خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)
الحوار المتمدن-العدد: 3436 - 2011 / 7 / 24 - 13:43
المحور:
سيرة ذاتية
قبل أيام عندما كانت أبواب خزائن ذاكرتي مشرعة على مِصراعيها لأختار لكم حكاية جديدة من الحكايات التي لم أرويها لوالدى، كما وعدتكم سابقا، وقعت فجأة في أسر أُغنية لم أسمعها من قبل، كانت تشدنى لأسمعها مرة بعد أُخرى وإذا بي أكتشف بأنني قد تأخرت في سماعها عدة عقود من ظهورها لأننا كنا نعيش في (ربيع ذهبي) كاذب وقصير قبل أن يُداهمنا صيف حارق طويل وأعقبه شتاء قارص لا ينتهي. تبدأ المغنية الجميلة بالغناء:
أنا لست شيئا غير إعتيادى، في الحقيقة أنا مَبْعَثُ للضجرْ
إذا ألقيتُ نكتة، لربما سمعتَها من قبلْ
لكنني أملك موهبة شئ مدهشْ
يُسبب في أن يستمع كلُ شخص عندما أبدأ بالغناءْ
إنني ممتنة وفخورة
كل ما أريده أنشُده بصوت مرتفعْ ـ ـ
ولكننا لم نكن نتجرأ بأن نهمس حتى مع أنفسنا: ما تورد الأبل هكذا أيها المغرورون وإن السفينة مصيرها الغرق عاجلا أو أجلا.
لنرى ما الذى حدث في غرفة الأجتماعات في أربيل قبل ثلاثة عقود أي عندما كانت الشعوب الحرة تستمع بمثل هذه الأغاني المعبرة أما نحن........
المكان: غرفة الاجتماعات فى محافظة أربيل.
الحاضرون: لجنة متابعة مشاريع السيد الرئيس القائد في محافظة أربيل بكامل أعضائها+ رؤساء الدوائر الفرعية المنفذة لهذه المشاريع ( الأدارة المحلية، البلديات، بلدية أربيل، الماء والمجاري، الطرق) مع عدد من مهندسي هذه الدوائر + مندوب وكالة الأنباء العراقية هوشيار سيد أحمد وسكرتير اللجنة عبد الموجود السنجاري.
المناسبة: إجتماع روتيني يُعقد في نهاية كل شهر لمتابعة تنفيذ المشاريع التي أمر بها الرئيس القائد أثناء جولاته الميدانية في محافظة أربيل.
اللجنة كانت برئاسة محافظ أربيل وعضوية كل من مسؤل فرع الشمال لحزب البعث العربي الأشتراكي (على السامرائى) ومدير أمن أربيل(خيري).
ألية العمل المتبعة: ترسل كل دائرة ذات العلاقة تقريرها على هيئة إستمارة مفصلة و موحدة مصممة لهذا الغرض إلى سكرتير اللجنة السيد عبدالموجود مسؤول التخطيط والمتابعة في الأدارة المحلية، بدوره يقوم بعرض التقارير أمام اللجنة يوم الأجتماع ويقوم رؤساء الدوائر الفرعية (كُلهم يحملون شهادات هندسية) حسب التسلسل بدء بمعاون المحافظ لشؤون الأدارة المحلية ويليه كل من مداراء البلديات والبلدية والماء والطرق بالتسلسل لقراءة خلاصة لتقريره الخاص بدائرته مركزين على عدد المشاريع المنجزة ونسب الأنجاز في المشاريع التي قيد التنفيذ والمبالغ المصروفة والمعوقات، ثم يطرح رئيس اللجنة والأعضاء أرائهم وتوجيهاتم إن وجدت، وكان الأجتماع ينتهي بسلام وكل يعود إلى عمله. إلا أن الأمور غيرت مجاريها بشكل ملحوظ منذ اللحظة الأولى لبدء الأجتماع الذي نحن بصدده:
معاون المحافظ للأدارة المحلية بدأ بالكلام مبتسما فيه الكثيرمن المكر والأستهزاء: نسبة الأنجاز في البلديات هذا الشهر صفر ، سيد المحافظ.
المحافظ (فورا كما يفعل لا عبوا فريق كرة الطائرة أحدهم يرفع والأخر مستعد ليكبسها باتجاه غير متوقع وبقوة) وهو ينظر إلى مدير البلديات الجالس في الطرف المقابل له : طبعا لو نضع قفل كبير على باب البلديات أفضل!
مدير البلديات( بعد قليل من التفكير، وبدون إنفعال) : غير صوجك (ذنبك) با جناب المحافظ!
المحافظ: لماذا؟
مدير البلديات: الدائرة التي يكون وضع قفل كبير على بابها أفضل من إبقائها مفتوحة تُوحي بأن فيها تخريب والشخص المسؤول عن هذا التخريب هو رئيس الدائرة أولا وأخيرا، وجنابك بدلا من أن تضعه في السجن دعوته للجلوس وجها لوجهك في هذا الأجتماع. ( ثُم أضاف مدير البلديات لكي لا يفقد هجومه المعاكس زخمه وليرد الكرة إلى ملعب الجانب الأخر قبل أن تسقُط على الأرض) كررت مرارا وتكرارا بأنني لست الشخص المناسب لأية وظيفة إداريه وهذه الحقيقة المجردة أدركها بيقين عن نفسي حتى قبل تعيني في هذه الوظيفة التي جائت بدون أية رغبة إو إرادة مني.
المحافظ: أنت إداري فاشل.
مدير البلديات: لماذا؟
المحافظ: أنت لا عندك هيبة ولا يخاف منك أحد.
مدير البلديات: يقولون بأن الذي لايعرف الخوف لا يُخوِفْ الأخرين(فاقد الشئ لا يُعطيه) من جانب ومن الجانب الأخر؛ بحكم التصنيف الرسمي للدوائر أنا رئيس دائرة خد مية بمعنى كبير مجموعة من الخدم وهل تكون العلاقة في سياقها الصحيح عندما يخاف المخدوم من خادمه أوالعكس هو الصحيح ، ومتى يكون الأنسان صاحب هيبة أوالأصح قوله: إنسان مَهيبْ في نظركم؟
المحافظ( قد شعر بأن النقاش أخذ بهدوء منحا لم يكن مستعدا له فهو أمام موقفين: إن إستمر قد يدخل حقلا ملغوما و إن تراجع سيؤثر على هيبته، ورط نفسه و قرر قرارا لم يكن من ضمن صلاحياته ): أنت من الأن لست مديرا للبلديات.
مدير البلديات: شكرا و لمن أُسلم مهمتي؟
المحافظ: إلى المهندسة فاتن.
قام مدير البلديات من مكانه ليُبادل موقعه مع المهندسة فاتن و التي كانت جالسة خلفه قائلا لها هذه هى خلاصة التقرير الشهرى لتقرأيها عندما يأتى دوركِ.
المحافظ (لسبب ما): لا، إبقى مكانك لتقرأ التقرير بنفسك.
بعد أن قرأ الجميع تقاريرهم حسب التسلسل المتبع في الأجتماعات السابقة أبدى مراسل وكالة الأنباء العراقية مندهشا الملاحظة التاليه: من مجمل الأرقام التي ذُكرت فإن نسبة الأنجاز في مديرية بلديات أربيل أعلى من الدوائر الأخرى بكثير وهذا ينُاقض تماما مع ما تفضل به معاون المحافظ في بداية الأجتماع! على أي من المعلومتين أعتمد أنا عند نشر الخبر؟
المحافظ: يمكنك مراجعة الأرقام المسموحة بنشرها مع سكرتير اللجنة.
هكذا بدأ و إنتهى (الأجتماع) في غرفة الأجتماعات، وتحول إلى خبر قصير في وسائل الأعلام المختلفة لم يُشيرلامن قريب أوبعيد إلى ما حدث فعلا في بداية الأجتماع وحيثياته. الأن وبعد ثلاثة عقود من هذا الحدث وأنا لا جئ منذ عقد من الزمان في موطن الفرقة التي غنت هذه الأغنية المملوءة بالمعاني وموطني تحت رحمة...... أعود إلى ما حدث بكل حيثياته وخفاياه وتبعاته كمحاولة متواضعة لوصف جوانب من مجريات الحياة اليومية الكالحة في زمان و مكان محدودين في بلد لم يخرج معافا من كارثة سيئه إلا ودخل الأسوأ منها أو في سُبات عميق في أحسن الأحوال، لأنهم لا يٌراجعون دفاترهم القديمة بصدق وموضوعية ليكتشفوا مكامن الخلل القابع في نفوس كل فرد منهم كما تفعل الشعوب التي تستمع إلى وتتمتع بمثل هذه الأغاني الجميلة.
ــ مقطع من أغنية ABBA /Thank You for the Music
#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)
Khasrow_Hamid_Othman#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟