أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قحطان محمد صالح الهيتي - إقليم الانبار بين الداعين اليه والرافضين له















المزيد.....


إقليم الانبار بين الداعين اليه والرافضين له


قحطان محمد صالح الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6 - 19:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


للحقيقة والتاريخ لابد أن نشير الى أن فكرة إقامة إقليم سني ليست وليدة اليوم، بل هي فكرة أعلن عنها المرحوم فصال الكعود محافظ الانبار الأسبق في مؤتمرصحافي عقد في بغداد نهاية عام 2004وقال: إن المحافظات الغربية (الانبار والموصل وصلاح الدين) قد وضعت الخطط اللازمة لإنشاء هذا الاقليم. واشار الى ان هذا الاقليم جزء لا يتجزأ من العراق وفقا لما جاء بقانون ادارة الدولة فيما يتعلق بصيغة الفيدرالية.

واوضح ان هناك فريقا من المختصين بهذا الشأن كلفوا لوضع الصيغة النهائية للمشروع، وستطرح خلال الايام المقبلة على الجمعية الوطنية للمصادقة عليه. وبيّن في المؤتمر بان التشاور قد تم بين محافظي تلك المناطق والقوى المحلية وسكانها لتفعيل هذا المشروع. واكد الكعود – في حينه- ان اختيار هذه المناطق، لم يكن على اسس طائفية وانما جاء على اساس الموقع الجغرافي والعلاقات العشائرية لتلك المحافظات الثلاث.

لا نريد من مقالنا هذا أن نبدي رأيا محددا ،ولا أن نقرر موقفا معينا لا مع الداعين الى إقامة إقليم الانبار ولا مع الرافضين لإقامته، وغايتنا توضيح النصوص الدستورية والقانونية التي حددت الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم والطرق المقررة لذلك، فضلا عن الاجراءات الواجب اتباعها. وكذلك عرض الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمحافظة في الوقت الحاضر، مع بيان المستلزمات الواجب توافرها لإقامة الإقليم ليكون ابناء المحافظة ومن يعنيهم الأمر على بينة منه. ولن ندخل في كل هذا مدخلا يخرجنا عن الغاية من المقال الذي نريد من خلاله ايضاح الصورة بحيادية كاملة.

مشروعية تكوين الإقليم

لقد حدد ت المادة (110) من الدستور اختصاصات السلطات الاتحادية بتسع فقرات تمثلت برسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي، والتفاوض بشان المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها ورسم السياسة الاقتصادية والتجارية الخارجية السيادية . وضع سياسة الامن الوطني وتنفيذها، بما في ذلك انشاء قوات مسلحة وادارتها، لتامين حماية وضمان امن حدود العراق، والدفاع عنه .ورسم السياسة المالية، و الكمركية، واصدار العملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، ورسم السياسة النقدية وانشاء البنك المركزي، وادارته . تنظيم امور المقاييس والمكاييل والاوزان .تنظيم امور الجنسية والتجنيس والاقامة وحق اللجوء السياسي .تنظيم سياسة الترددات البثية والبريد .وضع مشروع الموازنة العامة والاستثمارية .تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق، وضمان مناسيب تدفق المياه ،والاحصاء والتعداد العام للسكان.

يلاحظ من قراءة المادة المذكورة بان الصلاحيات الحصرية بيد السلطات الاتحادية واسعة ،وتجب مراعاتها من قبل من يطالب بإقامة الاقليم كما يجب عليه أن يعرف بان السلطات الحصرية التي حددتها هذه المادة بفقراتها التسع قد وردت على سبيل الحصر، ولأنها لم تحدد على سبيل المثال فلا مجال لإضافة أية سلطة أخرى إلا بتعديل الدستورعلى وفق آلية تعديله التي رسمها القانون.

ولابد من الإشارة والتنويه بأن دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تبنى نظام الفدرالية ونظام اللامركزية الإدارية في آن واحد. وحين اقر كان في العراق إقليم واحد هو إقليم كوردستان، وقامت العلاقة بين هذا الإقليم وبين السلطات الاتحادية على وفق نظام الفدرالية. وبموجب الدستور فان هناك إمكانية تكوين أقاليم أخرى في السنوات اللاحقة، عليه واستنادا للمواد (117- ثانيا) و(118) و(119) و(120) و(121) من الدستور صدر القانون رقم (13) لسنة 2008 ( قانون الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم)، لتنظيم الاجراءات الخاصة بتشكيل الاقاليم في المحافظات .أما بقية المحافظات غير المنتظمة في إقليم فأنها تعمل على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وتمارس صلاحيات إدارية ومالية واسعة على وفق أحكام القانون رقم (21) لسنة 2008(قانون المحافظات غيرالمنتظمة بإقليم) وبموجبه لا تخضع لسيطرة أو إشراف أية وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة .

لقد نظم دستور جمهورية العراق لسنة 2005 العلاقة بين السلطات الاتحادية (الحكومة المركزية) والسلطات المحلية (حكومات الاقاليم) بشكل واضح وصريح وحيث أن الدستور يعد أسمى القوانين في أي بلد فلا بد من الاحتكام اليه ليكون من يدعو الى إقامة الإقليم، او من يقف ضد هذه الدعوة على بينة من الأمر لأن ما لاحظته بل ما تأكد لي من خلال ما يطرح وما يناقش، وما يدور من احاديث بين الناس بأن اغلبهم لم يطلع على المواد الدستورية الخاصة بالموضوع ولم يقرأها، وأن قسما منهم لا يُقرها اصلا،ومن هذا يتأكد بأن هذا البعض يرفض الفكرة لمجرد الرفض او تلبية لدعوات اشخاص يدين بالولاء لهم لأسباب عشائرية أو حزبية،وهذا شر البلية.

أما قانون الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم رقم (13) لسنة 2008 فقد حدد الكثير من الأحكام الخاصة بتكوين الأقاليم، فبموجب المادة-1- يتكون الاقليم من محافظة أو اكثر. ويتم تكوين الإقليم على وفق ما ورد بالمادة-2- منه عن طريق الاستفتاء بإحدى الطرق الآتية: أولا: طلب مقدم من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات المشكلة بموجب الدستور التي تروم تكوين الإقليم. ثانيا: طلب مقدم من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثالثا: في حالة طلب انضمام احدى المحافظات الى إقليم يقدم الطلب من ثلث أعضاء مجلس المحافظة مشفوعا بموافقة ثلث أعضاء المجلس التشريعي للأقاليم.

وقد حددت المادة-3- من القانون اجراءات تكوين الإقليم بما يأتي:" أولا- يقدم طلب تكوين الإقليم إلى مجلس الوزراء موقعا من رؤساء أو الممثلين القانونيين لمجالس المحافظات أو المجالس التشريعية للأقاليم حسب الأحوال خلال مدة لا تتجاوز أسبوع. ثانيا- يكلف مجلس الوزراء المفوضية العليا للانتخابات خلال مدة لا تتجاوز 15 يوما من تقديم الطلب باتخاذ اجراءات الاستفتاء ضمن الإقليم المراد تكوينه خلال مدة لا تتجاوز الثلاثة شهور."

وتنص الفقرة (ب) من المادة الثالثة من القانون على أن" مجلس الوزراء يكلف المفوضية العليا للانتخابات خلال مدة لا تتجاوز 15 يوماً من تقديم الطلب باتخاذ إجراءات الاستفتاء ضمن الإقليم المراد تكوينه"، وبعد ذلك تقوم المفوضية بتنفيذ الاستفتاء خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر من موعد تكليفها من قبل مجلس الوزراء.

المهم مما ذكرنا آنفا هو ان على الداعيين لتكوين الإقليم أن يعرفوا هذه الحقائق وأن يحسبوا حسابها قبل الدعوة الى إقامة الاقليم التي تلزمهم مع ذلك الى أن يحصلوا على موافقة ثلث اعضاء مجلس المحافظة او على اصوات عشر الناخبين الذين تتوفر فيهم شروط الناخبين وليس عشر عدد السكان في كل محافظة من المحافظات التي تريد تكوين الإقليم فضلا عن الاستفتاء الواجب اجراؤه.

مقومات تشكيل الإقليم

من أهم المقومات الواجب توافرها لتكوين الإقليم بعد توافر اركانه وعناصره الاساسية هي وجود الموارد الاقتصادية الكافية للصرف على ادارته وتطويره والنهوض به وتحقيق مصالح ابنائه ،وغالبا ما تكون مصادر الموارد المالية متأتية من استثمار الثروات الطبيعية فضلا عن الايرادات الاخرى التي تقدمها المشاريع الانتاجية والخدمية. عليه فإن على الداعين لإقامة الإقليم ممن يرون أن لهم الحق الكامل باستثمار الثروات الطبيعية التي تقع ضمن الحدود الادارية للإقليم أن يعرفوا الكيفية التي حددها الدستور لتوزيعها بين الحكومة الاتحادية ( المركزية) وبين(الحكومات المحلية) حكومات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، وأن يعلموا بأن ليس كل الثروات الطبيعية التي تقع ضمن الحدود الادارية للإقليم وأهمها النفط والغاز هي ملكهم وحدهم بل هي ملك كل الشعب العراقي، وهذا ما قررته المادة (111) من الدستور "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات" .

لقد ورد النص صريحا باعتبار النفط والغاز ثروة واحدة لا يجوز الفصل بينهما حين قال: النفط والغاز هو ملك ولم يقل هما ملك. ومع صراحة النص في هذا المورد إلا أنه لم يرد صريحا وقاطعا لتحديد ملكية النفط والغاز. لأن القول بأن(النفط والغاز) ملك كل الشعب العراقي يعني اخراج (النفط والغاز) من الإملاك الحكومية للدولة العراقية (الاتحادية)ويعني أن الشعب العراقي كله وفي كل الاقاليم والمحافظات مالك لكل (النفط والغاز) الموجود في كل الاقاليم والمحافظات على وجه الشيوع .ويؤكد هذا الشيوع وهذه الملكية العامة نص الفقرة (اولا) من المادة (112)"تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفظ والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة، على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد، وينظم ذلك بقانون"

وإن على الداعين لإقامة الإقليم أن يفهموا بوضوح منطوق الفقرة (ثانيا) من المادة (112) وهو:" تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق اعلى منفعةٍ للشعب العراقي، معتمدةً احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار". ومن هذا يتضح بأن الدستور لم يتح للحكومات المحلية الاستثمار المباشر للنفظ والغاز وبالتالي السيطرة على موارد الاستثمار لتغطية نفقاتها الجارية والاستثمارية ،بل أن الإدارة والاستثمار يتمان من قبل السلطات الاتحادية حصرا وتوزع الايرادات من قبلها مركزيا.

هذا ما يتعلق بالنفط والغاز. أما الثروات الطبيعية الأخرى فقد نصت المادة (115) من الدستور على ان "كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم ...... الخ) وهذا يعني ان الثروات الطبيعية باستثناء النفط والغاز، كالحديد والزنك والنحاس والذهب والماس والفحم الحجري واليورانيوم والفوسفات والحجر والمرمر وغيرها من المعادن، هي من اختصاص حكومات الاقاليم حصرا. وبناء على هذا فان حكومات الاقاليم تملك حق استثمار هذه المعادن والتحري عنها واستخراجها وادارتها وبيعها وتصديرها او استخدامها في الصناعات المحلية أي انها تملك حق التصرف بها بكل انواع التصرفات المادية والقانونية لاستثمارها على الوجه الذي تراه مناسبا لا يشاركها فيها احد. ومن مواردها يمكن تغطية نفقاتها الجارية والاستثمارية.

بعد أن بينا مشروعية إقامة الإقليم، وبينا من خلالها الحقوق الدستورية والقانونية للمطالبين بتكوين الاقليم وكيفية استثمار الموارد الطبيعية والاستفادة منها في الانفاق الجاري والاستثماري لتنميته ،لابد لنا من أن ندخل في تفاصيل هذا المشروع لنعرف من خلال الواقع الحالي لمحافظة الانبار، هل أن المحافظة مهيئة لأن تكون إقليما على وفق ما ذكرناه آنفا؟ أو هل أن مقومات تكوين إقليم الأنبار متوافرة اليوم للدعوة الى إقامته؟

نجيب عن هذا التساؤل فنقول:من حيث المساحة والموقع الجغرافي تعد محافظة الأنبار أكبر محافظات العراق مساحة حيث تبلغ (138579) كيلومترا مربعا، وتشكل 32% من مساحته. ولها شريط حدوي ممتد مئات الكيلومترات مع ثلاث دول مجاورة هي سوريا والأردن والسعودية. وأبرز مدنها الرمادي و الفلوجة وهيت وحديثة وعانة وراوه والقائم والرطبة. ومن حيث السكان ، يقدر عدد سكان المحافظة بحوالي المليون ونصف المليون نسمة. ومن حيث السلطة ففي المحافظة اليوم مجلس منتخب ديمقراطيا مكون من (29) تسعة وعشرين عضوا يدير الحكم المحلي فيها.

وفي صحراء المحافظة الواسعة الكثير من الثروات الطبيعية التي يمكن أن تكون موردا اساسيا في تطوير الاقليم، واهمها الاحتياطي الضخم من النفط الخام الذي تشير الدراسات الى امكانية استخراج ما يقرب من(300) مليار برميل منه. وفي المحافظة احتياطي كبير من الغاز الطبيعي واشهر حقول الغاز فيها حقل عكاز جنوب مدينة القائم الذي يقدر احتياطيه بـ(53) تريليون قدم مكعب، فضلا عن ثروات معدنية مهمة كالذهب والفوسفات والحديد واليورانيوم والكبريت،والفضة.

وفي المحافظة في الوقت الحاضر بعض المشاريع الاقتصادية المهمة يحتاج بعضها الى إعادة اعمار وتأهيل وتطوير بما يجعلها منتجة حيث ان منها ما هو معطل ويشكل عبئا على خزينة الدولة وهذه المشاريع هي: سد حديثة ،ومحطة حديثة الكهرومائية، ومشروع ديزلات حديثة ،والشركة العامة للزجاج والسيراميك، ومعامل الاسمنت في كبيسة والفلوجة والقائم، ومحطة هيت الحرارية، والمسطح المائي في سد حديثة ،وجزء من المسطح المائي في الثرثار، والمدينة السياحية في الحبانية. وتفتقر المحافظة الى المشاريع الخاصة.

ومن خلال الاطلاع على فرص الاستثمار التي وفرتها هيئة استثمار المحافظة واغلبها مشاريع لازالت على الورق وضمن تصورات الهيئة فقط .وبعضها ليس ذا جدوى اقتصادية كبيرة تدفع بالمستثمر الاجنبي أو المحلي الى الاستثمار فيها. حيث أن بعضها اقرب ما يكون الى مشاريع الأحلام منه الى المشاريع الواقعية ،ومع ذلك يمكن أن تحقق بعض تلك المشاريع دعما لموارد الاقليم فضلا عن توفير العديد من فرص العمل للعاطلين من ابناء المحافظة وما اكثرهم.

وحال الواقع الاداري لمحافظة الانبار اليوم كما هو حاله في العراق (الجديد) بطالة مقنعة ،وتقادم في (انظمة العمل) و(نوعية التقنيات) وتدهور واضح في مستوى الأداء، وفي كفاءة اجراءات الرقابة والضبط الداخليين ما ادى الى انتشار ظاهرة الفساد المالي والاداري، وهذا ما تجب مكافحته وتطهير دوائر المحافظة منه قبل الدعوة الى تكوين الإقليم ،لأن الإقليم (الجديد) يجب أن يبنى على قواعد صحيحة بعيدة عن الفساد والفاسدين. ويكون ذلك عن طريق تطوير وتحسين انظمة العمل والتقنيات، وتقوية انظمة الرقابة واجراءات الضبط الداخليين ،ورفع مستوى العاملين وإحالة الموظفين الذين تزيد خدماتهم على (25) خمسة وعشرين سنة ممن لم يواكبوا التطور العلمي والتكنلوجي على التقاعد، وايجاد فرص عمل للمؤهلين من الخريجين العاطلين عن العمل.

تتميز محافظة الانبار عن غيرها من محافظات العراق بطابعها العشائري، فعلى وفق تصنيف مديرية شؤون العشائر في المحافظة يوجد ما يقرب من (24) عشيرة كبيرة وحوالي(60) عشيرة صغيرة. وبعملية حسابية بسيطة يتبين لنا بأن عدد شيوخ هذه العشائر المقر لهم رسميا بالمشيخة هو(84) اربعة وثمانون شيخا ،وهذا عدد غير قليل سيما اذا ما كان الجميع - وهذا واقع الحال- متنفذين في شؤون المحافظة وادارتها. ولكن الأمر ليس بهذه السهولة فرقم الشيوخ في محافظة الانبار اذا ما أخذنا المبدأ الذي تقوم عليه هذه الصفة سيكون عشرة اضعاف هذا الرقم حيث أن الشائع أن للشيخ اعمام هم ابناء جده الشيخ، فهم بطبيعة الحال شيوخ ، وله اخوة هم ابناء والده الشيخ فهم شيوخ ،ولهؤلاء الأعمام والاخوة ابناء وابناء ابناء، وله هو ابناء وجميع هؤلاء بعرف العشيرة شيوخ. وبهذا فقد اصبح في العشيرة الواحدة عشرات الشيوخ.

لا نريد أن نبخس الشيوخ الحقيقين مشيختهم، ولكن هناك نوعا اخرا من الشيوخ الذي نصّبوا انفسهم شيوخا بحكم ما يملكون من عقارات واموال .ومنهم من نصبته الحكومة لأهداف وغايات تخدمها .لنترك الحساب والعدد ولندخل في دواوين الشيوخ ومجالسهم لنسمع أراءهم في السياسة .الكل وطنيون محبون للعراق بالرغم من الاختلاف الواضح في الفكر والنظرة الى الواقع السياسي الحالي، واغلبهم يريد مصلحة المحافظة ولكن لكل منهم وجهة نظره الخاصة في هذا الشأن قد تصل الى الاختلاف وربما الى النزاع وهذا ما لمسناه من خلال الدعوة الى إقامة اقليم الانبار.

ويتميز الواقع العشائري في الانبار- وبالأخص بعد الاحتلال- بعدم حب ابناء العشائر الانتماء للأحزاب والحركات السياسية المنظمة، لهذا لا توجد احزاب سياسية ذات جماهيرية واسعة سواء منها العلمانية او الدينية، وحتى تلك التي تشكلت بعد الاحتلال فإنها لم تكن احزابا بل أنها مجرد كتل وتوافقات سياسية استلزمتها طبيعة التحالفات ونوايا المتحالفين السياسية، ظهرت واختفت بسرعة . لهذا السبب ولبعض الصراعات في العشيرة الواحدة تشتت الولاء العشائري وصار ابناء العشيرة الواحدة منضون تحت راية اكثر من تحالف او كتلة ،حتى ان بعضها تجاوز في تحالفه حدود المحافظة ليأتلف مع ابناء المحافظات الأخرى بائتلافات كبيرة عله يحقق طموحه في الوصول الى منصب ما.

لهذا كله ولأسباب اخرى لم يتفق المتنفذون في المحافظة وجلهم من شيوخ العشائر ووجهائها على اقامة إقليم الانبار أو على رفض إقامته. فمنهم من يريد الإقليم، ولكنه لا يريده اقليما طائفيا، ويدعو الى اقامة اقليم يضم الانبار وبعض المحافظات(الشيعية) مثل كربلاء او الحلة او حتى النجف اليه. ومنهم من يريده اقليما مكونا من محافظة الانبار فقط، ومنهم من يريد من الانبار ان تكون نواة لإقامة اقليم سني يضم المحافظات السنية الاخرى مثل صلاح الدين والموصل وديالى. ولكل فريق من هذه الفرق حججه التي يخفي ورائها اهدافه وغاياته. ومن ابناء المحافظة من لا يقر بدستورية الاقليم ويعتبر اقامته تقسيما لوحدة العراق الى الحد الذي يهدد باستخدام القوة بوجه من يطالب بذلك فيقول على الملأ وأمام الفضائيات(بحرية تامة وفرتها له الديمقراطية وينكرها على الآخرين) " أقول أن أي شخص يدعوا الى إقليم الأنبار فسوف نفصل رأسه عن جسده قبل ان تنفصل محافظة من المحافظات عن العراق الواحد ولا نهتم لأي جهة أو شخصية تريد عكس ذلك وسنقاتل بكل قوة وسنوجه دعوة لأهالي الأنبار لحمل السلاح والنزول الى الشوارع ضد كل من يهدد وحدة العراق وشعبه."

ما نريد الوصول اليه بعد هذا التمهيد للواقع العشائري في محافظة الانبار هو أن ابناء العشيرة الواحدة منقسمون فيما بينهم بين مؤيد لإقامة الإقليم وبين رافض له، ولكليهما الحق في هذا لأنه حق دستوري وقانوني ،ولكننا نخاف - وهذا أمر متوقع- من أن استمرار الدعوة الى إقامة الإقليم أو رفضها سيؤدي الى الصراع ،بل الى الاقتتال بين ابناء العشيرة الواحدة ،وهذا ما لا يريده ابناء المحافظة الساعون الى إقامة نظام حكم ديمقراطي يحقق مصالحهم ويوفر لهم فرص العيش الرغيد.

من العجب أن يُطعن بدستورية النظام الفدرالي الذي اختاره الشعب ، وان يدعي البعض – ولا ندري- عن قصد او عن جهل بان النظام الاتحادي سوف يؤدي الى تمزيق وحدة العراق وان اقامة الاقاليم ستؤدي بالنهاية الى تقسيم العراق وبالتالي الى انفصال تلك الأقاليم واقامة دول متعددة. ومن العجب ان الكثير ممن ينكرون الحق الدستوري يلتزمون بالدستور في الأمور التي تحقق لهم اهدافهم ومصالحهم. والعجيب في هذه الدعوات أنها تأتي من اطراف ذات توجهات قومية شوفينية فضلا عن انها تأتي من بعض الجماعات ذات التوجهات الاسلامية حيث يتباكى هؤلاء على النظام المركزي ونظام الحزب الواحد.

إن الكثير من اعضاء مجلس النواب وبعض اعضاء مجلس المحافظة من الرافضين لإقامة الاقليم ينسون الحق الدستوري والقانوني لمن يدعو الى إقامة الإقليم ويتنكرون للدستور والقانون اللذان لولاهما لما كانوا نوابا ولما كانوا اعضاء في مجلس المحافظة وحيث أنهم يتمسكون بهذه المشروعية ، فعليهم أن يقروا بشرعية دعوى من يريد اقامة الإقليم .كما أن على الداعين لإقامة الإقليم الإقرار بحق من يرفض اقامة الاقليم لأنهم يمارسون حقهم الدستوري والقانوني والوطني على وفق الحقوق والحريات التي كفلها القانون لكل العراقيين . ولكن ليس من حق رأس السلطة التنفيذية (دولة رئيس الوزراء) الذي كان هو وحزبه طرفا رئيسا في وضع الدستور أن يقول:" أن تأسيس أقاليم جديدة سيؤدي إلى تقسيم البلد واندلاع حرب داخلية". اذا كان هذا هو قول عراب الدستور فما الذي سيقوله المعارضون الذين لم يقروا الدستور أصلا ولم يعترفوا بمبدأ الفدرالية وعارضوا قانون الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم رقم (13) لسنة 2008 ؟ وليس من حق رئيس الوزراء أن يقول:" إن الدستور العراقي ربما تضمن تشكيل أقاليم، ولكن تضمنها بأصولها وضوابطها وثوابتها، ولكن لم يتضمن فكرة الانفصال وإشاعة أجواء تقسيم العراق"، ويستمر بالقول داعيا المطالبين بتشكيل الأقاليم والفدراليات بالقول:" ارحموا الشعب العراقي وارحموا العراق ووحدته، لأنه لو حصل هذا لاقتتل الناس ولسالت الدماء إلى الركاب".
مع هذه الرؤيا غير الواضحة وهذه الاقوال الصريحة لرئيس مجلس الوزراء ما الذي يمكن أن يكون عليه وضع المواطنين الرافضين لإقامة الإقليم الا ان يقولوا اذا كان رب البيت بالدف ناقرا فما شيمة أهل البيت الا الرقص. ولهذا طبل المطبلون ورقص الراقصون.

نقول لدولة رئيس الوزراء وللسياسيين كافة من الداعين لإقامة الاقليم او الرافضين لإقامته :العراق ووحدته بيد شعبه لا بأيديكم لأن همكم تحقيق اهدافكم وغايات من يقف ورائكم ،والعراقيون يا ايها السادة (يقرون الممحي) وما زالوا قادرين على معرفة ما ينفعهم وما يضرهم وقد زادت هذه المعرفة والدراية في خلال سنوات الاحتلال ،فصاروا اكثر وعيا وادراكا لمصالحهم وفهموا (طبخة) قادتهم ومن يقف ورائهم فكأنما قوائمهم غدت (العراقية العربية) و(الائتلاف الايراني) و(التحالف الأناني). فالأولى ذات توجهات واهداف عربية لا تؤمن بنظام الحكم الفدرالي توجهها دوافع عربية تحلم بالوطن العربي الكبير من الخليج الى المحيط .والثانية تتحرك كما هي قطع الشطرنج بالإرادة الإيرانية لتحقيق اهدافها دون النظر الى اهداف وتطلعات الشعب العراقي. والثالثة استفادت من الخلاف الطائفي بعد الاحتلال ومن قصور نظرة سياسي الشيعة والسنة فادعت بالكثير من الحقوق وحققت الكثير من الامتيازات وبنت اقليما ينظر اليه اليوم بكل احترام وهذا ما يعتبره البعض حقا لها وليست أنانية طالما أنها تسعى الى رفاهية ابناء الإقليم.

نحن كأبناء لمحافظة الانبار مع مطالب اغلبية أهلنا في المحافظة طالما كانت متفقة مع الدستور والقانون. ومعها متى ما اقرتها الأغلبية منهم باستفتاء ديمقراطي شعبي عام . وهذه هي الديمقراطية انها لعبة وعلى من يقدر على اللعب ان ينزل ساحتها وسنقول للفائز بروح رياضية مبروك لك الفوز. لا نريد الفدرالية للأنبار أن تكون فدرالية عشائرية وهي مسعى الغالب الأعم من الداعين اليها. ولا نريد منها فدرالية طائفية تكون نواة لإقامة إقليم سني. نريدها أن تكون – ومتى ما توافرت مقوماتها- فدرالية قائمة على العمل مع السلطات الاتحادية للمحافظة على استقلال العراق وطرد المحتل والمحافظة على وحدته واستقلاله وضمان سيادته، وحماية نظامه الاتحادي والديمقراطي مع الحفاظ على هويته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. مع السعي الحثيث لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات والتوزيع العادل لثرواته ونشر ثقافة التسامح بين الاقليات والاجماع على ضرب الارهاب والفتنة الطائفية المستفحلة منذ امد بعيد ونبذ التفرقة العنصرية والطائفية ومكافحة الفساد المالي والاداري بكل الوسائل المتاحة. ولكن ما نخاف منه فيما لو تشكل الإقليم هو تدخل دول الجوار ودول الخليج سيما وانها تنشط في دعم فكرة إقامة إقليم سني في العراق على شاكلة إقليم كردستان، فقد اعربت الحكومتان السعودية والقطرية عن دعمهما لفكرة اقامة الاقليم العربي السني، وجرت اتصالات مع زعامات سنية لغرض التمهيد لتبنيه وجمع التأييد الشعبي في المناطق السنية. وتنطلق الرغبة السعودية في كون هذا الاقليم سيساهم في تقوية السنة العرب في مواجهة الحكومة المركزية المحسومة للشيعة نتيجة أغلبيتهم البرلمانية. إننا نريد عيشا رغيدا ووطنا أمنا ،نريد الحرية والعدل والديمقراطية والسلام.



#قحطان_محمد_صالح_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة دار سعدى
- المهلهل بن ربيعة
- الأفوه الأودي
- الشنفرى الأزدي
- كذبة المائة يوم
- حلم بين الكتل السياسية والكتل الكونكريتية
- رسالتان الى عمان والى السلطان
- دولة المواكب
- السياسة مو لعب طمّه
- باسمة
- الفساد المالي والإداري وأسبابه
- إنسوا السين وسوف واذكروا قد
- ليلى الحبيبة
- هي
- هي
- أم عصام
- بكيت مع النواب
- الهوى عمري وعمرك
- انا وامي وعيد العمال
- خمسون مرت وانقضت


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قحطان محمد صالح الهيتي - إقليم الانبار بين الداعين اليه والرافضين له