية في آن معا ولكن هذا العقل الجديد لا يتراجع عن بلورة المعرفة أو الإيمان بإمكانية التقدم وإلا فإنه يسقط في هاوية العدمية والضياع».
العقل إذن مكون لما يسميه فرانسوا شاتليه «F. Chatelet » «للحقائق الظافرة للفلسفة الخالدة Philosophia Parenmis» إلى جانب الذات الفاعلة والتاريخ، بل أصبح في نظر "إدغار موران" هو الأسطورة الكبرى الموحدة للمعرفة، وللأخلاق وللسياسة والنتيجة حسب "إدغارموران" أن على المرء أن يحيا تبعا للعقل، أي أن تبعد نداءات الوجدان والاعتقاد.
وفي الجانب الإجتماعي فإن العقل السياسي له آليات تمكن العقل الفردي /الشخص من أن يزدهر باختيارنا طبعا للديمقراطية والحرية. وهو الخيار الذي يعني مواجهة الأسطورة والاضطهاد وتبنى نزعة عقلانية تشيد بالإنسان من حيث هو كائن حر وعقلاني وذات فاعلة في الكون، ولقد كان العقل والعقلانية خميرة التحرر وخميرة المساواة، وحقوق الإنسان المواطن، وحق الشعوب في تسيير شؤونها، إنه العقل الذي يختلف تماما عن العقل اللاهوتي أو الديني الذي يشتغل تحت إكراهات التبجيل الدفاعي أو الهجومي.
إن هذا النموذج من العقل اللاهوتي الذي يواجه عقل التنوير والحداثة والعقل السياسي يقودنا للحديث عن العقلانية العربية الإسلامي، أو بتعبير أوضح العقل العربي الذي هو امتداد للعقل الإنساني وهو نموذج لعقل يتأثر بالمحيط ولاسيما محيط الفتوحات الغربية التي خلقت نماذج من المفاهيم في المجال السياسي جعلت من العقل العربي يتأثر، ويصاب بشظايا التغيير.
لكن قبل الغوص في منطق العقل العربي، لابد من الوقوف عند علاقة الفلسفة بالسياسة باعتبار أن الفلسفة السياسية لها بعد عقلي، على عكس علم السياسة، فالفيلسوف السياسي غالبا ما يحكم على المستقبل في ضوء الحاضر كحكمه على المدينة الفاضلة أو على العقد الإجتماعي، إذ يسعى الفيلسوف دائما الانعتاق من السياسة السائدة في عصره ومحاولة تغييرها بسياسة أفضل، قوامها العدالة والفضيلة، لأن السياسة في عهده عادة ما تكون سياسة فاسدة، ولن يتم ذلك إلا من خلال الدعوة إلى تأسيس مدينة أو دولة عادلة يكون على رأسها حكيم أو فيلسوف «إن الدولة هي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية الموضوعية...إن الدولة بوصفها تحققا فعليا للإرادة الجوهرية، وهو تحقق تعيه في وعيها الخاص بذاتها الكونية، هي العقلي في ذاته ولأجل ذاته».
علاقة الفلسفة بالسياسة علاقة وطيدة حاول أرسطو إدماج السياسي بالفلسفي لتصبح فلسفة سياسية بالفعل، إذ حاول أن ينظر إلى إشكالية الدولة وأنواع السياسات السائدة في عصره، إن الفلسفة السياسة عند "أرسطو" إذن تقف على قمة هرم العلوم يقول "أرسطو" في هذا الصدد : «بما أن الغاية في كل علم وفن هي خير ما، فالغاية في أسمى العلوم والفنون كلها هي أعظم خير فيه وأقصاه، وأسمى الفنون والعلوم هي السياسة».
إذا كانت الفلسفة الأرسطية قد أبدعت الفكرة القائلة بأن الدولة هي السياسة، إذ يعتبر أرسطو السياسة هي الدولة في حين أن الفلسفة السياسية المعاصرة ترى أن الحكومة تستند إلى الرأي وليس إلى السيطرة، كما أن الفلسفة السياسية المعاصرة، حسب "هابرماس" «Habermas » «تقوم بالفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، بل إنها تعتبر المجتمع السياسي بمثل وعي مقلوب للمجتمع المدني، وهذا يعني من ضمن ما يعينه أن السياسي، بل إنها تعتبر المجتمع السياسي بمثابة وعي مقلوب للمجتمع المدني، وهذا يعني من ضمن ما يعنيه أن السياسة وحدها ليست كافية في تأسيس مجتمع مدني فاضل».
بل إن الفلسفة السياسية، وما يمكن الإصطلاح عليه بالعقل السياسي لعب دورا كبيرا في تقويض النظم التقليدية واللاهوتية، وأسس لعالم حداثي ومتنور وهذا ما جعل المفكر العربي "أركون محمد" يوجه التحية للعقل التنويري، يقول في هذا الصدد : «إن عقل التنوير الذي ظهر في أوربا الغربية قد زعزع قلعة الأستاذية العقائدية الدينية أو المدعوة كذلك (أي السلطة الكهنوتية العليا للمسيحية)، لقد هزها هزا وفرض محلها قطيعة حاسمة بين الذروة الإلهية للسيادة أو الذروة البشرية المتمثلة بالسيادة الشعبية أو حق التصويت العام للشعب، وهكذا نزلت الشرعية العليا من فوق إلى تحت، ومن السماء إلى الأرض، وكان ذلك يمثل ثورة كبرى في التاريخ البشري».
الفلسفة السياسية العربية نجحت فيما يمكن اعتباره نحن فشلا لخطاب سياسي عربي إسلامي، لكن دون أن نذهب بعيدا ولا يمكن الإجابة عن هذا السؤال دون الوقوف أولا عند المقاربة الإسلامية العربية للعقل، أو ما مفهوم العقل في البنية الثقافية العربية الإسلامية ؟
العقل في الخطاب أو البنية الثقافية الإسلامية العربية
الثقافة تظم مختلف أنواع الإنتاج المادي الروحي ومختلف أنماط السلوك الإجتماعي والأخلاقي، يعرف تايلور «الثقافة بـ : ذلك الكل المركب الذي يشمل المعارف والمعتقدات والفن والأخلاق والقوانين والتقاليد وكل الأعراف والعادات المكتسبة من طرف الإنسان بإعتباره عضوا في مجتمع».
الثقافة مرتبطة أساسا بخصوصية مجموعة من الشعوب أو ما عبر عنه "محمد عابد الجابري" «بالخصوصية الثقافية» لذلك فإن الثقافة العربية الإسلامية لها خصوصية ولها واقع حضاري ولها موروث ثقافي ومحيط إجتماعي، وبذلك فإن الفكر يحمل معه ثقافة. إنه التفكير الذي يحمل تاريخيا عربيا وحضاريا، لذلك فإن "محمد عابد الجابري" يحدد مفهوم العقل بقوله : «الفكر بوصفه أداة للإنتاج النظري صنعتها ثقافة معينة لها خصوصيتها، هي الثقافة العربية بالذات، الثقافة التي تحمل معها تاريخ العرب الحضاري العام وتعكس واقعهم أو تعبر عنه وعن طموحاتهم المستقبلية كما تحمل وتعكس وتعبر، في ذلك الوقت، عن عوائق تقدمهم وأسباب تخلفهم الراهن».
ويذهب الجابري إلى حدود تركيب العقل العربي وتخصيصه لقد اعتبر هذا العقل عقلا مكونا آخذا بتعريف وتقسيمات "لالاند" الفرنسي والذي ميز بين العقل المكون أو الفاعل La raison condtituante والعقل المكون أو السائد La raison condtituée الأول يقصد به النشاط الذهني الذي يقوم به الفكر حين البحث والدراسة والذي يصوغ المفاهيم ويقرر المبادئ.
إن الحديث عن الثقافة العربية، نقصد بها إثبات وجود عقل عربي خالص يقول الجابري عن هذه الثنائية عقل – ثقافة وعن إمكانية توحيد بين "العقل" و"الثقافة" : «ليكن ذلك ولكن شريطة أن نأخذ هذا التعريف المشهور للثقافة، والذي يقول : "الثقافة هي ما يبقى عندما يتم نسيان كل شيء". وهكذا فإذا قلنا أن "العقل العربي" هو ما خلفته وتخلفه الثقافة العربية في الإنسان العربي، بعد أن ينسى ما تعلمه في هذه الثقافة، لم نبعد عن الصواب، إن ما يبقى هو "الثابت" وما ينسى هو "المتغير" إن ما يبقى هو ثوابت الثقافة العربية، هو العقل العربي ذاته».
نلاحظ أن العقل العربي هو نفسه يمثل الثقافة العربية، بل إن العقل كجهاز معرفي فاعل ومتحرك ومسيطر يتشكل وينتج في آن واحد، لقد أنتج ثقافة عالمة ومادة معرفية يتوارثها الخلف عن السلف، والدولة والشعب والأمة، ولعبت السياسية كمفهوم وممارسة دورا كبير في توجيه الفكر العربي الإسلامي وقد بدأت السياسة بشكل مع نهاية الصراع والإفتتان بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، يقول "محمد عابد الجابري" في هذا الصدد : «لقد كانت المواقف السياسية وهي جزئية بطبيعتها، يبحث لها عن سند عام من الدين، وكان ذلك أولى الخطوات التنظيرية التي أسست ما سيطلق عليه فيما بعد إسم "علم الكلام" وإذن فعلم الكلام في حقيقته التاريخية لم يكن مجرد كلام في العقيدة بل كان ممارسة للسياسة في الدين».
لكن "محمد عابد الجابري" وخلال تعمقه في البحث عن ماهية العقل العربي سيتبنى موقفا قد خلق الكثير من ردود الفعل، فقد أوضح من خلال أطروحته وتصوره أن العقل العربي قد بدأ يقدم إستقالته فكانت النتيجة فقدان العرب لبوصلة التقدم وانهار التقدم الإقتصادي وتأزمت الأوضاع الإجتماعية في القرون الوسطى ويعزي الجابري الفشل وما أسماه بإصرار العقل العربي على تقدم استقالته». فبعضها يعود أصلا إلى الموروث القديم السابق على الإسلام والبعض الآخر إلى الموروث الإسلامي «فقد ورث العرب مركبا جيولوجيا من الآراء والمعتقدات والفلسفات تعلوه قشرة سميكة من منتجات "العقل المستقيل" الهرمسي فكان دورهم التاريخي العلمي، يتمثل في تجاوز هذه القشرة إلى "معادن" العلم والعقل، إلى العقلانية اليونانية التي كانت تمثل الخلاصة التاريخية لتطور العقل البشري ومعارفه إلى عصرها، وقد فعلوا ذلك جزئيا، وجزئيا فقط بسبب أحد معطيات "الموروث الإسلامي" الخالص ذاته».
ويرى الجابري أن إشكالية الإمامة والسياسة فجرت على مدى عقود التاريخ الإسلامي صراعا إيديولوجيا، حاول كل طرف من أطراف الصراع الإيديولوجي أن يتبنى منتجات "العقل المستقيل" الهرمسي فأصبحت بذلك منتجات العقل ذات وظيفة اجتماعية سياسية وتاريخية.
يرى "محمد عابد الجابري" «أن هناك أصول تحكم العقل العربي وهي عناصر في بنية محصلة من نظم معرفية تؤسس الثقافة العربية الإسلامية. لكن هذا العقل العربي سيظهر بقوة انطلاقا من تجربة فلسفية أعجب بها محمد عابد الجابري وكانت بل وظلت محور تفكيره الفلسفي والفكري، إنها العقلانية الرشدية الذي يعتبرها أكثر فهما للعقيدة الإسلامية في الكثير من المسائل التي عرضت على أنظار الفيلسوف إبن رشد».
ويخلص الجابري إلا أن العقل العربي المعاصر متأثر بالقضايا الفكرية، السياسية، والفلسفية والدينية، قضايا سابقة لكنها حاضرة «إنها إما قضايا فكر الماضي تجتر إجترارا من طرف قسم كبير من المتعلمين والفقهاء والعلماء والأدباء، أولئك الذين يعيشون مغتربين بعقولهم في الماضي محكومين بكل سلطاته الظاهرة منها الخفية، السياسية والإيديولوجية (وهل للماضي سلطات غير هذه) وإما قضايا مشردة وأحيانا لقيطة تفتقر إلى الكل الذي يعطيها معناها، وليس هذا الكل شيئا آخر غير تراث الغرب نفسه... ومن هنا كانت الساحة الثقافية العربية الراهنة ساحة فكر مغترب».
ختاما وقبل الحديث عن مفهوم العقل السياسي لابد من الحديث عن ثنائية عقل حداثة، أو ما ترتب عن تطور العقلانية، حيث يعتبر الكثير من الباحثين أن العقلانية أو العقلنة هي إحدى أكبر محاضن الحداثة.
خلافا لمجتمعنا العربي الإسلامي الذي لم ينظر للحداثة إلا كتهديد يقول "محمد أركون" في صدد حديثه عن واقع العالم العربي «إن مجتمعاتنا تكشف مدى تأخرها وتقهقرها في مواجهة الغرب الذي حقق قفزات ضخمة إلى الأمام في المجال الحضري وبخاصة في مجال الحضارة التكنولوجية -العلمية».



#بوية_محمد_الاغظف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنوير الكانطى وحاجة الثوار للاستمداد منه
- انتصار ثورات يليه اخفاق ثورات، وماذا بعد؟ الا النصر
- المغرب تجييش القوى التقليدية كالزوايا والسلفية والقبائل لانج ...
- الفتى ابن رشد في ميادين التحرير
- الطواغيت صناعة عربية خالصة نمودج -بن على -
- اليمن وليبيا :افاق مكسورة


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بوية محمد الاغظف - العقل السياسي عند العرب ....الجزء الاول