أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - الشبيط...الشوك الدامي-الفصل الثالث















المزيد.....



الشبيط...الشوك الدامي-الفصل الثالث


أنور مكسيموس

الحوار المتمدن-العدد: 3433 - 2011 / 7 / 21 - 21:16
المحور: الادب والفن
    


هبط الليل, فوق تلك البلدة, الرابضة على الضفة الغربية للنيل…
وهو ليل طويل وثقيل, يجثم فوق الصدور…
فكلما تأخر الوقت, وازداد هبوط الليل, أصبحت حواري ودروب تلك البلدة, أكثر خطورة.
ولذلك من المعتاد, أن ترى الأهالي, يهرولون أكثر فاكثر, كلما هرولت الشمس الى المغيب, هاربين الى بيوتهم جنيا للسلامة من أي سوء.
فتخف الأقدام رويدا, رويدا, حتى أنه من النادر أن تجد سائر أو عابر في تلك الطرقات والدروب الضيقة…
ومع هبوط الليل, وندرة السائرين والعابرين, تبدأ كلاب تلك الناحية, في التجمع والنباح والجري, خلف كل سائر, يدخل مناطق نفوذها, حتى لو كان من أهل تلك الناحية, إظهارا لسطوتها ونفوذها!.
يساعدها في ذلك حلكة الظلام, إلا من بعض الأضواء الخافتة المتراقصة, من شقوق النوافذ الخشبية البدائية, والمنبعثة من فتائل الزيت أو الكيروسين…
ويزداد الليل سوادا, عندما يخفت القمر. في ذلك الوقت, لا تكون الكلاب الضالة, هي المصدر الوحيد للخوف.
لكن!… قد تكون هناك "سلعوة"… أو ذئب مغامر, دخل البلدة متسللا في هدوء, وسكن بين الزراعات, في انتظار هبوط الليل, لينسل الى داخل تلك الدروب التي تمتلئ أيضا بكل هوام الأراضي من ثعابين شاردة, وعقارب لداغة و…وخصوصا عندما,يتحد لهيب الجو القائظ, مع الظلمة الحالكة…
وهناك أيضا الأخيلة التي تلبست الرؤوس والأدمغة, مثل العفاريت والمردة, التي تفترش الأراضي, وتطارد السائرين الخائفين أو السائرين بمفردهم, وتنتظر أن يزل أحدهم أو يسقط, فتتلبسه وتخبل عقله وحياته!.
وهناك, وليس أخر, تلك الذئاب البشرية, التى تنبح لها كلاب الدور, والكلاب الضالة, نباحا شديدا ومتواصلا, كما لو كانت, تنبح على الذئاب المغامرة!.
فقد هبط الليل, وهبط معه, خمسة رجال من طوارق الجبال. وانسلوا الى داخل البلدة, عبر دروبها الضيقة, بعيدا عن طريق "الغرزة", الوحيدة والموجودة على أول الدرب, والتي لا يرتادها, إلا قلة من سكان تلك البلدة, وبعض الغفر, وجنود المركز, لشرب الشاي, وقطع الوقت, بالحديث, ولعب "السيجة".
طرق زعيمهم, باب همام الزرايبى, طرقا خفيفا متواصلا, بينما وقف بقية الرجال, يتلفتون ويراقبون ما حولهم…
كانت سيدة, قد استشعرت من نباح الكلاب, بوجود أغراب نزلوا البلدة, أو قد يكون هناك عفريت أو جن, يتجول بين دروبها, ورأته الكلاب فنبحت عليه, فمن المعروف بين أهل الصعيد أن الكلاب تستشعر أو ترى العفاريت!…
لكنها تيقنت من الطارق, فدفعت زوجها دفعا ليقوم: قم لترى من بالباب!…لابد أنه هلال الديب…
والله! لقد شعرت بنزوله البلدة من نباح الكلاب هذا النباح الغريب!…ثم ماذا بعد؟!…كلما نزل البلدة, يهبط علينا, كأنه ليس له أحد غيرنا!…
قام همام, وهو يستعيذ, ويطلب الستر, كلما هبط عليه هلال, وتناهى إليه صوته الضخم الآمر: افتح يا "واد" يا همام!.
فتح همام الباب, ودلف الى داخل الدار أربعة رجال, وبقى واحد بالخارج.
جلس هذا الأخير على عتبة الدار, يتشمم الطريق ويتحسسه, كأنه أحد كلاب الحراسة أو الصيد, واخذ يدخن, ولكن أذنه تتسمع خطوات الأقدام, ونباح الكلاب, أو جريها من مكان لآخر!…
فهكذا قد تعلم وبرع ذلك الجالس خارج الدار. هناك النباح على شخص, غير النباح على مجموعة أشخاص, غير النباح لمجرد النباح, أو النباح ردا على نباح من نفس المجموعة أو للرد على مجموعة أخرى بعيدة لإظهار قوتها ونفوذها وإرهاب الآخرين.
ففي النباح على شخص واحد يكون النباح, متواصلا وهجوميا, وتستطيع أن تسمع أقدامها وهي تجري بسرعة فائقة, ثم تقف فجأة لتنقض, أو لتتراجع قليلا.
أما النباح على مجموعة أشخاص, فهو نباح متقطع, وفيه تقترب الكلاب قليلا, ثم تبتعد متراجعة, أو هاربة أمامهم, مع صراخ أحدهم بين الحين والحين…
قام همام يرحب بضيوفه, نزلاء الليل, وهو مطأطأ الرأس كعادته, فهو لا يخشاهم, لأنهم كثيرا ما ينزلون بداره, ولأن لهلال صلة قرابة بهمام. لكنه يكرهم, لأنهم ضيوف ثقال, رذلاء, يكلفونه عشاء وشايا كثيرا, وسهرا حتى الفجر.
لكن همام, كعادته, لم يشأ أن يترك فرصة إلا واستفاد منها, فكلما هبطوا عليه, أظهر لهم مدى خوفه عليهم وعلى نفسه, من هبوط الحكومة فجأة علي بيته, ومدى الخطورة والتعب الذي يتحمله من أجلهم, وقد ترك أمره واتكاله على الستار, الساتر عليه وعليهم.
وهو بذلك لا يعفيهم من المكافأة, في أخر الزيارة.
وقد طمأن هلال الديب همام,بأن وضع في أذنه, انه لا قدر الله, إن هبطت عليهم الحكومة, ,وهربوا أو وقعوا في قبضتها, فعليه إن يقول لهم: هبطوا بالقوة, و رغما عنى. وقد سر همام بذلك, فقد جمع بين الأمان والأمانة والمكافئة آخر الأمر.
ولهلال الديب عيونه, داخل قسم الشرطة " المركز", وهو يستطيع أن يعلم حتى وهو في الجبل, ماذا يدبر وماذا يدور داخل المركز, ويستطيع أن يعلم, مصدر الإخبارية إن كانت ضده!…
وقد تعلم هلال بالفطرة ومن كبير المطاريد, لمن يكون الإرهاب, ولمن تكون الإرهاب والرشوة . وقد وعى همام وأهل البلدة, كيف يكونوا أمناء…
و لهذا,كثيرا ما فشلت حملات الشرطة, لخروج الأخبار والتوقعات, للخارجين على القانون, وسط دهشة واستغراب المسؤولين, وحديث الأهالي المشوب بالإعجاب بهؤلاء المطاريد لدرجة رغبتهم المشاركة والمساعدة كلما طلب منهم ذلك!…
قام النزلاء باتخاذ أماكنهم في الجلوس, وهمام مشغول بين الترحيب بهم, وبين طلباتهم.
فهو يقوم ليطلب من سيدة إعداد الشاي, وأخذ ما يصلح لإشعال "الجوزة" من الموقد, وهو في كل ذلك, وفي كل وقت كلما مر عليهم, وقبل أن يجلس, يقول: أهلا, اهلا يا هلال يا أخي... يا مرحب يا رجالة!…
والشاي الثقيل و"المعسل" أدواتهم المهمة التي تجعلهم في أعلى يقظة وانتباه, حتى لا يغفوا أو يسترخوا, فتفاجئهم الحكومة!…
يا ولد يا حجاج!…هل أنهيت العشاء. هكذا صاح همام بزوجته لإظهار سطوته, ومدى اهتمامه بضيوفه…
قرب الطعام أن يطيب…حاضر!, هكذا ردت عليه سيدة!.
عاد همام ليصيح بها: اعملي شاي!…
كانت أم حجاج تعلم المطلوب منها مسبقا, فهذه ليست المرة الأولى. فسبقت أن أيقظت ولدها حجاج, وشدته شدا من فوق الحصيرة القديمة, الموضوعة على المصطبة الطين, حتى أوقفته على قدميه, ليساعدها في تجهيز العشاء!.
كانت قد أمرته أن يمسك لها دجاجتين " فروجتين", ويذبحهما معها, وهي تندب حظها و "تدعي" على الزوار: حار ونار في "جتتهم"…هذه معارف وأصحاب أبيك!.
شرب زائري الليالي السوداء الشاي مرة بعد مرة, شايا ثقيلا أسودا مركزا, وقد أعطى هلال الديب, لكل رجل من رجالاته مجموعة من الأسماء, ليذهب ويحضر ما أمر به. أسماء لأعيان ووجهاء وتجار ومزارعين وغيرهم كثيرون من أهل تلك البلدة الفقيرة.
لكنه أمرهم بالانتظار حتى يتم العشاء, ويكون خروجهم إيذانا بقرب انتهاء الزيارة, وذلك قبيل الفجر!…
فهم يذهبون لإحضار نقود, أو ذخيرة, أو قطعة سلاح, وغير ذلك من احتياجات أخرى مثل التموين, وخلافه…
وبرغم أن هذه الأشياء تصلهم في مكمنهم في الجبل, إلا أن نزولهم بين الحين والحين, ضرورة. حيث أنه توجد أشياء وجب عليهم جبايتها بأنفسهم, كما أن تلك الزيارات تؤكد وجودهم المرهوب والدائم, لمن تسول له نفسه, الخروج على الطاعة أو إظهار أي تمرد!.
ويحرص جميع المتعاملين معهم, على حفظ تلك العلاقة, والتي تعتبر بمثابة عقد أمان وخدمات, يمكن طلبها منهم في المستقبل. فهم الى جانب أنهم يقتلون من يقف ضدهم, أو يرشد عنهم, يقتلون بالأجر لمن "يكريهم", و أحيانا يقتلون إعزازا وإكراما لخاطر لشخص ما!…
انتهى العشاء, وشرب الجميع الشاي مرة بعد مرة, وحان وقت خروج كل قاطع طريق الى وجهته, فقام كل منهم وذهب كما أمره هلال, حيث بقى هو مع همام يتبادلان تدخين "الجوزة"…
قال همام وهو يتجاذب أطراف الحديث مع هلال:
قبل سابق, وجدوا جثة لفتاة, يا "بوي"!... مليحة قوي, قوي يا هلال يا "خوي"…كانت عائمة على وجه النيل, والطبيب الشرعي قرر تشريحها على الشط!…
-وهل عرفوا من تكون, ومن هم أهلها؟!.
-لا أحد يعرف, فقد جرفها الفيضان والمياه العفية, الى بلدتنا…
-لابد أنها إحدى الساقطات, وقد فعل حسنا من قتلها…
-وكيف هو هلال الديب الصغير؟…
تمهل هلال قليلا وهو يتفحص همام, حتى أخافه قبل أن يجيب: عال, نعمة وفضل من المولى عز وجل…
كانت نظرات هلال, وكلامه المتباطئ, بمثابة تحذير أسود وقاتل لمن يدخل في تلك المنطقة, من الحديث, أو المعرفة.
فلا أحد يعرف على وجه الخصوص, أين تكون زوجته وولديه, في أي بلدة أو كفر أو نجع. فهو يزورهم كل أسبوعين أو ثلاثة, يمدهم بالمال, ويروي ظمأ المرأة المشتاقة إليه, والتي لم تعد, ترى في الرجال من يعادل زوجها, الذي تخافه وترهبه هي وكل أهل بلاد تلك المديرية من صعيد مصر!.
كان هلال قد قام بنقل زوجته, وولده الوحيد, قبل أن تنجب له الولد الثاني, الى أطراف نجع في البلدة المجاورة, قرب الجبل, بعيدا عن العيون. وقد ساعده في ذلك أحد كبار العائلات المشهورة في ذلك المركز, والتي يتبعها النجع!. وقد رد هلال الجميل, بأن قتل أحد خصوم هذا الكبير!.
وبذلك تحاشى هذا الكبير مسلسل الثأر الذي يمكن أن ينشأ بين العائلتين. وفي هذا حكمة, حيث لا يوجد ثأر بين الأهالي و المطاريد.
حتى وان عرف الطرف الأخر قريب القتيل, بضلوع هذا أو ذلك في الأمر, فانه لن يجرؤ على الأخذ بالثأر لأن ذلك سوف يعتبر تحديا لكبير المطاريد, وعواقبه وخيمة, وليس لها حدود.
ولا يجرؤ هذا الطرف الآخر ايضا على تأجير المطاريد لقتل الخصم لصالح ولى الدم, فالمطاريد لا ينتقلون بين الخصوم إلا في حالة انعدام الصلة بينهم وبين الخصمين؟!…
أفاق هلال من شروده, على ارتفاع صوت نباح الكلاب, واقترابها من بيت همام, لقد بدأ توارد المطاريد…
اكتملت زمرة المطاريد مرة أخرى, وتسلم هلال ما أحضروه من نقود, وتفحص قطعتي سلاح, والذخيرة التي أحضرها حمدان الضبع, ونظر أيضا فيما أحضروه من تموين, وخصوصا, الدخان والمخدرات, حيث لا يشرب الخمرة إلا القليل منهم, لأنها حرام !.
هم هلال بالانصراف, قبل أن يثير قلق بقية الرجال في الجبل, فيهبطون دون ترتيب وقد يكون في ذلك مشكلة كبيرة بالنسبة للجميع.
ألقى هلال في يد همام, بقطعة واحدة من فئة النصف ريال, وانصرفوا على عجل وفي حذر!.
أخذ همام العشرة قروش, ودسها سريعا في جيب صديريته, بين السرور والتبرم, وأخذ طريقه نحوسريره المصنوع من الجريد لينام أو يغفو قليلا, حيث ظهرت فجأة أمامه زوجته تراقبه, وهي متفكرة.
لم تعرف سيدة بأمر النقود, التي يعطيها هلال لهمام, ولذلك فهي ترى أن زيارة هؤلاء المطاريد مكلفة وليس من ورائها طائل.
بادرته قائلة: هل نحن قادرون على الصرف على هؤلاء, كلما أتوا الى البلدة؟!…ألا يبحثون لهم عن مأوى آخر غيرنا؟…من أين نأتي لهم بكل هذه المصاريف كلما نزلوا البلدة؟!…
استدار لها همام, بوجهه الغضوب, ونظر إليها مليا, فهي لا تعرف شيئا, ولا تعرف قيمة صداقة المطاريد, فهناك أشياء أخرى اكثر أهمية من النقود.
إستشعرت سيدة, ما يمكن أن يحدث لها, عندما أطال همام نظرته الوعرة لها, فآثرت السلامة, ومع التعب والإرهاق, قررت الذهاب في النوم؟!…
*******
عاد بلال الى بيت عبد الرحمن بك, بعد أن أوصله مكتبه, لاجتماع مفاجئ مع الباشا.
دخل الفيلا, وصعد السلالم, حتى وصل الى مدخل صالة الاستقبال, وألمح بوجوده, للسيدة فريدة, زوجة عبد الرحمن بك وهو يبالغ في تصنع الأدب, ويعرض خدماته. شكرته السيدة فريدة وصرفته في رفق, كي يتابع العمال والفلاحين, بالفيلا…
عرج بلال, على همام الزرايبى, وألقى إليه بتحيته المعتادة: عامل آيه يا واد يا همام!...
-بخير يا بلال أفندي…
-هل أنهيت تنظيف الحظائر؟.
-كله تمام يا بلال أفندي. ثم تمالك نفسه وهو يقول لبلال:
-الست أم حجاج, عامله عشاء الليلة, وقد أقسمت علي, أن تأتي لتتعشى معنا…
قالها وهو يكاد يبصق على بلال, هذا الذي يمكن أن تكون بيده, مفاتيح الرزق والخير, وهو يردد في داخله: دنيا حظوظ, غبي ونطع…
وقعت الكلمات موقعا مريحا, في نفس بلال, وشرد بعيدا, وهو يتنفس بعمق…لقد أصبح الأمل قريبا, وهذا الخروف يحمل له الخبر بنفسه, والمرأة التي تلد الذكور, أفضل من تلك التي تنجب الإناث…
كان همام يرقب بلال, وهو يشرد ويتفكر, دون أن يلحظه, ثم أكمل, قبل أن يجيبه بلال, وهو يقول: سوف ننتظرك…لن نتعشى إلا عندما تحضر…أم حجاج سوف تمنع عني المصروف اليومي…قالها وهو يتغامز ويضحك ليؤكد لبلال, وجوده الجنسي في حياة زوجته…
نظر بلال, الى هذه الكتلة المتربة, المتعفنة, التى تمتلئ برائحة الروث, والنفايات, وقارن بين هذا وشخصه…جلباب نظيف, ويد نظيفة تمسك عصا…فكيف لامرأة ما, زوجة لمثل هذه النفاية أن ترفضه؟!…ومن أين له المصروف اليومي, وهو الذي يأكل "البتاوة" بالجبن القديمة, أو "بصير الملوحة", ولم يأكل من فيض خرج بيت عبد الرحمن بك!…
-حاضر يا همام…لو سمحت الظروف!…
قالها وهو يعلم, أنه سوف يذهب…وهمام يشدد في طلبه وهو يعلم أنه سوف يأتي… كلاهما يقول غير ما يبطن, ويخفي نواياه!…ويتخابث على الأخر…
سوف يذهب بلال ويتعشى, ويوفر, ويصل الود الذي يطمح إليه, مع سيدة زوجة تلك النفاية. لكن!... سيدته فريدة-زوجة عبد الرحمن بك- حلما بعيد المنال, ولكنه ليس مستحيلا, لقد رأى أفلاما مصرية, داعبت أحلامه مثل كل فقراء القطر المصري, وجعلت المستحيل ممكن, وواقع.
لكنه, لا يستطيع أن يخطو خطوة واحدة الى الأمام, لأن السيدة فريدة تعامله كسيدته, وهي تعلم, أن التبسط مع العمال, لا تحمد عقباه, فهم كسالى وخبثاء…هكذا أفهمها عبد الرحمن بك المفتش, زوجها!.
أعاد همام على مسامع بلال: سوف تأتي إن شاء الله, وسوف ننتظرك…
قالها هذه المرة بلغة التأكيد, والتأكد. وقد سر بلال بهذا الإصرار على الحضور…
ترك بلال همام, وذهب لبقية شؤونه مع باقي عمال الفيلا…ثم عرج مرة أخرى على السيدة فريدة,ليستأذنها في الانصراف, ليلحق بعبد الرحمن بك.
تناهى إليه صوت زوجته, أم نحمده وهو يصعد بضعة سلالم ,حتى وصل الى باب مدخل القاعة, ليجد زوجته جالسة على الأرض, في مواجهة الباب. فلم يكن من المسموح به, دخولها أكثر من ذلك, الى داخل القاعة…
اعتدلت في جلستها, عندما لمحته, ووضعت شالها على رأسها, كأنه رجل غريب, أو كأنها تحتشم بدلا من فريدة هانم, التي بادرتها متسائلة: من بالباب؟‍…
-أبو نحمده…زوجي…قالتها وهي تبتسم في خجل.
ودون أن تراه, سألته السيدة فريدة: هل تريد شيئا يا بلال؟‍…
تقدم بلال بضع خطوات أخر, حتى يبدو واضحا أما السيدة فريدة وهو محني الرأس, في أدب جم, وخجل زائد, ثم أجاب:
-لا يا ست هانم, أردت فقط الاستئذان للذهاب الى البك, فان أردت شيئا تبلغيه, أو أردت شيئا أحضره لك, فأنا تحت أمرك…
أجابته السيدة فريدة:
زوجتك عندي, ولو أردت شيئا, سوف أطلبه منها…إنها تسليني بعض الشيء, زوجتك دمها خفيف…من ساعة ما جاءت وفي لسانها مائة واحدة تتكلم…أنا غير قادرة على فهم لغتكم المضحكة هذه…
ابتهج بلال, أن السيدة فريدة مسرورة بوجود زوجته, التي سوف تخبر زوجها عما أضحكها كثيرا مما تقوله وعما تحكيه, أم نحمده, فيصبح بلال أكثر قربا من البك.
صدق بلال على كلام فريدة هانم, وهو يزيد على صفات زوجته المضحكة, وينعتها بصفات, تجعل الهانم وابنتها يغرقان في الضحك…
أمرته فريدة هانم , بالإسراع الى عبد الرحمن بك, فانصرف مسرورا, وهو يرفع يديه ووهو ممسك بعصاه تحت إبطه, عدة مرات, ولم ينسى-بعد أن استأذن السيدة فريدة- أن يأمر زوجته بالا تتأخر لحظة, عن أي شئ تطلبه الهانم, وقد أقسم بعدم دخولها المنزل إن هي قصرت في شئ…
بقيت أم نحمده, تحت قدمي فريدة هانم, تحكي لها أخبار البلد, وما يحدث فيها, وماذا حدث من أزمنة قديمة, حضرتها وهي طفلة, أو حضرت أحداثها جداتها وجدودها, ولا زالت تلعب دور الاراجوز, وتنتقص من نفسها, ومن زوجها في الكثير من حديثها مع الهانم, حتى تزيد من سرورها, وسرور ابنتها سوسن…
قامت أم نحمده, لتنظف ما هو نظيف, وترتب ما هو مرتب, وهي تسمع بين الحين والحين, السيدة فريدة تقول لها وهي تضحك: اتركي هذا كما هو…دعي ذلك فهو نظيف…
ثم عادت مرة أخرى, لتجلس تحت قدمي السيدة فريدة تسامرها, وتدعو للهانم الصغيرة…
وتحدثت عن فقراء البلدة, وأحوالهم, وكيف أنها كثيرا ما تتصدق عليهم بالرغم من كثرة خبثهم, لكنها على رأي المثل القائل, اعمل الخير وارمه البحر…
ثم انسابت في حديثها عن أم حجاج, والفقر الذي يعيشونه, وأنها كثير ما تجود عليهم بالطعام والملابس والنقود…
صمتت قليلا, كمن تأثرت بما حكته, عن عائلة همام وزوجته المسكينة, ثم أردفت تقول بلهجة التمني: يا ليت يا ست هانم, تكلمي البك, بخصوص ولد سيدة, ليعمل أي عمل, وخصوصا انه الآن, موسم جمع القصب, والعمل ليل نهار بمصنع قصب السكر …يعمل أي شيء, في أي مكان…
تأملتها السيدة فريدة, وعجبت لهذا التناقض, لكنها فسرت ذلك, بأن أم نحمده ربما تريد تزويج إحدى بناتها من ولدها, وسألتها ضاحكة: هل تريدين تزويجه إحدى بناتك؟!.
انتبهت أم نحمده كمن لسعها عقرب, ونفت ذلك بشدة وهي تقسم أغلظ الأيمان: وهل يرضى "أبو نحمده", نحن لا نعرف لهم أصل, وهم أصلا لا يجرؤن التفكير... مجرد التفكير بذلك…
-ولماذا تلحين في الطلب؟!…سألتها السيدة فريدة في ابتسامة هادئة.
-حالهم "يصعب" على الكافر يا ست هانم.
رأت السيدة فريدة, أنه طلب صغير, وأنه لا يستحق أكثر من كلمة عابرة منها لزوجها فأسكتتها, وهي تقول: حاضر سوف أكلم البك, ودعي بلال يذكره بالاسم…
انصرفت أم نحمده, عائدة الى بيتها, وقد أحست فعلا بأنها, يمكن أن تكون كبيرة نساء البلدة, وعندما تحضر سيدة, سوف تتحدث معها بعدم اهتمام, وتقول لها:
"خلاص", سوف يعمل ابنك في التفتيش, عند البك عبد الرحمن, لقد تحدثت مع السيدة فريدة, زوجة البك, في أمر اشتغال الولد العويل هذا, عله يبيض وجهها…
*******
عاد بلال الى منزله ليستريح قليلا, ثم يذهب للعشاء في بيت همام الزرايبى.
استيقظ, وهم بارتداء ملابسه, وبينما هو يستعد للخروج فاتحته زوجته, وكأنها لا تهتم: .زوجة همام كانت هنا!!…
-ماذا تريد؟… ولماذا حضرت؟!…ألم أقل لك, أنني لا أريد لهذه المرأة, أن تأتي كثيرا هنا؟…
-أنت تعرف أنها امرأة "رذلة ولحوحة", وتريد أن تجد لولدها عمل في موسم العصير, ألا تريحني من هذا الصداع, وتجد له أي عمل, ولو مؤقت؟!…
اهتاج عليها وهو يصرخ في وجهها: يبقى همام وابنه…"مره عويلة"…ثم تركها وانصرف, دون أن تعرف الى أين يمضي!…
حدث من قبل أن سألته الى أين يذهب, أو من أين أتى, وفي كل مرة يهتاج عليها, وبشدة وصلت الى حد الاهانة, والضرب, فامتنعت عن سؤاله, واصبح أمر خروجه ودخوله, وضعا لا يقبل السؤال أو الاستفسار, وخصوصا أنها أم لخمس بنات, وليس لها ولد, يكرمها في عينيه, يرث اسمه, ويمنع ثروته من أن يرثها قريب!…
وصل بلال لبيت همام, ونزل من على حمارته, والهب الباب بعصاه, في خيلاء, ففتح له همام الباب, بوجهه الدائم التجهم, ورائحته التي تزكم الأنوف.
رحب ببلال وهو يرفع يده فوق رأسه, ويلتقط له الصور بنظراته خلسة: أهلا…أهلا يا بلال أفندي…يا ألف مرحب!…
دخل بلال, ومعه الحماره, وعينيه تجول في كل مكان…
كان حجاج ملقى على المصطبة نائم, ورائحة الطيور فوق الموقد, تملأ أرجاء المكان…
مسحت سيدة يدها, في قطعة القماش, التي تستخدمها في رفع الأواني, من فوق الموقد, وذلك قبل أن تذهب, وتسلم على بلال, وترحب به أشد ترحيب…
أمسكت سيدة بيد حجاج, وسحبته وهو نائم من فوق المصطبة الخارجية, كي يجلس ضيفها ويستريح, وذهبت هي سريعا لتضع الشاي على أحد جوانب الموقد.
خلع بلال "بلغته", ورفع قدميه فوق المصطبة وأسند ظهره للحائط.
شرب بلال الشاي, بينما سيدة, ترحب به كلما ذهبت وعادت, حتى لا يكون هناك وقت للصمت أو الملل…
ألمح بلال لهمام, بأنه لا يزال يسرق, وأنه يصبر عليه حتى يتوب الى الله, وهمام يستمع إليه ويدافع عن نفسه, ويقسم بإغلاظ الإيمان, حتى ضاق به بلال وقال: أنت حر…لو حدث وعرف البك, فانك تعرف ما سيحدث…أنت تعرف أن البك, هو اليد اليمنى للباشا, وكل ما في البلدة طوع أمر عبد الرحمن بك…وهو لا يتهاون مطلقا مع أي سارق, أو أي متعدي على ما يخصه أو يخص الباشا.
أنهى حديثه في هذا الموضوع, فهذا ليس محل اهتمام بلال الآن, وخصوصا, أنه بدأ يشعر بالجوع الشديد…
صاح وهو يتظاهر بالضحك كأنه من أهل البيت:
إيه يا أم حجاج!… ماذا جرى؟!…ألن نتعشى؟…لقد تركت أم نحمده, وطعام شهي أيضا.حتى لا تقولوا…
قاطعته سيدة وهي تقول: إلا طعام أم حجاج... الأكل جاهز…حالا…
لكزت حجاج في همس, ليقوم وينقل معها الأكل, ويتعشى معهم…
قامت سيدة, بتقطيع ذكر البط, حتى لا يستأثر أحدهم بالنصيب الأكبر, وحتى تستطيع ملئ بطن بلال ليشبع ,وقالت: ذكر بط "يستاهل" فمك. بقى لي أكثر من شهر ,وأنا "أزغطه" حتى انه كان يسير بصعوبة…
نزل الجميع في معركة شرسة, على أشلاء ذكر البط, كأنهم يجمعون الأسلاب, حتى انهم كانوا لا يعطون لأنفسهم الوقت, كي يمضغوا الطعام, والأيادي بين الحين والحين تمتد في سرعة ولهفة الى قلة الماء, لتزيح ما قد يقف عقبة أمام القطعة التالية…
إلا سيدة, التي كانت تراقب الموقف, وهي تأكل على مهل, وبين الحين والحين, تلكز ولدها حجاج, كي يتأنى, ويخفف من نهمه وشراهته, بينما همام وبلال غافلين تماما عما حولهم. كل منهم في يده قطعة, ويشخص ببصره ليرى وينتخب القطعة التاليه…
رأت سيدة, أنه الوقت المناسب, كي تتحدث في موضوع حجاج.
انتبه بلال لسيدة وهي تكرر: بلال أفندي…
قال لها: خير يا أم حجاج!…
-خير إن شاء الله…
دفعت حجاج ولدها وهي تقول له في غيظ: قم احضر قلة لعمك بلال ليشرب…
مد يده ليمسك بالقلة التي أمامه, فانتزعتها منه في غضب, ودفعته مرة أخرى, عندما رأته متسمرا, لا يريد الحراك, فقام وأحضر قلة في لمح البصر, وجلس ليستأنف ثأره مع ذكر البط, الذي طالما اختبئوا له, فترات طويلة منتظرين ظهوره…
اغتنمت سيدة الفرصة, عندما أعاد عليها بلال سؤاله,غير واعي: خير يا أم حجاج!…
-والنبي خجلانة ومكسوفة,أطلب منك طلب…
-تكلمي!... ماذا تريدين؟.
_نفسي "الواد العويل ده" يشتغل معكم في الفيلا...في النظافة…مع المساحين والقياسين, يحمل لهم حاجات القياس والمساحة…يعمل في جني القصب أو تجميعه, أو في مصنع قصب السكر…
تلاشت القطع الكبيرة من ذكر البط, في الدقائق الأولى, فقد قضوا عليها في أولى جولاتهم, فقامت سيدة بتجميع عدة قطع, ودفعت بهم رأسا ليد بلال, وصمتت منتظرة الرد…
ولما رأته مشغول, نبهته بسؤالها: ماذا قلت يا بلال أفندي؟…
-حاضر… سوف نرى ما يمكن عمله…حاضر!…
قالها وفمه مملوء بالأكل…
-عشمي في ربنا وفيك كبير قوي…لا تكسفني يا بلال أفندي…الولد قاعد قدامي طول النهار زي القرد…شويه يشتغل وشويه ينام. قاعد قدامي زي "الكبة"…لكنه وهو معك, سوف يكون له عمل يومي يلهيه طوال النهار, عن قعدته الدائمة في البيت, وهو ولدك وهذا بيتك…
نظر إليها بلال خلسة, عندما كررت, جلوس الولد في البيت طوال النهار, دون أن تقصد, ولكنها أدركت من نظراته, ما فهمه خطأ, فتركته على فهمه هذا, ولم تحاول تصحيحه…
لم يضف بلال بشيء, حتى انتهى العشاء, ولم يبقى من ذكر البط, إلا العظم الذي استعصى طحنه على الضروس الصفراء…
أخيرا, أسند بلال ظهره الى الحائط, وهو يمصمص شفتيه, ويمد أصابعه ليحاول استخراج ما بين أسنانه, ويعاود المصمصة, ثم أمسك بقطعة قماش, دون انتباه لقذارتها, ملقاة بجانبه على المصطبة, ومسح بها يديه وفمه…
مد يده وأمسك بالقلة, وظل يعب منها, ثم أنزلها وهو "يتكرع" عدة مرات, ثم مسح فمه بكم جلبابه, كمعظم عادة أهل بلدته…
دعته سيدة ليغسل فمه ويديه, فأشار لها بيده, لا داعي, ثم بادرها: أين الشاي؟!…
حاضر يا "خويا"…حاضر…
قامت لترفع الأواني بصينيتها الكبيرة, التي عفي عليها الزمن, ولكنها لا زالت تحتفظ بها. تجعدت الصينية "وتطبقت", ولكنها لا زالت تصلح للمناسبات…لزوم أبهة الفقراء…
جلس همام, بجوار بلال, مدليا قدميه, ومستندا بكفتي يديه على المسطبة, بحيث يستطيع أن يرى بلال, ويراقبه دون أن يلحظ ذلك, ولم يكن لبلال أن يهتم بالحديث أو النظر لهمام, هذا اللاشيء…
قدمت سيدة الشاي, واحتفظت لنفسها بكوب, وقد سبق أن ذهب حجاج للنوم في غرفة الطيور والحيوانات. ساد الصمت الجميع فترة من الوقت, كأن كل من الجالسين يتحسس أفكار وأحاسيس الآخرين …
قطعت سيدة الصمت, عندما وجهت حديثها لبلال مرحبة به:
شرفتنا وأسعدتنا بوجودك بيننا, أنت تعلم كم نعزك, وأبو حجاج يعزك ودائما ما يشكرك في كل مناسبة…انه يقول أن الخواجا سدرة, يرهق العاملين معه, ويخصم لهم, ولكن للحق, أنت غير كل هؤلاء…أنت منا وتشعر بفقرنا, يعني الخواجا لو رأى همام يأخذ حتى ولو عودين حطب للوقيد, لكان أبلغ عبد الرحمن بك, وطرده…
لم تشأ سيدة أن تذكر ما سرقه زوجها, لكن بلال نظر إليها بخبث علها, تذكر فضله علي زوجها عندما تستر عليه, وأكل معهم…
استطردت سيدة: عندما يعمل حجاج معك, سوف أكون مطمئنة عليه, وسوف نراك كثيرا, تطمئن عليه وعلى همام أخوك…
نظر إليها بلال, كأنه يفهم كلامها ومرادها, وقال لها موجها حديثه لها:
-سوف اعمل قدر استطاعتي…
ردت سيدة: البك يحترمك, ويقدرك, ويترك كل شئ لك, كل صغيرة وكبيرة…أنت كلمتك مسموعة عند البك…سوف أعتبر أن حجاج قد عمل عندك أنت وليس عند عبد الرحمن بك!…
انتفخت أوداج بلال وهو يستمع الى ذلك الإطراء المنتقى, ولا يعلم أن تلك المرأة تضعه في مأزق كبرياء, ليس له من الخبرة للتعامل مع تلك المواقف. كما أنه يعلم علم اليقين, أنه لا يساوي أكثر من الدابة التي يركبها عبد الرحمن بك, عندما يذهب الى مكتبه أو يمر على زراعات التفتيش!…
رد بلال: إن شاء الله سوف يعمل ابنك حجاج في أي شيء في تفتيش الباشا…لكن شيء من الصبر, حتى أستطيع مفاتحة عبد الرحمن بك…أنه مشغول جدا هذه الأيام, والباشا يشدد على البك في أعمال كثيرة يطلبها منه...عبد الرحمن بك هو كل شئ في التفتيش …
أخذ بلال زمام المبادرة في الحديث, فطفق يتحدث عن أحوال القرية, والعاملين في الفيلا, حسيني والجنايني وعبد القادر الكلاف. ثم دار الحديث عن فتاة النيل التي وجدت طافية, وعن نساء قتلن في الماضي القريب والبعيد…ودخل بالحديث عن النساء, وهو يغمز ويلمح بالنكات, ويغمز لهمام ويلكزه بكوعه وهو يضحك كي يصدق همام على ما يقوله, وهمام يضحك مجاملا وهو يهز رأسه…
كانت سيدة تبتسم أيضا مجاملة, حيث همام مطأطأ الرأس كعادته, يختلس النظر ويجول بعينيه, بين بلال, وزوجته التي تعلم سوء العاقبة…
طالت السهرة, وقد ضاق بلال بهمام هذا البليد, وقام لينصرف, وخلفه سيدة, وهي تشكره, وقد مدت يدها لتسلم عليه, ثم وضعت يدها الأخرى, للتأكيد على الترحيب والشكر, وأضافت: لا تتضايق من همام, هو طيب القلب, ولكنه لا يعرف كيف يرحب بضيوفه, هذه حاله طوال وجوده بالبيت!…
ألقى السلام على همام: سلام يا "واد" يا همام!…
وقف همام مترددا, قبل أن يرد السلام بعدم اكتراث: وعليكم السلام…
اكمل كعادته, بعد أن ركب بلال حمارته وذهب, وأغلقت زوجته الباب: "راجل(...) ونطع"!.
كانت ليلة سوداء, فوق أم رأسها, فقد أخذ همام يشتمها, ويسبها, وينعتها بأفظع الألفاظ: راجل نطع… وأنت تبالغين في ودك وكرمك…أنت امرأة(…)و(…)...مال أبيك حتى تعطيه وتدسي في يده قطع اللحم…
هذا الذي تكرميه, وتقولي له أن البك يحترمه ويقدره.إنه يقف ذليلا كسيرا مثل الكلب, أمام عبد الرحمن بك…
حاولت أن تفهمه أنها تفعل ذلك, وتضحك علي بلال , كي يساعدهم على تشغيل حجاج ولده,وهو يعلم جيدا أنها تنافق بلال. لكنه درس وجب علي همام إعطاؤه لزوجته, حتى لا تنسى أنه ولي النعم وصاحب الأمر والنهي في بيته…
لم يشفع لها قولها له: لو كان لك "حسنة" عند الكلب فقل له يا سيدي…
فاقسم بأنه لن ينام معها الليلة, فهي لا تستحق ذلك.إن النساء مثل الأراضي المشققة لا تشبع أبدا.
كان ذلك عكس ما توقعت سيدة, بعد أن أكل زوجها لحما "زفرا", فحمدت ذلك في دخيلة نفسها, فهو لم يفكر حتى في إزاحة التراب "والسبخ" اللذان يملأن وجهه, وعنقه, وكل جسده, ولو أنها تعودت على أكثر من ذلك…
افترشت خرق قديمة على الأرض ونامت,غير عابئة بعقرب أو ثعبان قد يمر بها, بينما نام هو على السرير الجريد آمنا علي نفسه!…



#أنور_مكسيموس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشبيط...الشوك الدامي-الفصل الثاني
- الشبيط...الشوك الدامي.الفصل الأول
- إعرف كيف يفكر الآخر:داود الملك والنبي...النسر واليمامة
- إعرف كيف يفكر الآخر:صعب عليك أن ترفس مناخس...
- إعرف كيف يفكر الأخر: الله وقيصر
- إعرف كيف يفكر الأخر - الفقراء
- أجنحة ضعيفة


المزيد.....




- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - الشبيط...الشوك الدامي-الفصل الثالث