أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - دينهم سياسة وسياستهم دين















المزيد.....


دينهم سياسة وسياستهم دين


عبد القادر أنيس

الحوار المتمدن-العدد: 3450 - 2011 / 8 / 8 - 22:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في المقالين السابقين تعرضت بالتحليل والنقد لتعريف القرضاوي المتهافت للدين والسياسة. في هذه المقالة التي تتناول بالقراءة الباب الثاني، من هذا الكتاب (الدين والسياسة)
http://www.e-cfr.org/data/cat1212200920352.pdf
سأتعرض بمزيد من التحليل والنقد لـ (العلاقة بين الدِّين والسياسة عند الإسلاميين والعلمانيين):
يقول في مستهل هذا الباب: "إذا عرفنا مفهوم كل من الدِّين والسياسة: أمكننا أن نفهم علاقة كل منهما بالآخر. هل هي علاقة تضاد وتصادم، بحيث إذا وجد أحدهما انتفى الآخر؟ أو هي علاقة تواصل وتلاحم، بحيث لا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا ينفصل عن الآخر. أو هي علاقة تعايش وتفاهم، كما يتفاهم الشخصان المختلفان-دينا أو مذهبا أو عرقا أو وطنا- على عمل مشترك بينهما، أو كما تتفاهم الدول المختلفة أيديولوجيا على التعايش السلمي المشترك؟"
القرضاوي فضل دائما ودافع وحارب لكي تكون علاقة الدين بالسياسة عندنا علاقة تضاد وتصادم إلا في حالة خضوع السياسة للدين خضوعا تاما، ولا يقبل حتى أن تكون هذه العلاقة علاقة تواصل وتلاحم، لأن الإسلام عنده يجب أن تكون له الهيمنة والكلمة الأولى على السياسة التي عليها أن تنقاد له وتسير وراءه مثلما ينقاد الأعمى للبصير. أما أن تكون علاقة تواصل وتلاحم، فلا أخاله يقبلها، إلا على سبيل مهادنة تقتضيها المرحلة وتكتيك "الحرب خدعة"، لأن التواصل والتلاحم يتطلب شريكين مستقلين منفصلين قبل أن يقررا التواصل والتلاحم على بصيرة، كما يقتضيه أي اتفاق قابل للحياة. الإسلاميون شعارهم: سياستنا دين وديننا سياسة، وهو ذوبان أحدهما في الآخر، الذي لا يمكن أن يعني إلا ذوبان السياسة في الدين.
أما أن تكون علاقة الدين بالسياسة في الساحة الإسلامية علاقة تعايش وتفاهم فهذا من المستحيلات السبعة لأن الإسلام لا يقبل الاختلاف والنّدّية في (دياره)، فلا إمكانية للندية بين المطلق والنسبي، بين الرباني والبشري، بين الكمال والنقص.
ولهذا فما يكتبه القرضاوي حول "موقف العلمانيين: أما الحداثيون والماركسيون والعلمانيون، فلا يرون العلاقة بين الدِّين والسياسة إلا علاقة التضاد والتصادم، وأن الدِّين شيء، والسياسة خصم له، وأنهما لا يلتقيان. فمصدرهما مختلف، وطبيعتهما مختلفة، وغايتهما مختلفة. فالدِّين من الله، والسياسة من الإنسان. والدِّين نقاء واستقامة وطهر، والسياسة خبث والتواء وغدر. والدين غايته الآخرة، والسياسة غايتها الدنيا. فينبغي أن يترك الدِّين لأهله، وتترك السياسة لأهلها"، ويعتبره من قبيل المسلمات غير صحيح، كما سنرى لاحقا.
قبل أن أواصل مع القرضاوي في تفصيله لهذه المسلمات التي بعضها صحيح وبعضها مغالطات، أتوقف بالشرح والتحليل والتفنيد لمسلمته الأولى.
حول كون علاقة الدين بالسياسة علاقة تضاد وتصادم، فتاريخ هذه العلاقة يقول لنا بأن السياسة البشرية الوضعية حتى قبل أن تصير علمانية بالمعنى المتعارف عليه اليوم، كما هو الحال في بلداننا، ليست هي التي قررت هذا التضاد والتصادم ولا بدأت به، بل العكس هو الصحيح سواء في البلاد الإسلامية أم في غيرها. شعار الإسلاميين الذي رفعوه منذ حسن البناء: سياستنا دين وديننا سياسة، يتضمن نزعة هيمنية طاغية. الدين، وعلى لسان شيوخه، هو البادئ بالشر، والبادئ أظلم. في ساحاتها العربية، تصدى شيوخ الإسلام دائما لكل ما هو جديد، بحجة أن عندهم ما يكفي وزيادة في دينهم الكامل الذي لم يفرط كتابه في شيء، و أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ورفضُ ما لم يجئ به الإسلام كان دائما ديدن رجال الدين قديما وحديثا، وسوف يطول بنا المقام لو استعرضنا مواقف رجال الدين عبر العصور حول هذه المسألة. رفضُهم في الأزمنة الحديثة بدأ مع بداية دخول المستجدات العصرية وافدة إلينا من الغرب. بدأ الرفض منذ المحاولات الأولى للاستفادة من الخبرة الغربية قبل حوالي ثلاثة قرون، ضد دخول المطبعة إلى ديار الإسلام ثم قبلوها تحت الضغط، كما هي عادتهم، بشرط ألا يطبع بها القرآن لأن من السنة، حسب رأيهم، أن يتواصل النسخ باليد مثلما كان يفعل السلف الصالح، ولم تنتهِ هذه اللعبة الماكرة بين الرفض والقبول والأسلمة والتخندق ثم العودة إلى الرفض حتى أيامنا أمام كل جديد.
أسخف رفض وأسوأه وأقبحه وأشده توحشا وعبثية كان رفض تعليم المرأة.
فحتى الحديث النبوي حوروا صياغته؛ حيث كان يقتصر على "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، ثم أضافوا إليه بعد ضغط المستجدات ""طلب العلم فريضة على كل مسلم وقيل ومسلمة"، ثم صار "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة". ثم قبلوا بتعليم المرأة بشرط منع الاختلاط، وأن يقتصر التعليم على ما يساعدها على إقامة الفروض التعبدية، ثم اشترطوا أن يقتصر التعليم على ما يساعدها على القيام بمستلزمات (بيتها) وتربية أولادها، ثم تنازلوا تحت ضغط الحداثة، وقبلوا لها التعليم العام مثل الذكر، لكنهم ظلوا يعارضون الاختلاط حتى اليوم في كثير من البقاع. اليوم حتى الاختلاط لم يعد مثارا لمعارضتهم عندنا في الجزائر بسبب ما تسببوا فيه من جرائم ضد الناس، لكن سكوتهم هو مثل الآيات المنسوخة ريثما تتغير الظروف ويعود العمل بها.
المضحك أن الدين عندهم صار محررا للمرأة، وها هم يجرونها (وراءهم)، أو على (هامش) مسيراتهم من أجل إسقاط الأنظمة الاستبدادية التي ساهموا في بقائها وتقويتها بفكرهم المتخلف، وليس لكونها استبدادية بل لكونها (علمانية) في نظرهم لا تحتكم إلى شرع الله من جهة ولكونهم تمكنوا من الهيمنة على عقول الناس فوظفوهم للاستيلاء على الحكم من جهة أخرى.
إنها الغاية تبرر الوسيلة المكيافللية التي يشنع عليها القرضاوي. وكانوا من قبل يتهمون العلمانيين بخطيئة إخراج المرأة من (بيتها) وإهانتها وزجها في المهالك بينما هم ي يريدون صونها وعفتها في بيتها معززة مكرمة شريفة عفيفة. أليس هذا ما كان يطالب به (الدكتور) الغزالي: "أن تشغل المرأة الوظيفة العتيدة المهيأة لها، وظيفة ربة البيت". ويقول (دكتور) عربي آخر هو محمد أبو زهرة: "أما تمكين المرأة من العمل فقد قررنا أن الشريعة لا تعارضه ولكن على أساس أن عمل المرأة في الحياة هو أن تكون ربة الأسرة، فهي تظلها بعطفها وحنانها، ترأم أولادها وتغذيهم بأعلى الأحاسيس الاجتماعية وهي التي تربي فيهم روح الائتلاف مع المجتمع حتى يخرجوا إليه وهم يألفون ويؤلفون".
فلماذا يخرجونها اليوم بالآلاف ويوكلون لها مهمة أخرى مليئة بالمخاطر غير تلك "الوظيفة العتيدة المهيأة لها، وظيفة ربة البيت".
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=206434
ما عارضوه في البداية صار من صميم دينهم وصاروا يتخندقون وراءه ويستغلونه أبشع استغلال مثلما كان الحال مع التلفزيون ثم الفضائيات... لكن أغرب معارضتهم على الإطلاق كانت للديمقراطية والتعددية وحق الأغلبية في الحكم، وهم اليوم يسبحون بالأغلبية بكرة وعشيا. لقد نسوا شعارهم "إن الحكم إلا لله"، وصار الحكم للأغلبية لسبب بسيط وهو أن الأغلبية صارت إلى جانبهم. لكن فكر الإخوان المسلمين لم يكن هكذا دائما ولن يكون، إنما هي الحرب خدعة مادامت هذه الأغلبية إلى جانب حكم الله. ولهذا لا يتحدثون عن حق الأقلية سواء تلك التي أفرزتها الانتخابات أم تلك ذات الطابع الديني والمذهبي والطائفي.
قال حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين مبررا رفضه للتعددية الحزبية: "يعتقد الإخوان كذلك أن هذه الحزبية قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم، وكان لها في حياتهم العامة والخاصة أسوأ الأثر، كما يعتقد الإخوان أن هناك فارقاً بين حرية الرأي والتفكير والإبانة والإفصاح، والشورى والنصيحة وهو ما يوجبه الإسلام، وبين التعصب للرأي والخروج على الجماعة، والعمل الدائب على توسيع هوة الانقسام في الأمة .. وهو ما تستلزمه الحزبية ويأباه الإسلام ويحرمه أشد التحريم، والإسلام في كل تشريعاته يدعو إلى الوحدة والتعاون".
وقال: "أحب أن أقول: إن الإخوان يعتقدون من قرارة نفوسهم أن مصر لا يصلحها ولا ينقذها إلا أن تنحل هذه الأحزاب كلها، وتتألف هيئة وطنية عامة تقود الأمة إلى الفوز وفق تعاليم القرآن الكريم" ..
فأي (العالمين) الأقرب إلى فهم الإسلام: أهو حسن البنا أم القرضاوي؟ من يلتوي على الدين ويسخره مرة ضد التعددية ومرة معها فقط من أجل الغدر بالناس والالتفاف على الديمقراطية.
هل الدين، في هذه الحالة، نقاء واستقامة وطهر، والسياسة خبث والتواء وغدر؟
قال حسن البنا أيضا: "أيها الأخوان لقد آن أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية في مصر، وأن تستبدل به نظام تجتمع به الكلمة وتتوحد به جهود الأمة حول منهاج إسلامي صالح تتوافر على وضعه وإنفاذه القوى والجهود..
ولم يعد الأمر يحتمل أنصاف الحلول، ولا مناص بعد الآن من أن تُحَلّ هذه الأحزاب جميعاً وتجتمع قوى الأمة في حزب واحد يعمل لاستكمال استقلالها وحريتها، ويضع أصول الإصلاح الداخلي العام ثم ترسم الحوادث بعد ذلك للناس طرائق في التنظيم في ظل الوحدة الـتي يفرضها الإسلام" انتهى .
http://www.altartosi.com/book/book01/sec032.html
أما القرضاوي فقال ما يبدو في الظاهر أنه عكس ما رآه حسن البنا. (الإسلام والعلمانية وجها لوجه، ص 163)
((أن عصرنا قد انتهى إليه حصاد تجارب إنسانية من مختلف الأعصار ومختلف البيئات، تتمثل في "ضمانات" أساسية لحماية حق الشعوب ضد طغيان الحكام وأهوائهم، مثل المجالس النيابية، وما لها من حق مراقبة الحكومة ومحاسبتها، بل وإسقاطها، ومثل الدساتير، التي تحدد علاقة الحاكم بالمحكوم، وتصون حريات الأفراد، وتحد من طغيان السلطات الحاكمة، ومثل حرية الصحافة، وتعدد الأحزاب وتكوين النقابات وحق الإضراب. وعلينا نحن المسلمين، أن نعض بالنواجذ على هذه الضمانات.. وأن نعتبر الحفاظ على هذه الضمانات والمكاسب فرضا دينيا لا يجوز التفريط فيه؛ لأن العدل والشورى والنصيحة وأداء الأمانات والأمر بالمعروف وانهي عن المنكر، التي أوجبها الإسلام لا تتم إلا بها، وما لا يتم الواجب إلى به، فهو واجب".
هل هذا تطور في فكر الإخوان؟ كلا. ما يبدو من تناقض بين دعوة القرضاوي إلى التعددية الحزبية، وكونها واجبا دينيا، وبين اعتبار حسن البنا لها "مفسدة" لأنها "قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم... إن مصر لا يصلحها ولا ينقذها إلا أن تنحل هذه الأحزاب كلها" تناقض وهمي هو أقرب إلى المخاتلة والمؤامرة، على رأي صديقنا الحكيم، منه إلى تطور طرأ على فكر الإخوان.
الرجلان يلتقيان في الهدف ويختلفان في الوسيلة بسبب اختلاف الظروف وموازين القوى. وكلاهما يتبع سياسة "الغاية تبرر الوسيلة" التي يلصقونها بالسياسة الغربية وهي منها براء. أقول هذا لأني لم أقرأ لإسلامي واحد نقدا ذاتيا يعتد به يتبرأ فيه من مواقف أسلافه حول تكفير الديمقراطية والحريات وغيرها، هذا أولا وثانيا، لأن مفهوم القرضاوي للديمقراطية مفهوم ناقص يجعلها كسيرة الجناح، عرجاء، سجينة الدين ورجاله.
القرضاوي يعتقد الآن أنه يمكن للإسلاميين أن يحكموا عبر الانتخابات بعد أن جربوا أساليب عديدة وفشلوا مثل الجهاد والتحالفات الانقلابية مع العسكر ومحاولة تثوير الشارع لقلب الأنظمة، بعد أن تمكنت دعايتهم الدينية من كسب أغلبية الناس إلى صفوفهم، ليقيموا دولة الإسلام وشريعته، ولهذا صارت الديمقراطية مرغوبة، لكنها ديمقراطية صناديق التصويت فقط، ديمقراطية للقضاء على الديمقراطية نفسها، بعد أن تنتهي مهمتها الرئيسية وهي إيصالهم إلى الحكم الإسلامي الذي لا يعترف بأهم مقوّمات الديمقراطية وهي العلمانية وما تقتضيه من مواطنة كاملة لجميع سكان البلد مهما اختلفوا: دينا وجنسا وعرقا ومذهبا وطائفة. تطبيق الشريعة لا بد أن يصطدم بمطالب المواطنة العصرية بهذا المفهوم.
إذن، فالقول بأن الدين نقاء واستقامة وطهارة، والسياسة خبث والتواء وغدر، قول لا يستقيم، وقد برهن القرضاوي أن العكس هو الصحيح. سوف يقوم بالتنكر لكل "حصاد التجارب الإنسانية" بما فيها أية إمكانية لأية معارضة. كيف لا؟ أليس دستورهم هو الإسلام وسياستهم هي الدين ودينهم هو السياسة ومن يشكك فيها أو يخطّئها فهو يشكك في الإسلام. هذا الحديث عن حصاد التجارب الإنسانية يتراجع عنه القرضاوي بجرة قلم وهو يزعم أن ((دعوى بعض المتدينين: أن الديمقراطية تعارض حكم الله، لأنها حكم الشعب، فنقول لهم: إن المراد بحكم الشعب هنا: أنه ضد حكم الفرد المطلق، أي حكم الديكتاتور، وليس معناها أنها ضد حكم الله، لأن حديثنا عن الديمقراطية في المجتمع المسلم، وهو الذي يحتكم إلى شريعة الله".
هي إذن ديمقراطية على المقاس: ديمقراطية في المجتمع المسلم .. الذي يحتكم إلى شرع الله، هي ديمقراطية دكتاتورية الأغلبية !!!!، أما غير المسلمين في هذا المجتمع المسلم، أو المسلمين العلمانيين، فعليهم الرحيل أو التزام صمت القبور قبل أن يضطروا إلى الاعتذار والدخول في القطيع. ومع ذلك يقول هذا الشيخ بجرأة قل نظيرها: ((وميزة الديمقراطية أنها اهتدت ـ خلال كفاحها الطويل مع الظلمة والمستبدين من الأباطرة والملوك والأمراء ـ إلى صيغ ووسائل، تعتبر ـ إلى اليوم ـ أمثل الضمانات لحماية الشعوب من تسلط المتجبرين. ولا حجر على البشرية وعلى مفكريها وقادتها، أن تفكر في صيغ وأساليب أخرى لعلها تهتدي إلى ما هو أوفى وأمثل، ولكن إلى أن يتيسر ذلك ويتحقق في واقع الناس نرى لزامًا علينا أن نقتبس من أساليب الديمقراطية ما لابد منه لتحقيق العدل والشورى واحترام حقوق الإنسان، والوقوف في وجه طغيان السلاطين العالين في الأرض.. ومن القواعد الشرعية المقررة : أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن المقاصد الشرعية المطلوبة إذا تعينت لها وسيلة لتحقيقها، أخذت هذه الوسيلة حكم ذلك المقصد.. لا يوجد شرعًا ما يمنع اقتباس فكرة نظرية أو حل عملي، من غير المسلمين، فقد أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الأحزاب بفكرة " حفر الخندق " وهو من أساليب الفرس.. واستفاد من أسرى المشركين في بدر " ممن يعرفون القراءة والكتابة " في تعليم أولاد المسلمين الكتابة، برغم شركهم، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها..))
http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=41841
لا بد أن القارئ لاحظ هذه الجهود الكبيرة التي يبذلها الشيخ لإقناع أتباعه بانتهاز هذه الفرصة السانحة للاستيلاء على الحكم في هذا الظلام الذي يخيم على مجتمعاتنا. ولكنه كلام يقطر خداعا وتحايلا. عندما نلاحظ كيف يختمه بقوله: ((وقد أشرت في بعض كتبي إلى أن من حقنا أن نقتبس من غيرنا من الأفكار والأساليب ما يفيدنا .. ما دام لا يعارض نصًا محكمًا، ولا قاعدة شرعية ثابتة.. وعلينا أن نحوِّر فيما نقتبسه، ونضيف إليه، ونضفي عليه من روحنا ما يجعله جزءًا منا، ويفقده جنسيته الأولى)).
http://www.nadyelfikr.com/showthread.php?tid=41841
الله الله، يا لها من ديمقراطية لا تعارض ((نصًا محكمًا، ولا قاعدة شرعية ثابتة.. وعلينا أن نحور فيما نقتبسه، ونضيف إليه، ونضفي عليه من روحنا، ما يجعله جزءًا منا، ويفقده جنسيته الأولى)). فما شأنه إذن بحقوق الإنسان التي تجرّم أي تمييز ديني أو مذهبي أو طائفي، وما شأنه بحقوق الإنسان التي تفرض على الأمم احترام حرية الاعتقاد بين مواطنيها، وما شأنه بحقوق الإنسان حول المرأة والطفل والمختلف؟ وأية ديمقراطية هذه التي يجب أن يحورها القرضاوي ويضيف إليها من روحه حتى تفقد جنسيتها الأولى؟ على من تضحك يا مولانا؟
ولكن الشيخ الغزالي كان أفضل منه، مثلما كان حسن البنا أفضل منهما جميعا من حيث الصراحة والنزاهة والتعبير الصادق عن جوهر الإسلام. يقول الغزالي مهددا حتى بدون حتى قبل قيام دولة إسلامية تسند ظهره في مصر (لعله كان في السعودية): "كن مسيحيا أو إسرائيليا ولكن لا تكن خصما للإسلام ونبيه وأتباعه تتمنى لهم الشر وتتربص بهم الدوائر... وإذا استفحل في نفسك الكره لهذا الدين فاحذر أن يتجاوز فؤادك إلى الحياة الخارجية عراكا مسلحا، وإلا فأنت الملوم".
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=205009
وبما أن مجرد رفض تطبيق الشريعة يؤدي حتما إلى التكفير، فإن المسلم العلماني والمواطن المسيحي مثلا، لا مكان له في هذه الدولة. يؤكد هذا في قوله أيضا: "من أولئك المؤمنين الأحرار الذين رضوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا تتكون الأمة المسلمة والدولة المسلمة، ويتأسس مجتمع تحكمه شبكة من الشرائع الدينية تتغلغل في أنحائه كلها كما تنتشر شبكة الأسلاك الكهربائية أو أنابيب المياه في العواصم الكبرى".
ويقول: "ذلك أن الإسلام عقيدة وشريعة والداخل فيه عن طواعية إنما يعلن انتظامه مع واجبات الحياة الجديدة وحقوقها". والداخل فيه هنا يعني المواطن المسلم الذي عليه، مع قيام الدولة الإسلامية، أن ينتظم كالجندي "مع واجبات الحياة الجديدة وحقوقها". "فليس في الأولين والآخرين نظام يعطي على نفسه صكا بحرية الخروج عليه".
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=205449
هذه هي الديمقراطية الإسلامية والدولة المدنية في مفهوم الإسلاميين: أغلبية من المسلمين يستولون عن طريق الانتخابات على السلطة ثم يقيمون دولتهم الإسلامية التي تغلق الباب نهائيا في وجه الأقلية التي من حقها أن تتطلع لانتزاع الحكم منها ديمقراطيا كما تقتضيه الديمقراطية العلمانية وأية معارضة تعتبر خروجا وردة. لن يتسنى للأقلية ذلك لأن الخروج عنها يعني الارتداد، ويعني الإفناء. أما الديمقراطية الغربية التي تبيح الخروج والاختلاف والنقد والرفض، خلافا لما يقول الشيخ كذبا، فلم يرها الشيخ أو أنه رآها ولكنها كفر بواح لا يعتد به.
لن يتمكن القرضاوي من إخفاء نوايا الإسلاميين مهما اجتهد في إقناع أنصاره وخداع الآخرين؛ لأنني وأنا أختم هذه المقالة، شاهدت تجمعا لأحزاب مصرية تندد بمحاولة الهيمنة الإخوانية والسلفية بعد هيمنة شعاراتها على ميدان التحرير، ويقرر حزب الوفد الانسحاب من التحالف الذي جمعه بالإخوان إلى جانب أحزاب أخرى. طبعا هذا لا يكفي لدق ناقوس الخطر ما لم تقرر الأحزاب العلمانية توجيه خطاب جدي للعسكر وللشعب المصري وللعالم تحذر من هذه الديمقراطية النتنة وتبدي نيتها في عدم المشاركة فيها في غياب دستور علماني يتضمن ضمانات أهمها منع الأحزاب الدينية العنصرية.
يتبع



#عبد_القادر_أنيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نتعرض فعلا لمؤامرة غربية؟
- القرضاوي ومكيافللي
- السياسة في الإسلام: ساس الدابة يسوسها
- لماذا نقد الدين؟
- تمخض الجبل فولد فأرا
- ما حقيقة الدولة الإسلامية (المدنية)؟
- هل العلمانية مسيحية متنكرة؟
- هل في الإسلام مواطنة: قراءة في فكر راشد الغنوشي 5
- هل في الإسلام مواطنة؟ قراءة في فكر راشد الغنوشي
- راشد الغنوشي هل في الإسلام مواطنة؟ 3
- راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة 2
- قراءة في فكر راشد الغنوشي: هل في الإسلام مواطنة
- العلمانية مفهوم للترك أم للتبني؟ 2
- العلمانية: مفهوم للترك أم للتبني؟
- انتفاضة الشباب في الجزائر من وجهة نظر لبرالية ويساري
- قراءة (2) في مقال ((الماركسية والتنوير المزيف)) لوليد مهدي
- قراءة في مقال ((الماركسية ُ والتنويرُ المزيفُ)) لوليد مهدي
- قراءة في مقال -الحزب الديمقراطي الاشتراكي الإسلامي هو الحل- ...
- قراءة في مانيفستو المسلم المعاصر لجمال البنا (تابع)
- قراءة في -مانيفستو المسلم المعاصر- لجمال البنا.


المزيد.....




- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد القادر أنيس - دينهم سياسة وسياستهم دين