أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الصباح - رسائل فلسطيني الى امراة نائية















المزيد.....



رسائل فلسطيني الى امراة نائية


عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)


الحوار المتمدن-العدد: 3434 - 2011 / 7 / 22 - 13:06
المحور: الادب والفن
    



رسائل إلى امرأة نائية

" كل عام وأنت أقرب"

الجزء الأول

كانون الأول 2006



الرسالة 1

سيدتي البعيدة
لست اسميك حتى لا اسلم كل أوراقي فلا يعلم احد ماذا يخبيء الغد لنا فقد أجد نفسي مضطرا لمفاوضة احد ما على التنازل عن الحلم بك فليبق اسمك سرا وليبق عنوانك سرا حتى يصبح بامكاني الاحتفاظ بك علنا ذات يوم.
لست اسميك تيمنا بالحالة التي أعيشها بانعدام قدرة الفلسطيني على تسمية وطنه باسمه الحقيقي أو قدرته أحيانا على تأكيد علاقته بالقدس بل والاسوا من ذلك فنحن لم نعد قادرين على زيارة شواطيء غزة ولا تملك غزة فعل ذات الشيء مع زيتون جنين, كيف اسميك ولست بقادر على تسمية النور لبيوت الفقراء والأغنياء في غزة هاشم ولا ادري كيف سيتدفأ هذا الشتاء سكان بيوت الصفيح في مخيمات غزة.
سيدتي البعيدة
ها أنا اليوم اكتب لك هربا من عجزي لعلي أحدث نصرا على ارض معركتك أو تتنازلي عن مطلب فعل الغبطة التعجيزي وتقبلين بفعل الابتسام أو الفرح الطاريء بين الدمعة والدمعة, اكتب إليك لأني لم اعد قادرا على إيجاد القاريء الضروري لأكتب إليه فالسياسيون في بلادنا لا يقراون إلا كتب التكليف وأوراق التفاوض ورسائل البيت الأبيض أو أي من قصور الحكام الذين لا يتقنون العربية أبدا إلا من باب الدخول إلى بيوتنا عنوة من الأبواب ورغما عن أنوفنا.
سيدتي كنت قد عزفت عن الكتابة إليك من قبل لسبب بسيط وهو أنني لا املك القدرة على نقلك إلى حالة الغبطة التي تحلمين بها والتي اعترف الآن علانية أمامك أنني لم افهم معناها ولست بقادر حتى اللحظة على فعل ذلك؟
وجدت من الأفضل أن لا اكتب لك أبدا وان اشغل نفسي بالكتابة بما افهم به لعل سياسيا فلسطينيا يقرأ ما أكتب ويكتشف أن التفاوض مع من هو أقوى في ظل غياب كفتي الميزان ووجود كفة واحدة تقنع العالم قصرا أن ميزان العصر الحديث هو من كفة واحدة هي نوع من الانتحار العلني.
عبثا حاولت القول أن من يفاوض عينا لا ترى سواها على قاعدة أن الأقوياء هم من يكتبون التاريخ ويرسمون الخرائط لا يمكنه أن يتوقع من هذه العين أن تراه.
اكتب لك يا سيدتي البعيدة لان أنا بوليس ابعد بكثير من بعدك أنت ولان الذي اختارها كان يقول لنا نعم " أنا بوليس العالم" وعليكم أن تنصاعوا لأوامري.
من اختار أنا بوليس يعرف جيدا أنها المدينة التي أعلن فيها ملكية الولايات المتحدة للقادمين الجدد من البيض وانتهاء عصر أصحابها الأصليين فهل تعتقدي أن ذلك غاب عنهم وان مثل هذا التفكير لم يكن حاضرا وهم يختارون غرناطة للتفاوض مع كل العرب, أليس من الأسهل علي الآن أن انشغل بمفاوضتك عن إمكانية الغبطة والدهشة والفرح بدل التفاوض على ارض منهوبة أصلا ولست املك ما أفاوض عليه عداها وعدانا.
لا تغلقي بوابات الأوراق فلا زال لدي ما أقول.
والى لقاء














الرسالة 2

سيدتي البعيدة
أيتها الأنثى الملهوفة بحثا عن دفقة غبطة لا يدري مهووس مثلي باستراحة على كتف الزمن الدامي من أين له أن يشتري لك وصفة الغبطة هذه وكيف يمكن تفسيرها وما هي الجرعة الضرورية منها كي تنتشي بك الدنيا أو تنتشي أنت بها وأظن انك تسعين لهدف انتشاؤك أنت ولتذهب الدنيا عداك إلى الجحيم ولست بغاضب من ذلك فعالم رعاة البقر هذا هو عالم الذات الأنا والمطلقة بلا حدود.
مثقل أنا بهم الصحو من النوم على طيف ابتسامة ولو باهتة وكيف لي بذلك وغزة موغلة بالوجع وموصدة أبوابها والقدس بعيدة بعيدة بعيدة ولم نعد نذكر جيدا رائحة حواريها ولا إطلالة المصلين يوم الجمعة أو يوم الأحد وتتزين جدران البراق بقبعات المتدينين اليهود يوم السبت في زمن بات علينا أن نعترف بان حواري القدس يهودية, وان البلاد التي أنجبت ولا زالت زيتا عربيا خالصا, البلاد التي صاغ أبنائها من دمائهم مظلات عكسية ليصعدون بها إلى السماء عساهم يكتبون بحروف عربية أن الأرض التي هبطوا منها إلى السماء لا تتقن أبدا لغة أخرى غير العربية هذه البلاد اليوم مطالبون نحن بان نسلم للغزاة بأنها مقبرتنا لا جسدا فقط بل وحتى حلما وتاريخ وان نكتب لهم حفرا بدمنا وعلى جلودنا أنها ارض ميعادهم لا أرض منبتنا.
سيدتي البعيدة
لا تغضبي مني فما أقوله لا يعني أبدا المقارنة فحين يصبح تراب الطن بارد جدا يبث البشر عن دفء بعيد ولست اقلل من دفء امرأة بكل أنوثتك لكنه الوطن يا سيدتي الأقدر على احتوائنا ولك أن تتخيلي كيف يمكنا أن نصحو يوما على وجه شمس قلنا بأنفسنا أنها تشرق على ارض لغتها ليست عربية وان الفراش الذي نغفو بين دفتيه مستأجر لأمد.
تدرين أنهم في إعلامهم يسموننا السكان الفلسطينيين وهم يشبهوننا تماما بالطارئين أو المستأجرين ويجرأون اليوم على طرح فكرة مبادلة الأرض والسكان ويجرأ إعلامي ما لان يقول لابن المثلث أو الجليل لماذا ترفض الانتقال إلى السكن بالدولة الفلسطينية المنتظرة سوى انك ستخسر التأمين الصحي والضمان الاجتماعي دون أدنى اعتبار لحكاية الوطن التي يبدو أن البعض بات يعتبرها ضربا من الماضي, وهناك اليوم من يقترح تحويل أبناء الناصرة إلى جالية أجنبية فوق ارض آبائهم وأجدادهم.
لم تبادل قطعان المستوطنين في الولايات المتحدة أصحاب الأرض من الهنود الحمر بأحد أو مع احد بل أراحوهم واستراحوا واليوم في القرن الواحد والعشرين وفي الزمن البوشي من الديمقراطية وحقوق الإنسان الزمن الذي ول فيه بوش معاني الكلمات إلى غير مضامينها وجعل من الاحتلال تحرير ومن قتل البشر ونهب خيراتهم حماية للحريات وحقوق الإنسان, اليوم وجدوا طريقة جديدة لتنفيذ ما فعلوه قبل خمسة قرون في الولايات المتحدة آملين أن يكرروه في بلادنا وعلى رؤوسنا.
كنا نحلم يا سيدتي بان يعود ابن مخيم الرشيدية إلى الوطن فإذا بنا أمام لجوء جديد لمخيم جديد أسموه الرويشيد ومنه إلى مخيمات فردية وبعيدة لا تبقي للوطن مساحة في القلب الموجع من برد المنافي المتغيرة, حتى أصبح الفلسطيني وحده من دون بني البشر من يبدل الأوطان على طريقة المواد التي تستخدم لمرة واحدة رغما عن أنفه وليس من باب الترف.
أعود لك في رسالة قادمة
لعلنا نلتقي بعيدا عن الورق








الرسالة 3

سيدتي البعيدة
أيتها الجميلة بلا حدود فالبعد يترك للإنسان الحق بان يصوغ جمالاته التي يحلم بها كما يريد ولذا حين يكون الوطن بعيدا يكون أجمل وحين يقترب نغرق في تفاصيله ولا نملك القدرة على الاحاطة بروعته حين يكتمل وتذوب التفاصيل.
منذ أمد لم يصدح هاتفي بنغمة رنينك الفيروزية ولم يأتيني صوتك وكأنما بك تعتقدين أن العيش في الأرض المحتلة شرط لعدم الاستماع إلى الموسيقى وشرط لعدم الالتفات للقلب أو هو إدراك منك مسبق لواقع مواطن مثقل بهم الاحتلال فمن أين له القدرة على فعل الحب في زمن وارض لم تعرف منذ أمد سوى الموسيقى الجنائزية.
منذ أمد بعيد لم اعد ادري أن إغفاءة امرأة مثقلة بهم الذات أهم من صحوة الماء الهارب من دفء البحر الميت عكسا إلى بوابات الملح على ارض لا يسكنها المثقلون بغبطة الحرمان من التراب الدافيء فانعمي بنومك عسى للنوم أن يكون غبطة المهووسين وللموت أن يكون غبطة المحرومين.
أيتها السيدة المورقة بالورد حين تلتهم جرافات المستوطنين أشتال الحنون من رؤوس التلال في فلسطين... أنت لست هنا ولم تعيشي لحظة واحدة يشعرها الفلسطيني وحده, الفلسطيني المنشور على بوابات الأرض المصطنعة, الفلسطيني المملوء بردا من منافي الأرض الموصدة في وجهه ليس رغبة بعودته لمنبت حنونه المهروس بجنازير الدبابات ولكن رفضا لوجوده على وجه الأرض حتى لا يجد مستضيفيه فجأة منابت أخرى للحنون في مخادعهم الفلسطيني الذي يسعى الأعداء لدفعه لحالة إدمان المنفى عسى للمنفى أن يصبح وطنا وللوطن أن يصبح منفى وحين يوجعك الوطن وعلى ترابه تستعيد ذكريات النفي وفرح الانتظار تبدأ الكارثة والحالة في بلادنا كارثية لحد الاقتراب من هذه اللحظة والا من أين لشعرائنا الذين تغنوا كثيرا بالخضرة الجميلة للحقول وببيارق البرتقال قبل بياراته أن يتغنوا الآن بحنين لذكريات المنافي ويسعدون باستعادة الوطن عن بعد أو باستعمال الوطن محطة للانتقال إلى الوطن المخفي بين جوانح خجلة من فعل الموت على ارض الحب, كنت أرى أن الشعر لحظة اللقاء بالوطن سيكون منشورا على حيطان الفقراء أكثر فإذا به متخفيا في خزائن المثقفين بألف قناع وقناع ولم ذلك إلا لان حالة اللقاء لم تكن مع الوطن على أرضه بل مع ناسه على ارض لا زالت تهزها بساطير المحتلين من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها وكيف لا وأشجار الكرمل لم تعد تذكر المرة الأخيرة التي صدحت بين أوراقها أغاني الرعاة العشاق ولا آخر مرة فر على جذوعها شاب عربي بحروف عربية الحرف الأول من اسم حبيبته.
الكرمل ما عاد الكرمل ولا عاد المغني يستخدم أشجاره مظلة للحلم والدروب إليه غريبة والغناء له فيه صار إليه والبحر الميت امتد طويلا ليصل إلى شواطيء غزة وهناك كل الصيادين جياع فكيف لهم أن يصطادوا سمكا في بحر مات على بوابات دمهم والموج امتد إلى الخلف وكل قراصنة الدنيا ينتظرون قبالة الشاطيء خشية أن تصل سمكة لفم طفل تمكنه من مواصلة العيش والعودة بالحنون ولغته إلى أرضه.
سامحي سوداويتي ولا تظني بان ذلك إمعانا في الابتعاد عنك بل على العكس انه الإصرار على الإتيان إليك.

والى لقاء









الرسالة 4

سيدتي البعيدة
ها نحن نقترب من نهاية عام وبداية عام وفي كل مرة أتذكر سخطي على الشاعر الراحل نزار قباني لأنه وجد من يقول لها وعلى رؤوس الأشهاد" كل عام وأنت حبيبتي " وأنت لا زلت بعيدة ولا زالت لغتي اضعف من أن تملك حروفا تحمل كل تلك المضامين وتصدح بلحظة افتراق العام عن العام بكل تلك الموسيقى, كل عام وأنت في طريقك إلى هنا, كل عام والمسافات تضيق ما بين الشهقة والشهقة, كل عام ودربي نحو الاندهاش بروعة لقياك اقرب.
ترى أي طقوس يمكنني القيام بها على بوابة عام آخر يكرر ما سبق من سفر قسري من منفى إلى منفى يعيشه الفلسطيني البعيد ورغبة لم تعد مدفونة لدى أجيالنا الناشئة للتخلص من عبء الوطن بالهروب إلى جلد الأعداء احتماء بهم منهم, أي احتفالية يمكنني أن التقي بها عامي الجديد وعشرات الآلاف من شبابنا يعرفون أعياد الميلاد بعطلة القنصلية الأمريكية أو مثيلاتها وعدم استقبال طلبات الهجرة أو الرد عليها.
كل عام وأنا أقل تشاؤما وأقل خوفا على الغد من الغد وأقل اشتعالا بنار القربى من القربى بغض النظر عن اللون أو تسمية السلاح أو تبرير الموت لمن لم يمت بعد من كل الجهات.
كل عام وغزة تورق اقترابا والخليل تمتد إليها وتنتحر المسافات المزروعة موتا بينهما, وبلادي لا تسقط فوق آذان أبنائها لغة لرفض الآخر بل تورق ألوان علمنا لتشكل معا رقم واحد رمزنا لتلون وحدتنا وإدراكا أن غياب لون من ألوان العلم يلغي وطنيته كليا.
كل عام وأنا أحلم أن أتمكن على بوابة عام قادم ما بان اصرخ عبر الريح لك علنا " كل عام وأنت مصدر غبطتي" حين يمكنني الإفلات من كوابيس الموت والاحتلال والحدود والسدود والجدران وقطعان المستوطنين والاحتماء بك من برد الوحدة لا من برد المحتلين والأعداء.
كل عام وات أقرب, تلك أمنيتي على بوابة العام الجديد لعل اقترابك من دنياي يخفف وطأة الألم الذي نكاد ندمنه من فرط ما نعاني, كل عام وأنت اقرب, لعل اقترابك يجعل أولئك المتجهمين يخففون من تجهمهم, ولعل اطللالتك على دنياي تدفع بهم أيضا للبحث عن ما هو جميل في هذه الدنيا بدل الإمعان في القبح وصناعته موتا للذات, فلست ادري كيف يفكر الفلسطيني الذي يقتل أو يعتقل أو يعذب أو يشوه فلسطينيا آخر لمجرد انه يختلف معه في الرأي وكيف يمكنه مواصلة للعيش بعد أفعاله تلك.
كل عام وأنت اقرب, واقترابك يعني اقتراب الجمال من حياتنا, واقترابك يعني اقتراب الطيبة والفرح والدهشة, ونحن يا سيدتي لم نعد أبدا ندري من أين للفرح أن يكون وكيف يمكن أن نمارسه حتى لو وجدناه, ووحدي أتقن سرقة الهمس إليك هربا منهم وفي غفلة عنهم وخوفا من بشاعتهم كل الذين لا يعرفون لأنامل اكفهم مهنة سوى مهنة القتل, كل أولئك الذين لم يدربوا اكفهم على الرسم أو العزف أو الحراثة أو غرس الأشجار أو مقاومة المحتلين.
اكتب لك لا بهدف إغاظتهم بل بهدف إثارة غيرتهم لعلهم يدركون حجم روعتك ويحاولون مثلي البحث عنك لعلك تقتربين من دنياهم وتجملينها مرة واحدة عسى للبغضاء فيهم أن تموت وان يستفيق الفرح والحب في أقوالهم وأفعالهم.

دمت ملاذي من البغضاء رغم البعد
والى لقاء











الرسالة 5

سيدتي البعيدة
لست اعتذر لك على اقتحامي انفرادك بذاتك مع ذاتك بحثا عن ذاتك لأني اعتقد انك وحدك من دون نساء الأرض ملزمة بالاستماع إلي وان عندك معي كل الحق بنفض همومي فحين يثور البحر لا يجد سوى الموج متنفسا له منه وبه.
ملزمة أنت لأنك صرخت بي يوما أن اصمت ولا تعكر صفو وحدتي وصلاتي ودعني اصلي لذاتي كما ابغي وحين انتهي سأناديك, ولست بقادر على إنهاء نوبتي العسكرية الدائمة على حدود وحدتك ودون أن ادري متى يجوز لي أن أمارس فعل الارتخاء لأغفو أنا أيضا فالجندي المورق في تضاريسي جسدا وروحا وجد لمواجهة الأعداء ومقاومة المحتلين لا لصياغة فعل انتظار العشق لامرأة لا تورق حتى بحروف الوجد بل تتقن إشعال النيران وضخ البحر إلى الموج.
ملزمة أنت يا سيدتي للاستماع لتقاسيم وجعي لأنه اكبر من أن اشكوه لغيرك أيتها الباحثة عن الغبطة لدى رجل لا يعرف حتى معناها اللغوي عن رجل ظل لأمد طويل يعتقد انه يملك قضية وطنية موحدة وواحدة بكل تفاصيلها وجزئياتها وانه فرد من شعب موحد خلف نفس القضية فإذا به اليوم أمام فيض لا ينتهي من قضايا جزئية وموزعة ويتوزع عليها مقاولين منعزلين يأخذونها لحسابهم دون أن يأخذ احد ما القضية برمتها مقاولة واحدة, نن يا سيدتي وبحمد الله لدينا هيئات ومؤسسات وقوى وشخوص ينشغلون بشؤون البيئة وشؤون الجندر وشؤون الطفل والجدار والاستيطان وحق العمل وق التنقل وحق التعبير وحق الإنجاب وحق التدخين وحق العودة إن ظل له مكان في أجندة الممولين لفروع الحقوق المختلفة وخجلوا من عدم الاهتمام بقضية اللاجئين الإنسانية على طريقة رئيس وزراء المحتلين أنفسهم الذي بات يتقن البكاء على اللاجئين أكثر منا أحيانا في حملة للتعمية ليس لها سابقة في التاريخ.
بعضنا ينشغل بحق الصلاة في الأقصى وهل إذا سمحوا لنا بالصلاة ينتهي الاحتلال أو هل نضمن أن يسمحوا لنا بتكرار ذلك في الجمعة القادمة من نفس الشهر ونفس السنة ومن نفس الطريق والبعض الآخر ينشغل بإطلاق سراح الأسرى الأطفال أو النساء وهل إذا فعلوا ينتهي الاحتلال والاعتقال.
اعتادت الشعوب المقاومة على أن تدير معركتها الوحيدة مع الأعداء على قاعدة الخلاص منهم لا من جزئيان أفعالهم إلا نحن نلتهي بإحداثيات المحتلين أكثر من انشغالنا بمسالة وجود الاحتلال نفسه بل ونشتكي إليه عليه ونتقاتل بيننا بشتى الأشكال والسبل باتهامنا لبعضنا من كل الجهات ونتصارع بين متهم ومدافع عن ذاته والاحتلال منشغل بقضم الأرض حجرا تلو حجر وسنتمتر تلو سنتمتر وتاركا لنا كل الأجواء المناسبة للانشغال بصراعات داخلية موجعه تى الموت.
وبعد ذلك تعتقدين أن لدي متسع من وقت أو مكان في العقل أو القلب لأصبح قادرا على أن أغلف هديتي إليك بمطلع العام بورق الغبطة الباريسي المورق حبا.
تعالي أنا وأنت معا ندعو الله فعلا لا ولا أن نتمكن يوما من إيجاد الفرصة لتذكر أن هناك شيء اسمه الحب على وجه الأرض.

لعلنا نلتقي












الرسالة 6

سيدتي البعيدة
اكتب لك هذه المرة من دمشق, من تلك البقعة من أرض الشام, والشام شامي كما تعلمين ووحدي من دون الدنيا من يرى في القدس دمشق وفي حيفا اللاذقية فالامتداد هنا ليس مكانا ولا زمانا وإنما بشرا حيا ينبض بنفس الروح وأنا اعتدت منذ أمد على ممارسة فعل العشق كلما اتيح لي مع حواري الحميدية وان أصلي على طريقة الجنود في ساحات المسجد الأموي وليس أمام المحراب فمن ينتظرون على البوابات من الأعداء كثر وليس لدينا ما يكفي من الوقت للاحتماء بدفء المسجد وتحت قبابه فان أنت لم تنتظر الأعداء خارج بيتك فهم حتما سيجدون الفرصة لإدارة معركتهم على أطراف فراش أطفالك وتلك فلسفة أعداء الشام شاما بالمكان وشاما بالعروبة التي تمتد لتصل إلى تطوان لتذكر العلاقة العجيبة بين زيارة ملك اسبانيا للأرض المغربية المحتلة وطرف الشام من الشرق حيث يملك البوشيون الحق باستباحتها ولا نجد نحن فرصة حتى للاطمئنان على نخلاتها وبوابة الشام الجنوبية حيث تستباح القدس علانية لشارون وأحفاده ولا نجد طريقا للوصول إلى بلاط الساحات في الأقصى.
دوما كانت دمشق بوابة قوافل الفرح إلى فلسطين والى بغداد ومن أرضها ابتدأ النيروز مسيرته ولست هنا ذاك العربي الرافع راية البداية حين أضاءت الدنيا بروعة العروبة وموسيقى إبداعاتهم ولكني اللاعربي المهزوم والخافض راية النهاية, اللاعربي القادم للاختباء من برد أنا بوليس وسموم القول في لغة اولمرت ونهايات الأرض بين ثنايا سخافات بوش, هنا أنا يا سيدتي في سبيل أن أقول لكل نساء الأرض من خلالك إنني مثقل بالبحث عن حضن دافيء يقيني برد البيت الثلجي الذي يسعى لتصدير ثقافة الكاوبوي إلى بلادي.
اكتب لك من هنا وأنا هارب من وجع اللحظة إلى ارض احلم مثلك أن تحمل لي بين ثنايا الغد رائحة الغبطة يوما لعلي أتعلم منها معنى تلك الكلمة, هنا يا سيدتي لا تنام المدينة وهنا على البوابة التي اجتازها يوما خالد بن الوليد تذكيرا بمجد لا يكفيه الحلم طريقا لاستعادته بعد أن أتقن أمثالي على الأطراف البعيدة فنون إضاعة طريق خالد على خارطة للطريق ليس لها حتى مجرد الورق مكان لرسمها بل هي فرصة لتغيير مسارها كما يريد من انشأوها كلما أرادوا لها مسارا آخر بعيدا عن حلمنا وقريبا من دمارنا.
الساعة الآن تتجاوز الواحدة بعد منتصف الليل ونافذة الفندق تطل على شوارع تعج بالحياة لتذكرني بمدينتي هناك حيث الجرح وحيث لا يعرف أناسنا ألوان شوارعهم بالليل من كثرة الأعداء الذين يفرخون جديدا ليس من خارج الجرح بل والمأساة أنهم باتوا يصوغون سكاكينا للجرح من داخله وأي السكاكين أحق بذبحي وإذا كان لا بد لذلك أن يحدث فلم يريد الجرح أن يذبح ذاته, لم لا نترك للسكين الغريبة متعة إماتتنا أحياء من داخلنا, لماذا يراد لنا أن نموت مرتين مرة لان الأعداء يريدون لنا ذلك والمرة الأسوأ لان سكيني هي أنا فلا أمل لمن تلمع سكينه على عروق عنقه أن يجد طريقا لاستعادة الدم طريقه نحو القلب لينبض بالعيش في ثنايا الرأس فكرا وفعلا.
سيدتي
لا تغضبي مني كثيرا فلا خيار أمامي من الصراخ إليك ومن هنا لعل الهواء النقي يقود حروفي إلى مخدعك بعد أن أغلق الجميع هناك كل نوافذهم وآذانهم لكي لا يسمعوا.
احرصي جيدا على أن تمسكي بأطراف الفرح البسيطة واحلمي أكثر بغبطتك ودعي نوافذك مشرعه عساها تأتيك ذات إغفاءة ما دامت اليقظة لدى البعض منا لا تأتي سوى بالموت.
والى لقاء
















الرسالة 7

سيدتي البعيدة

لن يغير الثلج شكل قلوبنا فهو يغسل التراب فقط وكم غسلت السماء ترابنا مرارا ومرارا دون أن يطال قلوبنا قطرة ماء فما بالك بالثلج, ولست ادري لم يفرح الناس بالثلج لهذه الدرجة وينتابهم شعور بالدفء غريب رغم انخفاض درجات الحرارة إلى أدنى مستوى, قد يكون مرد ذلك للحال الأسود الذي نعيشه فعادة ما يرغب المرء بمراقبة ما ينقصه, أو أن توحيد لون الأرض لمرة واحدة وبلون النقاء يعيد للبشر صفاء نفوسهم, وشخصيا يقودني منظر الثلج ولو بالتلفاز إليك لأنك كنت ولا زلت وتبقين عنوان صفاء جميل احرص أن أبقيه بعيدا عن كل ما يعكر صفوه, كثيرا تشبهين الماء الذي يجري في السهل فلا يتغير المكان ويتغير الماء بنفس الروح دون أن يدري من ينتظر أن شيئا غاب عنه, وأكثر يشبهك الماء فهو شفاف لدرجة يقنعك انه ليس هنا ويعطيك الشعور بالأمان لأنه لا يعكر صفو ألوانك وهو لا يقتحم عليك خلوتك ولا يحرق انطلاق الياسمين بحضورك حلما وهو ثائر لعدم قدرة القوالب الجاهزة على احتوائه ومثلك هو ضروري لمواصلة العيش على بوابات الزمن الموغل بالموت.
الحال لدينا كما كان عند الرسالة المليون قبل الصفر وكل ما أخشاه عند كل الرسالة أن اضطر للالتفاف على الكلمات حتى لا أقول لك أن الحال بات أسوأ, فلا زلنا نتقن المناكفات ونتقن الشروط ضد بعضنا في حين نغيبها عن الآخر العدو, ويبدو أن قبول الآخر بالمعنى الوطني غاب إلى غير رجعة وكلما تقدم بنا الزمن ابتعدنا أكثر عن احتمال أن تعيش بيننا فكرة احترام الرأي الآخر أو قبوله ويبدو أن لا احد بات يدري معنى لحق الغير بقول رأيه أو حقه بالاعتقاد برأي مختلف وبات الاختلاف بالرأي مدعاة لاستحكام العداء ة وادري جيدا أن هذا الحال لن يرضيك أبدا لكن انعدام الحيلة أقسى وتلك هي الحال التي أعيش واعتقد أن معي بذلك ملايين الفلسطينيين والبشر ممن يهمهم حالنا.
تابعي الدعاء إلى الله معي أن يصلح حالنا فلست املك غير الدعاء وكل ما أخشاه أن يعتقد احدهم أن الدعاء إلى الله ضده كما قد يفسر غيره أن انعدام الدعاء أسوا, فارفعي كفيك نحو السماء واصرخي بكل الصوت بما لا يترك لأحد فرصة التأويل " اللهم اصلح حالنا كلنا" فلعل وعسى يا سيدتي يستجيب الله لأمرأة كل ما يميزها عن غيرها من نساء الأرض انها ليست هنا بالمعنى المادي ولم يدنس وجودك الروحي بما هو مادي ولم نقترف معا ايا من الخطايا التي تستوجب صراخ سيدنا يسوع من كان منكم بلا خطيئة, وتلك الصرخة المجلجلة في تلال الناصرة وبيت لحم والقدس وغيرها استحضرها كلما تفاقمت وقاحة بعض الخطائين بتقديم أنفسهم على أنهم بلا خطيئة ويتقنون رجم كل الناس الذين قد لا يكونوا قد ارتكبوا جزءا ضئيلا من خطايا محترفي الرجم أولئك دون أن تهتز لهم شعرة أو دون أن يخشوا صرخة نبي في زمن لم يعد يحتمل نقاء الأنبياء فتابعي دعائك إلى الله فليس لنا من نشكو إليه سواه.





























الرسالة 8
سيدتي البعيدة
لا تحاولي إشاحة وجهك بعيدا عن رسائلي معتقدة أنني أثقل عليك بكل هذه الهموم الصغيرة برأيك, لكنها همومي وهموم ناسي نحن الذين نعيش معا على ارض الهموم الرائعة هذه, وهي رائعة لأنني تعلمت أن الحياة دون هموم سخيفة, فالبعض ممن يعيشون في بلدان البحبوحة وقد تكونين منهم باتت أزمتهم هي الفراغ ورتابة الحياة وهذا ما لا نعاني منه نحن من قدر لنا أن نكون فلسطينيين نشقى على ارض السلام لغة والشقاء حقيقة, هذه الأرض التي قدر لأبنائها دوما أن يعيشوا بؤس الحياة وان يجابهوا الغزاة بلا توقف أبدا, فلسطين إناء العشق الإلهي الذي لا ينضب هي نفسها إناء الدم الفلسطيني الذي لا ينضب ليس على أيدي الأعداء فقط بل وعلى أيدي الذات حتى دون أن ترتفع عن رقابنا سكاكين الموت المحتلة فمن امتهن الموت لا يعنيه لغة السكين ولا الجهة التي تأتي منها.
آخر تقليعة في همومنا هو أن حكومة السيد فياض قدمت لأبناء المخيمات تنازلات كبيرة في موضوع ذمم أثمان الكهرباء والمياه فما كان من أبناء المدن والقرى إلا أن جن جنونهم وراحوا يحسدون ابن المخيم على النعمة التي هبطت عليه فجأة بل والبعض تحسر لأنه لم يغادر بيته ذات يوم إلى المخيمات ونسي سكان البيوت الجميلة أن العيش في المخيم وحده يستحق أن يكون له مقابل, ذلك لا يعني إني أؤيد قرار إعفاء المخيم وحده بل أنا اذكر من اتخذ القرار أننا لا نحتاج إلى مزيد من التفريق بيننا فلدينا ما يكفي وأكثر, لا تساهموا أكثر في زيادة الفرقة بين أبناء الشعب الواحد بمناسبة وبدون مناسبة فمن يملك القدرة على تقديم الإعفاءات للمخيم يملكها أيضا للقرية والمدينة وحين لا يفعل فهو يدفع بمن لم يحصل على الإعفاء إلى صب جام غضبه على من حصل عليه ويذكر جيدا ناسنا حجم الضغينة المخبأة عند أبناء المخيمات من نظرائهم ممن يسكنون البيوت المدفأة ولم ينسى بعد أهالي المخيمات لحظات سنوات الجوع والتشرد والألم الذي عاشوه لسنوات وسنوات دون أن يلتفت لهم أحد ممن فصلوا الأسماء للتفريق بين اللاجئ والمقيم.
مطلوب من حكومة فياض ومن حكومة هنية ومن حكومات الظل المنتشرة على طول الوطن والمنفى لكل الفصائل أن تبرر وجودها, وتعدد الحكومات هذا هو مصدر انتكاستنا فنحن دون بلدان الأرض والحمد لله نملك حكومات لا حكومة والمصيبة أننا لا نملك دولة ولا ارض لهذه الحكومات ومع ذلك نصر على بقائها ونصر على استمرار دور المناكفة الدموي أحيانا بينها.
وماذا بعد يا سيدتي آلا ترين أن ما اسرده على مسامعك يستحق منك الالتفات إليه, ألا تعتقدين انك ما دمت لم تلتفتي لإشارات الغزل التي أطلقها بين الحين والآخر فلماذا لا تلتفتي ولو قليلا لهمومي أو لهموم ناسي أم أن ذلك لم يعد يستحق شيئا عند احد بعد أن أدرنا نحن ظهورنا لقضايانا وبعد أن بتنا حديث القاصي والداني وبعد أن أصبحنا نتقن فنون تعذيب الذات وتدميرها أكثر مما نتقن أي عمل آخر بما في ذلك مقاومة الأعداء.
كل ما في الأمر أني احبك بلا حدود
فالتفتي لحبي أو لهمي فكلاهما نبضي المتواصل










الرسالة 9

سيدتي البعيدة
تدرين أن النهارات في بلادنا لا تبدأ أبدا بين الناس بالسؤال عن الطقس أو أسعار العملات وحجم التداول في أسواق المال بل عن عدد الحواجز على الطرقات وأي الساعات يجب على المرء أن يستيقظ ليصل إلى وظيفته في مكان قد لا يبعد عن بيته خمسة كيلو مترات ويحتاج إلى ساعات لاجتياز تلك المسافة القصيرة وقد يستخدم أكثر من وسيلة نقل في سبيل ذلك.
وحدي أنا من بين الملايين من أتقنت الوصول إلى حبك بديلا عن كل ما حولي وحتى اللحظة لم يتنبه بعد جيش الاحتلال إلى وسيلتي للتغلب على حجم جرائمهم وإلا لكانت أجهزة الأمن والدراسات بدأت فورا بالبحث عن طريقة لوضع حواجزهم حتى على دروب حلمي, عندما أتوقف أمام حاجز احتلالي أستلك فورا من بين ضلوعي وأغيب معك حتى لا اترك لهم فرصة اقتناص لحظة ضعف صغيرة تظهر تبرمي وعدم قدرتي على الاحتمال من قسوة الحال الذي لا يحتمل لمن لم يجد حبيبته بعد ليهرب إليها من قسوتهم عساه يواصل العيش نحو الغد أملا بإيجاد طريقة لكسر بنادقهم وزرعها بالأرض وسيلة تورق زهرا لا موتا لأطفالنا.
وحدي ودون جميع الناس أصحو باكرا لأسال عنك واطل من الشباك عساني ألقاك تقفين على بوابة السماء بانتظار إشارتي لك بالهبوط إلى مستوى البشر وأظنك ترين ابتسامتي الصباحية حين تلتقي عيناي الموجعتان من السهر وحمى الانتظار بالحنون البلدي الجميل المورق على ضفاف فمك, أواه يا سيدتي كم يوجعني البعد رغم أنني من المفروض أن أكون قد أدمنت البعد كفلسطيني فالوطن بعيد عن أهله المنثورين على جنبات الأرض, والأمر من ذلك أن الأرض لدينا أيضا تتباعد بإرادتنا المسلوبة منا فلا نمسك بجنباتها لتتواصل بل نفعل بأكفنا العكس ونغل في تمزيقها أكثر وأكثر.
منذ رسالتي الأولى إليك والكثيرين يسالون عنك ويحاولون معرفة اسمك وأين تقيمين وما حجم البعد الذي أحاول اختصاره في الطريق إليك أو بالتمني, وطبعا ليس لدي القدرة على الإفصاح أكثر مما هو هنا فوق الورق المنثور أمام جميع الناس ولست قادرا على المراوغة أكثر للإيهام بأنك رمز مخفي للوطن فلا يحتاج الوطن أبدا لبديل عنه ولا يجوز أن يحيل المبدعون امرأة إلى رمز بديل للوطن وبكل البساطة أنت أنثى بكل ما تحمل الكلمة من معنى مباشر وواضح لكنك ملاذ رجل يعيش في زمن القهر ليس من المحتلين فقط وإنما من عجزه وضعفه الناجم عن حجم التنافر والاختلاف والتحارب بين أطراف الوطن وناسه فيا سيدتي مدي الي يديك عن البعد أتعلق بهما عساني أخرج من دائرة الفوضى الحسية هذه إلى تماسك الحلم فما ينقصني هو استعادة العلاقة بين الدم ونبضه ومكان بين الشريان كأنهار لدمي وبين دمي المتناثر على أسطح الدنيا, ما ينقصني أنت وهمسك عسى للكون أن يصبح حنونا أكثر وتلك الأغنية الانجليزية القديمة لا زالت تقول "الحنان هو ما نحتاج يا صديقتي" ولا زلت رغم تحلل الكلمات ادندنها عساها تكون حقيقة.

























الرسالة 10

سيدتي البعيدة
أظنك تدرين جيدا أن البحث عنك ومحاولة الوصول إليك باتت همي الوحيد ولذا فلا اترك وسيلة إلا وأحاول تجريبها ومنذ أيام سالت نفسي لم لا تكونين هناك على احد الجدران التي أمر من جانبها أو على بوابة منزل أو متجر أو فوق شرفة تتدلين هناك بديلا لأواني الورد ورحت أحملق في الجدران والأبواب والشرفات فشغلني عنك شعارات وشعارات عن الجدار الذي زرعه الأعداء في أرضنا وبدأت أحصي ما كتبه جهابذة الوطنية الفلسطينية واليك شعاراتنا
أوقفوا بناء الجدار
لا لجدار الفصل العنصري
لا لجدار العزل
والغريب في الأمر أن أيا من الشعارات والصور التي تتحدث عن الجدار لم تحمل أبدا كلمات تدل على رفض مطلق وحقيقي للجدار ووجوده ولا تشير بحال من الأحوال إلى دعوة صريحة أو عمل فعلي للتخلص من الجدار المذكور فلم أقرأ أبدا ولم أرى صورة واحدة تقول مثلا
- اهدموا للجدار
- حطموا الجدار
تخيلي أن بعض الجمعيات الإسرائيلية العاملة في حماية حقوق الحيوانات طالبت سلطات الاحتلال بعمل فتحات خاصة في الجدار لتستخدمها الطيور والحيوانات البرية لان وجود الجدار يهضم حقوق هذه الحيوانات في حين آن منظموا بعض المسيرات المؤيدة لحقوق المواطنين الفلسطينيين من احد الكيبوتسات المجاورة قالوا علنا وهم في المسيرة نفسها أن الجدار ضروري لأمننا ونحن لا نطالب بإزالته بل بتخفيف آثاره وعندها شعرت أن الدنيا لا زال بها خير ما دام البعض منهم قد وصل إلى الاقتناع بأننا نشبه الحيوانات من حيث الحقوق فاحمد الله أننا تجاوزنا إحدى درجات الدونية التي يعتقدونها بنا.
قبل فترة كتبت محتجا على احتفالاتنا بقرار محكمة ظلمهم بتغيير مسار الجدار قرب بلعين وأوضحت أن ذلك تكريسا للجدار لا إيذانا بهدمه وذكرت كل الجهات التي باتت تمتهن مقاومة الجدار فكرا ولا تسعى أبدا لعمل منهجي حي للتخلص من وجوده فهي مؤسسات لانجاز أبحاث ودراسات ومخططات وخرائط ومواسم تجمع بجانب الجدار في أمسيات أشبه بالاحتفالية ومواصلتها يعني دفع المشاركين بها تدريجيا الى الملل والعودة من حيث اتوا في حين يصبح الناس البسطاء أسرى إدمان جرعوه لهم المقومين النبلاء من أصحاب الخطب الرنانة والجمل المحسوبة حتى لا تطال دافعي الضرائب الأمريكان والأوروبيين بأي غضب ما داموا هم من يدفعوا لجيش عرمرم من أتباع المنظمات غير الحكومية في بلادنا التي باتت فيها تلك المنظمات رمزا للوجود الأجنبي لا لمأسسة المجتمع نفسه وتمدينه وتكريس نهج المواطنة فيه على قاعدة ان صاحب الكلمة الأخيرة عادة هو صاحب القرش الأول وما دام الوطن العربي والإسلامي لا يعرف معنى مصطلح دافعي الضرائب فلنبق إذن أسرى لقرشهم المرسوم بفكرهم إلى حين ميسرة.










الرسالة 11

سيدتي البعيدة
أحاول دوما أن أجد جديدا في وسائلي للبحث عنك واليوم قررت المضي إلى احد الأحراش المجاورة ضاربا عصفورين بحجر واحد الأول أنها فرصة لأكون وحيدا معك احلم بك كما أشاء دون أن ينغص حلمي احد والثاني أنني قد أفاجأ بك على غصن شجرة أو في غناء طير وسأكون بذلك وصلت إلى أقصى ما احلم فلعل الحلم يكون أكثر انفعالا وأحس بدفء كفك في هذا الطقس الكانوني البارد جدا.
المهم أنني اخترت طقسا ماطرا بكل الشدة وانطلقت بحثا عن الأحراش المحيطة وكأنني كنت ابحث عن جيش الاحتلال ومستوطنيه لا عنك فأينما ذهبت وجدت حاجزا وحيثما حللت وجدت مستوطنة ورغما عني تذكرت خرائط الطريق الغائبة وهدايا البعض لنا برفضهم المستوطنات غير الشرعية وكان الأمر بات مسلما به أن ما تقره حكومة الاحتلال رسميا هو شرعي وان ما تقوم به المجموعات بدون قرار جيش الاحتلال هو غير شرعي.
والانكى من ذلك أن بوش قد من علينا بحديثه الإنساني عن الصعوبات التي نواجهها على الحواجز الاحتلالية لكنه ذكر بأهميتها لأمن المحتلين وتناسى أن أمنهم بتوقفهم عن ممارسة الاحتلال بحقنا أصلا وعلى ما يبدو أن بوش الابن كبوش الأب لا يتقن إلا الاحتلال ولا يعرف شيئا اسمه الشعب الخاضع للاحتلال وهو يعتقد أن الاحتلال نعمة لأهل العراق وأفغانستان والصومال وبالتالي يستغرب من الذين يقاومون المحتلين معتقدا أنهم أغبياء لأنهم لا يعرفون قيمة الاحتلال ولا يدرك المواطن العراقي المتخلف أن عليه أن يشكر ربه وجلاديه ليل نهار لان الاحتلال الأمريكي كان من نصيبه فهو احتلال ديمقراطي عصري متحضر وكذا حالنا نحن الفلسطينيين أيضا فان علينا أن نلهج بالشكر صباح مساء لان الله سبحانه قد اختار لنا الاحتلال الإسرائيلي فهم" واقصد جيش الاحتلال" كانوا يغلفون رصاصهم المعدني بالمطاط ليسموه الرصاص المطاطي, وهم كانوا يستخدمون لقتلنا احدث المعدات العسكرية والطائرات وهذا أكثر من قيمتنا فلماذا يحتج غبي فلسطيني على الموت بسلاح عصري باهظ الثمن والتكاليف في حين أن عليه أن يشكر الله على هذه الميتة ذات المستوى الرفيع من درجة خمس نجوم, ثم لماذا يفكر كاتب فلسطيني مثلا أن يخرج من بيته في ظل المطر ليمارس لعبة الحب فهذه لعبة لا معنى لها لفلسطيني متخلف والأحراش الفلسطينية صممت خصيصا لأولئك الذين يعرفون معنى الحب فعلا ونحن لنا المقابر لأننا نعرف كيف نموت لا أكثر, لماذا يفكر كاتب فلسطيني أن بإمكانه أن يمارس اللغة فعلا على الأرض وهذا فوق مستوى الأعراق الدنيا في زمن يبدو آن الابارتهايد فيه لم ينتهي ولا مات من على الأرض هتلر.
المهم أيتها الرائعة كان كل ما تمكنت من فعله أنني لعنت الاحتلال وصمتنا وغيابنا وتأصلت أكثر قناعتي بان الوصول إليك دون أن أتمكن من الوصول إلى الأحراش المجاورة أمر مستحيل لذا احبك مع وقف التنفيذ تماما كما يعيش أسرانا خارج قضبانهم فهم أحرار تحت سوط وقف التنفيذ وأنت حبيبتي مع وقف التنفيذ.































الرسالة 12

سيدتي البعيدة
مولع بك إلى حد الجنون ولم يعد العيش دونك محتمل في وطن بات أبنائه يتقنون الخروج من بواباته الموصدة ولا يتقننون الدخول إليه, في وطن باتت بواباته باتجاه واحد إلى الخارج وهي لا تتقن أبدا الانفتاح إلى الوطن لذا فان شبابنا يركبون الريح خفافا بعيدا عن نار وطنهم عساهم يجدون هناك في وطن الغرباء مكانا آمنا يمكنهم من الإغفاء ولو على حدود الآخرين هنيهة قبيل أ، تردهم بوابات الغرباء إلى بوابات أخرى أو أن تطحنهم مداخن مصانع الخبز البعيد ويتحولون إلى ثيران الساقية المخفية الأعين حتى لا يدوخوا من دوران الركض خلف رغيف الخبز متناسين أن على جنبات الدنيا الأخرى كان لهم وطن.
في مطعم باريسي شعبي سأل زميلي التونسي مواطنه النادل الشاب عن نتائج مباريات كأس العالم وكانت شاشات التلفاز في المطعم تبث الحدث وتنتشر في كل زوايا المطعم فاجاب الشاب وهو يتحرك كبندول الساعة
- عن أي مباريات تتحدث
- مباريات كاس العالم
- وهل هي هذه الايام
اجاب الشاب ببساطة فرد صاحبي مشيرا باصبعه الى الشاشات التي تغطي الجدران فانفجر الشاب بضحكة قهر وهو يقول
- يا سيدي يبدو ان لديك الكثير من الوقت لتعرف ما يدور حولك اما انا فان علي ان اعمل ستة عشرة ساعة وانام الثماني المتبقيات لعلني اتمكن من العيش بشكل معقول.
أتدرين إذن لماذا أتمسك بك وحدك من دون الدنيا لأنك تعينني على مواصلة الانغراس هنا فوق هذا التراب الدافئ والجميل, ومن يعرف بلادنا أيتها الرائعة ومن يتقن عشقها لا بد له أن يبحث عن كل السبل الممكنة لمواصلة الانغراس بها.
في طفولتي عشت مع المحراث الذي لا يمشي أبدا إلا في جوف الأرض ورأيته يقلبها ليفتح حضنها ويتدفأ




















الرسالة 13

سيدتي البعيدة
سأهمس لك بمخاوفي الآن وكلي ثقة أن أحدا من المعنيين لن يقرأ ما كتبت للأسف الشديد ذلك أن مدعي السياسة يخشون أن يضبطهم احد متلبسين بجريمة قراءة رسائل عشق, فلو فعل احد من حكومة رام الله ذلك فستتهمه غزة بالفسق وان حصل العكس فستقوم الدنيا ولن تقعد أبدا وسيتهمونهم بالزندقة, على قاعدة أن من غير الجائز لرجال الدين أن يعرفوا طعم الحب وتلك القاعدة ابتدعها أعدائهم حتى يستحوذوا هم على تلك النعمة التي منحنا إياها الخالق, والمصيبة الأكبر أن الباحثين عن رسائل العشق اكتشفوا أن رسائلي إليك هي أوراق سياسة وليست قصائد تنقب بين طيات الجسد الأنثوي لتستفز أحلامهم الموءودة ما بين هدايا الموت القادمة من بنادق الأعداء والذبح البشع بسكاكين الأهل لنفس الرقاب, وبذا ضعت أنا وضاعت أوراقي ولم يبق من يقرأني في هذا الزمن المعتم الاك وتلك هي ضالتي أيتها الجميلة فما لي أنا وكل القراءات الموتورة والمسبقة الرأي أو الخائفة من الغير ولا تصوغ سلوكها إلا على قاعدة الخشية من الآخرين.
ها أنا اكتب لك علنا وعلى رؤوس الأشهاد ومن على صفحات الصحف ليس لان الطريق إليك مباشرة موصدة بكل ذلك وإنما لان الفعل الصحيح ينبغي له أن ينشر على الحيطان ولا اعتقد أن هناك في هذا الزمن أروع من حيطانك المورقة بالورد لأنشر عليها معلقاتي النثرية لأروع النساء.
لا أريد أن أمارس فعل التعمية هذا فأعلن على الأشهاد أن فعل الحب جريمة نكراء مرفوضة في هذا العصر وأتسلل تحت جنح الظلام لمخدعك حتى الوهمي هذا ففي عرفهم أن مجرد التفكير في فعل الحب حرام وأن ذلك اقتراب من المحظورات وكأن أيا منهم لم يقترب من محظورات أخطر, فهم- وضمير الغائب هذا متروك للناس- داسوا بأقدامهم كل ما تبقى لنا من جماليات حلم أو روحانيات قداسة فقبل سنوات وسنوات كان بإمكاني إن أشتد بي الحنين أن الملم نفسي بثواني واشد الرحال متوجها نحو القدس بكل عتاقتها وروعتها وروحانيتها وأغيب هناك, أتبعثر بين حجارة جدرانها وبساتين الفرح التي تفضي إليه بواباتها ثم الملم نفسي عند المساء متماسكا أكثر وأعود أدراجي دون أن يغلق طريقي أحد ودون أن احتاج إلى بطاقة تمنحنني الأهمية من لصوص القدس لأتمكن من أن أطبع قبلة خجولة على بواباتها.
اليوم تاهت قبلي وجفت شفاهي ولا مجال لي أبدا لمعرفة روائح القدس إلا من صوت من التقيهم صدفة على بواباتها الوهمية البعيدة التي أقامها جند الاحتلال بديلا لبوابات التاريخ التي نعرف وننتمي إليها.
ها أنا أقولها لك بكل بساطة, علنا أحبيني أو علنا غادريني ولا تفعلي فعلتهم أبدا فكل ما نحتاج إليه نحن أن نفتح كل بواباتنا للريح عسى للعفن أن يغادر مرة واحدة والى غير رجعة, أحبيني تحت الشمس عساهم يتعلموا منك كيف يديروا أمور الناس أيضا تحت الشمس.
كل ما أريده يا حبيبتي أن اقترح عليهم قليلا من الحب لعل لإنسانيتهم أن تورق.


























الرسالة 14

سيدتي البعيدة
قالت لي صديقة جديدة تشبه النرجسة المورقة بالصفاء في حقل فلسطيني أخضر هل سأقرأ رسالة المليون قبل أن تلقاها هذه البعيدة وقالت أخرى يشع من عينيها اخضرار مرج ابن عامر أنا اعرفها وهناك من قال أنها ليست بعيدة لكنك فقط تحاول التعمية,وحدي دونهم لم اقل شيئا عن مكان اختباءك لسبب بسيط وعادي هو أنني لست ادري أي تلة أو واد أو شجرة أو بيت أو كهف هي التي تضمك بعيدا عني, وحدي أنا من دونهم لست ادري أي سماء هي تلك التي تظلل أرضك وكيف لي أن اعرف يا سيدتي وأنا منشغل تارة بقائد يتفاءل عن قرب قيام الدولة وآخر يتشاءم في نفس اليوم ونفس نشرة الأخبار.
في كل مساء وقبل أن آوي إلى فراشي أحاول أن أحملك معي لعلي أتمكن حين أغمض عيناي أن استحضر لك صورة ما وفي كل مرة يحالفني الفشل لأنني احمل معي أيضا إلى الفراش حكايات التهريب والتخريب والتشويه والفساد والإفساد فاحزن للغد القادم لأطفالنا الذين لم يكن الحظ حليفهم وإلا لولدوا في زمن أبو علي إياد أو كمال ناصر أو أبو علي مصطفى أو الشقاقي أو احمد ياسين أو جورج حبش أو عمر القاسم, وبدل أن أتمكن من استحضار عينيك أسعى جاهدا لاستحضار صورة حلم أخرى عن المدينة الفاضلة الآمنة, ويحضرني أبدا نفس السؤال ترى لم حين يرحل عظيم أو طيب أو مناضل لا يولد له ولو شبه بديل, لماذا كلما نقص المناضلون والأوفياء ازداد أكثر عدد أولئك الذين ينهشون لحمنا علنا وباسم كفاح الراحلين العظماء أنفسهم, كثيرون منهم يتسترون الآن بأنهم كانوا من رفاق أولئك العظماء.
قد أكون جافا جدا لو قلت أن العظماء في بلادنا مصابون بالعقم فكلما رحل احدهم شغر المكان أكثر ورحنا نفتش بالمندل عن اقرب الاشباه للرمز الذي غاب وكثيرا ما لا نوفق أبدا بينما كلما رحل فاسد أو فاسق أو فاجر أ, تاجر اكتشفنا من خلفه أبناء وأحفاد أوفياء لمسيرته "العطرة!" أكثر أكثر.
كل يوم جديد يرن في أذني وعقلي واعتقد كذا في عقول وآذان كل الناس حديث رسول الله عليه السلام عن "الرويبضه" فهل هذا هو زمانهم لا زمان الوفاء والكفاح والنزاهة والشفافية, في بلادنا سخفوا كل شيء حتى لم يعد بإمكانك تصديق احد فالفاسد أكثر الأصوات صراخا ضد الفساد والفاجر داعية كاذب للخير والاستقامة ونحن جميعا نتقن ن فعل البشرية تحريك الشفاه على أنغام لا نكتبها نحن فالمشافهة لغة أداء تتجذر أكثر يوميا في أوساطنا ولا علاقة لما تقوله الشفاه بما تفعله الأيدي أو بما يجري على الأرض فلا احد هنا يجرؤ على نسيان القدس لفظا لكن أحدا لا يعرف الطريق إليها بعد أن شوه المحتلين كل الدروب ورسموها على شاكلتهم ونحن نزاول مهنة الجلوس في مقاعد انتظار غودو أو غيره.



























الرسالة 15

سيدتي البعيدة

انتابني فرح شديد لحفلة صنعاء وسعدت بالتوقيع على اتفاق ما للمصالحة أيا كان شكله معتقدا أن الأوان قد آن لعودة الأمور إلى مجاريها وحين سألني احد الأصدقاء عن سبب نوبة الفرح هذه رغم أن الأمور لم تتضح رحت أشرح له كيف أن الأمور متعلقة بك بهذا الشكل أو ذاك وانك قد تكونين واحدة من سكان غزة مثلا فيقودني تواصل طرفين من أطراف الوطن إلى التواصل بك ما دمت حتى الآن غير قادر على الاتصال بك إن كنت في حيفا أو عكا أو يافا أو القدس, وتذكرت كارثة الفلسطيني الذي يجد حبيبته خارج الوطن والعديد من العوائل التي يعيش فيها الزوج داخل الوطن والزوجة خارجه أو العكس.
بحاجة أنا في سبيلك ليس إلى تواصل فلسطين زماكا ( زمانا ومكانا ) فقط بل إلى تواصل كل الأرض العربية فلعلك تكونين في ربوع المغرب العربي أو تسبحين في مياه النيل كأجمل حواري الماء أو تتعمشقين إحدى الدوالي في ارض الشام الرائعة أو تنتصبين نخلة عراقية ممشوقة القوام على ضفاف دجلة ودانة غنية في خليج العرب أو بلقيس سبأ.
لكن دهاقنة السياسة في فلسطين مخبولي المشاعر وهم لا يعرفون الحب ولا يدركون ماساتي وكيف سيفعلون وهم يغمضون أعينهم عن مأساة الثكالى والحزانى والجرحى والجوعى والشهداء والفقراء وسيجدون مليار مبرر للفتك بي إن قلت لهم إنني بحاجة لوحدة الوطن في سبيل أن ألقى حبيبتي.
أراهم سينفجرون ضحكا وقد ينعتوني بالفجور وارتكاب المحرمات وقد يجدون بحكايتي فرصة لاتهامي بأنني السبب وراء كل كوارث الشعب والبعض قد يعتقد أنني انتمي إلى القاعدة مثلا وأعيش متخفيا بحكاية حب أو اعمل لصالح القوى الامبريالية والصهيونية ولذا أسيء إلى صمود الشعب أو لأي قوى رجعية أخرى فالكارهون لكل شيء لا يريدون للحب أن يورق في بلادنا حتى لا يتعلم منه الساسة والمناضلون والقادة الحزبيون فتصيبهم العدوى ويتنازلوا عن أهدافهم الضيقة لصالح وحدة الوطن والشعب.
بكل صراحة ووضوح لم اعد احلم بالوحدة العربية في سبيل الانتصار على الصهيونية والامبريالية واستعادة أمجاد العرب الغابرة ولا لكي أباهي شعوب الأرض بوحدتنا ولا لكي يولد أطفالنا في القادم من الأيام أحرارا على ارض عربية حرة ولا لكي نحرر ثروات الأرض العربية من ناهبيها ولا لكي استمتع بقراءة اسم الوطن العربي الواحد على منتجات صناعية عربية مائة بالمائة ولا لكي أشارك بانتخاب نائب جزائري ليدافع عن حقوق البدون على ارض الكويت ولا لكي أشارك في حضور جلسة علنية لمحاكمة قادة أذلوا امتنا ذات يوم بغبائهم أو عمالتهم أو فسادهم, كل ما في الأمر أنني أسعى لذلك في سبيل الالتقاء بك لا أكثر ولا اقل فانا لست ممن يقبلون بعشق امرأة غربية لأنني لا أتقن الحب إلا باللغة العربية وكلما وضعتني الظروف أمام أنثى غربية أصبت بالهلع خشية الاقتراب منها فأنا اعتقد جازما أن حبا لا تورق على بواباته موسيقى الكلمة لا يمكن له أن يثمر جسدا نابضا بالحياة.







الرسالة 16

سيدتي البعيدة
كل ما أتمناه اليوم أن تكوني قررت مقاطعة نشرات الأخبار وقراءة الصحف أو محادثة الناس المهتمين بالسياسة وأخبار فلسطين وناسها خصوصا من هم يضعون أنفسهم على أكتافنا رغما عنا, فما يهمني أن لا تعرفي ماذا نفعل بأنفسنا وقضيتنا وان لا أجد نفسي مضطرا للإجابة على سؤال منك عن بعض الحكايا التي تذل وتخزي أيا كان شكلها ومبررها ومن قام بها.
في بلادنا المحتلة بألف شكل ولون, بلادنا التي يسميها المحتل إسرائيل ويغلقها في وجوهنا, قدسنا التي يسميها المحتل أورشليم ويمنعنا حتى من الصلاة على أرضها, بيوتنا التي يسميها الاحتلال يهودا والسامرة ويضرب من حولها جدارا كاملا يذكرنا بالباستيل الكبير أو أبو غريب اكبر أو غوانتانامو أسوا, بلادنا التي يدعي الاحتلال انه غادرها من غزة وتركها بين أيدينا ثم يغلق عنها الأرض والبحر والسماء ويقول لنا نحن سمك الرمال الحارقة هناك كلوا رملا ولا تشربوا ماءا ثم خشية أن لا نجد نارا لشوي الرمل يهدينا القنابل وحتى لا ننسى رائحة اللحم يهدينا شواء أجساد أبناءنا بالعشرات ونحن في سبات عميق.
غزة تحولت لدى البعض الى ملصق صغير على جدران الحواري في الضفة الغربية او حتى البلدان العربية" نحن نحب غزة" غزة في القلب" ارفعوا الحصار عن غزة" هذا ما بقي لدينا لكي نقدمه لغزة هاشم وناسها المحصورين هناك كحب السمك في علب السردين, غزة الحزينة بطعم ارضها والتي تورق في عيون أطفالها اليوم فقط حكايا الجوع والمرض تذكرني ببغداد حين أصبحت وحيدة في مهب الريح أمام أعدائها والرفاق على جنباتها ينتظرون لحظة النحر فهل سينحروا غزة أيضا.
منذ أمد تمنى بن غوريون رئيس وزراء الاحتلال الأول أن تخرج مصر من المعركة مع إسرائيل معتبرا ذلك اليوم هو اليوم الحقيقي لقيام دولة إسرائيل وكم ضحكنا من حلم الرجل المستحيل لعل ذلك لن يحدث أبدا وإذا به يحدث وضحكنا أكثر لعل مصر الرسمية خرجت ولم يخرج الشعب ورويدا رويدا نكتشف عدد الدول العربية التي تقيم علاقات سرية وعلنية مع إسرائيل , تلك الدول التي خرجت بصمت ومنذ أمد بعيد من تلك المعركة القومية مع المحتلين والغزاة, كل ما تحتاجه إسرائيل هو معركة ثنائية بين شعب اعزل ووحيد ومعزول هو الشعب الفلسطيني وبينها ومعها كل حلفائها ولقد نجحنا نحن بإهدائها ما أرادت وتنازلنا عن قومية المعركة وعروبتها والمسئولية المشتركة لكل العرب تجاه ارض عربية خالصة وتداولنا تدريجيا بيننا وبين أنفسنا اسم إسرائيل خلسة ثم أصبحت الطرف الآخر واراها ستصبح بفضل جهودنا الرأي الآخر المسموح في زمن نصادر علنا فيه أراء بعضنا البعض.
لا عليك يا سيدتي استمتعي بوقتك الربيعي لكن كل ما اطلبه منك ان تحتفظي برسائلي هذه على جذع زيتونة فلسطينية فالزيتون لا يموت لعل اطفال الغد يغتسلون من خزينا ويدرون كيف يحاكموا من فعل كل هذا بنا ويقدوه لمحاكمة شعبية ولو ميتا.






















الرسالة 17

سيدتي البعيدة
لدي أخبار مطمئنة لك فاليوم ذبح المحتلون في غزة عشرة فقط ولذا فالوضع أفضل بكثير من الأمس فعدد المذبوحين يوم أمس كان خمس وسبعون والفرق إذن كبير جدا.
لدي أخبار مطمئنة لك فقد تضامن اليوم شعب الضفة الغربية مع شعب غزة وأرسل شعب الجليل الى شعب خانيونس مواد غذائية وجاء شعب النقب للتظاهر قبالة الحدود الدولية لجمهورية رفح وامتعض شعب عين الحلوة كثيرا فرفعوا اليافطات وعلقوا مكبرات الصوت أما شعب الوحدات فقد جاب شوارع المخيم هاتفا لشوارع غزة أن عليها احتمال النار والموت بكبرياء فيبدو ان ثمة حراك بين شعوب الأمة الفلسطينية تنبيء بقيام وحدة قومية فلسطينية!!!!.
لدي أخبار مطمئنة لك كثيرا فكذا فعل شعب الهند وشعب باكستان بل ان البعض من المتنورين في أمريكا وكيبوتسات الاحتلال أعلنوا امتعاضهم من حفلات الذبح المجنونة لشعب على مرأى ومسمع من عالم لا يتقن سوى الصراخ في الهواء شريطة أن لا يكون هناك طائرة احتلال تتجول هي أيضا في السماء حتى لا يصلها صوته.
لدي أخبار مطمئنة لك فالتجار ابتكروا قمصانا جديدة تحمل خارطة غزة واسها وقد لافت تلك القمصان رواجا ليس في فلسطين فقط بل وفي الشتات فعلى ما يبدو أن هناك من يسعى حتى لتقزيم الوطن أكثر بعد أن قزمناه بأسماء السنوات العجاف بحدود النكبة والنكسة والوكسة والوخزة.
ما الذي وصلنا إليه يا حبيبتي ولماذا كنا نصرخ بوجوه العرب أين انتم حين يطالنا الذبح وماذا ستقول لنا غزة اليوم ان ظل للضحية صوت بعد ذبحها, وهل عليها أن ترفع لنا رسائل الشكر على جهودنا في الغرف المغلقة أو القاعات او الساحات أو على شاشات التلفاز أو أوراق الصحف أو على صفحات الانترنت والقوائم البريدية لأولئك الذين يبادرونها بالحب عن بعد ويتقنون التغني بالحلم وإطلاق الشتائم ضد من لا يسعى لتحقيق حلمهم اللفظي بجسده هو.
لست من خارج السرب أنا أيضا فكل ما لدي رسائل عاشق اخرق لسيدة تعيش في الحلم تماما كما يعيش الوطن فعلى ما يبدو ان العدوى ستصيب كل شيء في حياتنا فحين لم نتمكن من بناء وطن حر ديمقراطي واشتراكي وتقدمي ولا ارض إسلامية يشع منها نور الحق ولا بلد ليبرالي يشارك في العاب الاولمبياد بأعداد مناسبة وينتج أفلاما عن اللهو والمخدرات وغناء كالغثاء رحنا نصنع الأحلام رسما فوق أوراقنا المزخرفة وكذا حين استحلت كامرأة حقيقية, كأنثى بكل تفاصيل الحروف لفظا ورسما صنعتك كالأرض والخبز والحرية حلما ولست ادري إن كانت مطالب الفلسطيني أي فلسطيني بالحرية والخبز والحب ستتساوى مع الوطن المسلوب لتصبح أنغام قصائد على ورق قد لا يجد احد وقتا حتى لقراءته خارج عنوان النص.
أيتها الجميلة كما يخيل لي المرسومة بعنقك الذي يناطح الريح وقدك الممشوق كأغصان الشجر في بلادي المصادرة متى سيفرج عنك من يمتهنون مصادرة أحلامنا وتكوني هنا على الأرض حية لعل بقية أحلامنا أيضا تصير كذلك.





















الرسالة 18

سيدتي البعيدة
في بلادنا هذه الأيام تنتشي الأرض ونذبل نحن, وكلما أطل الربيع على ارض انتشى ناسها إلا هنا حيث ينتشي المحتلون وينشط الفاسدون والمفسدون ويطل الشر بأنيابه وكأنما به يستسهل الحركة في طقس الربيع الجميل بينما يضطر الفقراء والشعراء والشهداء إلى الانزواء بعيدا عن روعة الربيع خشية أن يطالهم شر الناشطون هؤلاء إن أحسوا انهم قد يطلون بطهارتهم في عالم من البذاءة صاغوه هم على طريقتهم.
مرهق أنا يا جميلتي من هذا البوح الموغل بالسوداوية وكلما اقتربت كلماتي من إطلاق حروفا لكلمة ارق انتصبت عيناي بالشر وتوقفت أصابعي فكيف لفلسطيني ترنخ جسده وعقله بالقمع طوال الوقت أن يجد طريقة لعزف مقطوعة للعشق لامرأة ليست محسوسة, كل ما نتقنه اليوم هو الإبقاء على علاقتنا غير الروحية مع نساءنا ولذا تجدين حتى نساء بلادنا قد أصابهن الاصفرار ولم يعدن يتذكرن آخر كلمة حب استمعن إليها او آخر وردة وصلت إليهن في عيد زواج أو رأس سنة أو عيد ميلاد.
وحدنا من يعود إلى إحدى بطاقات التعريف التي يحملها وهن كثر ليتذكر تاريخ ميلاده ما دام احد لا يجد متسعا من الوقت ليجعل منه مناسبة للفرح أو لان أحدا لا يريد أن يتذكر الجريمة التي ارتكبها بحقه والديه.
كثيرا احتاجك هذه الأيام لا لكي أمسد شعرك عند المساء ولا لكي اعزف لك إحدى مقطوعات بيتهوفن أو لاغني لك بعضا ن قصائد نزار أو لأطلق العنان للمذياع ليسمعك معزوفات شرقية جميلة عن اللوعة والعشق وإنما لأشكو لعينيك همي عساني أرى ردود الفعل لكارثة العيش تحت ظلم المحتل وغياب أولي الأمر عنا منشغلين بهموم اختلافاتهم وتواصل تناقص الوطن أرضا وناسا دون أن يهتم احد بذلك.
إليك اهرب من كل هذا وهل ادفأ أو أروع منك في ظل زمهرير الحال الذي نعيش فلكل هذه الأيام برده فالسودان بردها بالجنوب ولبنان بردها من كل جهات الأرض وسوريا من تآمر الأقربين والعراق غادرته مياه دجلة كي لا يجد فقراؤه ماء لاطفاء النيران التي لا تهدا وبين الجزائر والمغرب صحراء مورقة فقط بالاختلاف والخلاف وليبيا تتقاذفها أمواج البحث عن عالم أرحب والخبز في ارض النيل بات حلما والمتربصون بأمانها وأمنها كثر.
هناك من يتقن منع السياحة عن ارض العرب وتحويلها إلى ارض الأعداء وهناك من يمتهن القتل بلا سبب ويعتقد أن قتل ألف بريء عربي قد يودي بحباة جندي احتلال على بوابات القدس أو قد يعيد لخبطات صلاح الدين الأيوبي مكانها على ارض حرة لأناس أحرار, لماذا تعودنا أن نختار الأبواب الخلفية والخاطئة لأهدافنا اللفظية كما فعلنا ذات يوم بالذهاب إلى فلسطين من إيران أو تحرير القدس من الكويت وكان أحدا منا لا يتقن قراءة خارطة واحدة أو لا يعرف أين تودي الطرق على الأرض إلا إذا اختار تجريبها فعلا بدءا من أبعدها.

















الرسالة 19
سيدة البحر وسيدتي
عادة ما يتقن البحارة حالة الاسترخاء بين الموجة والموجة وهم وحدهم من يتقنون الانتقال المتناوب بين شد الحبال للأشرعة أو تركها ترتاح لريحها الجميلة دون أن تصدر عنهم سوى الأغاني للريح وللموج حتى القاتل منه وكذا تأتي لحظات الغبطة إذن بين موجنا العاتي أبدا حين يتقن الواحد منا استراق اللحظة أو إدراكها لحظة تأتي أو حثها على القدوم حين تغيب كثيرا.
في بلادنا أيضا نحن نتقن ذلك فنحن بحارة دون بحر فالبحر اغتالوه عنوة على أعناقنا واحتكروه لهم يتمددون في قيعانه وعلى شواطئه دون أن نتمكن حتى من الحصول على متعة مشاهدتهم يفعلون ذلك فكل بوابات الوصول إلى بحر بلادنا موصدة حتى ما تبقى من بحر غزة أوصدوه أمام أهلها بالجوع.
لمن يمكنه أن يغني سعيد العتبة الغائب حتى عن أذهاننا ولولا عودة سمير القنطار مكللا بالغار لما تذكرنا خزينا أمام سعيد الذي لا زال ينتظر منذ أكثر من ثلاث عقود أن نستفيق ذات صباح على عودته والسؤال الذي لا يعرفه سعيد المؤمن أن الكفاح لا زال متواصلا هو كيف, ليس لنا هنا السيد حسن وليس لنا هنا ذلك الحزب الذي أعاد لحضن الحرية رجلا لم يكن من أعضاء حزيه وأعاد جثامين مناضلين لم يعرفوا باسمه حتى حين لم يكن موجودا وغادروا إلى طريق الفرح فأوصلهم الحاضر حديثا إليه وغاب الذين كانوا عن دائرة الفعل.
لمن إذن ومن إذن سيشكو وينتظر سعيد وبين أية معركة ومعركة سيدري سعيد معنى ارتعاشه القلب من الفرح, حين كانوا على بوابات الفجر ذهب سعيد في الدرب داريا أن الطريق له مخرج وحين أوصدوا بأيديهم بوابات الفجر وناموا كانت طريق سعيد موحشة من شدة الظلمة, وأنا وأنت ندرك انه لا زال يؤمن بان أكثر الساعات اقترابا من الفجر هي أشدها حلكة ويبدو أن تلك الساعات في حال سعيد تطول وتطول, ماذا سأقول له لو جاء يسألني عن سبب الانغلاق المطلق للأبواب هذا, ااقول له ليس لديهم وقت لك ما بين الرصاص والرصاص ااقول له إن سجوننا أيضا تمتلئ الآن برفاقك وإخوتك, ااقول له إن الزنازين التي تعرفها في الضفة وغزة عادت لتفتح أبوابها لنفس المناضلين دون أن يدري بهم احد, فمن إذن سيتذكرك من غلف بندقيته بالموت أو باعها, من التفت لرفيقه يقاتله على ملكية الكفن, من نسي الدرب إليك , من أصبح الوطن لديهم بوابات غد لا نعرف معناه ولا تعرف أنت له طعم ولا لون ولا رائحة لأنه غد ليس لنا وليس لبلادنا, غد غريب موحش.
كل أهازيج البحارة لا تجدي نفعا مع سعيد رغم أن سمير القنطار بات يحتضن الرمل المبلل على شواطئ بيروت المحاذية لبوابات حيفا التي يحلم بالعودة إليها, فهل أصبح من الأفضل لسعيد العتبة الذي توارى لون شعره الأسود وتوارت خصلات الشباب من شعره خلف القضبان أن يبقى هناك مفعما بالأمل خشية أن يرى الحقيقة حين يعود أن تمكن احدهم من خلف الأرض أن يفعل له ذلك, فسمير عاد بالنار فوق النار مفعما بالحرية لأرض كافحت بدمها في سبيله وهل هناك اليوم على أرضنا من يضع سعيد في أجندته ودون كلام لان لون سعيد لا يشبه لون احد فآه من بحثك عن غبطة حتى أنا لا اعرفها واستحثها فهل تأتيك لأنحني متنازلا عنها لعينيك أيها الباقي من قيم تموت, أيها الطلقة الأخيرة من ياسمين بري لم يلوثه الدخان على بوابات المدن, هل تعود غدا مكللا بالغار أم بوابة لانحنائهم يا مجدنا الجميل انت.












الرسالة 20

سيدتي البعيدة
كلما فتحت شباكي صباحا نحو الشرق وطالعتني نفس الشمس صرخت بها بصوتي الذي تعود أن يكون مكتوما بفعل الاحتلال والاختلال والتخلف لم لا زلت كما أنت ومتى ستلبسين حلة جديدة, لم تعودين علينا كل صباح بنفس الهم ونفس التوعد بنهار أكثر قساوة من الذي سبق, ولم لا تحملين للبيوت الحالمة هذه بغد أكثر فرحا ولو باقة صغيرة من ورد, لم يا شمسنا لا تتقنين ولو حتى فن الكذب الأبيض لعلنا نصحو من نومنا خفافا راغبين بلقائك, لم تصرين على دق نواقيس الخطر المتواصل وكلما قلنا لعل الغد أفضل تصرين على فعل العكس.
سيدتي الموسومة بالحلم
لست أمارس هنا حوارا غبيا ولا حوارا صامتا مع ذاتي انه فعلا حديث لتلك الشمس المكررة التي تلتقيني أو التقيها كل صباح فلسطيني جديد تتعمشق على خيطان صبحة تعاريف الفعل الاحتلالي بلا توقف, فهم أي المحتلون عادة ما يكررون وضع لمساتهم على بوابة الشمس للغد القادم بأفعالهم الليلية في مدننا وقرانا ولذا فان هذا الحوار المتواصل مع الشمس بلا انقطاع سببه غيابك أنت أو تقاعسي عن البحث عنك أو إدراكي أن للسماء فعل الأمل وان السماء تسمع الرجاء وتقبل الشكوى وبإصرار أتجاهل كل أوامر الفعل والدعوة للفعل والحركة وأحفظ من تعاليم السماء عبارة أن الله سبحانه سميع مجيب, كذا تضيعين مني لأنني اكتفي بكتابة الكلمات فوق الورق عن بعد واترك البحث عنك مشيا بعكس الريح مكتفيا بوهم لا ادري من أين أتيت به ولذا أدرك جيدا انك لن تسمعي كل نداءاتي ولن تأتي, هكذا أيتها الحلم وعلى نفس الطريقة أضعنا ما أضعنا ولا زلنا ننهمك بما بين يدينا من قول وننسى أن للتراب فعل أقوى من فعل الحرف وان للمشي على قامتين منتصبين وإشغال السواعد بحرث الأرض البوار يعطي أكثر بمليار المرات من إتقان العزف على ناي يتقن الشكوى في الهواء ولا يترك أثرا فوق حجر والحجارة عادة ما تصنع الحياة وليس اللغة ولم يأت حرف لم تدق تفاصيل موسيقاه اكف البشر فوق الصخر وإلا لكنا حتى اللحظة نتقن فقط إخراج أصوات الريح على طريقة الحيوانات وهذا يقودني للاعتقاد أن القول بان الإنسان حيوان ناطق هو قول اخرق فكل الحيوانات تحرك شفتيها وتخرج اصواتا وما يفرقها عن الإنسان هو قدرته على رسم موسيقى الأصوات حروفا تأتي تعبيرا عن فعل حي على الأرض الحية.
سيدتي البعيدة
أيتها الأيقونة الجميلة لقد آن الأوان لك أن تترجلي عن الجدار الأملس الصامت هذا لتعيشي على الأرض حية تنبضين بنبض التراب وتحملين دفئه فلقد أدركت الآن انك لا تحتاجين لصلاتي ولا لتراتيل المقرئين بل لفعل الفاعلين, أدرك الآن انك تحتاجين ليدي تصوغ الأرض حرة جميلة مورقة لتليق بخطوك فوقها, أدرك الآن انك من أنصار السعي لا من أنصار الجالسين رؤوسهم تلامس الأرض بلا معنى بل جباههم تصلي لله عن طريق السماء, ولذا حملت كل أدوات الحراثة وانطلقت اشق الأرض لعلني ألقاك مشيا إليك لا جلوسا بانتظارك.














الرسالة 21

سيدتي البعيدة
أزمة وقود خانقة في قطاع غزة وترتفع بشكل جنوني في كل العالم أسعار القمح والأرز وبالتالي فان الخبز قد يصبح عملة نادرة هناك, لكن ما هو أخطر من أزمة الوقود الخاص بتوليد الكهرباء وغاز الطبخ وتشغيل السيارات هي الأزمة الحادة والنقص الذي يبدو انه قد وصل حد الندرة في الوقود الخاص بتوليد الكرامة والإحساس الوطني أو القومي أو الإنساني بالآخر المواطن أو الآخر الإنسان فغزة ليست على بال أحد أبدا حتى ولو فاضت مجاريها على ناسها, وهدمت البيوت على رؤوس أصحابها ولم يعد الناس هناك يجدون قوت يومهم او ملاذا آمنا من صواريخ المحتلين التي تعتبر كل مكان فلسيني يتقي حر الصيف أو برد الشتاء ولو بخيمة هو ثكنة عسكرية يجب قصفها.
سيدتي الرائعة
ادري أنني أتقن فعل التنغيص عليك وتكدير صفو حياتك اليومية بهذه الرسائل فلست بحاجة لكل هذا الحشو من المآسي وادري انك بت تحتجين على هذا الغزل المأساوي المملوء بالحزن والموت والدمار لكن عذري يا سيدتي أن الإناء عادة لا ينضح إلا بما فيه وماذا لدى الفلسطيني المقهور لغة للعشق غير هذه اللغة, فعادة ما تشكل الحياة لغة الناس وليس العكس وتلك حقيقة نصر نحن العرب على تجاهلها دوما فنصنع من لغتنا حياة من الوهم ثم نقنع أنفسنا أنها الحقيقة, وإذا لم تقتنعي برأيي فإنني ادعوك لان تستمعي لإذاعاتنا وبياناتنا وخطاباتنا ثم حتما ستجدين نفسك مضطرة للتساؤل كيف لا زال هذا الاحتلال المسكين قادرا على مواصلة البقاء مع كل هذه الجعجعة فنحن نصر على أن نسمي أنفسنا بالأبطال ونحن الضحايا ثم نعلن حربا للتحرير ونلق شعارات لا حصر لها عن المقاومة والبطولة والقتال ودحر المحتلين ثم حين نصفو لذواتنا إن حصل هذا لنقرا ما يحصيه الآخرين عن أحوالنا فنجد آلاف الضحايا وعشرات آلاف المثكولين والمكلومين ووطنا ممزقا محاصرا وشعب من الجياع والمحرومين وأطفال باتوا لا يتقنون من اللعب إلا لغة الحرب والعنف ورغم الأمراض التي تعيش معهم وبهم وفي طليعتها الخوف نصر على حرمانهم من التصريح بذلك وإجبارهم على تقليدنا وإشهار بطولتهم الكاذبة ودفن خوفهم الذي من المفترض انه مشروع وحق إنساني لا يخجل منه الأسوياء والأسوأ من ذلك أننا اليوم نقتل ذواتنا بأيدينا باسم حريتنا ونعلن انتصارنا على ريحنا.
أيتها المورقة بالورد
سلام إليك من النأي إلى النأي وفعل النأي لديك تلقائي وفعله لدي إجباري فانا مجبر على النأي عنك تماما كما يجبر لاجئ فلسطيني في عين الحلوة على النأي عن حيفا ويافا وفي أماكن أخرى يجد الفلسطيني نفسه مجبرا على النأي حتى عن التصريح عن فلسطينيته وها أنا أعيش الحالتين فمجبر على العيش بذاك المنأى ومجبر على عدم التصريح بحبي خشية أن تشهر كل سيوف القبيلة القريبة والقبائل الأخرى التي تخشى على عذريتها الكاذبة من صراخ عاشق عن بعد ومن التصريح بلغة الحب تحت الشمس وعلى مسمع من الذات فالحب في لغتنا فعل ظلامي لا يجوز التصريح به في ساعات النهار ولا تحت ضوء القمر فمكانه الزنازين والغرف المعتمة وطرائق اللصوص للوصول غالى أهدافهم.
















الرسالة 22

سيدتي البعيدة
قبل أكثر من عامين أعلنت وعدد من الزملاء إضرابا مفتوحا عن الطعام ضد الحصار وفي محاولة للفت الانتباه إلى أن هناك أشكال أخرى للنضال يمكن الاستفادة منها وكذا يمكنها أن تساهم في مشاركة أوسع قطاع من الجماهير في الكفاح الوطني في سبيل الاستقلال وتحقيق الأهداف الوطنية, كانت شعاراتنا بشكل عام تهدف إلى رفع الحصار وبناء الوحدة الوطنية وقد اعتقدنا أننا حققنا انجازا كبيرا أيامها بحصولنا على إعلان بدء الحوار الوطني يوم 23/5/2006 وبناء على ذلك أوقفنا إضرابنا عن الطعام بعد اثني عشر يوما من الصيام وانتظرنا لعل وعسى إلى أن جاءت التطورات مخيبة للآمال وبدل أن ننتقل لمرحلة من الوحدة أو التوافق انتقلنا من صراع إلى صراع ومن خلاف إلى خلاف إلى أن وجدنا حالنا على ما نحن عليه ومع ذلك حلمت وما زلت بان نتمكن من استخدام الكفاح اللا عنفي كواحدة من وسائلنا لنيل حقوقنا الوطنية ولكن أحدا لم يحاول أن يلتفت إلى ذلك.
ها أنا اليوم اذكر زملائي عبد الفتاح أبو الذهب ومحمد استيتي وناصر أبو عزيز وخيري بدوية وراغب أبو دياك الذين شاركوني تلك الرحلة بحثا عن بصيص أمل اذكرهم بما حلمنا به معا واذكرهم بفرحنا حين ابلغنا سائر المسئولين أن بوابة الوحدة تنفتح جيدا يوم 23/5/2006 وانتظرنا والتقوا وانتظرنا واختلفوا على مصدر الوثيقة وعلى من صاغها قبل نصوصها ثم اتفقوا وأعلنوا ثم كان الإعلان كذبا وتهنا بمن نتهمه بالكذب ولم يجرؤ احد حتى اليوم على القول إن الكاذب فلان, اتفقوا داخل غرف مغلقة لا ترى سوى الريح الصناعي واختلفوا تحت قبة السماء دون خجل, قطعا هناك واحد منهم كاذب والمصيبة انه لا يخجل بكذبه أبدا ونحن الضحية لإعلان وإعلام وأقاويل لا ندري أين سنفحصها سوى بضمائرنا التي يمارسون اغتيالها علنا وبشكل تدريجي.
كنت قد كتبت كثيرا عن اللاعنف كوسيلة ضرورية من وسائل الكفاح ولم أجد اهتماما من احد بذلك فلجأت إلى تطبيق ذلك على الأرض لعل أحدا يهتم بالسلوك لا بالقول فلم أجد سوى عدد قليل جدا من الزملاء يتضامن ويشارك مع كم هائل من التضامن اللفظي ولا زلت اتسائل كم من الحركات والأحزاب والقوى تحجم عن ممارسة أيا من أنواع الكفاح فلا هم يستخدمون الكفاح المسلح بل ويعلنون عدم إيمانهم به ومع ذلك لا يقدمون البديل, لا احد فينا يجرؤ على الحديث عن كفاح اللاعنف أو الكفاح السلمي خشية أن ينعته البعض بالجبن أو التخاذل ولست ادري كيف تأسست لدينا تلك القناعة بمساواة اللاعنف بالتخاذل حين يكون الحديث عن قضيتنا وتقديسه في تجارب الآخرين, احد ما ولست أدريه حتما لا يرغب لذلك أن يتحول إلى ثقافة فعل فلسطيني في مواجهة قاتليه ويواصل تأجيج رغبته بإطلاق صوتنا قويا عن العنف وواصلة استقبال عنفهم الفعلي ردا على عنفنا اللفظي فأي مقارنة يمكن أن تكون بين عنف أسلحة جيش الاحتلال وأدواته وصوتنا العالي لا أكثر سوى أنهم يحققون بصوتنا ما يريدون هم ونحن نؤسس لهم كل ذلك, بحاجة نحن لجرأة في الحق أكثر وقدرة على مواجهة اللفظيين بسلوك عملي مهما كان صغيرا شريطة أن يتواصل ويحقق المراكمة الضرورية للوصول للنجاح والنصر.















الرسالة 23

أيتها المورقة بالورد
مرة أخرى أراقب أفول نجم عام وبزوغ فجر عام جديد, وأنت لا زلت تصرين على البقاء حلما بعيدا , تنطوي أيام عام مضى علي وأنا ممدد كالعاجزين على محطة القطار الوهمية, بانتظار امرأة وهمية, مسليا نفسي بحب وهمي, ولست غاضب من نفسي أبدا, فما أعيشه بشخصي هو تكرار رومانسي لعيش أهلي اللا رومانسي, ففقدان الوطن والأرض واللغة والثوب والخبز والأبواب والماء والسماء لا تجعل للرومانسية مكانا.
اعترف بأنني استخدمك وسيلة هروب من حال العجز المتطلب للفعل, فلو بقيت على محطة قطار الوطن, لكان علي الانضمام قسرا إلى ملايين اللاجئين والنازحين والعالقين والمهجرين, والى تعدد الأعراق بلا أعراق, وتعدد الشعوب بلا أوطان, وتعدد الجبهات بدون حرب, وتعدد الأحزاب بدون جمهور, وانتفاخ القادة من بطونهم, ولكان علي أن أقول الحقيقة باسمها عارية, وعري حقائق السياسة في بلادنا اخطر بكثير من عري النساء, وذكر عورات الساسة اخطر بملايين المرات من ذكر مكامن الجمال بامرأة من وهم, كان من الضرورة إذن أن أجد في هروبي إليك وسيلة لمنع استحقاق الفعل, أو إطلاق كلمة حق أمام سلطان جائر, فن هو الذي سأطلق في وجهه تهمة انقسام الوطن المنقوص أصلا دون أن ينقلني إلى خندق أعداءه فورا.
سيدة أحلامي
انتظارك أسهل, والحلم بالوصول إليك, رغم كل الحواجز والموانع أسهل, فلقد جعلوا من حلم الوطن بعيدا أكثر, بعد أن جعلونا شيعا وقبائل لا مكان للوطن بين ظهرانينا ولا حتى في أحلامنا, ولذا لم يكن أمامي من خيار في هذا الشتاء البارد والجاف, سوى اللجوء إلى دفء عالمك الوهمي, لعلك تكونين يوما حقيقة, ولعل المرأة الحلم التي عشت بانتظارها تكون يوما جسدا ينبض بالحياة, فخذيني إليك خابية من قمح دون زوانه, زيتونة دون غبار الريح الغريبة, أغنية لصبايا العين حين كان لنا عين, وكانت هناك صبايا يتقن الرقص تحت جرار الماء, وسنابل القمح, حين كان لنا سهل نحرثه ونزرعه, فينبت قمحا, وحين كانت لنا أكف تتقن صناعة الخبز, على حطب من نفس الأرض, وفي موقد من نفس الحجارة, لا شيء من ذلك يا حبيبتي اليوم ... لا شيء, سوى بقايا من سيجارة غربية الصنع, وحلم لم يعد رومانسيا كما كان, بعد أن لوثته صور الفيديو كليب وهرطقات الأغاني التافهة, وبعد أن مات الشيخ إمام, وغاب نجيب سرور, ولم يولد عبد الرحيم محمود بعد, ولم يجد المغني الذي لا زال, صوته لعل الأرض تصدح بنغم يحيي عظام تشي جيفارا بدل أن يجدد دفنها.
تعالي معا يا حبيبتي نشعل شمعة ميلاد العام الجديد, لعلك تكونين من الحقيقة الحية اقرب, وأحقق أمنيتي بلمس خصلات شعرك قبل الريح, فكل الرياح الآن غريبة, ويدي يقتلها البرد في النأي ولا دفء لي أبدا بعد أن احتلوا غابات الوطن, وانشغلنا نحن بغابات الكلام, سوى غابة شعرك الرائع.

جنين في بوابة العام 2009




















الرسالة 24


سيدتي البعيدة

إنهم لا ينتمون إلينا أولئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم أن يجعلوا من القدس عاصمة لثقافتهم لا لمقاومتهم, عاصمة لثقافة تعترف اليوم بالتطبيع وبقبول الأعداء ومساومتهم والتساوق معهم, القدس رائعة الحلم الذي انتمي إليه واحلم أن ألقاك خلف بواباتها لنلهو بعيدا عن الأعداء وكيف لذلك أن يكون دون أن يغادروها بشقيها, القدس حلمنا أن ننحني على عتباتها لنلهو معا وان امسك بكفيك على أسوارها, القدس عاصمة الحب الذي يأتي على أنغام الفعل المقاوم في سبيل حرية حبنا معا,وحبنا وطن رغما عن كل حقدهم الاعمى حتى على ذواتهم حين تكون الذوات جماعية والجماعة ترانيم وطن ولا جماعة على الارض دون وطن ولا وطن على الارض يضم اعداءه المدعين زورا بانتمائهم اليه.
القدس بوابة الارض الى السماء, بوابة البشرية الى الله ومنها نرتل الترانيم السماوية لثقتنا بانها اسرع بالوصول الى الله من أي مكان اخر على الارض, هنا على عتبات القدس وبواباتها تقترب الاكف من ملامسة اطراف السماء وتنحني السماء بحنو على البشرية تمنع عنهم الاذى والضيق حين يكونون اهلا لذلك وامناء على بوابة الارض العظيمة تلك.
سيدتي الرائعة انت
ترين ماذا يفعلون, انهم يديرون ظهورهم لمهمة اوكلهم الله بها وهي حراسة القدس " بوابة الارض الى السماء" من اولئك الذين جاءوا ليدنسوها وليوصدوا طريق الناس كل الناس إلى الله والإمساك بمفاتيح البوابة الأقرب, البوابة الاولى, ولست ابالغ يا سيدتي والا لما كان الله سبحانه قد استدعى رسوله ونبيه اليه عن طريق القدس الا لانه اراد ان يقول لنا امسكوا بطريقكم الي فهذا هو الطريق والقدس بوابتها وانتم حماتها, فلا تبحثوا اذن للقدس عن مسميات تجعلها اصغر او تبرر هروبكم عن حراسة الطريق الى السماء من هناك, فالقدس عاصمة للارض ومركز الارض فلسطين ونحن المزروعون بها على مر العصور تماما كصخورها وزيتونها ونارها الموقدة على الارض منذ اعتلى الله سبحانه السماء,
القدس عاصمة المقاومين المؤمنين بدورهم بحمايتها وتطهيرها ولن تكون عاصمة للغة التطبيع وتبريراتها والقادمين اليها عبر الحواجز معلنين ان زيارة السجين ليست اعترافا بالسجان, وكيف للقدس ان تحتفي بلقبها الصغير بديلا لاسمها الحقيقي العظيم بعيدا عنها, انسمي النار ماء ونسمي احياء في القاهرة وبيروت وعمان باسم القدس لنحتال على تهريبنا لها علنا الى احضان الاعداء.
القدس لنا نحن حراس بوابة الدرب الاقرب الى السماء وهي لن تكون عاصمة لثقافة لم يبق منها سوى لغة المساومة والتطبيع والمراهنة على الغياب والنسيان, القدس ليست عاصمة لثقافة هزيلة بات الصراع بين اصحابها على الاقتراب من الاعداء بديلا عن الاختلاف على حجم مقاومتهم او اضعف الايمان مقاطعتهم, من القدس يخرج كل زعماء الاعداء ليصلوا لعواصم الثقافة العربية المنتشرة على طول الوطن وعرضه وفي القدس وعلى بوابات المسجد الاقصى وكنيسة القيامة يتلقى زعماء الاحتلال هواتف الحكام العرب للاطمئنان على مواصلتهم للامساك ببوابة القدس عاصمة للمحتلين لا للمقاومين المؤمنين برسالتهم.
أيتها المفعمة بالأمل
في القدس الارض جرافات ووسائل موت وبيوت تغيب عن الارض ويذوي اصحابها موتا تحت التراب فينقص العدد بيتا وناس وعل البعد يصنعون للقدس اغاني وترنيم فرح وصورا لا تغني ولا تسمن من جوع, في القدس الارض هم يحملون معاولهم يهدمون وجودنا ومن حجارتنا يزورون تاريخنا ونحن لاهون بالغناء والرقص والرسم والشعر المشترك مع بعضا منهم, في القدس يغلقون للعربي بيتا وتفتح عواصم العرب لهم بيوت وسفارات وموائد فاي ثقافة ستجعل للقدس طريقا للعربية لا لثقافتها بعد ان باتت بيوتها ترطن العبرية وناسها يموتون في العراء يقتلهم البرد فلا تستطيع شفاههم النطق بحرف عربي من الجوع والبرد وفي الصالات البعيدة المكيفة تسمى القدس الهاء لنا لترك الدرب لهم للامعان بطردنا وهدم بيوتنا وحرق حتى الخيام, باي لغة سيغني ابن القدس الباقس رغما عنهم بعد سنين ان ظل الحال على ما هو عليه.
حبيبتي
اغيثيني بحبك الجميل وتعالي معي هناك نجتاز الحدود الى القدس لنورق معا لغة للفعل على ارض الفعل في قدس الاقداس العربية بوابة كل الارض الى كل السماء.































الرسالة 25



رائعتي
لا عذر لدي لعدم وصول رسالتي السابقة لك سوى أن حيطانهم ورق وحروفي دم احمر منقوع بحيك منذ الأزل وحبك احمر قاني فكيف يكون دمي, لا مكان للحب هنا قلت لك فما يميز الحب الوضوح والحب الحقيقي ينشر على الحيطان ولا يختفي في الخزائن الرطبة, وحيطانهم جبانة حتى النخاع ولذا يغطونها دوما ببدائل حتى لا تخترق الشمس مباشرة خزائنهم التي يخفون بها حقيقتهم فتنجب من رطوبتها كل أنواع المرض, كل الأمم التي تمكنت من صياغة غدها على ضوء الشمس شرعت للفكر بكل تجلياته كل الأبواب والشبابيك.
عن ماذا اكتب لك إذن إذا كان من غير الممكن مثلا أن اصرخ بعشقي تفاصيلا دقيقة وليس بإمكاني أن أقول رأيي بما يجري في ماراثونات القاهرة ولم يسمح لي بالبكاء على أنغام حزن أطفال غزة لان بوابات بيوتهم تفتح على ترانيم الصلاة وليس بإمكاني أن احضن القدس من خرافاتهم على طريقتي وان كان من الضروري لحماية بيت الكرد بالعزف على أوتار جيتار في غواتيمالا.
سيدتي الأقرب من دمي
أيحق لي مثلا أن احتج على شعرنا وغناءنا للقدس مع تقديري لكل إبداع ولأهميته وأنا أرى ما يفعله الأعداء تحت الأقصى من أماكن صلاة ومكتبات دينية يهوديه وطرق وبمعنى أنهم يبنون تحت قدسنا قدسا يهودية أخرى, ومع ذلك لا زال بيننا من يختلف مع ذاته على عنوان قصيدة أو لقب سخيف لمنصب أسخف, أو مكان لقاء خارج الوطن للاختلاف على وطن يضيع يوميا.
عن ماذا اكتب لك أيتها الرائعة وشراييني تنبض بعشق يمس العقل ويورق في القلب وينبض بنفس تقاسيم العروق التي تنتشر على مدى جسدي في وطن يصادر المحتلون به أنابيب المياه ولا يعتقدون أن للفلسطيني دم سائل يحتاج للماء للمواصلة, ااكتب لك عن سعر البندورة التي يحتار بها مزارعها حين يصل بها إلى السوق ليكتشف أن سعرها لا يساوي جزءا بسيطا مما صرف عليها من مال وجهد أو أيا من منتجات بلادنا, وحين تصل إلى المستهلك يكتشف أنها لم تنتج وفق المعايير الإنسانية وأن تجار الدم من المحتلين يحولون سوقنا إلى مسرح لكل مضر ومؤذي حتى أدوية المزروعات, أم اكتب لك عن سعر بيض الدجاج وإغلاق الأبواب أمامه للوصول إلى أسواق الجليل والمثلث والنقب وكذا سائر المنتجات الزراعية فيضيع المزارع الفلسطيني وحيدا فلا احد يحمي حقوقه أو أسواقه او يساعده في تحمل أخطار المواسم وشح المطر وسيطرة الاحتلال على مصادر المياه.
ااكتب لك مثلا عن ذلك الفلاح الفسطيني الذي عمل في بناء الجار العنصري داخل أرضه لأنه لم يجد بديلا للحصول على اجر يساهم في تامين لقمة العيش لأبنائه فشارك رغما عنه في إضاعة الأرض وتشييد جدار الموت في حين لا زالت قوى الثورة مشغولة بحروف البيانات ومشاكل البديع والبلاغة واثر الحرف على الغير وتغييب الوطن حتى الموت, عن أطفال قرية طوره الذين لا سبيل إلى مدارسهم من بيوتهم أو إلى بيوتهم من مدارسهم إلا من خلال جدار لا يصل بالأب إلى أرضه ولا بالأم إلى زيتونتها.
سيدتي
يا من تعبق الدنيا برائحة الدفء على وقع خطواتك حين تنهمر أطراف أصابعك كالمطر على حنايا التراب وترسمين عليها نماذج لبقاءنا هنا وحضورنا في الأرض وعليها منذ كانت والى أن تكون, هل أطلق العنان للبوح عن حبي عن الشقاء الذي يتخلل خطوط كفاي المشتاقة أزلا للمس أطراف أناملك
يا أيقونة عمري الرائعة
عن شوقي المحموم للانحناء على أطراف الدرب الذي احتضن خطواتك يوما, انحناءات الأزقة العتيقة التي ارتسمت خطوط عينيك على حجارتها, أيجوز لي فعل ذلك أم أن الحرمان سيطال حتى احتراقي للهمس خفية عن حبك الذي يتمدد ليطال أطراف الأرض من حيث تولد ولدت الروح على مركز الكون فلسطين


الرسالة 26

سيدتي البعيدة

لا ادري من هو القائل الأول لعبارة على هذه الأرض ما يستحق الحياة, فعلى هذه الأرض من يستحق البقاء أطول, وأطول لعلي ألقاك أو أطول لعلهم يدركون أين تسير بوابات الشمس في بلادنا وللنهر نفس المجرى ونفس المصب ولا يصب النيل في الفولغا ولا الأردن في نهر الفرات, لذا أحاول إطالة أمد البقاء فوق الأرض لعلي أصل إلى لحظة تأتين بها فبحضورك النائي أورقت كل دفاتر عمري رغم الخربشات التي يصر اعتداء الأرض وأعداء الحياة أيا كانوا أن يرسموها على تضاريس اشتياقي المجنون لدفء وجودك اقرب.
لم اذهب لحفلات العزاء للرائعين الذين التحموا دما وهم يعتقدون أنهم يدمجون دمهم في سبيل نفس القضية فمن اعزي إذن يا حبيبتي والجالسون على بوابات بيوت العزاء كانت سكاكينهم هناك تقتل أبنائي بلا رحمة فذهبت لشجرة رائعة ن بيارات قلقيلية وبكيت ذاتي وغدي وغيابك أيتها البلسم الذي احلم يوما أن أضمك لعلي بذلك اخلع عقود الحزن والبرد عن جسدي في قداسة حضورك.
ها أنا أتابع الكتابة إليك دون أن ادري إذا كانت تصل أم لا فلم تصلني منك رسالة واحدة ردا على بوحي المجنون فهل أنت غاضبة مني أنا أم أن حبي لك يجعلك قادرة على القسوة علي أكثر أو لأنهم قساة القلوب أولئك الذين يمارسون يوميا اغتصاب حلمنا بغد أفضل.
غاضبة أنت على ذهاب غزة نحو الماء دون إذن ودون منارة للملاحة ودون منتظرين بل وحتى دون أسف البعض منا, أم لان قلقيلية لم تودع أبناءها كما ينبغي ولم ترش الزهور على جنائز الشباب الذين ذهبوا لان البوابات لنفس البيت باتت تفتح باتجاهات متعاكسة, اسمان لنفس المكان واسمان لنفس المسافر, هنا يسافر إلى الجنة وهناك إلى النار وهو نفسه, لم يدري أن الخروج من باب البيت إلى الريح أيا كانت هي نفس الريح وان الموت دون الوطن هو نفس الموت, ذهبوا شبابا رائعين بكل تلاوينهم وظل هناك من يتقن تسمية الرحيل على طرفي النهر الذي لم يعد ينتج الماء ما دام المصب هو الموت, لم إذن احتاجك ولم إذن ارغب بالإنجاب منك ولم إذن بحاجة أنا لطفل سيكبر غدا وأيا كانت وجهته سيجد هذه المرة رصاصات من البوابة الخلفية لبيته وأيا كان لونها فنتيجتها الموت لورد البيت نفس البيت.
ابقي نائية وعاقر لكي لا ننجب من عليهم أن يموتوا في سبيل أولئك الذين يتقنون الكذب وأبناءنا يتقنون الموت تصديقا لكذبهم, ولست استثني أحدا من غضبي, ليس لأنهم فقط قتلوا أبنائي المدججين بالحب لوطنهم على طرفيه وبوابتيه وبعديه, وهم كانوا كلاهما هناك لأنهم اعتقدوا كلاهما أنهم يحرسون بوابة الوطن وللوطن بوابة واحدة تلك التي تفتح على قلوبهم حبا لا رصاصا وموت.
أخشى إن مددت يداي لكفيك أكثر أن يشتعل الدفء ولا أغفو وأنسى أن هناك في بلادنا ما يستحق أن يبقى على ثراها أكثر .
في قلقيلية سقطت وردتين من نفس الشجرة لكن أحدا لم يرى ذلك, أغمضوا عيونهم جميعا وكلا منهم رأى وردة واحدة وكلاهما كاذبون فهم لا يعرفون الورد وإلا لكانوا رأوا سقوط الوردتين واطلوا على كل الشجرة, وجهان للأشياء يا حبيبتي, بعدان للجهات, قطبان لنفس الخيط وتفقد الأشياء معناها دون ثانيها, فأي عملة تلك التي بوجه واحد وأي وطن هذا الذي ينجب ابنا واحدا وما عداه ابن حرام أو عاق, نفس الأم ونفس الأب ونفس الأرض لنفس المولود ونفس الميت فبأي حق ندوس وردة ونستنشق بكل العمق عبير أخرى إلا إذا كنا كاذبين في الحالتين.
قال لي احدهم إن تلك المرأة ليست حقيقية ولن تكون وأنت تعيش وهما غريبا لن تتخلص منه فمن يعشق امرأة يذهب على الأرض للبحث عنها ولا يبقى رهبنا لحلم ووهم كاذب ويعيشها حروفا سوداء على ورق ناعم ابيض, لتضاريس النساء في العشق ملس مختلف عن ملمس الورق ولعيونها لغة أخرى اكبر من لغة الحروف والنساء تماما كالوطن فن يكتب لامرأة لا يعيش تضاريسها تماما كمن يعيش الوطن بلغة عرجاء من طرف واحد فهو إذن لا يمكنه الإتيان إليه ولا الذهاب حيث هو فيموت معتقدا انه كان على ضفاف وطن




































الرسالة 27



سيدتي البعيدة
أي صخب للقلب هذا الذي يصر على الغياب خلف غيوم لا تنتهي وأي ذنب اقترفته حتى تعاقبيني كل هذه العقود وتصرين على عدم المجيء لدنياي حقا وهل لا زلت تصرين على إخضاعي لعقاب ابدي لا ينتهي وجريمتي الوحيدة أنني أعيش هنا على الأرض التي تحلم بالقداسة دون أن تعيشها ويقرأ الكون كل الكون قداستها عن بعد دون أن يمارسوا ذلك على أرضها سواهم.
احتاجك حتى النخاع وكل شرايين لا تنبض أبدا إلا بالحاجة إليك فانا يا سيدتي فلسطيني فعلا ولكني أولا وقبل كل شيء رجل ككل رجال الأرض فلماذا تصرين على إلباسي لباس الملائكة رغما عني وأنا لا ارغب بحياة الكهنة ولا النساك وما أعيشه بغيابك هذا هو من باب الإكراه لا من باب البطولة والأبطال في بلادنا باتوا قلة قليلة وقد يكون منهم رجل أو امرأة من عرب الجهالين من أولئك الذين يقطنون على بوابات القدس حراسا أبديين وحقيقيين لها مستظلين ببيوت من الزينكو دون أن ترتعش لهم شعرة وأصدقك القول باني لست واحدا من هؤلاء, ولا اعتقد أن لدي القدرة على فعل ذلك.
أنا احبك نعم, لكني لم أعطيك الحق بعد على نهري عنوة وإجباري على القيام بفعل اكبر من قدراتي الذهنية حتى وإلا فكيف تريدنني الذهاب إلى هناك, وهم.. وأنت تعرفين من هم؟ لا يسمعون حتى باسم عرب الجهالين, هم ذوي الياقات المنشاة بكل الألوان وهم ذوي البدلات التي تحمل أسماء لا اعرفها, وهم الذين يحملون ألقابا بحاجة إلى معاجم كل لغات الأرض لنفهمها, وهم لا يعرفون معنى الدلف في البيوت المهترأة سقوفها, لماذا إذن تصرين علي أن أحارب كل المعركة وتصرين أن عليك أنت الغياب وعليهم هم فعل المتعة بالقهر والقتل والشق واللف دون أن يعرفوا الحب إليك يوما.
حبيبتي:
ألا يحق لي مساءلتك يوما عن غيابك عني وأنا الذي احتاج لدفأك لان دفء التراب اغتاله الأعداء والأصحاب وصار يا حبيبتي بارد جدا ولذا يهرب الشباب اليوم إلى أحضان النساء في الغرب لان أحضان نساءنا الباردة كتراب أرضنا, لذا تجديهم على أبواب سفارات نساء الغرب فلا تراب لفلسطيني في النرويج أو كندا أو هولندا, كل ما هنالك هو امرأة دافئة وقرش وهنا لا قرش ولا تراب ولا امرأة.
لا تسأليني أنا عن ما العمل, فلست وحدي الملزم بالإجابة ولست عضوا في هيئة والى ولا حتى هيئة عاشره في حزب أو جماعة أو شلة فكيف ستجدي الجواب عندي, وحتى لو أردت القول أن الإجابة عند الناس البسطاء فانا أيضا لست منهم فلقد خربوني من شدة ما شاهدت وتعلمت وانتظرت عساي التقط من بين خرابهم بصيص ضوء فلم أجد.
بارد ترابنا منذ أن استدارت بواريدهم للخلف وانشغلوا عنا وعن ترابنا الذي راحت كلاب الأعداء تقضمه من هنا وهناك ولم تعد خيام النافي التي نعيشها بل خيام الوطن وارض القدس هذه الأيام تضج بالخيام والمقدسيون يهدمون بيوتهم بأيديهم رغما عنهم لأنهم لا يملكون تكاليف الهدم إن أصروا على أن تقوم جرافات بلدية الاحتلال بهدم بيوتهم ومع ذلك تصرين أن تظلي نائية ويلفني البرد من كل جانب, ترى إلى أين اهرب وأنا أدرك أنني لن ألقاك على بوابات أوتاوا أو أوسلو أو بروكسل فلا تليق بك برودة تلك البلدان ولا لونها.
تعالي يا سيدتي لتشعلي فضاءات الأرض لعل وهج حضورك لا يدفئني جسدا فقط بل يوقظ لديهم الإحساس ببرد التراب واقتراب غيابه وحين يغيب ترابنا إلى أين سنذهب يا سيدتي, أين احمل حقائبي الخاوية إلا من عهرهم واذهب وأنا أخاف من الأغراب ولا أتقن لغتهم ولا أحب عيون نساءهم ولا أتقن لمس اكفهن فلقد احتفظت ببردي كل هذه السنوات لتدفئني امرأة من جلدتي عربية من الشام أو نهر النيل أو ارض الرافدين أو الخليج أو الجزيرة العربية أو المغرب العربي, وهم أراهم يدفعون بي لاختيار امرأة غريبة لا أتقن عشقها أبدا, فيا كل نساء العرب احبكن لأنكن هي جميلتي الغائبة منذ عقود ولست اعرف لها عنوان فلا خيار لدي سوى تعميم العشق على كل أنثى عربية على وجه الأرض أنى كانت عساها تسمع صراخي يوما وتأتي لتشعل صخبي وتدفأ روحي وترابي.






































الرسالة 28


سيدتي البعيدة
أي وطن يلفه البرد هو هذا الوطن الذي كان اسمه فلسطين منحوتا بالصخر ورسوما بلون الشجر ولا حاجة لكتابة الشعر به أو عنه فلا احد يكرر الحقائق على الأرض شعرا ولذا ذهب الشعراء للكتابة عن القمر حين كان بعيدا وحين ذهبوا إليه ورأوا الحقيقة لم يعد مناسبا لوصف وجه الحبيبة أبدا فتنازلوا عن ذلك الوصف ولم يعودوا يستخدمون حتى موروثه القديم, كذا نحن بات الوطن لدينا قصيدة تافهة بلا معنى ولم نعد نرى حتى القصائد العظيمة عنه أو له.
أي وطن هذا الذي اختلطت به كل المسائل واستحالت غيرها أو عكسها أو بعيدا عنها فعلى مرأى منا اليوم يصادر المحتلون أسماءنا ويجعلون من ألفاظهم العرجاء أسماء لتاريخنا فعكا التوت ساقها لتصبح عكو وصرخنا واحتتجنا ثم هدأت العاصفة وكأن شيئا لم يكن, يمنعون بيع أراضينا إلا لهم وحللنا من على شاشات التلفزة وتحدثنا عن الحقوق المنسوخة عن ورق البردى إلى الورق الصناعي إلى ورق الشاشات بلا ورق وعن دساتير وشرع ومواثيق لا علاقة لنا حتى بصياغتها فكيف ستكون سدا لحمايتنا وهي بيد من صاغوها ونقلوها من نوع ورق إلى نوع جديد هم أصحابها وأصحاب ورقها وصناع حروفها فهي إذن أجدر بها أن تحمي لصوصيتهم لا حقوقنا فحين يصنع اللص قفلا فهو ليتمرن على كسر الأقفال الأخرى لا لكي يغلق بابا على أموال الغير المنشورة على الحيطان دون ساتر أو حماية, يمنعون عنا البكاء في ذكرى النكبة لأنها ذكرى دحرنا على أيديهم فهي ذكرى فرحهم ولا يجوز للضحية أن تتذكر لحظة ماساتها حين يكون الجلاد في لحظة فرح واصدر كنيستهم قرارها وحتى الأعضاء العرب المقصودين بذلك لم يفعلوا سوى الصراخ على شاشات لا لعيون صانعي قرارات الموت لنا لغة وأدوات.
حبيبتي
لذا احبك أنا ليس ترفا ولا لان مشاعري متدفقة ولكن لان حبك لا ثمن له, فأنت بعيدة وغريبة ولن يصرخ احد ضدي لأي سبب كان فلا يعرف احد منهم اسمك وإلا لكان العزال انطلقوا في الأرض بسيوفهم بحثا عن عنقي إن وجدوه لقطعه, والأعناق لا توجد إلا تحت رؤوس مرفوعة, وأين يمكن لفلسطيني تائه أن يجد وقتا أو مكانا في هذه الدنيا ليرفع به أو تحته رأسه, فلا داعي للأعناق لدينا إذن, إلا من اجل لبس ربطاتها الوردية لأولئك الذين لا يفرقون بين الرأس المطأطئة, أو الرأس المشرئبة نحو السماء, ولا تشرأب رأس نحو سماء إلا على ارض صلبة, ونحن نعيش على ارض تسرق وتقضم تحت سمعنا وبصرنا ونحن نغض الطرف خجلا.
أنا لا أغض الطرف عن مفاتنك أنت تعويضا عن غضي للطرف عن وطني الذي يهرب لهم علنا فأدير وجهي وانشغل بالإيغال في عينيك الوهميتين أو الانشغال بشفتيك المرسومتين زورا على شكل الكرز, والكرز لا يزرع في بلادنا أبدا ولا ينبت في ترابها إلا على أيديهم هم, فانا اهرب إذن لعشق امرأة أخرى خشية أن يفكر الأعداء بمصادرة نساءنا حتى يتوقف الإنجاب لدينا, كل أمر بات وارد اليوم على أيديهم بعد أن اكتشفوا حقيقة صوتنا العالي, فلا الوطني بات وطنيا كما كان بل صاحب مدرسة للتبرير ومعادة الآخر بحجة أو بدون حجة فيختلفوا معا على أنفسهم ومن كان سيدا قبل أيام جاء من يقول كنت اسكت عن خيانته دون أن يتذكر أن السكوت عن الخيانة خيانة, وراح الجمع يصرخ متهما دون تمحيص أو مدافعا دون تمحيص ومن شتم الضحية بالأمس اعتبرها نبيا اليوم, فقط في سبيل استخدامها لشتم آخر والمسلم بات يصلي على شتائم خصمه ومنبر المسجد بات وسيلة للهجوم على الخصم, تماما كمنبر الفندق عند الآخر, وحتى الخائن ما عاد يخجل من خيانته وأحيانا بات العكس هو الصحيح.
عن ماذا اعتذر لك يا حبيبتي وكل المفاهيم لدينا باتت معكوسة ولا مكان للصدق في حياتنا, أاعتذر لك عن هروبي, أم عن بلادي, أم عن ناسي, كل ما لدي حفنة عشق مخبئة من أيام خوالي كان الحب بها يشبه القمح رائحة ويشبه الزيتون دفئا قبيل الهرس ومذاقا حين يسيل ذهبا جميلا داكنا بلون بلادنا حين كانت لنا أرضا لا شعرا, عن الحب حين كنا نتقن شم الدفء, وإحساس الحب حين كنا نمسك بأطراف شجر الزيتون لنجني الخير, فكيف نعلم أطفالنا اليوم ذلك وزيتوننا يتناقص يوما بعد يوم على أيديهم ليزرعوا مكانه الافوكادوا والكرز. سوى أن علي منذ الآن أن أتعلم كيف أحب شفتيك على لون الكرز الموجود, لا طعم الزيتون المسروق مني بصمتي وإغفاءتي, فهل أجدك ستقبلين حبي على طعم الكرز, كم اشك في ذلك وأنت اعتدت طعم الزيت الفلسطيني الحارق والحب الحارق أروع ولست أتقن إلا هو عساي احترق بنارك على طعم زيتنا ودفء زيتوننا وأزلية شجرنا مهما فعلوا.














الرسالة 29



سيدتي البعيدة
اكتب لك في شهر الصيام ويدي ترتجف لأنني لم أجرؤ على سؤال مفتي المدينة أو إمام المسجد إذا كانت الكتابة لك في شهر الصيام حلالا أم حرام, ولأنني كنت ابحث عمن يحلل لي هذا الفعل فقد توجهت إلى صديق لي يفوقني حنكة ودراية وثقافة وسألته عن راية في تحليل أو تحريم هذه الرسائل في شهر الصيام وفيما إذا كانت جائزة أم لا فوجدته ينقلب على ظهره ضاحكا فاستشطت غيظا منه وسألته عن أي سبب وجيه لديه لكل هذا الضحك فقال بطرافته التي أعهدها به
- اضحك منك عليك
- ولم مني ولم علي
- هل أنت جاد في البحث عن مسوغ شرعي لفعل ذلك
فأجبته بكل الجدية التي أحسها
- نعم والله يا رجل إنني جاد ولا أريد أن أقع في الخطيئة فقد علمني والدي رحمه الله أن شهر الصيام هذا من الأشهر الحرم وفي هذه الأشهر لا يجوز الاعتداء على احد وأنا أخشى أن رسائلي هذه تعتبر اعتداء على احد ما لا أدريه بالاسم.
فتروى صاحبي طويلا حتى أنني خلته لن يجيبني ثم تنفس الصعداء ونطق قائلا:
- أنا أبيح لك الكتابة هذه
- ومن أنت لتبيح لي أنا أسألك عن رأي الشرع في ذلك
- وأنا أبيح لك برأي الشرع لا برأيي
- كيف؟
- لو أن الاعتداء على الآخرين والبغضاء في شهر رمضان حرام لما تواصل ما بيننا في الضفة الغربية وقطاع غزة
تمليت بقول صديقي ورحت اقلب الأمر على كل الأوجه فلم نفعل ذلك ببعضنا وفي الشهر العظيم هذا وتذكرت ما حدث على أبواب هذا الشهر أيضا في رفح وكيف خرج رجل ليكفر الجميع ثم هوجم نفسه في المسجد وقتل ون معه, ما الذي يجري هنا.
سيدتي البعيدة
قالت لي أختي بالرضاعة قبل أيام إن ما اكتبه إليك ليس حبا حقيقيا وأنها لا تشعر بذلك بين سطوري وكأنني حسب رأيها لا اكتب من قلبي وعجبت لم فكرت أختي بذلك وكيف وأنا احبك فعلا ورحت استعيد كل رسائلي السابقة إليك لعلي اكتشف مصدر شعورها, ولهول ما رأيت فانا لا اكتب لك حبا سوى في مطالع السطور فقط ثم أغوص في همومي وحدي والتي قد لا تكون تعني شيئا بالنسبة لك فهي في الأصل لم تعد تعني شيئا حتى لأهلها فماذا يهمك أنت إنهاء الخلاف أو الانقسام أو الصراع أو الاقتتال أو الانشغال الفلسطيني الفلسطيني وما الذي يعنيك أن تورق حروف الحب المهداة إليك في قوواير الدم وأحاديث الموت والبغضاء وإذا كنت مثلي فلسطينية فان حبنا على هذه الطريقة سيكون هو الطبيعي لا غيره.
فأي حب هذا الذي يمكن أن أهديك إياه وبين الحفرة والحفرة على أرضنا ألف حفرة ولا احد يحمل معولا للردم بل ألف مسمار في نعش الحياة لصالح موتنا والكارثي آن ذلك يتم بأيدينا, وها نحن نقف على عتبات خلاف آخر حين يستحق الحق الانتخابي لنا كمواطنين أو آدميين تستلب منا آدميتنا فسنجد من يعارض أو من يؤجل أو من يدعو للإسراع بأي ثمن لكننا لن نجد صوتا واحدا يهتم بنا, كل همهم مصالحهم ومراتبهم وأحزابهم ونحن وقود لهم, فهل سنصوت في الضفة دون غزة, هل سنصوت في غزة دون الضفة, هل سيجد الفريقان في الفرقة عذرا لإبقاء الحال على ما هو عليه وعلى طريقة محاكم السينما المصرية " يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء" وأنا المتضرر فماذا بيدي لأفعل.
ماذا يا حبيبتي يمكنني أنا المواطن الأعزل المقهور أن افعل في مواجهة قوى وقوى وقيادات لا تطالها كلماتي خشية أن تطالني ركلاتهم, هل أشكو غزة في محاكم الضفة أم أشكو الضفة في محاكم غزة, أم أشكو الشهداء للشهداء والجرحى للجرحى والأسرى للأسرى والجوعى للجوعى هنا وهناك.
وأعود لمخاوف أختي بالرضاعة وصراحتها معي أنني لا أقدم حبا صادقا في رسائلي إليك وبان من حديثها أنها غاضبة مني وان علي أن اكف عن الكتابة إذا كنت لا احبك فعلا ولكني مصر على المواصلة والسبب بسيط وهو أنني اضعف الإيمان اكذب على امرأة أحبها دون علمها وأحاول استرضائها دون أن أجد منها إشارة واحدة عن قبولها أو حتى معرفتها بما أعانيه من حب منفرد ولم لا تغضب أختي وأنا ومعنا كل الناس ممن يكذبون على وطن بأكمله منذ عقود وعقود وهذا الكذب يطال الناس كل الناس وفي المقدمة دم رفاقهم الذين تركوا بين أيديهم رقابنا نحن أمانة فهل صانوها.
هل هناك من يمكنه أن يستحضر أرواح الشهداء في شهر الصيام هذا ليسألهم إن كان حملة الأمانة قد صانوها وإذا كان الأمر كذلك فسأتوقف عن حبك بالكلمات نفسها وان كان العكس فليس من حق احد أن يعترض على كلمات الحب التي اكتبها على طريقتي فليس لي سواها ون يكون ما دام الحال على ما هو عليه.


















الرسالة 30


سيدتي البعيدة:
ترى ماذا تتوقعين مني أن اكتب لك في رسالتي هذه وبلادنا تعيش حالة غليان عكسي فمع ان من المفترض أن الدنيا تقوم ولا تقعد لدى شعوب الأرض في حالة كحالتنا إلا أننا على ما يبدو وصلت بنا البلادة حدا لا رجعة عنه فنن نقتل ونسكت وتهود أرضنا ونسكت وبتنا نشبه الى حد بعيد أنظمتنا فالناس يا سيدتي على دين ملوكهم فلا شيء لدينا سوى البيانات والاستنكار والشجب وفي أفضل الأحوال مسيرة صغيرة خجولة كان من الأفضل لو أنها لم تكون.
ماذا أقول لك والقدس اليوم وعلى مرأى من كل البشر تسرق عنوة وتهود عنوة ويجد الناس أنفسهم دون بيوت في الشارع أو في الخيام, القدس المدينة الأقدس وبوابة الأرض إلى السماء والتي من المفترض أنها قبلة المسيحي قبل المسلم نراها على ما هي عليه ونسكت, ماذا أقول لك عن عائلة تلتحف السماء وتفترش الأرض في بقعة الأرض التي هي الأقرب إلى السماء وكل ما تفعله هو الوجه الحزين واستقبال الجيران المتضامنين ولم أرى في حياتي شعبا يكتفي بتضامنه مع ذاته عدانا.
نموت نحن ويغضب الغرباء تسرق أرضنا ويحتج أجنبي, لا يعرف أطفالنا معنى الحياة ويكتب عن ذلك رجل من البلاد الاسكندينافية أو تأتي فتاة شقراء ن بلاد الثلج لتعلم فتياننا السمر في الأغوار فن إتقان اللعب باللون أو الحركة أو الصوت وحين تغيب الشقراء لا نجد حنطيه منا تتقن إخراجهم من حالة الركود التي عادوا إليها.
حبيبتي البعيدة روحا وجسدا
حين يحبط الرجل العربي من ذاته لا يجد طريقا لاستعادة رجولته وكرامته وفحولته إلا بطريقتين لا ثالث لهما إما بضرب زوجته أو مضاجعتها, وهو يفعل ذلك إذا عاد إلى البيت مضطهدا من مديره في العمل أو من جندي احتلال على حاجز أو من أزعر مسنود في شارع أو من مسئول فاسد في وزاره, هاتان هما الطريقتان الوحيدتان الممكنتان للعربي لاستعادة ذكورته على قاعدة أن العربي دون ذكورته لا داعي لحياته فهو إذن يهرع للاطمئنان أن ذكورته لا زالت قائمة لكي يقنع نفسه وزوجته اضعف الإيمان انه حي باق وفاعل لا زال ويبقى ومع كل ذلك فان الأمر في الحال الفلسطيني العام مختلف والنساء عندنا لم يعد الأمر يعنيهن كثيرا فهن أتقن النوم في أحضان ذكور لا أكثر ولم يستمتعن النوم في أحضان رجال ينتمون إلى عالم الكرامة والفعل الحي المؤثر على الأرض فالمرأة تشتعل عشقا مع رجل كان قبل الاقتراب منها يحرث الأرض جيدا أو يبني أو يحصد أو يقوم بأي عمل بشكل جيد والاهم انه كان ينتمي لبلده بشكل عملي جيد فالمرأة تدرك أن الرجل الذي ينام معها هذا لا يفعل الحب بسبب الحاجة له بل لأنه الوسيلة الوحيدة الممكنة للهرب من واجهة استحقاق الانتماء لوطن بحاجة حقيقية لفاعلين من طراز رفيع يشبهون أولئك الذين مارسوا العشق التحاما بالأرض من الشهداء.
دوما قالوا لنا شعارات غريبة عجيبة مثل شعار " الأرض ولا العرض " وهو الشعار نفسه الذي يدفع بالذكر العربي للاهتمام بذكورته لأنه الوسيلة لحماية العرض الأهم من أرضه دون أن يدري أن عرضنا دون القدس لا طول له وان عرضنا دون الأرض لا حيان ننشره عليه وان عرضنا دون كرامة الحفاظ على البيت لن يبقي بيتا نصون العرض به وان كل ذكورة الدنيا لا تفتح للعرض بيتا لنغني به عن هذا العرض المصان إن ظل ذلك حكايا دون ارض.
كيف إذن ستنتشي امرأة فلسطينية وهي تدرك أن الذي بحضنها هذا جبان من طراز رفيع وهو آت إليها هربا من عدو لا حبا بها, وهي في نفس الوقت لن تأبه لعصاه أو لضرباته لعلمها الأكيد أنها ضربات جبان وعصي رعديد يختفي خلفها إن وجد يوما جند الاحتلال على بوابة غرفة نومه, والغريب أن النساء في بلادنا يتحدثن عن المساواة مع الرجل – سامحهن الله – فهن يطلبن الأسوأ من حالهن لو دققن جيدا في الأمر فمعظم المسيرات في بلادنا تقودها النساء أو يكن هن الأغلبية وفي المقدمة ونساؤنا يحرثن الأرض ويزرعن ويحصدن ويصلن الليل بالنهار عملا وكدا ورجالنا مخبولون على المقاهي او في الغرف المعتمة أو غائبون لا وجود لهم عند الحاجة والضرورة فلم إذن يطلبن المساواة والمفترض أن يطلبن من الرجال الارتقاء بحالهم إلى مستوى النساء لعلهم يفلحون.
حبيبتي
حالتي أنا هي الأسوأ فلا طريق أمامي لإثبات رجولتي بضربك أو مضاجعتك لأنك بعيدة فكيف بربك يكنني ذلك إلا إذا عدت صبيا يؤسس ليكون على شاكلة آباءه فيتقن الفعل الكاذب في كل شيء بما في ذلك الحب فلا يجد وسيلة للوصول إليه سوى تخفيا من وراء ستار ون على خيوط أسلاك شبكة الانترنت علما بأنها اليوم أصبحت لاسلكية فهو إذن يعيش الوهم والكذب صبيا فيصبح ذلك جزء لا يتجزأ من تكوينه الفكري والعملي وأساسا لمبادئ زور وعهر لا ينتهي.
حبيبتي النائية
أشكرك حقا لهذا الإصرار على النأي بعيدا جدا والإصرار على عدم الظهور لأنني بذلك سأبقى ذلك الرجل الذي لا احد يكنه فضح عجزه وسأبقى حرا في إبراز قدرتي على الحب وانتظاره إلى ما لا نهاية ما دام الأمر يشبه أغاني العرب وقصائد شعرائهم عن التحرير فلا ضير إذن من أن اغني عن الحب ما دام غائب ولا يلزمني بفعل.
















الرسالة 31


سيدتي البعيدة:
يا جداري الطيب الوحيد الذي الجأ إليه كلما أصابني دوار الحال الفلسطيني حتى لا تنهار مناعتي التي جمعتها طوال قرون وقرون من الأجداد والآباء, من الرجال والنساء الطيبين في قرانا ومدننا ومنافينا, من الزارعين والحصادين, من الحراثين الذين يتقنون العمل يوميا بلا كلل ولا ملل ولا يتأففون من السير خلف ثور الحراثة سنوات ولا من الانحناء لطمر البذرة في الأرض ومعاودة الانحناء لجنيها, أولئك الرجال والنساء الذين لا ينحنون أبدا إلا على تراب أرضه وعند الصلاة رغم أن البعض من الأغبياء يعتقد أحيانا أن ذلك إدمان على الانحناء وبالإمكان الاستفادة منه في كل الحالات.
سيدتي وجداري الطيب بعد أن امتلأت الأرض بالجدران الإسمنتية وغير الإسمنتية وأخطرها تلك التي لا تلمس باليد ولا ترى بالعين إنها جدران الكراهية العنصرية وبأشكال وأشكال مختلفة, جدران عنصرية الجنس والدين والطائفة والعشيرة والمذهب والفكرة والقومية والاعتقاد وجدران ناهبي قوت الناس ن حملة راية الشعب والوطن باسم نهبهم أو نهب غيرهم باسمهم إنهم حملة أكياس المال المسروق من الناس لاستغلال الناس وقتل الناس بأيدي الناس وهم نفسه من وفروا كل الأجواء المناسبة ليقيم المحتلون في أرضنا جدارهم العنصري الناهب للأرض الحاجز للبشر جدار ول بيوتنا نفسها إلى سجون وحال بيننا وبين شجرنا وماءنا وأرضنا.
في مطلع تشرين الثاني من هذا العام 2009 تفاجئنا السماء بالمطر دون سابق إنذار وكنا اعتدنا أن لا يأتي المطر بكل هذه السرعة وهذا التبكير
مطر خريفي
لا يغسل قلوب الناس
بل يمسح قذارتهم عن الطرقات
يداوي الأرض والأشجار
يحنو على الزيتون والرمان والحنون
يعمد جارتنا بماء الرب

مطر خريفي
لا يروي سوى الأطفال
لا يغسل جراح القاتلين الفاسقين
بل يغلق شقوق الأرض
يروي ظمأ التراب
لا ن كل التراب طاهر

سيدتي وجداري الحنون
تعبت السماء منا ومن خلافاتنا وصراعاتنا وخشيت على الأرض أن تدوخ من كثرة ما عبثنا بها فسادا فجادت بمطرها لعلها ترطبها من شدة الأذى وتريحها منه ولو قليلا فليس بإمكان الماء أن يذهب لغسل قلوب البشر كما يفعل مع الأشجار والحجارة التي لا تدفن بداخلها بل تعطي كل ما لديها للشمس علنا ولا تدرك شكل الخلاف أو الاقتتال أو الصراع على المصالح والمكاسب والمناصب وليس لها لغة للسباب أو الشتائم.
إليك أعود لاتكئ على أطرافك يا حائطي الجميل كلما أمعنت حياتنا بالدوران فينا دون أن يغلقوا أعيننا كما يفعلوا بثيران الساقية خشية أن تدوخ فنحن لا احد يحرص علينا ولا على أعصابنا ولا على دوران الدم في عروقنا ولا على الغثيان الذي قد يصيبنا بفعل أفعالهم, وعلى هذه الأرض اعتدنا أن يختلف الناس على سرقة بلادنا ونختلف نحن على أدوارنا من أنفسنا ومن قضيتنا ولم يمض الوقت الذي يجعلنا ننسى الماضي القريب والخلافات التي كانت تنشب عند كل مرحلة فصلية من تاريخ شعبنا وبلادنا وقد اعتاد الأعداء علينا أن نختلف نحن على الاختلاف ولا يختلفون هم على سرقتنا أرضا وناسا وتاريخ والكارثة أن الحالة تتصاعد أكثر فأكثر في كل مرة وها نحن نصل إلى القمة في الاختلاف والقمة في تسهيل مهمة الأعداء في نهب البقية الباقية من بلادنا وترابنا وتاريخنا وان كنا نحاول أن نصحو هنا أو هناك لنحاربهم في سرقة حبة الفلافل أو سدر الكنافة ونفرح لدخولنا موسوعة جينيس في صحن الحمص وننتقل إلى حبة الفلافل وهم ينتقون من الحرم الإبراهيمي إلى قبة الصخرة ومن تحت الأقصى إلى فوق الأقصى ويدخلون لو أرادوا موسوعة جينيس دون منازع في نهب الأرض ونقل الناس ولن يسبقهم إلى ذلك احد إلا قاتلي الهنود الحمر وناهبي أرضهم ووارثي تاريخهم, وهم أنفسهم اليوم يحرصون أن يقدموا الهنود الحمر أو ما تبقى منهم كنماذج للدارسين والباحثين والسائحين لسكان البلاد الأصليين.
ترى يا حبيبتي هل نتعظ مما مر به الآخرون وهل سيتركوا لي متسعا من مكان وزمان على تراب وطني لكي ألقاك وأضمك يوما والأرض تغني لنا لحنا عربيا ل يسرق, احلم يا حبيبتي بذلك مدركا أن حلمي وحدي لا يكفي ان لم تتوقف اكفنا عن ملاطمة بعضها وتلتفت لتلاطم مخارزهم وجرافاتهم ويافطاتهم.
لا أريد يا حبيبتي أن أصبح نموذجا للعربي الفلسطيني الذي ظل يحب عن بعد ويسكت عن غياب حبيبته مكتفيا بالقول والعويل دون أن يحرك ساكنا نحو الأمام للاقتراب منها فعلا, لا أريد أن أتحول إلى درسا تعليميا عن المحب الفاشل بل نموذجا للمحب الفاعل المنتصر للحب على الأرض لا في الخيال.

















الرسالة 32


سيدتي وحبيبتي في البعد
حين البعد لا يقوى على الإتيان
نسرج الخيل في العتمة إليه
كلما شددت الرحال في سفر جديد
تزودت بالتبغ وبالدفء الصناعي
وقصصت شعري كالجنود
حملت قبل الخبز أقلامي وطويت أوراقي إلى جهة السماء
فكل ما أبغيه من سفري انتظار الماء من غيم خرافي بعيد
وليست تمطر الطرقات في لندن ولا المدن البعيدة
وان عطشت على ترابك من لي بماء قبيل القبر
سأظل دون الماء لا أروى
وباردة حبيبات الثرى في البعد
باردة وجوه الناس كطعم الثلج يلقاها الغريب
ولا تحفظ أزقتها تضاريس السماء
وأنت لست هنا ولا ادري
إن كنت هناك
وأين ؟…أين؟ …أين هناك؟

***
وحدي أسجل في المدى لغتي على لوح الفراغ
فتسقط الكلمات دون الأرض
وأظل رغم ملابسي عار
ورغم جموع الناس يملؤني الفراغ
أتفاهة الماضين تلك …أم جنوني؟
وحدي وناصية قريبة لمدينة في البعد امتهن البكاء
واصرخ في حمامات الميادين الغريبة
علها تقرا مزاميري عليها
فيضج كل الطير
يا أنت هل تدري لها عنوان
اسم …وصف ... عنوان
ستموت بانتظار أن تأتي
ولن تأتي فأبواب السماء غاضبة
وطريقنا للقدس موصدة
والقدس بوابة الأرض إلى السماء
***
وحدي يطاردني المدى والخوف
والخوف تصنعه الخرافة والبعيد ولهفتي
وأظل وحدي مفعم بالحلم امسك بالسراب بلا اكف
والسراب كناية للحلم والحلم بعد الأرض
أنت …أنت ناصية لدرب لا نراه
كل الدروب إليك موصدة والقلب يصدح في المدى
بلحن ناي …والناي لا يقرا على النوتات …كالأحزان
فانتشري غيما …هواء …ما شئت
لكن فاقرايني …علني أصحو
وامسك بالمدى …والحلم























الرسالة 33

سيدتي البعيدة
مطري ... أنت
مطر على زمني
يعباني الهوى والشوق
يورق في بلادي زعتر الفقراء
والحنون
يسرقه الطغاة
فيزيدني عطشا على عطش التراب
تتوحد الآهات
من مطر يجيء
فلا نطال الماء

***

مطر
على وطن تكبله الحراب
فيزيدني
شبقا لطعم الماء
يشربه الغريب
يئن قلبي
يستفيق الموت

***
مطر
على قلبي
لامرأة تطارحني الهوى في البعد
تشعل الأحلام في دنياي
فأجيء رغم البعد
ألقاها
يطارحها الحنين لدفء آخر
فتزيدني ألما
واعشقها
فتنتشي من عشقي
ذكراه الغريب

***

وحدي تجذر بالهوى للأرض
في كل الفصول
هذي بلادي
والآخرون الغاصبون
حرابهم للموت
هم يحرقون الورد
يغتالوا على مرمى الشتاء
ربيع حلمي

***

وحدي أطارحك الهوى
بالحلم نحو الفجر
أن يأتي فاحضنها
وامنحها الحياة
أجسد عشقها لغة
واصنع من حروفها غنائها
جسدا
وانفي ما عداها من نساء

***

مطر
على وطني
وقلبي بالهوى يذوي
لظل عاشقة
تجذر وجدها في القلب
تقتلني
واعشقها
فيورق وجدها للغير
في زمني
فاجعل من خيوط القلب
ساحات ظلال
يؤلمني حضور من غابوا
وأعلن للمدى حبي

***
مطر
على وطني
واعرف أن حراب الغاصبين
ستنطوي بالموت
ويسقطها الخريف
والمارقون على هواها
سوف يمضوا
ويظل حبي
يغسل قلبها
فيض الشتاء
وفيض عشقي









الرسالة 34

كانت باريس
باردة جدا كالثلج
رغم غياب الريح
وانحباس المطر
ووحدها قدماي دوني
تدب على أرصفة طرقات التيه
كنت وحيدا كالعادة دوما هناك
وما كنت
كانت قدماي
هي الأخرى كصاحبها غريبة

***
كانت باريس
باردة الوجه والكفين
وكنت بحاجة للدفء
ودفء الغربة صعب
وبعدك بردي
وباريس تضم نساء الدنيا
وفارغة رغم التخمة حتى الموت
بدونك أنت

***
كانت باريس فارغة
تضج جنونا
بصراخ الصمت
ولم يكن صوت المتنبي
على أي من مقاهيها البعيدة
ولا عزف المغني في الحواري
ولا أنين الحمداني وصليل قضبانه
رغم وجوه الناس والكراسي
حيث لا تمتد كفيك
تبقى فارغة

***
كانت باريس بكل العري
وكنت احمل مصباح علاء الدين
وأفتش عساك تكوني
فتوصد أبواب الحارات
وتفتح أنفاق الظلمة
نحو مقاهي المطارات
وقاعات المغادرة
إلى حيث يكون الممكن بالحلم
وحيث تكوني

***

كانت باريس دون عيون
وكنت المغني
وبلا عينين لا تسمع المدن
وأنت عيون الدنيا
والناس في عاصمة النور نيام
ومثلي يوقظ كل الناس
ويسال عنك
فاقرأ رد واحد
حلمك مختلف جدا
لا نتقن فك طلاسمه
ولا يراه النائمون




الرسالة 35

سيدتي البعيدة
ادري جيدا انك غاضبة مني إلى حد بعيد كبعدك وادري أن ذلك يأتي في سياق حرصك على التأكد من أن حبي لك ليس مجرد نزوة أو فعل لرجل عاقر ككل العرب في زمن الجدب هذا وأدرك ما تفكرين به من أنني لا أسعى حقا للوصول إليك كي لا يكشف أمري وان إتقان العشق عن بعد يأتي من أولئك الذين لا يتقنون فعل العشق حقا فيهربون منه به إلى الحلم البعيد ليحرصوا على مظهرهم والحال هنا مبرر يا سيدتي وأنت تري الخطاب العربي بل والفلسطيني يصل عنان السماء كذبا فتسمعين قعقعة وضجيجا ولن تري طحينا أبدا وها أنت ترين فقد مرت سنتان وأنا اكتب لك عن بعد, وها هو العام الثالث يقترب من البدء وأنا لا زلت على صراخي بنفس العنجهية الفارغة " كل عام وأنت اقرب " والعام يمضي ويجيء عام دون أن أحرك ساكنا في الطريق إليك, بربك ألا أشبه إلى حد بعيد أولئك الذين يرسمون للقدس رسوما لا تدفع بالمحتلين لاعتقالهم والزج بهم في معتقلات الأسر إلى جانب 11 ألف أسير يقبعون هناك بعيدا ولا يجدون منا إلا الغناء العاقر تماما كما تجدين مني, مؤتمرات في القاهرة وأريحا وفي كل مدينة وقرية لا يحضرها حتى ذوي الأسرى بل ذوي الياقات المنشاة والربطات الوردية وفي فنادق لم يسمع باسمها أسرى فلسطين وهنا قريبا هي مراكز احتجازهم وهنا قريبا هي بوابات الحواجز التي تمنعنا من الوصول إليهم وهنا قريبا هي القدس التي تهود ونحن نسير مسيراتنا بعكس الطريق فمسيرة القدس تمشي من البيرة إلى رام الله رغ أن الطريق إلى القدس عكس ذلك, الم يحارب بعض العرب إلى فلسطين عبر بلدان طريقها بعيدة, ولك مثلا أن تراقبي حال كتاب وصحفيي ومبدعي ومثقفي العرب فمن يسكن في الدولة هذه يهاجم الحال في الدولة تلك ويلغي عينية وأذنيه عما يجري داخل بيته فهو مثلي يهرب للبعيد حتى لا يترتب على القول فعل.
سيدتي وحبيبتي
ألا ترين إذن أنني أذكى منهم جميعا فانا نأيت بك بعيدا حتى لا يحاسبني احد على عدم الوصول إليك, انا تلميذ نجيب لمعلين فسدة واحمد الله أنني لم أتعلم من والدي رحمه الله الالتزام بالموقف عملا فقد الذي ظل مقتنعا أن قتاله كضابط صف في جيش السلاطين العثمانيين ضد الحلفاء كان صحيحا وان الجريمة كانت بانتصار بريطانيا وحلفائها على تركيا في الحرب الاستعمارية الأولى ولم أتعلم من أخي الأكبر الذي لم يجد سبيلا للدفاع عن الأرض سوى أن يحمل بندقيته وينطلق وصحبه إلى قرية المزار القريبة من جنين ويقاتل هناك حتى يستشهد ويروي بدمه الطاهر ارض المزار, القرية التي لا زالت بقايا حجارتها شاهدة على بطولة من كانوا هناك وحدهم يقاتلون, انا يا سيدتي تعلمت من الكذابين كيف أصبح بطلا من حبر وورق وفي كل شيء, ففي الوطن وعن الوطن وللوطن كتبت وخطبت وغنيت وتغنيت ولم اترك وسيلة قول إلا واستخدمتها فلم يبق للوطن بذمتي شيء سوى متابعة القول حيث أمكن شريطة أن لا تغضب دولة الاحتلال فأعود منسيا في معتقل احتلالي انتظر غناء الآخرين عني, ولا تغضب دولة عربية فلا أتمكن من السفر إلى حيث ابغي ولا يغضب فريق فلسطيني قد يحكم يوما ما في مكان ما فيطالني عقابه, ومع ذلك لا زلت أجد وسيلة للنفاذ من بين حبات المطر الأسود هذه للكتابة في سبيل الوطن والتضحية بأقلامي جميعا ليبقى للوطن مكانا سخيفا فوق الأوراق لا على الأرض فالاحتلال يجردنا ترابنا رويدا رويدا ونحن والحمد لله لا زلنا مواظبين نوثق الوطن على الورق فلا نخشى على الذكرى من الضياع ان ظل بيننا ن يقرا الورق أصلا.
ها انا أيضا يا حبيبتي أمارس الحب على نفس الطريقة عن بعد ولك أن تفرحي بذلك لأني أخشى إن التقينا أن يفتضح أمري وتكتشفي أن لغة الحب العظيمة والمشتعلة التي أطلقها وكلمات القرب تشبه حالنا حين يصبح من حقنا أن نمسك بذرة تراب فلا نتقن الإمساك بها بل نختلف عليها ونمزقها حتى قبل أن نتأكد حقا أنها باتت بين أيدينا وليست صيدا سهلا للأعداء والمصيبة أن سهولة الانقضاض عليها تصبح أحيانا بسببنا نحن لا بقدرات الأعداء الخرافية بل لضعفنا وتمزقنا وإتقاننا لكذب الانتماء لغة لا لفعل الانتماء على الأرض الحية لا ارض الحبر والورق.





























الرسالة 36

سيدتي البعيدة
يا من تختلطين بأيامي
وأجندات الأوراق الملونة
بلون الزمن الفلسطيني الخارق
فاهرب من جفاف الأيام وأوراقها
باحتراف استعادتك
فكلما فتحت صفحة يوم جديد
وجدتك تتمددين فوقها
وتحتلين مساحاتها
فلا مجال لفعل شيء
ولا مجال لقول شيء
فاحتراف حبك أفضل
مليار مره
من تفاهات أخبار الصباح
أو تصريحات المتخمين بالغباء

***
كلما قرأت حرفا من حروف اسمك
أيقنت أن مواصلة العيش ممكن
وأن حلوى الأعياد
متوفرة للأطفال بكثرة
وان لا خوف من انقطاع السكر
من حوانيت العرب

***
كلما أغمضت عيناي لأغفو
وجدتك تحتلين مساحات الحلم
وتسرقين النوم
وتغلقي كل جهات الدنيا
فلا أرى الاك

***
اعترف بأنك جسدت الحلم حقيقة
وجعلت للخيال اسما
وأخرجت من الظلام الدامس نورا
فأينع عمري
وأضأت ظلام الدنيا

***
لن ادعك بعد الآن ترحلين
سأطوي سرج خيلي
واخلع الركاب
فبعدك لا بحث
ولا ارتحال

***
لم أكاتبك
وانتظرت رسائلك
وكتبت وحيدا لعينيك
ورسمت دلالك بحروفي
في ليل الوحدة

***
فلا تغادري الحلم يا سيدتي
لا تعيدي لليل اعتباره
وترفقي بي
لأني ببساطة الدنيا
أشتاقك






























الرسالة 37

سيدتي البعيدة
مولع أنا بالحياة تماما كولعي بك أو أن ولعي بك هو ولعي بالحياة وإلا فما الذي سيدفعني لكي أكون مولع بحياتي كفلسطيني إلا لان هناك ما يجعلها اقل قسوة أو اقل قبحا أو اقل ألما, كل ما حولي كفلسطيني هو عكس ذلك فالحياة هنا أكثر قبحا وأكثر إيلاما وأكثر قسوة إلا أنت وأنت بعيدة فلا خيار لدي سوى التمسك بك أكثر والسعي إليك أكثر لعلي أتمكن من دفعك للاقتراب أكثر.
في بلادنا يا حبيبتي يموت الرجال على الطرقات اليوم بيافطات عن الشهادة وتنزوي النساء بعيدا خجلات من إعلان الشوق للحياة ويتعلم الأطفال كيف يكذبون فلا يبكون لان البكاء ضعف والضعف للنساء حسب رأيهم البغيض فيكبر فينا الكذب أكثر بحق أنفسنا وننقسم نصفين, نصف حقيقي منزوي في الظلمة يمارس ذاته بعيدا عن الآخرين ونصف كاذب يتبختر منفوخا كالبالون أمام الآخرين إلى إن يجد فرصته لكي يتخلص من هواء النفخ الكاذب وذاك لا يكون إلا في الظلمة.
وتلك الحالة هي مرض عربي لا فلسطيني أصلا فكيف يا حبيبتي إذن يمكنني الانطلاق بذاتي علنا لعلني أوازي بين الذاتي الخاص والذاتي العام, كيف يمكنني أن اصرخ بما في على دوار المدينة الرئيسي أو في ساحاتها أو على بواباتها دون أن أخشى لوم الكاذبين الكثر من حولي.
مفعم أنا بالحب تماما كحالة حبة مشمش في قمة النضج قبيل القطاف فمن يقطفني عداك والناس منشغلون اليوم بالقتل والتآمر والتدمير, من سيقطفني أنا إن لم تكوني أنت فأنت وحدك لا تنشغلين بموت الآخرين كجيوش الأعداء, وحدك من لا تنشغلين بتعذيب الفلسطيني كالآخرين وحدك من لا تمارسين الحصار على غزة علنا وعلى الضفة ضمنا وعلى مخيمات لبنان بالتورية وحيث كان الفلسطيني باسمه العلني بالبطش أو التهميش أو الطرد أو بنظرة خفية من تحت طرف العين تظهر الهزأ والاستهتار وما إلى ذلك.
نحن فتحنا الطريق لهم ليفعلوا ذلك بنا علنا أو تورية أو سرا حين انشغلنا عن ذاتنا المجروحة من الآخر العدو بذاتنا الجارحة للذات بأدوات الذات فماذا كنا نتوقع إذن من الآخرين سوى الهزأ بنا وذلك اضعف الإيمان.
في الأوطان الفلسطينية المجزوءة على أيدينا والمحتلة على أيديهم باتت لدينا حتى الاهتمامات مختلفة, في الضفة الغربية المحاطة بالجدار الذي نحتار بتسميته إن كان جدار العزل أو الجدار العنصري أو جدار التهويد والضم والسرقة ننشغل اليوم بانتخابات البلديات وبقوائم الترشيح ولا احد يتحدث عن برنامج انتخابي وان فعل فان المسالة الوطنية والقومية ومواجهة الاحتلال هي آخر ما قد يخطر على بال أحد, في غزة ينشغلون بالحصار والأنفاق وانقطاع الكهرباء وشح الماء والدقيق, وفي القدس التي كانت على مر العصور عربية ينشغل سكانها اليوم بتذكر مظاهر عروبتها والبعض يوثق ذلك في الصور او على الورق معتقدا انه يدير معركة قومية ضد الصهيونية المنشغلة بتدمير ما نوثقه نحن على الورق عن وجه الأرض ليصبح لعمل أبطال التوثيق معنى, في الجليل والمثلث والنقب وحيفا ويافا وعكا أو في أراضي عام 1948 أو الأراضي المحتلة عام 1948 أو في أراضي داخل الخط الأخضر أو لدى فلسطينيو الخط الأخضر أو عرب إسرائيل أو سمهم ما شأت فلم يتفق العرب بعد حتى على تسميتهم لأننا نحن الفلسطينيين أنفسنا لم نجد لهم تسمية فقد أضعنا حتى حروف لغتنا فاحمدي الله يا حبيبتي أنني لا زلت املك بقايا حروف أخطها لك دون أن افقد بوصلة حبك حتى باللغة وهذا ضعف في إدراك شكل علاقتنا بأنفسنا وأرضنا وبوحدتنا لان ما يشغلهم في حيفا ليس عروبة القدس بل عروبة وادي النسناس, ليس الجدار بل أسماء مدنهم التي باتت عبرية بين ليلة وضحاها, ليس الأقصى بل يهودية تراب بوابات بيوتهم, وما يشغلهم في الشتات مختلف فهناك هم المهنة الممكنة وبطاقة المرور والجنسية البديلة والهروب من الجلد إلى عباءة الآخر لا حبا بالعباءة وصاحبها بل حبا بالانتقال من موت اللقمة الدمنا المغموسة به حيثما ذهبنا.
أنت حبيبتي إذن رغما عن أنوفهم وأنا أخبئك بخوابي جدتي العتيقة حتى لا يطالك التهويد فيغيروا حروف اسمك مثلما فعلوا بالناصرة والقدس أو يتقاسموا معي أيام عشقك كما فعلوا في المسجد الإبراهيمي ووجدنا من يكافح في سبيل الإعلان أن الحرم الإبراهيمي للجميع, وحدي لن أتنازل عن عشقك أبدا فأنت لي ولي وحدي روحا وجسدا وشعارات الى الجميع عهر وسخافة وسير نحو التوهان والضياع والإضاعة فالحرم الإبراهيمي لنا كالقدس مسجدها وكنائسها وحتى الهياكل المزعومة إن صحت كذبتهم هي لنا فهم لا شيء لهم سوى الجريمة لأنهم صانعيها سوى الموت لأنهم من يجوبوا به بقاع الأرض, سوى الخراب على الأرض حيث كانوا وحيث يكونوا.
























الرسالة 38

سيدتي البعيدة:

أخبار صيفنا هذا العام حارقة فعلى بوابات ذكرى حزيران الهزيمة والعار حين التف كل العرب بنار أو عار الهزيمة وانخرسوا جميعا إلا من لاءاتهم التي لم يحترموها فيما بعد جاءتنا أنباء أسطول الحرية وصلف المحتلين في التعامل مع متضامنين عزل حتى من سكاكين المطابخ, بكل بساطة وعلى مرأى ومسمع وأكاد أقول بمشاركة انقضت طائرات المحتلين على سفن الغذاء والماء والدواء وعلى دم مجموعة طيبة من مثقفين وفنانين وصحفيين ونشطاء سلام ورجال دين ليقتلوا ويجرحوا ويعتقلوا من يشاءوا وليبقوا في سجونهم أو يطردوا من يشاءوا وادرك أن العالم الشعبي رفع صوته وهاج وماج وان بعض الرسميين استخدموا ذلك لرفع أرصدتهم الشعبية باستخدام ألفاظا لم يسبق استخدامها ضد المحتلين لكن أحدا لم يقدم أبدا على وقف العلاقة بقشة كبريت مع كيان الاحتلال ومؤسساته الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية بل والاجتماعية والثقافية.
لم يتغير شيء سوى حناجر الملايين إن جاز الرقم ولو من باب المبالغة خلف جنازات الضحايا الذين ذبحتهم علنا طائرات الاحتلال, لم يطرد حتى عامل مطبخ من أية عاصمة عربية تبيع سلعة القومية في خطابها اللفظي وتبيع إسرائيل وأمريكا الأرض والناس ولم يقم من قبره السلطان عبد الحميد ليؤنب سائحا إسرائيليا على أبواب اسطنبول أو يطلب منه التريث حتى تنتهي أيام الحداد, كما نحن لا زلنا, وكل الفرق أن اللغة اختلفت لدى البعض وذلك من باب تنفيس غضب الشارع الذي بت اشك حتى به انه غضب حقيقي.
كل شيء تغير فنحن أمام عالم جديد ولا وقت لدينا للكفاح فمتى سأشارك في معركة التحرير وأين, وغزة مثخنة الجراح والخبز بعيد, فمن أين نطلق الرصاص وبأية اكف يائسة من قدرة الكف الأخرى على المشاركة حين ينطح المخرز الكف الأولى.
موشك على الإحباط أو محبط لان ايرلندا قررت إرسال سفينة أخرى في ذكرى راشيل كوري ولم تقرر تركيا إحياء ذكرى أربعين الشهداء على أبواب غزة, ونحن لم نعد نحيي ذكرى جول جمال أو عبد المنعم رياض أو شهداء قانا أو شهداء رفح وجنين وبحر البقر ودير ياسين إلا من باب الاحتفال وذكرى الكبة تكاد تتحول إلى احتفالات فرح مزينة بألوان وألوان ويافطات ويافطات حتى باتت مصدر استرزاق للبعض لا ذكرى كفاح, موشك على الإحباط أو أنا كذلك لأنك حتى أنت لم تشاركي بمسيرة الحرية, لم تحاولي الاقتراب مني فكيف بربك سنصل وتصل غزة وتصل القدس ويعود الحاج محمود إلى يافا إن ظل في العمر بقية أو إن كان لا زال الحاج محمود حيا أصلا على بوابات شاتيلا فقد ودعته هناك قبل أن تشتعل لبنان لتصبح لا لبنانية وقبل أن تضيع قوائم الأسماء والأرقام وبطاقات البشر بين قطع اللحم المشوي دون أن نسال ولو مرة من فعل ذلك عدا شارون أو إلى جانب شارون.
امة عجيبة نحن يا حبيبتي نحب من يكرهنا أو يبتعد عنا أو يجلدنا, وكأننا مرضى نتلذذ بعذاب جلادينا ونعشقهم وأكاد اصدق ذلك وإلا ما الذي افعله أنا بتركي لكل نساء الأرض المعروفات والسعي خلف سرابك إلا لأنك تعذبيني أو لأنني اضعف من أن أرد نظرة امرأة جميلة بمثلها أو لأنني ككل التافهين اعتقد أن من تلقي لي بالتحية لا تستحق التحية لأنها موجودة أصلا فلا بد إذن من تلك التي هناك لم تأت بعد ولست أبدا هنا أشبه الشاعر ناظم حكمت التركي بدون السلطان عبد الحميد وهو يقول أجمل البحار ذاك الذي لم نزره بعد وأجمل النساء أنت لأنك لم تأت بعد.
مرضى إذن نتلذذ بعذاب ذاتنا من أعداءنا ونعشق دور الضحية أو لا نتقن دورا سواه فلدور البطل استحقاق قد لا نستطيع الوفاء به مع أننا نكثر من استخدامه لوصف من غادرونا فقط ولا نقبل بان يحمل هذا اللقب رجل حي أيا كان فلا أبطال في أوساطنا لأننا نكره البطولة ولا نقبل بها ونحاربها ولا نقبل بالنجاح ونحاربه فللنجاح أيضا استحقاقات قد لا نستطيع الوفاء بها ولان الفشل والبكاء واستجداء الغير دور سهل لذا نلجأ إليه لا لغيره لتبرير عجزنا المشين ونسعى العمر بحثا عمن يركبنا بعد أن كنا يوما امة الأمم.
حبيبتي:
أيتها الأنثى بكل المعايير التي احلم بها تماما كتلك المعايير التي احلم بها لان تعود يوما امة الأمم, ولا أكثر من حلم, فخارج الحلم فعل ونحن تنازلنا عن دور الفاعل منذ أمد بعيد لصالح أيا كان عدانا, ترى يا رائعتي هل تعتقدين انك يوما ستاتين أو أن امة الحلم ستأتي لأنني اكتب لك أو لأننا نغني ونحلم بعودة الأمة, أيكفي الحلم وتكفي رسائل البعد هذه؟؟؟.




























الرسالة 39


منذ ايام وانا احاول الانتقال الى منزل جديد, الاسرة بكاملها انتقلت الى هناك وانا ابحث كل يوم عن حجة جديدة للبقاء هنا, الليلة استنفذت كل حججي الواهية وعلي غدا الانتقال رغما عني, احد يا سيدتي لن يتخيل ابدا دموعي التي تنهمر الآن وانا اكتب لك مودعا الحيطان التي شهدت على حلمي بك ليلة بعد ليلة, الحيطان التي كتبت معي كل رسائلي الطويلة السابقة, وجوه الشبابيك امسكت باحلامي وهي تتسلل ليلا اليك, دفات الستائر التي طفحت بدخان سجائري في الليالي الطويلة التي قضيتها اجوب الارض بحثا عنك.
نعم يا حبيبتي تنهمر دموعي رغما عني واحاول المكابرة بل واتسائل أي جنون هذا في زمن ثورة الاتصالات وانتفاء الحدود وتحول العالم كل العالم الى قرية صغيرة جدا بل الى بيت واحد صغير ومع ذلك ياتي رجل مثلي ويرفض مغادرة الحيطان هذه ويهرب اليها تماما كما كنت اهرب الى حصن امي ليالي الشتاء, والسؤال ما الذي يبكيني وهناك من لا يبكيه وطن, من لا يبكيه وجع شعب او وجع امة, ومن هو الذي سيحس بي لاشكواليه عداك وهم لم يعودوا اولئك الرجال والنساء الذين لم تجدي كل الحجج للبقاء ليلة واحدة في حواري حيفا ولم ينفع حينها عشق وادي النسناس ولا ضفاف البحر ولا حي العجمي في يافا, اولئك غيبهم التراب بعد ستون عاما على الرحيل القسري, هاانا ارحل بارادتي وابكي فكيف فعلوا اباءنا حين فروا من هناك دون ان يتمكنوا من وداع حيطان البيت كما افعل انا الآن, اتلفت حولي هنا كنت انت وهنا كتبت لك رسالتي الاولى , هنا كتبت السابعة, على هذا الكرسي قلت لك ما قلت في الرسالة العشرين, وعلى هذه الطاولة تمددت اوراقي لابكي لك عليها لعلك تحنين, هنا كانت تلك القصيدة وعلى هذه الكنبة ولدت فكرة ذلك الكتاب, كيف اذن سامضي واترك كل هذا بلا رجعة.
حزين انا جدا وادرك الآن جيدا كيف فكر اولئك الرجال والنساء وهم يديرون اعناقهم للوطن باكمله دون ان يروه من كثافة الدموع, غالي هو الوطن يا سيدتي, غالي هو بيتي وغالية هي جنين التي تنتمي لتاريخ طويل يمتد الى اكثر من اربعة آلاف سنة, هذه المدينة التي تعذرت على الغزاة كل الغزاة وانتصرت ابدا في وجه الطغاة فصمدت في وجه نابليون الذي دمرها بالمنجنيق وصمدت في وجه المحتلين الانجليز الذين دمروا شوارعها واحرقوا بيوتها وتعذرت على المحتلين في حزيران عام 1948 حين طردوا منها, وحين مرغت انوفهم في التراب في ربيع 2002 فكيف يمكنني ان ان اغادر كل هذا التاريخ العظيم اذا كان من الصعب علي ان اغادر بوابة بيت صغير طاريء, فقط اولئك الذين رحلوا عن الدنيا وهم في المنافي بعيدا عن الوطن سيدركون ما معنى ان اقول انني اقضي اللية اشم الجدران واتفقد تضاريسها اقرا عليها كل ما كتبت وحلمت وفكرت.
حزين انا يا حبيبتي للغربة في كل كياناتي وتضاريسي عمري, غريب عن الوطن في الوطن الذي يمسكون به اعدداء باشكال والوان عسكر ومستوطنين وشامتين وغريب انا في بيت اغادره من حين الى حين وغريب انا لانني لا امسك باطراف يديك ذات شتاء ولا اشم روائح عطرك على ابواب صيف ولا تهزني لفتات شعرك مع نسيم ربيعي فكيف بربك يمكن للحياة للآخرين ان تكون جميلة, أي فرح ينتاب البشرية ان وواحد من مكوناتها لا يعرف الفرح او شعب من شعوبها لا يعرف سوى الوجع, كل ما يقيتني الحلم به انني غدا أي غد كان لكن سياتي والقاك وافرح.












الرسالة 40

سيدتي البعيدة
مولع أنا بالحياة تماما كولعي بك أو أن ولعي بك هو ولعي بالحياة وإلا فما الذي سيدفعني لكي أكون مولع بحياتي كفلسطيني إلا لان هناك ما يجعلها اقل قسوة أو اقل قبحا أو اقل ألما, كل ما حولي كفلسطيني هو عكس ذلك فالحياة هنا أكثر قبحا وأكثر إيلاما وأكثر قسوة إلا أنت وأنت بعيدة فلا خيار لدي سوى التمسك بك أكثر والسعي إليك أكثر لعلي أتمكن من دفعك للاقتراب أكثر.
في بلادنا يا حبيبتي يموت الرجال على الطرقات اليوم بيافطات عن الشهادة وتنزوي النساء بعيدا خجلات من إعلان الشوق للحياة ويتعلم الأطفال كيف يكذبون فلا يبكون لان البكاء ضعف والضعف للنساء حسب رأيهم البغيض فيكبر فينا الكذب أكثر بحق أنفسنا وننقسم نصفين, نصف حقيقي منزوي في الظلمة يمارس ذاته بعيدا عن الآخرين ونصف كاذب يتبختر منفوخا كالبالون أمام الآخرين إلى إن يجد فرصته لكي يتخلص من هواء النفخ الكاذب وذاك لا يكون إلا في الظلمة.
وتلك الحالة هي مرض عربي لا فلسطيني أصلا فكيف يا حبيبتي إذن يمكنني الانطلاق بذاتي علنا لعلني أوازي بين الذاتي الخاص والذاتي العام, كيف يمكنني أن اصرخ بما في على دوار المدينة الرئيسي أو في ساحاتها أو على بواباتها دون أن أخشى لوم الكاذبين الكثر من حولي.
مفعم أنا بالحب تماما كحالة حبة مشمش في قمة النضج قبيل القطاف فمن يقطفني عداك والناس منشغلون اليوم بالقتل والتآمر والتدمير, من سيقطفني أنا إن لم تكوني أنت فأنت وحدك لا تنشغلين بموت الآخرين كجيوش الأعداء, وحدك من لا تنشغلين بتعذيب الفلسطيني كالآخرين وحدك من لا تمارسين الحصار على غزة علنا وعلى الضفة ضمنا وعلى مخيمات لبنان بالتورية وحيث كان الفلسطيني باسمه العلني بالبطش أو التهميش أو الطرد أو بنظرة خفية من تحت طرف العين تظهر الهزأ والاستهتار وما إلى ذلك.
نحن فتحنا الطريق لهم ليفعلوا ذلك بنا علنا أو تورية أو سرا حين انشغلنا عن ذاتنا المجروحة من الآخر العدو بذاتنا الجارحة للذات بأدوات الذات فماذا كنا نتوقع إذن من الآخرين سوى الهزأ بنا وذلك اضعف الإيمان.
في الأوطان الفلسطينية المجزوءة على أيدينا والمحتلة على أيديهم باتت لدينا حتى الاهتمامات مختلفة, في الضفة الغربية المحاطة بالجدار الذي نحتار بتسميته إن كان جدار العزل أو الجدار العنصري أو جدار التهويد والضم والسرقة ننشغل اليوم بانتخابات البلديات وبقوائم الترشيح ولا احد يتحدث عن برنامج انتخابي وان فعل فان المسالة الوطنية والقومية ومواجهة الاحتلال هي آخر ما قد يخطر على بال أحد, في غزة ينشغلون بالحصار والأنفاق وانقطاع الكهرباء وشح الماء والدقيق, وفي القدس التي كانت على مر العصور عربية ينشغل سكانها اليوم بتذكر مظاهر عروبتها والبعض يوثق ذلك في الصور او على الورق معتقدا انه يدير معركة قومية ضد الصهيونية المنشغلة بتدمير ما نوثقه نحن على الورق عن وجه الأرض ليصبح لعمل أبطال التوثيق معنى, في الجليل والمثلث والنقب وحيفا ويافا وعكا أو في أراضي عام 1948 أو الأراضي المحتلة عام 1948 أو في أراضي داخل الخط الأخضر أو لدى فلسطينيو الخط الأخضر أو عرب إسرائيل أو سمهم ما شأت فلم يتفق العرب بعد حتى على تسميتهم لأننا نحن الفلسطينيين أنفسنا لم نجد لهم تسمية فقد أضعنا حتى حروف لغتنا فاحمدي الله يا حبيبتي أنني لا زلت املك بقايا حروف أخطها لك دون أن افقد بوصلة حبك حتى باللغة وهذا ضعف في إدراك شكل علاقتنا بأنفسنا وأرضنا وبوحدتنا لان ما يشغلهم في حيفا ليس عروبة القدس بل عروبة وادي النسناس, ليس الجدار بل أسماء مدنهم التي باتت عبرية بين ليلة وضحاها, ليس الأقصى بل يهودية تراب بوابات بيوتهم, وما يشغلهم في الشتات مختلف فهناك هم المهنة الممكنة وبطاقة المرور والجنسية البديلة والهروب من الجلد إلى عباءة الآخر لا حبا بالعباءة وصاحبها بل حبا بالانتقال من موت اللقمة الدمنا المغموسة به حيثما ذهبنا.
أنت حبيبتي إذن رغما عن أنوفهم وأنا أخبئك بخوابي جدتي العتيقة حتى لا يطالك التهويد فيغيروا حروف اسمك مثلما فعلوا بالناصرة والقدس أو يتقاسموا معي أيام عشقك كما فعلوا في المسجد الإبراهيمي ووجدنا من يكافح في سبيل الإعلان أن الحرم الإبراهيمي للجميع, وحدي لن أتنازل عن عشقك أبدا فأنت لي ولي وحدي روحا وجسدا وشعارات الى الجميع عهر وسخافة وسير نحو التوهان والضياع والإضاعة فالحرم الإبراهيمي لنا كالقدس مسجدها وكنائسها وحتى الهياكل المزعومة إن صحت كذبتهم هي لنا فهم لا شيء لهم سوى الجريمة لأنهم صانعيها سوى الموت لأنهم من يجوبوا به بقاع الأرض, سوى الخراب على الأرض حيث كانوا وحيث يكونوا
























الرسالة 41

سيدتي البعيدة
لا زال على الأرض ما هو أجمل, انه القادم غدا وبعكس كل السوداويين الذين يولولون على الأيام الغابرة, واثق أنا أن القادم أجمل فماذا كان لنا لنولول عليه وأية ذكريات تلك التي نتأوه ندما على غيابها, يكفي انك لم تأت بعد, تلك هي حسرتي الشخصية وأنا احلم بأنك تختبئين مع طيات الغد وستأتي فالقادم على الأرض أجمل وأنت بالنسبة لشخصي عنوان الفرح لهذا القادم وحين تكونين عنوانا فان المضمون بالتأكيد أجمل وأي جمال أكثر منك يحتاج غدي وأي جمال كان له أن يكون قبلك فكل البوابات دونك موصدة وموحشة هي جنبات الكون فقبلك لا دفء يورق في جنبات دنياي, وحلمي انك ستكوني وأكون, فبعدك اترك للقادمين فرصة أن يحظوا بالحلم كما حظيت.
على ماذا نولول إذن يا حبيبتي؟, أعلى الضياع والهزائم والنكبات والاحتلالات بأسماء وألوان مختلفة؟, أنولول على وجع الانتفاضات المغدورة منذ 1929 حتى انتفاضتنا الأخيرة؟, أعلى النكبات والهزائم والتراجع للوراء من الوراء؟, حين سرقت حيفا من عروبتها رغما عنها يوما وحين ألحقت بها القدس عنوة وعلى رؤوس الأشهاد ولا زلنا كل ما نملكه رزنامة نعلقها على حائطنا المتهالك نعد بها ذكريات وذكريات, ذكرى النكبة والنكسة وحريق الأقصى ومذبحة الحرم ودير ياسين وقبية وجنين وقانا ورفح وبحر البقر والسلط والأغوار وتونس وباريس وروما و....و.... والقائمة تطول ولاشيء سوى التعداد والفجيعة والنواح فعلى ماذا إذن نولول, ولم ليس لدينا ثقة أن غدنا سيكون قطعا أجمل حين ندحرهم إن كنا نملك ذلك الهدف فعلا ونؤمن به.
على ماذا نولول يا حبيبتي ونحن نعد أيام السواد ولا نحضر لأيام الفرح ننظر للماضي متحسرين على الأسوأ ولا نحلم بغد قادم كما افعل أنا بانتظارك, أحاول أن اضرب المثل بالحلم الشخصي على أمل أن يورق فعلا في العقول الحلم العام لينتقل إلى الأكف فعلا لا حروفا فقط كما افعل أنا, لن تكوني رزنامة على جدار بعيد ولن أغلق فمي خشية أصوات الآخرين بانتظارك ولن اقبل بأية فتوى لن تكون نتيجتها الوصول إليك فأنت حبيبتي وحلمي ومصدر فرحي الأبدي الذي انتظر, ولذا لن أمارس فعل الشفاهة القاصرة مثلهم فلست عضوا في أي من دكاكينهم وهي لا تحصى ولا تعد فلك أن تحدثي بلا حرج عن دكاكين الأسرى ودكاكين الشهداء ودكاكين الجرحى ودكاكين ذوي الإعاقات والطلبة والمحتاجين ودكاكين حقوق الإنسان ودكاكين التحرير بلا تحرير وأخرى وأخرى إلا دكانة واحدة لم تعد تفتح أبوابها مطلقا ويبدو انه كتب على بوابتها أن صاحبها قد انتقل إلى رحمته تعالي هي دكانة فلسطين الشعب كل الشعب وفلسطين الوطن الخالص دون أسماء وألقاب وميزات وفوارق, فلسطين بلا تقسيمات, تلك هي فلسطين التي لم نتقن حتى اليوم تسميتها لأنها ليست حقيقية, وشعبنا عاش الموت والظلم والاضطهاد ولا زال معا دون فوارق فنفس السجان ونفس القضبان ونفس الجلاد ونفس السوط من يسلط على رقاب الحمساويين والفتحاويين وما إليهم.
حبيبتي
ليس يمكنني الإبقاء على ابتسامة الحلم طويلا دون أن تجيئي فبربك ما هي الأسباب التي تمنعك من أن تدقي بابي ذات مساء لتقولي ها أنا ذا فتوقف عن النواح, أم انك قد ضقت ذرعا بعقم الهتافات الفارغة التي أطلقها لك على صفحات الصحف دون أن املك الجرأة على الإقدام على خطوة عملية واحدة باتجاه الوصول إليك فعلا وكأنك تعتقدين بينك وبين نفسك أنني اعرف الطريق إليك ولا اسلكها لأنني اجبن من فعل ذلك فاكتفي بالقول المبهم تماما كما يفعل ساستنا اليوم فهم لم يعودوا يفكرون بنقل خطوتهم إلى الأمام أبدا فقد تمسمروا مكانهم على منصة القبور يصرخون بهتافات من رحلوا في سبيلها خشية أن يعتقد الشهداء إن عم الصمت أن الجريمة قد تمت ولذا يصر رعاة الحفل على الإبقاء على الأبواق مشرعة والصراخ قائم وكأنهم يوجهون أصواتهم للذين اختاروا أن ينقلوا خطوتهم إلى الأمام حقا معتقدين أن من خلفهم سيتابع الخطوة مرة أخرى لتصبح خطوتين وهكذا, اطمئني أنت وليطمأن الشهداء أيضا فلا خطوات حية إلى الأمام من قبلي تماما كما فعلوا هم براياتهم التي تحولت من الدم إلى الألوان المائية ومن الفعل الحي إلى العويل على شكل ثورة بالحروف المنشودة غناء دون أن تكتب حتى لا تصبح دليلا ضد احد, فالحب في عرف أعداء الإنسانية إرهاب وأنا احبك واكتب ألا تري أنني أشجع منهم لان توثيق الهدف يمكن أن يؤسس لخطوة قادمة غدا يمنع البدء من الفراغ, فلم إذن لا يكتبون.





























الرسالة 42



سيدتي البعيدة
مولع أنا بالحياة تماما كولعي بك أو أن ولعي بك هو ولعي بالحياة وإلا فما الذي سيدفعني لكي أكون مولع بحياتي كفلسطيني إلا لان هناك ما يجعلها اقل قسوة أو اقل قبحا أو اقل ألما, كل ما حولي كفلسطيني هو عكس ذلك فالحياة هنا أكثر قبحا وأكثر إيلاما وأكثر قسوة إلا أنت وأنت بعيدة فلا خيار لدي سوى التمسك بك أكثر والسعي إليك أكثر لعلي أتمكن من دفعك للاقتراب أكثر.
في بلادنا يا حبيبتي يموت الرجال على الطرقات اليوم بيافطات عن الشهادة وتنزوي النساء بعيدا خجلات من إعلان الشوق للحياة ويتعلم الأطفال كيف يكذبون فلا يبكون لان البكاء ضعف والضعف للنساء حسب رأيهم البغيض فيكبر فينا الكذب أكثر بحق أنفسنا وننقسم نصفين, نصف حقيقي منزوي في الظلمة يمارس ذاته بعيدا عن الآخرين ونصف كاذب يتبختر منفوخا كالبالون أمام الآخرين إلى إن يجد فرصته لكي يتخلص من هواء النفخ الكاذب وذاك لا يكون إلا في الظلمة.
وتلك الحالة هي مرض عربي لا فلسطيني أصلا فكيف يا حبيبتي إذن يمكنني الانطلاق بذاتي علنا لعلني أوازي بين الذاتي الخاص والذاتي العام, كيف يمكنني أن اصرخ بما في على دوار المدينة الرئيسي أو في ساحاتها أو على بواباتها دون أن أخشى لوم الكاذبين الكثر من حولي.
مفعم أنا بالحب تماما كحالة حبة مشمش في قمة النضج قبيل القطاف فمن يقطفني عداك والناس منشغلون اليوم بالقتل والتآمر والتدمير, من سيقطفني أنا إن لم تكوني أنت فأنت وحدك لا تنشغلين بموت الآخرين كجيوش الأعداء, وحدك من لا تنشغلين بتعذيب الفلسطيني كالآخرين وحدك من لا تمارسين الحصار على غزة علنا وعلى الضفة ضمنا وعلى مخيمات لبنان بالتورية وحيث كان الفلسطيني باسمه العلني بالبطش أو التهميش أو الطرد أو بنظرة خفية من تحت طرف العين تظهر الهزأ والاستهتار وما إلى ذلك.
نحن فتحنا الطريق لهم ليفعلوا ذلك بنا علنا أو تورية أو سرا حين انشغلنا عن ذاتنا المجروحة من الآخر العدو بذاتنا الجارحة للذات بأدوات الذات فماذا كنا نتوقع إذن من الآخرين سوى الهزأ بنا وذلك اضعف الإيمان.
في الأوطان الفلسطينية المجزوءة على أيدينا والمحتلة على أيديهم باتت لدينا حتى الاهتمامات مختلفة, في الضفة الغربية المحاطة بالجدار الذي نحتار بتسميته إن كان جدار العزل أو الجدار العنصري أو جدار التهويد والضم والسرقة ننشغل اليوم بانتخابات البلديات وبقوائم الترشيح ولا احد يتحدث عن برنامج انتخابي وان فعل فان المسالة الوطنية والقومية ومواجهة الاحتلال هي آخر ما قد يخطر على بال أحد, في غزة ينشغلون بالحصار والأنفاق وانقطاع الكهرباء وشح الماء والدقيق, وفي القدس التي كانت على مر العصور عربية ينشغل سكانها اليوم بتذكر مظاهر عروبتها والبعض يوثق ذلك في الصور او على الورق معتقدا انه يدير معركة قومية ضد الصهيونية المنشغلة بتدمير ما نوثقه نحن على الورق عن وجه الأرض ليصبح لعمل أبطال التوثيق معنى, في الجليل والمثلث والنقب وحيفا ويافا وعكا أو في أراضي عام 1948 أو الأراضي المحتلة عام 1948 أو في أراضي داخل الخط الأخضر أو لدى فلسطينيو الخط الأخضر أو عرب إسرائيل أو سمهم ما شأت فلم يتفق العرب بعد حتى على تسميتهم لأننا نحن الفلسطينيين أنفسنا لم نجد لهم تسمية فقد أضعنا حتى حروف لغتنا فاحمدي الله يا حبيبتي أنني لا زلت املك بقايا حروف أخطها لك دون أن افقد بوصلة حبك حتى باللغة وهذا ضعف في إدراك شكل علاقتنا بأنفسنا وأرضنا وبوحدتنا لان ما يشغلهم في حيفا ليس عروبة القدس بل عروبة وادي النسناس, ليس الجدار بل أسماء مدنهم التي باتت عبرية بين ليلة وضحاها, ليس الأقصى بل يهودية تراب بوابات بيوتهم, وما يشغلهم في الشتات مختلف فهناك هم المهنة الممكنة وبطاقة المرور والجنسية البديلة والهروب من الجلد إلى عباءة الآخر لا حبا بالعباءة وصاحبها بل حبا بالانتقال من موت اللقمة المغموسة بدمنا حيثما ذهبنا.
أنت حبيبتي إذن رغما عن أنوفهم وأنا أخبئك بخوابي جدتي العتيقة حتى لا يطالك التهويد فيغيروا حروف اسمك مثلما فعلوا بالناصرة والقدس أو يتقاسموا معي أيام عشقك كما فعلوا في المسجد الإبراهيمي ووجدنا من يكافح في سبيل الإعلان أن الحرم الإبراهيمي للجميع, وحدي لن أتنازل عن عشقك أبدا فأنت لي ولي وحدي روحا وجسدا وشعارات الى الجميع عهر وسخافة وسير نحو التوهان والضياع والإضاعة فالحرم الإبراهيمي لنا كالقدس مسجدها وكنائسها وحتى الهياكل المزعومة إن صحت كذبتهم هي لنا فهم لا شيء لهم سوى الجريمة لأنهم صانعيها سوى الموت لأنهم من يجوبوا به بقاع الأرض, سوى الخراب على الأرض حيث كانوا وحيث يكونوا.






















الرسالة 43

سيدتي البعيدة:

أخبار صيفنا هذا العام حارقة فعلى بوابات ذكرى حزيران الهزيمة والعار حين التف كل العرب بنار أو عار الهزيمة وانخرسوا جميعا إلا من لاءاتهم التي لم يحترموها فيما بعد جاءتنا أنباء أسطول الحرية وصلف المحتلين في التعامل مع متضامنين عزل حتى من سكاكين المطابخ, بكل بساطة وعلى مرأى ومسمع وأكاد أقول بمشاركة انقضت طائرات المحتلين على سفن الغذاء والماء والدواء وعلى دم مجموعة طيبة من مثقفين وفنانين وصحفيين ونشطاء سلام ورجال دين ليقتلوا ويجرحوا ويعتقلوا من يشاءوا وليبقوا في سجونهم أو يطردوا من يشاءوا وادرك أن العالم الشعبي رفع صوته وهاج وماج وان بعض الرسميين استخدموا ذلك لرفع أرصدتهم الشعبية باستخدام ألفاظا لم يسبق استخدامها ضد المحتلين لكن أحدا لم يقدم أبدا على وقف العلاقة بقشة كبريت مع كيان الاحتلال ومؤسساته الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية بل والاجتماعية والثقافية.
لم يتغير شيء سوى حناجر الملايين إن جاز الرقم ولو من باب المبالغة خلف جنازات الضحايا الذين ذبحتهم علنا طائرات الاحتلال, لم يطرد حتى عامل مطبخ من أية عاصمة عربية تبيع سلعة القومية في خطابها اللفظي وتبيع إسرائيل وأمريكا الأرض والناس ولم يقم من قبره السلطان عبد الحميد ليؤنب سائحا إسرائيليا على أبواب اسطنبول أو يطلب منه التريث حتى تنتهي أيام الحداد, كما نحن لا زلنا, وكل الفرق أن اللغة اختلفت لدى البعض وذلك من باب تنفيس غضب الشارع الذي بت اشك حتى به انه غضب حقيقي.
كل شيء تغير فنحن أمام عالم جديد ولا وقت لدينا للكفاح فمتى سأشارك في معركة التحرير وأين, وغزة مثخنة الجراح والخبز بعيد, فمن أين نطلق الرصاص وبأية اكف يائسة من قدرة الكف الأخرى على المشاركة حين ينطح المخرز الكف الأولى.
موشك على الإحباط أو محبط لان ايرلندا قررت إرسال سفينة أخرى في ذكرى راشيل كوري ولم تقرر تركيا إحياء ذكرى أربعين الشهداء على أبواب غزة, ونحن لم نعد نحيي ذكرى جول جمال أو عبد المنعم رياض أو شهداء قانا أو شهداء رفح وجنين وبحر البقر ودير ياسين إلا من باب الاحتفال وذكرى الكبة تكاد تتحول إلى احتفالات فرح مزينة بألوان وألوان ويافطات ويافطات حتى باتت مصدر استرزاق للبعض لا ذكرى كفاح, موشك على الإحباط أو أنا كذلك لأنك حتى أنت لم تشاركي بمسيرة الحرية, لم تحاولي الاقتراب مني فكيف بربك سنصل وتصل غزة وتصل القدس ويعود الحاج محمود إلى يافا إن ظل في العمر بقية أو إن كان لا زال الحاج محمود حيا أصلا على بوابات شاتيلا فقد ودعته هناك قبل أن تشتعل لبنان لتصبح لا لبنانية وقبل أن تضيع قوائم الأسماء والأرقام وبطاقات البشر بين قطع اللحم المشوي دون أن نسال ولو مرة من فعل ذلك عدا شارون أو إلى جانب شارون.
امة عجيبة نحن يا حبيبتي نحب من يكرهنا أو يبتعد عنا أو يجلدنا, وكأننا مرضى نتلذذ بعذاب جلادينا ونعشقهم وأكاد اصدق ذلك وإلا ما الذي افعله أنا بتركي لكل نساء الأرض المعروفات والسعي خلف سرابك إلا لأنك تعذبيني أو لأنني اضعف من أن أرد نظرة امرأة جميلة بمثلها أو لأنني ككل التافهين اعتقد أن من تلقي لي بالتحية لا تستحق التحية لأنها موجودة أصلا فلا بد إذن من تلك التي هناك لم تأت بعد ولست أبدا هنا أشبه الشاعر ناظم حكمت التركي بدون السلطان عبد الحميد وهو يقول أجمل البحار ذاك الذي لم نزره بعد وأجمل النساء أنت لأنك لم تأت بعد.
مرضى إذن نتلذذ بعذاب ذاتنا من أعداءنا ونعشق دور الضحية أو لا نتقن دورا سواه فلدور البطل استحقاق قد لا نستطيع الوفاء به مع أننا نكثر من استخدامه لوصف من غادرونا فقط ولا نقبل بان يحمل هذا اللقب رجل حي أيا كان فلا أبطال في أوساطنا لأننا نكره البطولة ولا نقبل بها ونحاربها ولا نقبل بالنجاح ونحاربه فللنجاح أيضا استحقاقات قد لا نستطيع الوفاء بها ولان الفشل والبكاء واستجداء الغير دور سهل لذا نلجأ إليه لا لغيره لتبرير عجزنا المشين ونسعى العمر بحثا عمن يركبنا بعد أن كنا يوما امة الأمم.
حبيبتي:
أيتها الأنثى بكل المعايير التي احلم بها تماما كتلك المعايير التي احلم بها لان تعود يوما امة الأمم, ولا أكثر من حلم, فخارج الحلم فعل ونحن تنازلنا عن دور الفاعل منذ أمد بعيد لصالح أيا كان عدانا, ترى يا رائعتي هل تعتقدين انك يوما ستاتين أو أن امة الحلم ستأتي لأنني اكتب لك أو لأننا نغني ونحلم بعودة الأمة, أيكفي الحلم وتكفي رسائل البعد هذه؟؟؟.


























الرسالة 44

سيدتي البعيدة
اعتذر لانقطاعي عنك وعذري هي حالة الِفوضى التي تلفني من كل الجهات, ليس لها علاقة بفوضى الحواس بل فوضى التاريخ الذي عشناه مقتنعين أننا قادرين على فعل التغيير بأصواتنا الباهتة المختبئة في أدراج مكاتبنا خجلا من الشمس, إلى أن جاء الشباب الجدد في تونس والقاهرة وصنعاء, شباب الأحياء الشعبية, شباب بوعزيزي ليقولوا لنا أن كل كلامكم وأقلامكم كانت فوضى لحواسكم انتم ولم تنتمي لحواسنا, شباب القاهرة الذين أضاءوا ميدان التحرير بعيونهم في سبيل الحرية ليجدوا في غفلة منهم واحدا ممن فرأوا لهم وهو يكتب عن أحلامهم, وجدوه يقفز من بوابات ميدان التحرير إلى كرسي الوزارة, جابر عصفور المثقف والكاتب والأستاذ الجامعي الذي بشر بهذا اليوم لم ينتظر ولو ساعات ليرى أحلامه على الأرض وكأنه خشي أن يقفز لمقعد وزارة الثقافة شاب من حواري القاهرة الفقيرة بدلا عنه وكان أمثاله فقط من يستحقون المناصب والألقاب, جابر عصفور يا حبيبتي لم يرد الذهاب في مشوار التغيير حتى النهاية خشية أن يطاله التغيير شخصيا بعد أن يئس شبابنا الجديد من فكر الكذب المنمق بعيدا عن حياتهم بعد أن صنع الفقر والجوع والبطالة مثقفين من نوع جديد.
وعلى البوابة الأخرى لفوضاي كانت قامة مضيئة هذه المرة هي قامة الكاتب والمناضل سالم النحاس العماني ابن مادبا والأردني ابن فلسطين أو الفلسطيني ابن الأردن يلتقي الأرض صاعدة لقامته لتلفه عشقا به مرة أخرى ليعود منزرعا بها على لون الشيح وبطعم الدفء في الأغوار, قامة من قامات أعمدة جرش وقلعة تشبه الربض مشيدة على طراز القرن الواحد والعشرين, غادر سالم النحاس الأرض التي أحب واقفا بلا قدمين بعد أن عاش المرض طويلا ولم يقفز من العربة التي آمن بها, غادر سالم النحاس محمولا بالحب من عمان إلى مأدبا ليفتح لها بوابتها الخامسة باسمه كما أراد لها أن تكون, غادر الجميل سالم النخاس ملعبه الذي عشق وأنا يلفني الحزن لأنني كنت على موعد معه أجلته منذ عام, غادر بعد أن قلت له في مكالمتي الاخيره:
- اعذرني يا صديقي فلقمة الخبز تمنعني من المغادرة.
ولعنت العمل الذي منعني من أن القي على صديقي تحية الوداع, لقمة الخبز التي حالت بيني وبينه لسنة كاملة وهي نفسها لقمة الخبز التي فجرت طاقات تونس ومصر العظيمة.
حالتان يا حبيبتي الأولى قفزت على كفاح الفقراء والجائعين إلى مقعد الوزارة والأخرى فرحت حتى الموت بما رأته فقررت أن تغادر خشية أن تصحو من الحلم لترى أمثال جابر عصفور يفعلون ما فعل, حالتان وشتان بينهما رغم أن كلاهما عاش حالة خوف من الغد, خوف جابر الذاتي قاده لقطف ثمار جوع الناس وكفاحهم وخوف سالم الذي قاده لقبول دعوة الأرض للانزراع بها خشية أن يدعوه أطفال القاهرة لمشاركتهم الأناشيد في ميدان التحرير وهو غير قادر على تلبية النداء والسفر إلى هناك وقامتيه لا تقويان على الوقوف بسبب المرض باحثة عن فرصة لزرع نخاع لجسد ذوى وهو يناضل فعلا لا قولا رغم انه كان سيدا للكلمة الحرة التي أحب وعزف على تقاسيمها نحتا, بالأكف لا مرورا على أوتار.
حالتان يا حبيبتي مات بها جابر حيا وعاش بها سالم مزروعا بتراب مادبا الدافئ تماما كما هو بعيون العمانيين والعمانيات حيا منيرا كما سيبقى نور ما قاله على الورق ولم يتبرأ منه في الحياة.
حبيبتي
تدرين كنت قلت لسالم في رسالة منشورة قي صحيفة الأهالي الأردنية التي كان رئيسا لتحريرها وهو يتلقى العلاج في ألمانيا قلت له:
تعال يا سالم لا تتأخر فصبايا عمان ينتظرنك لتورق حبا على حيطانها العتيقة, تعال فحواري عمان تخشى إن غبت أن تنسى فعل الحب ولغته, تعال لأننا ننتظرك.
وها أنا اليوم اجلس على كرسي بعيد اكتب له مودعا وقد كنت احلم أن احتضنه لنندب معا حال الأمة وما آلت إليه أحلامنا والإحباط الذي أصابنا بسبب الحال المزري للأحزاب والحركات السياسية, واليوم قبل أن يقرر معاودة الانزراع في الأرض, تأكد سالم أن الناس البسطاء أقوى واكبر من كل من ادعى انه يمثلهم, بسطاء الناس, شبانا وشيوخا, نساء ورجالا من أبناء الحواري الفقيرة اقدر على صياغة الغد ونسج خيوطه من دمهم فعلا لا من بيانات صفراء يرسمها كتبة منهكين من عفن الغرف المغلقة.
سالم الذي كنت اهمس له سرا بحبي لك وهو من القلائل الذي يعرفك تماما كما أعرفك هنا كان دائم السؤال عنك وكلما التقينا كان يسألني
هل التقيت حبيبتك النائية يا عدنان
هل التقيت نائيتك... رائعتك



#عدنان_الصباح (هاشتاغ)       ADNAN_ALSABBAH#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنهاء الاحتلال المشروع الوطني الفلسطيني الوحيد
- الحداثة في التفكير السياسي الفلسطيني
- العلمانية عند العرب...من الاصالة الى البؤس
- جتمعة الفرد ... فلسفة بناء الذات من خلال الآخر
- بلستاين داي
- من شحيبر الى دولة رئيس الوزراء
- فذكر ان نفعت الذكرى
- في مواجهة العنصرية
- الحرية للسريين معا
- وحدة فتح ... مهمة كل الفلسطينيين
- الاعلان اليساري مقدمات ضرورية
- التاسع من كانون الثاني - ميلاد دويلات فلسطين
- الى اليسار در
- وحدة اليسار فلسطينيا ( رواية بلا نص )
- نحو اداة تنظيمية جديدة
- بصدد ما ينبغي تعلمه - دراسة لتجربة الطبقة العاملة الفلسطينية
- ليس لنا ما نسوقه
- نحن أسياد المؤقت
- غياب الرئيس عباس ضرورة اسرائيلية
- من يكره غزة يكره نفسه


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان الصباح - رسائل فلسطيني الى امراة نائية