أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوى - كما شق نهر النيل طريقه الوعر















المزيد.....

كما شق نهر النيل طريقه الوعر


نوال السعداوى

الحوار المتمدن-العدد: 3417 - 2011 / 7 / 5 - 09:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


أنا شاب فى الرابعة والعشرين، تخرجت فى كلية العلوم، اشتغلت فى مطعم وأنا فى الحادية عشرة من عمرى، لأنفق على نفسى ومصاريف الدراسة، كنت أحلم بأن أكون من علماء الكون وأكتشف كوكبا جديدا يعيش فيه الناس سعداء يتمتعون بالحرية والعدالة والكرامة، حياتى منذ طفولتى خلت من الحرية والعدالة والكرامة، أسرتى تحت خط الفقر تعيش الذل كل يوم بسبب الهوان، أقله عدم وجود مرحاض وماء فى الغرفة التى نسكنها، أبى يشتمه رئيسه المقهور دون سبب للتنفيس عن القهر، أمى يشتمها أبى دون سبب للتنفيس عن غضبه من رئيسه، أختى الصغيرة هى الحيطة الواطية تضربها أمى بعد أن يضربها أبى، وأنا أهرب من البيت قبل أن أفقد الوعى،

ساعدت أختى على أن تشتغل فى مطعم نظير ٥٠٠ جنيه فى الشهر، أحبها زميل لها فى المطعم وتزوجها، شاركنا نحن الثلاثة أنا وأختى وزوجها فى الثورة، هتفنا حتى بحت أصواتنا «الحرية العدالة الكرامة» فى نفس واحد كنا نهتف نتطلع إلى حلم الطفولة، ملايين الأصوات تهتف معنا، ترتج الأرض والسماء بقوة الملايين، نفس واحد يد واحدة قلب واحد عقل واحد، أمسكت السماء بيدى فى نشوة الأمل، أصابتنى يوم الأربعاء الدامى ٢ فبراير ٢٠١١ طلقة قناص فى عينى اليمنى وشظية فى العين الأخرى، أظلمت الدنيا بعد أن غرقت عيناى فى نزيف الدم والألم، يشبه النار وأكثر، فقدت الوعى من شدة الألم والنزيف، أفقت فى المستشفى على أصوات حادة، الممرضات يزعقن والمرضى يصرخون، والقطط تموء والصراصير تجرى تحت السرير، أخيرا ظهر طبيب يبدو عليه الهزال والغضب، معطفه الأبيض متسخ مبقع بالدم، قال لى بسرعة دون مبالاة إن عينى اليمنى راحت خلاص مالهاش علاج إلا فى أمريكا، والعين التانية يمكن أشوف بيها إن شاء الله، بدت لى أمريكا حلماً بعيد المنال،

وبدت مشيئة الله أقرب لى من أمريكا، توكلت على الله الملجأ الوحيد لأمثالى تعرضت للإهمال مثل كل الفقراء المرضى الذين ليس لهم ظهر فى المستشفى، لا أحد زارنى إلا أختى التى طلقها زوجها بعد أن تعرف على خادمة فى بيت رجل أعمال بالزمالك يدفع لها فى الشهر ألف جنيه، ضعف راتب أختى فى المطعم، بلغ الحزن بأختى فأصابتها حمى غريبة، فصلها المطعم بسبب مرضها، تمشى فى الشوارع تكلم نفسها، تهيل التراب فوق رأسها، سرق أطفال الشوارع حجابها، ترفع كفها للسماء تطلب العون وتنام الليل على الرصيف، عثر عليها الجيران فى الشارع بعد أن سقطت من الإعياء، أخرجونى من المستشفى، لأننى شفيت من النزيف والألم، فقدت عينى اليمنى تماما، عينى اليسرى أرى بها طشاش، أرى الطريق دون عون من أحد،

حمدت الله على رحمته حين رأيت شابا أعمى يقوده طفل، لو فقدت كل بصرى من يمسك يدى؟ أجلس على قطعة حجر قرب ميدان التحرير أفكر فيما أصابنى، أتمنى أن يعود الزمن قبل ٢٥ يناير حين كنت شابا قوى البصر مليئا بالصحة والأمل، أصبحت شبحا نصف ميت، أحسد شهداء الثورة، الموت أرحم من حياة البؤس، تعرف على وجهى زميل فى الثورة وأنا جالس فوق الحجر، كان محظوظا عنى، أصابته طلقة رصاص فى ساقه اليمنى، يسير على عكاز لكن عينيه سليمتان تلمعان بالصحة، كانت فى يده قصاصة من جريدة «الأهرام» بتاريخ ٢٣ يونيو ٢٠١١، مانشيت صغير فى الصفحة الثامنة يقول: خمسة آلاف جنيه لكل مصاب فى الثورة، لقد عقدت لجنة مصابى وجرحى ثورة ٢٥ يناير، أمس، بمقر مجلس الوزراء اجتماعاً، وتمت الموافقة على صرف مبلغ خمسة آلاف جنيه لكل مصاب بثورة ٢٥ يناير، وذلك من وزارة التضامن الاجتماعى، وبجميع فروع الوزارة بكل المحافظات هذا،

وقد تم صرف مبلغ ألف جنيه، قبل ذلك لعدد ١٠١٤ مصابا من أحداث الثورة سيتم رفعها لمبلغ الخمسة آلاف جنيه وعلى المتقدم للصرف التوجه إلى وزارة التضامن الاجتماعى بجميع مقارها فى كل محافظات الجمهورية، وتقديم البطاقة الشخصية الخاصة بكل مصاب، والتقرير الطبى المذكورة فيه نسبة الإصابة ومحضر النيابة إن وجد، حتى تتم الموافقة على الصرف الفورى، وذلك حتى يوم ٣٠ يونيو الحالى، قال لى لم يبق إلا يومان على ٣٠ يونيو، سألته، هل يكفى يومان لاستخراج كل الأوراق المطلوب تقديمها قبل صرف الخمسة آلاف جنيه؟، قال زميلى: إن الأوراق المطلوبة تحتاج لأسبوعين مش يومين، والأسهل نشوف واسطة لوزارة التضامن الاجتماعى تعرف حد هناك؟ قلت هى فين الوزارة دى؟ قال، دى وزارة جديدة، من الحاجات اللى عملوها بعد الثورة، حطوا عليها وزير من حزب قديم من أيام السادات، يعنى ما فيش فايدة من أى حاجة؟ كنت عاوز وزير من الحزب الجديد بتاع الدقون الطويلة؟ كلهم زى بعض يا أخويا، عوضى على الله فى عينى اليمين، وأحمدك يا رب، رأفت بحالى فى عينى الشمال. غربت الشمس ومصاب الثورة جالس فوق الحجر يتأمل السماء.

بعد أيام قليلة جاءه زميله بقصاصة جديدة من جريدة «الأهرام» بتاريخ ٢٩ يونيو صفحة خمسة، مانشيت صغير تحت عنوان: زكريا عبدالعزيز يعد مشروعاً لعلاج مصابى الثورة، يتقدم رئيس نادى القضاة الأسبق بالمشروع إلى الجمعيات الأهلية تحت التأسيس المختصة بعلاج مصابى ثورة ٢٥ يناير ورعاية أسر شهدائها، وذلك لمساعدتها على بدء عملها، وتوفير المقار اللازمة لها بعد معاناتها مع الحكومة لتحقيق هذا الغرض، وقال المستشار إن المشروع يتضمن عدة مراحل بسيطة، مشيرا إلى أنه لا توجد صعوبة فى المقار، لكن نظرا لتعدد هذه الجمعيات فقد اقترح إنشاء اتحاد عام للجمعيات الأهلية يقوم بالتنسيق بين كل الجمعيات الأعضاء فى جمع المعلومات من المصابين، قرأها الشاب المصاب، وغامت الدنيا فى نصف عينه الباقية، أطرق فى الأرض لا يعرف ماذا يفعل، سأله زميله، ألا تعرف أحدا من نجوم الحكومة أو المعارضة أو الصحافة أو الإعلام؟ لا أعرف أحداً.

ثم سأله، هل تندم لأنك شاركت فى الثورة؟ الندم يقود إلى الموت، وأنا ما زلت أعيش، ويمكن أن آكل ساندويتش فول، وأشارك فى الثورات القادمة حتى أموت، تحمس زميله ودب النشاط فى جسده، سار الاثنان جنبا إلى جنب، والتحما بالملايين الجديدة فى ميدان التحرير، أصابته طلقة رصاص مساء الثلاثاء الدامى ٢٨ يونيو ٢٠١١، لفظ أنفاسه صباح اليوم التالى، نهض زميله يلف الرباط حول ساقه، سمع الهتاف يرج الأرض والسماء بأصوات الشباب والشابات، فاندفع معهم على عكازه إلى الميدان الجمعة أول يوليو ٢٠١١.

الثورة تشق طريقها الشاق كما فعل نهر النيل فى التربة المصرية، ملايين السنين، حتى تصرف الحكومة التعويض للقتلى والمصابين، وتعلن نتيجة التحقيقات مع القتلة والمرابين!



#نوال_السعداوى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الورقة يا ورق وجوهر الأخلاق
- النساء والثورة والأحزاب الجديدة
- شىء عن الاتحاد النسائى المصرى
- مبارك.. زويل.. عماد أبوغازى؟
- الحنين لمن كان يضربه بالشومة
- أقول لكم أيها السادة والسيدات؟
- بلبلة الرأى العام فى كل عهد؟
- أين العدالة الاجتماعية أيها السادة؟
- الكبارى مع السلطة الحاكمة الجديدة
- لم ير واحد منهم له عين واحدة
- رجولة جديدة أرقى وذكورة قديمة أدنى
- هل تأخرت الثورة سبعين عاماً؟
- هل ينتصر النقاء الثورى على أخطبوط الفساد؟
- هل يمكنهم إجهاض الثورات الشعبية؟
- أخلاقيات الثورة الجديدة والقيم المزدوجة القديمة
- مليونية الشباب والشابات يوم المرأة العالمى
- نساء الثورة الشعبية ونساء النخبة الحاكمة
- الثورة المصرية مستمرة حتى تحقق أهدافها كلها (٢)
- الثورة المصرية تضع قيما وعقدا اجتماعيا جديدا
- نساء تونس ونجاح الثورة الشعبية


المزيد.....




- شاهد.. رجل يشعل النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترامب في نيوي ...
- العراق يُعلق على الهجوم الإسرائيلي على أصفهان في إيران: لا ي ...
- مظاهرة شبابية من أجل المناخ في روما تدعو لوقف إطلاق النار في ...
- استهداف أصفهان - ما دلالة المكان وما الرسائل الموجهة لإيران؟ ...
- سياسي فرنسي: سرقة الأصول الروسية ستكلف الاتحاد الأوروبي غالي ...
- بعد تعليقاته على الهجوم على إيران.. انتقادات واسعة لبن غفير ...
- ليبرمان: نتنياهو مهتم بدولة فلسطينية وبرنامج نووي سعودي للته ...
- لماذا تجنبت إسرائيل تبني الهجوم على مواقع عسكرية إيرانية؟
- خبير بريطاني: الجيش الروسي يقترب من تطويق لواء نخبة أوكراني ...
- لافروف: تسليح النازيين بكييف يهدد أمننا


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوى - كما شق نهر النيل طريقه الوعر