أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالخالق حسين - في العراق.. الطائفية أقوى من الوطنية















المزيد.....


في العراق.. الطائفية أقوى من الوطنية


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1025 - 2004 / 11 / 22 - 08:02
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


استغل السياسيون في العراق انتماءهم المذهبي لتحقيق مصالحهم المادية والسياسية واحتلالهم مواقع النفوذ في الدولة العراقية الحديثة وذلك بممارسة التمييز الطائفي واستغلال أبناء طائفتهم لأغراض سياسة على حساب أبناء الطوائف الأخرى. وقد حقق هؤلاء نجاحاً كبيراً في ذلك حتى صارت الطائفية خطراً كبيراً يهدد الوحدة الوطنية. واستمر الخط البياني الطائفي بين صعود وهبوط، كلما شهد العراق تحولاً تاريخياً جديداً وحسب الحاجة. فقد أثبتت الأحداث الأخيرة مرة أخرى وبشكل لا لبس فيه أن الشعب العراقي مبتلى بمرض مزمن اسمه الطائفية. وهذا المرض لم يصب الجهلاء والأميين فحسب، بل والمثقفين أيضاً وبالأخص السياسيين العلمانيين منهم، بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية ومؤهلاتهم العلمية والأكاديمية.

لقد سبق وأن كتبت مراراً عن هذا الموضوع وفي كل مرة استلمت رسائل عتاب من بعض الأخوة، وبدافع الحرص على وحدة الصف، يعاتبونني فيها على التطرق إلى هذا الموضوع الخطير وفي هذا الظرف بالذات معتقدين أن من يتعرض للطائفية كمن يروج لها. فهل الكاتب الذي يتعرض إلى العنصرية وينتقدها يعتبر مروجاً للعنصرية؟ وهل الطبيب الذي يتحدث عن مرض ما ويدعو إلى الوقاية منه يعني أنه يعمل على انتشار ذلك المرض؟ إن من يتجنب الكتابة عن هذا الوباء ومعالجته والتحذير من مخاطره لا يختلف عن النعامة التي تدس رأسها في الرمال لتتجنب الصياد كما تظن.

إن من يراجع تاريخ العراق يرى الطائفية قد ضربت جذورها في أعماق المجتمع العراقي ولعبت دوراً كبيراً في عدم استقراره السياسي وعرقلة تقدمه منذ تأسيس الدول العراقية الحديثة ولحد هذه الساعة. والمعروف أن الطائفية في العراق هي من صنع الأجانب، والحروب التي دارت رحاها على الساحة العراقية بين الدولتين: الإيرانية الصفوية الشيعية والعثمانية التركية السنية وكان الشعب العراقي وتراثه الثقافي وقوداً لها، سفكت فيها دماؤهم وأحرقت مكتباتهم. فقد حكمت الدولة العثمانية السنية العالم العربي باسم الخلافة الإسلامية، وفي العراق مارست الطائفية باسم الدين وعاملت العرب المسلمين الشيعة بقسوة ولم تعترف بمذهبهم واعتبرتهم منحرفين عن الإسلام وغرباء في بلدهم وحرمتهم من الوظائف والتعليم.
المشكلة أن معظم الناس يمارسون الطائفية ولكنهم في نفس الوقت ينكرون وجودها ويبرؤون أنفسهم منها، مثل السياسيين في كل زمان ومكان، يطبقون مبدأ ماكيافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) ولكنهم ينكرون ذلك ويصبون اللعنات على الرجل ليل نهار.

إن تعددية الديانات والمذاهب والمعتقدات مسألة حتمية وطبيعية جداً يجب قبولها والتعايش معها، وهي صفة ملازمة لتطور الفكر البشري، كالشجرة كلما نمت كثرت فروعها مع الزمن. فتعدد المذاهب في الإسلام وغيره من الديانات، دليل على حيوية هذه المذاهب وتبحر فقهائها في علوم الدين، الأمر الذي يؤدي إلى تعدد الاجتهادات وظهور مدارس فكرية جديدة. وهذه الحالة ليست خاصة بالديانات وحدها، بل تشمل جميع العلوم والفنون والآداب والفلسفات والمعتقدات. فبدلاً من أن يعتز المسلمون بتعددية المدارس الفكرية في الإسلام، اتخذوا منها وسيلة للتفرقة والعداء فيما بينهم وتكفير كل من لم يكن على ملتهم. مع التأكيد إن تكفير المذاهب الأخرى بدعة غريبة على الإسلام ظهرت مع ولادة السلفية. وهناك اتجاه في هذا المذهب يدعو ليس إلى تكفير الشيعة فحسب بل وحتى إلى تكفير الإمام أبو حنيفة، مؤسس مذهب الحنفية الذي تعتنقه غالبية سنة العراق.
أفترض في هذه المداخلة أن الطائفية هي السبب الرئيسي لما حصل ويحصل في العراق من كوارث ومنازعات وعدم الاستقرار. فالصراعات السياسية رغم أنها اصطبغت بالأيديولوجيات (اليسارية والقومية والإسلامية)، إلا إن محركها الحقيقي هو طائفي وغايتها استغلال المذهب لخدمة مصالح الفئات السياسية المتصارعة على حساب المصالح الوطنية المشتركة. ولإثبات ذلك أذكر الأحداث التاريخية التالية حسب تسلسلها الزمني:
1- عندما حصل الاحتلال البريطاني للعراق عام 1914، شنت العشائر العربية الشيعية تلبية لفتاوى قياداتها الدينية، حرب الجهاد ومن ثم قامت بثورة العشرين ضد المحتلين الجدد، بينما اتخذت قيادات العرب السنية (عشائرية ودينية) موقف الحياد ومن ثم التحالف مع المحتلين وكوفئوا على ذلك فيما بعد.
2- ونتيجة للعامل الأول، واصلت الدولة العراقية الحديثة منذ تأسيسها، النهج التركي العثماني في ممارسة التمييز الطائفي ضد الشيعة بشكل واضح خلافاً للدستور المدون. ولكن، ونتيجة للتطور الاجتماعي في العهد الملكي والجمهوري الأول (جمهورية 14 تموز)، بدأت الطائفية بالانحسار التدريجي وربما نحو الزوال لو قدر للعراق أن يستقر.
3- بعد ثورة 14 تموز 1958، حاول الزعيم عبدالكريم قاسم تجاوز الطائفية ومعاملة العراقيين بالتساوي في الحقوق والواجبات، إلا إن المنتفعين من سياسة التمييز الطائفي اعتبروا ذلك خروجاً على المألوف والموروث وتهديداً لامتيازاتهم. فبرز الصراع الطائفي بشكل عنيف إزاء هذه السياسة متستراً بغطاء القوى اليسارية والقومية العربية حيث اتخذ التوزيع المذهبي-الجغرافي. فسكان المحافظات الشيعية (الوسطى والجنوبية) صار أغلبهم يساريين ومؤيدين للثورة والزعيم قاسم، بينما تبنى معظم سكان المحافظات السنية (المثلث السني) القومية العربية وأعلنوا العداء للزعيم وساهموا بنشاط محموم في عملية اغتيال الثورة وقيادتها.
4- في الانقلاب البعثي- القومي يوم 8 شباط 1963، دافعت الجماهير في المناطق الشيعية عن حكومة ثورة 14 تموز وزعيمها عبدالكريم قاسم وعانت الكثير من الاضطهاد من بعده ودفعت الألوف من الضحايا، بينما هللت ورقصت المحافظات السنية للانقلاب المذكور. ورغم أن الانقلاب حصل باسم الوحدة والقومية العربية، إلا إن القوميين ما أن انفردوا بالسلطة وأزاحوا معارضبهم حتى تنكروا للأهداف القومية ومارسوا الطائفية بأبشع صورها كما وتم طرد القادة البعثيين الشيعة في انقلاب عبدالسلام عارف في تشرين الثاني من نفس العام. وبلغت ممارسة الطائفية ذروتها وبشكل علني في عهد حكم البكر- صدام، حيث نشر المقابر الجماعية في المناطق الشيعية والكردية. كما إن معظم الذين فروا من العراق هم من الشيعة.
5- أعتقد جازماً أنه لو كانت حكومة صدام حسين وحكومة الخميني من مذهب واحد لما حصلت الحرب العراقية-الإيرانية وما تبعها من كوارث. قد يعترض البعض قائلاً، أن صدام شن حرباً على الكويت وهي دولة سنية، والجواب على ذلك أن حرب الكويت كانت نتيجة حتمية لحرب الخليج الأولى (حرب تلد حرباً أخرى)، فلولا الحرب العراقية-الإيرانية لما حصل غزو الكويت الإجرامي.
6- انتفاضة آذار 1991 شملت المحافظات الشيعية والكردية فقط، بينما وقفت المحافظات العربية السنية ساكتة إن لم نقل مدافعة عن نظام البعث الصدامي. والمعروف أن صدام أطلق على المحافظات الشيعية بالمحافظات السوداء والسنية بالبيضاء، كما اهتم بعمران المحافظات السنية فقط وأهمل المحافظات الشيعية والكردية التي كان نصيبها الخراب والدمار من حروبه العبثية.
7- بعد سقوط النظام الفاشي يوم 9 نيسان/أبريل 2003 استبشرت الجماهير الشيعية بسقوط الجلاد، بينما حزنت محافظات المثلث السني، وبعد أسابيع أعلنت تمردها على العهد الجديد بحجة مقاومة الاحتلال والغرض الحقيقي هو إعادة نظام صدام حسين. أما ما حصل من تمرد من قبل ما يسمى بجيش المهدي (أنصار مقتدى الصدر)، فهذا لا يمثل الشيعة لأن أغلب أنصاره من فلول البعث وإيرانيين وقليل من فقراء الشيعة المغرر بهم والمشوشة أفكارهم وبتحريض وتنظيم ودعم مادي وعسكري من إيران لأسباب جئنا على ذكرها في مناسبات عديدة.
8- جميع الأحزاب الإسلامية العراقية، بدون استثناء، هي أحزاب طائفية أكثر منها إسلامية أو وطنية. وهذا واضح من الصراع فيما بين هذه الأحزاب على المناصب في العهد الجديد. فكل حزب إسلامي يضم في صفوفه أعضاء من مذهب واحد فقط، إما سني وإما شيعي. وكل حزب يدافع عن حقوق أبناء طائفته من الكعكة الوطنية وليس الدفاع عن الوطن. فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما كانت وزارة الصحة من حصة حزب الدعوة الإسلامية (الشيعية)، تم تعيين جميع المدراء العامين في الوزارة وعددهم 16 مديراً عاماً، من طائفة واحدة ومن حزب واحد. ونفس القصة استنسخت في وزارة التعليم العالي التي كانت من حصة الحزب الإسلامي (السني) وكأن العراق خلى من أصحاب الكفاءات والمؤهلات إلا من هذين الحزبين. وتكررت الصورة في الوزارات الأخرى حتى صار العراقي لا يستطيع الحصول على وظيفة ما لم يمر باختبار لمعرفة ميوله الدينية-السياسية.
9- تصاعدت دعوات نشاز من عدد من المثقفين والسياسيين الشيعة يطالبون باستقلال المحافظات الجنوبية (الشيعية) عن العراق, وبرز هذا الطلب بشكل صارخ ومخز عندما "هدد نائب محافظ البصرة (وكان ممثلاً عن مكتب مقتدى الصدر في المحافظة آن ذاك) بانفصال محافظات البصرة والعمارة والناصرية، وإعلانها دولة مستقلة عن العراق . وبهذا الخصوص، أصدر مجلس محافظة ذي قار بيانا أشار فيه إلى إمكانية انضمام الناصرية إلى البصرة والعمارة في محاولة لتوحيد إقليم الجنوب...". (راديو سوا، في 10/8/2004). قد تبدو هذه النداءات نكتة مضحكة مبكية، فشر البلية ما يضحك، إلا إنها تكشف مدى تأثير الطائفية على الصراعات الدموية وصار هؤلاء لا يفكرون بالمصلحة الوطنية بل أصيبوا بالهستيريا الطائفية الجنونية. والسؤال هو من الذي سمح بوضع هؤلاء في موقع المسؤولية؟ ولماذا لا يحاسبون ويضعون وراء القضبان بدلاً من تركهم في موقع المسؤولية لمواصلة المزيد من التخريب؟
10- هناك قصة مأساوية أوردتها صحيفة (إيلاف) الإلكترونية في تقرير خاص، تكشف بوضوح الدور الطائفي في المجازر المستمرة الآن في العراق، جاء فيه: اشتكى أحد الشباب لدى مدير مكتب حكومي في بغداد عما حصل له في رحلة عودته من الاردن قائلاً: (عدت قبل فترة من الاردن من رحلة عمل. وكنت اشارك عدد من الركاب في سيارة بهبهاني (سيارة شوفرليت حديثة) وقد اضطررنا للمبيت في الرمادي بسبب المعارك التي كانت تدور في الفلوجة) في الصباح انطلقنا باتجاه بغداد فتبعتنا سيارة بي ام دبل يو قرب الفلوجة اشار لنا ركابها بالوقوف شاهرين مسدساتهم وبنادقهم علينا. فقلنا للسائق توقف فنحن عراقيون ليس بيننا اجانب. توقف السائق وجاءنا ملثم بيده مسدس سأل السائق: هل بينكم اجنبي او كردي؟ فاجاب بالنفي. نظر الينا وسأل السائق: من أي اعمام انت؟ فقال له: سامرائي. فقال له: والنعم! فسأله عن الفرع الذي تنتهي له عشيرته فاجابه. ثم سأل الاخرين فأجابوه عن انحادراتهم العشائرية وهو يقول "والنعم" بعد ان يتقصى الفروع التي تنهي لها كل عشيرة. وحين سألني اجبته بأني "كناني". فقال يعني شروقي! قلت له نحن كلنا عراقيون. قال هات ماعندك. فأعطيته مابجيب بنطالي الايمن اذ كنت وزعت المال الذي لدي على ملابسي. فقال انزل. نزلت ففتشني واستخرج كل ما معي من مال وكان 2500 دولارا. فوجه مسدسه لرأسي وقد اتخذ صاحباه وضع الرمي باستفزاز تجاهي ايضا. فهب السائق اليهم قائلا: ماذا تفعلون انه معنا وقد كان خلوقا طوال الرحلة. فقال له كبيرهم: انه شروقي قذر! سنقتله ونذبه(نرمي بلاه) على الاميركان. فوقف السائق بيني وبينهم متوسلا. فعاودتني القدرة على الكلام. فاخبرتهم ان اخي جريح ومن جيش المهدي (حيث كان جيش المهدي يقاتل الاميركان وقتها). فقال: العن اباك وابا جيش المهدي! ياقذر. فقبلهم السائق ووافقوا على تركي حياً! (تقرير إيلاف من عبدالرحمن الماجدي، من بغداد، 14/8/2005). كذلك ما تنقله وكالات الأنباء من أعمال ذبح الشيعة المارين في الطريق العام بين بغداد واللطيفية فيما يسمى بمثلث الموت. والقتل هنا متخصص بالشيعة فقط.
11- أكد سواق عراقيون لسيارات الأجرة التي تعمل على نقل المسافرين من كربلاء إلى بغداد أنه تم توزيع منشورات في منطقة اللطيفية التي يتخذها الإرهابيون مكمنا ومأمنا لهم، مكتوب في المنشورات مخاطباً للسواق العراقيين:
- تسليم عالم دين شيعي:10000$
- تسليم مجند عراقي= 3000$
- تسليم شرطي عراقي= 2000$
- تسليم شيعي عراقي عادي= 1000$
حيث يتم بعد ذلك إما ذبحهم أو إطلاق العيارات النارية في رأسهم. (موقع كربلاء http://www.karbalanews.net/artc.php?id=1457).

محاولة لتفسير الظاهرة:
كما ذكرنا أعلاه، إن الطائفية لها جذور تاريخية في العراق ولكنها كانت في طريقها إلى الزوال لولا تسلط التيار القومي العروبي منذ عام 1963 ومن ثم حكم البعث الثاني عام 1968. فقد تبنى هذا النظام الطائفية كأساس لبقائه فجند معظم منتسبي مؤسساته القمعية من أبناء العرب السنة، وأغدق عليهم بالامتيازات المادية والمعنوية والمناصب الحساسة، وزرع في روعهم أن وجودهم مرتبط ببقاء نظامه، في الوقت الذي خص مكونات الشعب الأخرى بالقمع والحرمان والحروب والمقابر الجماعية والتشرد. ومع الأسف الشديد انطلت اللعبة على قطاع واسع من أبناء السنة العرب فاعتقدوا أن حكم البعث هو ملاذهم الآمن فأدمنوا على السلطة والامتيازات وصاروا يعتقدون بأن العراق لهم وحدهم أما الشرائح الأخرى فمواطنون من الدرجة العاشرة لا يصلحون لأكثر من وظيفة شرطي وجندي وفراش ومنظف في الدوائر الحكومية وليكونوا حطباً لحروبهم العبثية. وبطبيعة الحال، لا يمكن لهذا النظام أن يحكم إلا عن طريق الاستبداد والقمع. لذلك فعندما سقط حكم البعث رفض هؤلاء أن يكونوا سواسية مع بقية أبناء الشعب، وأعلنوا معارضتهم للديمقراطية التي وجدوا فيها نهاية لامتيازاتهم واحتكارهم للسلطة. فالديمقراطية تعامل الجميع كمواطنين من الدرجة الأولى متساوين في الحقوق والواجبات دون استثناء وتتبنى مبدأ (الشخص المناسب في المكان المناسب) وليس على أساس العرق والمذهب. لذلك تمرد المتضررون وتحالفوا مع الإرهابيين من غلاة الإسلاميين من جماعة القاعدة السلفية، في محاربة الوضع الجديد بحجة محاربة الاحتلال، بينما هم يقتلون الشيعة ويأملون عودة حكم البعث الساقط.

المذهب والعامل الجغرافي:
للعامل الجغرافي دور كبير في اختيار المذهب. فأغلب العشائر العربية التي نزحت إلى العراق من الجزيرة العربية خلال القرون الأربعة من الحكم العثماني كانت سنية إذ لم يعرف البدو الرحل من الدين شيئاً غير كونهم مسلمين وترديد الشهادتين. فالقبائل التي استقرت في الوسط والجنوب من العراق استقبلهم رجال الدين الشيعة من النجف وقاموا بحملة التشيع في أوساطهم، فصاروا شيعة. أما القبائل التي استقرت في الموصل والرمادي وما بينهما، فلم يستطع رجال الدين الشيعة اختراقهم بسبب وجود مقاومة عنيفة من رجال الدين السنة هناك، لذلك بقي النازحون الجدد في تلك المناطق على سنيتهم. ويتبين العامل الجغرافي في اختيار المذهب بشكل واضح حيث نرى أبناء العشيرة الواحدة الذين استقروا في الجنوب صاروا شيعة بينما أقرباؤهم من نفس العشيرة الذين استقروا في الموصل والرمادي حافظوا على سنيتهم. لذا فيوجد سنة وشيعة في كل عشيرة من العشائر العراقية مثل ربيعة وشمر وطي والدليم والجبور والزبيد...الخ مع احتفاظهم جنيعاً بذات القيم العربية العشائرية وصلة القربى بينهم.

ما العمل؟
1- العراق الآن على مفترق الطرق، فإما إلى هذه الحرب الطائفية التي تدور رحاها من جانب واحد (التحالف البعثي –السلفي) ومعها الدمار الشامل أو التخلي عن الولاء الطائفي ومنح الولاء للوطنية لتحقيق النجاح الكامل. والوضع لا يتحمل أنصاف الحلول كما حصل في هدنة الفلوجة في نيسان(أبريل) الماضي. لذا يجب مواصلة سحق الإرهاب إلى النهاية.
2- يواجه العراق الآن حالة فريدة من نوعها لم يواجهها أي بلد في العالم من قبل. فلأول مرة تتحالف إيران الإسلامية الشيعية مع سوريا البعثية العلمانية وفلول البعث الصدامية الفاشية مع منظمة القاعدة السلفية في تدمير العراق. وهذا التحالف غير المقدس يلقى الدعم والتأييد من قوى اليسار واليمين وبعض الحكومات والإعلام في العالم العربي والغربي، تجمعهم أهداف مرحلية مشتركة وهي: عداءهم لأمريكا ولجورج بوش وإفشال الديمقراطية في العراق. ولكن لكل جماعة أجندتها الخاصة. فسوريا وإيران تتخوفان من أن يطالهما ذات المصير الذي طال صدام حسين. هدف فلول النظام البعث هو إعادة حكمهم المنهار وسيدهم المخلوع إلى الحكم. أما الزرقاويون فكما صرحوا مراراً هو قيام دولة طالبانية سلفية في العراق لينطلقوا منه إلى دول الجوار وغيرها وقيام دولة الخلافة الإسلامية. لذا فهذا المشروع لا نهاية له، لأن الإرهابيين الإسلاميين قسموا العالم إلى (فسطاط كفر وفسطاط إيمان) ودار حرب ودار سلام ولا يمكن التعايش بينهما. لذلك ففشل دمقرطة العراق يعني إغراق العالم في حرب إرهابية وكارثة عالمية. ولهذا السبب فإن الحرب على الإرهاب في العراق ضرورة تقتضيها الحضارة البشرية والسلام العالمي.
3- أناشد العقلاء من أبناء السنة وحكمائهم أن يعوا الحقائق المذكورة أعلاه ولا ينزلقوا في نفس الخطأ الذي وقع فيه الشيعة في بداية القرن العشرين عندما حررت بريطانيا العراق من الاستعمار التركي المتخلف. فقد دفعوا ثمناً باهظاً نتيجة لعدم الانصياع لصوت العقل فثاروا على الإنكليز بينما القيادات السنية في ذلك الوقت كانت تتمتع بالحكمة فتحالفوا مع الإنكليز وساهموا في بناء الدولة الحديثة وفق الأمر الواقع وسياسة فن الممكن. أما الآن فيجري العكس. لذلك نطالب زعماء السنة أن يتعلموا الدرس ويعملوا لصالح الديمقراطية وبناء العراق وتجنب سياسة شمشون في هدم المعبد (عليَّ وعلى أعدائي).
4- إن فلول النظام الساقط وحلفائهم من الزرقاويين لا يمكن إقناعهم بالمنطق وما يسمى بالحلول السلمية، لأنهم في حالة هستيريا وغياب تام للعقل، فلا يمكن إنقاذ العراق من مشروعهم الدموي إلا بسحقهم وإلحاق الهزيمة بهم كما حصل في الفلوجة ويجب ملاحقتهم في كل مكان.
5- على الأحزاب الوطنية الديمقراطية تشجيع مختلف مكونات الشعب العراقي للانتماء إلى صفوفها ومحاربة الطائفية والعنصرية والتركيز على الوحدة الوطنية دون إلغاء الهويات الثانوية لمكونات الشعب، وليس في هذا الكلام من تناقض. فالوحدة في التنوع والتعددية (Unity in diversity).
6- إعلان الحظر على السلفية. هناك أربع حكومات عربية منعت السلفية في بلدانها وتحاسب عليها بقانون ومنها مصر. ولأول مرة في تاريخ العراق يحصل اقتتال على الهوية المذهبية، وهذا لم يحصل إلا بسبب تفشي السلفية في العراق، ونظراً لما تعرض له الشعب العراقي من ويلات بعد سقوط النظام الفاشي على يد الإرهابيين الذين يدينون بمذهب السلفية فإننا نطالب حكومتنا بإعلان الحظر على هذا المذهب المنحرف عن الإسلام الحنيف، وذلك حفاظاً على سلامة الشعب العراقي ووحدته من الفتن الطائفية البغيضة.



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرطة العراقية والموت المجاني؟
- حذار من تكرار خدعة بن العاص في الفلوجة
- ماذا يعني فوز بوش للولاية الثانية؟
- لماذا نداء المجتمع المدني ضد التدخل الفرنسي في الشأن العراقي ...
- المثقفون الأحرار في مواجهة فقهاء الإرهاب
- متى تتوقف المجازر في العراق؟
- دور الأردن في تخريب العراق
- حول(عقلية التدمير) والدقة العلمية..!!
- هل مازال صدام يحكم العراق؟
- ازدواجية الموقف العربي من الإرهاب
- الأمن في العراق ضحية الطوباوية والمزايدات السياسية
- تعقيباً على ردود العرب وعقلية التدمير
- العرب وعقلية التدمير
- حجب الفكر عن الشعب دليل على الإفلاس الفكري
- لماذا التحالف ضد الانتخابات في العراق؟
- يفتون بالإرهاب ويتبرّأون من عواقبه!
- موقف كوفي أنان من القضية العراقية
- من أمن العقاب مارس الإرهاب
- : قراءة تأملية في كتاب: صعود وسقوط الشمبانزي الثالث
- دور رجال الدين المسلمين في الإرهاب


المزيد.....




- غراب أبيض اللون..مصور يوثق مشهدًا نادرًا في ألاسكا
- طالب بجامعة كولومبيا في أمريكا يصف ما يحدث وسط المظاهرات.. ش ...
- ما السر وراء الشبه الكبير بين حارس مقبرة أخناتون والفرعون ال ...
- أسرار -أبرامز- الأمريكية في أيدي المتخصصين الروس
- شاهد لحظة طعن سائح تركي شرطي إسرائيلي في القدس
- -بسبب رحلة للغلاف المغناطسي-.. أشعة كونية ضارة قصفت الأرض قب ...
- متطوعون يوزعون الطعام في مخيم المواصي للنازحين الفلسطينيين ف ...
- محكمة العدل الدولية تصدر قرارها اليوم في دعوى تتهم ألمانيا ب ...
- نجم فرنسا: لهذا السبب لا يناسب زيدان بايرن ميونيخ
- نتنياهو عازم على دخول رفح والشرطة تقتل تركياً طعن شرطياً


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عبدالخالق حسين - في العراق.. الطائفية أقوى من الوطنية