أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - الآنسة جوليا.. وحلم التحرر من السلطة















المزيد.....

الآنسة جوليا.. وحلم التحرر من السلطة


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 3400 - 2011 / 6 / 18 - 21:52
المحور: الادب والفن
    



تعد مسرحية (الآنسة جوليا). أو هكذا تبدو، لزواج والد مؤلفها الثري بوالدته الخادمة، بأنها أقرب مسرحيات أوغست سترنبرغ الى تجاربه الشخصية، ولكن بفارق قلب إنتماء الجنسين فيها من جعل الدم الارستقراطي للوالد الى جوليا، ودم الخادمة من الوالدة الى جان.
وهي كما جاء في مقدمة نص المسرحية، ترجمة: سمير عزت نصار،( أنجح تجاربه فنيا في ميدان المدرسة الطبيعية، وكانت هذه المدرسة مثيرة وثورية في عام 1888، وقد عرضت خارج السويد، وهاجمها النقاد، ومرت خمس وعشرون سنة قبل أن تُرى على خشبة المسرح في وطنه)(1).

ليس من باب المغالاة القول، أن القسط الأوفر من نجاح العرض المسرحي يتوقف على اختيار النص الملائم للظرف القائم. وبمعزل عن هذا الاختيار، يفقد النص مسوغات تقديمه، ومصداقية تفاعل المتلقي مع العرض. وهذا ما فعله الفنان القدير بكر رشيد، عندما وقع أختياره على نص (الانسة جوليا) ليقدمه بالتزامن مع ما تشهده دول المنطقة من صراعات محتدمة بين شعوبها وحكامها، ومن ضمنها العراق، مستغلا تصارع أرث الشخصيتين الرئيستين (جان) و (جوليا) بين الدم الارستقراطي ودم العبيد، بتحويله من التمرد في النص، الى الاستسلام في العرض، لتوطين أركان جبروت السلطة، في اشارة الى حكام دول المنطقة، ومستفيدا من الاحلام الزاخرة في النص، ليجعل منها رمزا لأحلام شعوب المنطقة التي تقارع حكامها لغدٍ أفضل.

لا خلاف على إنتماء هذه المسرحية للمدرسة الطبيعية، لجملة اسباب، منها، لتناولها حياة المؤلف الشخصية كمعظم مسرحياته، وتطرقها الى واقع المجتمع، ورسم الاشياء الخاصة بالمطبخ على الستارة الخلفية، كما كان يجري في فترة تقديم مثل هذه النصوص، ولكن الخلاف القائم والبارز، هو حول كونها مسرحية طبيعية بشكل مطلق، ذلك لما تحوي بين ثناياها سمات وملامح المرحلة الاخيرة من كتاباته المسرحية المعروفة باسم (مسرحيات حجرة) الزاخرة بالاحلام، كمسرحيتي (سونا الشبح) و (الحلم). وتكرار الحلم فيها اكثر من مرة، بل شروعه من بداية المسرحية الى نهايتها، وقيام بنائها الفني على هذا العنصر، بهدف إثارة الصراع بين الشخصيتين، وممارسة العملية الجنسية، لأزالة الفوارق الطبقية بينهما.

ولعل العملية الاخراجية التي قام بها الفنان بكر رشيد، عبر حصر حركة ممثليه ضمن إطار الطاولة والمقاعد الثلاثة، وجعل المطبخ خلفية لزمكانية الحدث، تؤكد ان المسرحية تتجاوز اطارها التقليدي (الطبيعي)، وان للمخرج رغبة شديدة، لمد جسر من التواشج بين اسلوب هذه المدرسة، والاسلوب الذي أعد المؤلف له في مسرح الحجرة.
وبالعودة الى تجربته السابقة في مسرحية (الغجر) لبوكشين، نستطيع ان نقول: بأن الفنان بكر رشيد، هو واحد من المخرجين المسرحيين الكرد القلائل الذين وفقوا بجدارة اشاعة الاجواء والمناخات الشاعرية والحالمة في عروضه، والساعين الى ابتكار الاساليب الحديثة فيه، أو ثمة من سعوا اليهما، ولكنهم لم يحالفهم الحظ مثله.
فأذا كان في (الغجر) قد اشاع مثل هذه الاجواء والمناخات، عبر ايجاد لغة جديدة للحوار، وطريقة مخاطبة الممثلين لبعضهم الاخر، فأنه اشاعها في هذا العرض، بالاعتماد على المرونة الجسمانية للممثلين وحركاتهم التعبيرية المرونة الجسمانية التي تجاوزت رقعة الاداء الارسطي، وصولا الى لاعبي السيرك، والحركات التعبيرية التي تلغي دور الكلمة، او تعززها، وتقوم مقامها (لافرق)، وعلى حد تعبير مايرهولد، أن القانون الاساس في البيوميكانيك: (في كل حركة يشارك الجسد كله) (2). وهذا ما سعى المخرج تجسيده على خشبة المسرح على امتداد العرض، وهو اسلوب جديد في المسرح الكردي، ويتبع لأول مرة، لما يتطلبه من اداء مهاري من الممثل، وذهنية خصبة من المخرج، تسند هذه المهارة، وترسم خطوطها وخطواتها في آن.

وبهدف اكساب العرض بهاتين الصبغتين، المرونة الجسمانية، والحركات التعبيرية للممثل، للجمع بينهما، وصهرهما في بوتقة واحدة، للخروج منهما بأسلوب معين، فقد استعان بأكسسوارات المطبخ، وهي الطاولة والمقاعد الثلاثة، ليجعل منها أهم عناصر العرض المسرحي، كما واستخدم قطعة القماش الشفافة، بعد رقصة الفلاحين، بنفس المستوى من الاهمية، موظفا العناصر الثلاثة في تكوينات جمالية، لأبراز محوري الصراع الطبقي، وممارسة العملية الجنسية.
فأذا كانت الطاولة ترمز الى الطبقة الارستقراطية، فأن المقاعد الثلاثة ترمز الى طبقة الفقراء (الاعلى – الاسفل)، بينما ترمز قطعة القماش الشفافة الى غشاء بكارة جوليا والحلم، ويرمز العمودان القائمان على جانبي ومقدمة المسرح الى الحديقة، ويعبران عن حلم جان وجوليا، الاول من خلال (رغبته الوصول الى اعلى – الى القمة حيث يمكنه تماما ان ينظر متطلعا الى الريف تحت نور الشمس، ليسرق العش الذي يحوي البيضة الذهبية، والثاني بتصوره أنه يتسلق الى قمة عمود عال، لكنه ليس لديه الشجاعة ليقفز، ويتمنى أن يسقط، ولكنه لا يسقط، ولن يحس بأي راحة الا بعد ان يستقر على الارض – في الاسفل (3).

وتأتي معظم المشاهد مشبعة بهذا الاسلوب، ابتداء من ظهور جان وهو يخبر كرستين، بأيصال الكونت الى المحطة، ومرورا بمماحكة جوليا لـ جان، في أول ظهورها، وتملصه منها، خشية خروجها عن الاصول بمحاباة أحد خدمها، مع انه يحلم بها، مذ أن كان طفلا صغيرا، عندما أخذته أمه ذات يوم الى حديقة الكونت – والدها – وهناك لمحها بفستان وردي وفردتي جورب ابيض، محولا هذا التناقض في الموقفين الى تناغم ادائي راقص على ايقاع الالحان الاسبانية، وانتهاءً بالمشاهد اللاحقة، سيما المقرونة منها بالاحلام، والقائمة على ممارسة الجنس، وكل احداث المسرحية تدور حول هذين المحورين، وهي في الحقيقة تخلو من الحدث، وما هذين المحورين سوى نتائج سعيهما، سعي الشخصيتين (جان وجوليا) الى الثورة على التقاليد البالية وكسر طوق الفوارق الطبقية.
وينوه المؤلف، في الرقصة الثنائية، على ان كرستين، (ينبغي ان تمثل هذا المشهد، وكأنها وحيدة في الغرفة. وحين يكون من الطبيعي عليها ان تدير ظهرها للجمهور، فلا بد
ان تفعل هذا، ويجب الا تنظر الى قاعة الجمهور، وليس عليها ان تسرع كأنها تخشى ان ينفد صبر الجمهور (4).
الا أن المخرج، وحسنا فعل، لم يأخذ بهذا التنويه، بل عمل بعكسه، عندما بدأت كريستين تشارك رقصة جان وجوليا في المطبخ بمفردها، مما دفع بجان أن يراقصها، ويضفي على هذا المشهد جمالا، وبالتالي اكثر إقناعا للمتلقي، من حيث قبول كريستين مراقصة جان لـ جوليا.
وتتصاعد وتيرة هذا المشهد أثناء الرقص، ويأخذ منحى جنسيا، يصل اقصى درجاته بصعود جوليا على المقعد، وجان على الطاولة، وملاحقتها له، وتكملة رقصتهما فوقها، ومن ثم تمددها على ظهرها واستلقاء جان بجانبها، وانحنائها عليه، بما يوحي انها تقبله، وعودتها الى الاستلقاء على ظهرها ثانية، وصدرها يعلو ويهبط، في اشارة واضحة الى خفقان قلبها وزيادة سرعة نبضاته، نتيجة ممارستها للعملية الجنسية. وما زاد من جمالية هذا المشهد هو اسقاط جوليا خصلات شعرها امام الطاولة، مغطية الجانب الاسفل منها، كما لو كانت تخبر المتلقي، بأنها تمارس هذه العملية في الخفاء وليس علنا، لتزيد إثارته ويشاركها هذه اللعبة.

وتجري حركة الممثلين في رقعة الفضاء الممتدة ما بين المطبخ والطاولة والمقاعد، بخطوط مستقيمة ومنحنية ومائلة الى عمودية وساقطة، بما يلفت حدوثها بعفوية وتلقائية، وبدون أن يحس المتلقي بأنه في عرض مسرحي، بقدر ما هو في حلم، كان يتمنى في يوم ما أن يسعد بلحظات ما يجري امامه، وتبرز في هذا الجانب مصداقية الاداء، وإقناع الممثل للمتلقي بما يشاهده، اذ ليس بوسع كل مخرج تحقيق هذين الهدفين، سيما عندما يكونا مقرونين بمسألة حساسة جدا، وتتطلب الجرأة، كمسألة الجنس التي هي المحور الرئيس لهذا العرض.

وساهم مزج الألوان الثلاثة للاضاءة، هي الاحمر والابيض والاخضر، للخروج منها بلون واحد، وهو اللون الازرق، بتحرر العملية الجنسية من ابتذالها وسوقيتها، وجنوحها نحو مغزى الرمز الناجم عن مزج هذه الالوان، وهو الحب، ولعل إرتداء جوليا للملابس البيضاء من بداية العرض الى سعيها الرحيل مع جان، وكذلك إرتداء جان لنفس الالوان، اثبت دليل على ان العرض ينحو بهذا الاتجاه، اتجاه الحب وليس الجنس، وان كانت الغلبة للجنس، الا انه ليس الا وسيلة للوصول الى الغاية، وبلوغ الهدف الاسمى للعرض، وهو الحب، الذي يقف أمامه الكونت حائلا دون تحقيقه، بالاضافة الى قطعة القماش الشفافة بلونها الابيض، واستخداماتها المتعددة.
في النص ثمة إشارة صغيرة الى رقصة الفلاحين، وبالمقابل تلميحا واسعا لأغانيهم، الا أن المخرج، لقدرة المسرح على تفجير طاقات الاول اكثر من الثاني، وبالتالي دنوا منه، والتصاقا به، فقد اولى إهتمامه بالاول، في التفاته ذكية منه، بتحويل سخط الفلاحين على جوليا، لأنفرادها بجان الخادم، الى احتفائهم بزواجها منه، أو هكذا بدا، عبر دخول جان وجوليا الى الغرفة، ورقصة الفلاحين في الحديقة، ومن ثم خروج جوليا من الغرفة، وهي مغطاة بقطعة القماش البيضاء،ايحاءً الى تطهرها، وتشبهها براهبة او قديسة، خرجت للتو من اداء صلاتها وخشوعها للرب، ومستفيدا من اشارة صغيرة اخرى ترد على لسان المؤلف، في حوار جوليا مع جان، واصفا حوارها الاخير معه (على نحو ذي مغزى) (5) جوليا: وانت تعدني.

وتحت ذريعة هروب جان منها للرقص مع كريستين، تلجأ جوليا الى طريقة معاقبة جان بمجموعة اوامر، تبدأ بالصغيرة كالجلوس، واعطائها شيئا تشربه قبل ان يجلس، وجعل اوامرها إطاعة، وتنتهي بأقسامها، وهي ان يقبل حذائها، وذلك بعد نهوضها من على الطاولة، وصراخها في وجه جان، لهروبه منها، وتمددها ثانية على الطاولة، ورفع احدى ساقيها، وهي اشارة واضحة، قائلة له، (انت تعرف لا يوجد أحد هنا يرقص مثلك). لتعزز مغزى حركة ساقها بشكل اوضح، تارة عن طريق الفعل، وتارة اخرى عن طريق العبارة القابلة للتأويل.

ولا يقف المخرج عند هذا الحد، لابراز النوازع الجنسية لجوليا، وانما يتوغل اكثر بالكشف عنها، عندما يجعلها تداعب المقعد بأناملها، وتجلس على حافته، وجان يقف ورائها، ثم تدير هي وجهها له، كما لو كانت تريد ان تقبله، الذي يرفض، وتضع احدى قدميها على الطاولة، وتطلب منه ان يخرجها الى الحديقة، ليرى اي الرأيين افضل، رأيه بعدم الخروج الى الحديقة، أم رأيها، وهنا ايضا يسعى المخرج عن طريق الفعل والعبارة القابلة لتأويل ايصال المعنى الى المتلقي.
ومشهد حلم جوليا وجان، الاول بأستقراره على الارض، والثاني بالتسلق الى القمة، من اجمل مشاهد المسرحية، وذلك لقدرة المخرج تشكيل لتكوينات جمالية في غاية الاتقان على امتداد اللوحات التي يرسمها، ومن لوحة الى اخرى، بمرونة جسد ممثليه، وحركاتهما التعبيرية، والاستعانة بالموسيقى التصويرية، والاضاءة، اذ تبدأ اللوحة الاولى لهذا المشهد على الطاولة، وظهرهما على الآخر، ورأسه يميل نحوها قليلا، لتمتد اناملها تداعب شعره، وما أن يبدأ الحلم، حتى تضع يدها بيده، وهي فوق الطاولة، وهو على الارض، ثم بحركة جميلة، ينفصلان عن بعضهما، لتصعد جوليا من خلال المقعد ثانية على الطاولة، ليتبعها جان ويحتضنها، وتتمدد على الطاولة، ويتمدد الى جانبها، وتشرع بمداعبة وجهه، وذلك بعد ان تتكيء الى جانبها وترفع عن صدرها قليلا، بحيث تصبح هي المسيطرة عليه، طالبة منه الا يتحرك، وهي تقرب فمها من فمه وتلاطفه وتداعبه وتنفخ في عينيه، بحجة اخراج الغبار منها، بينما هي في الحقيقة، تنظر الى اعضائه التناسلية، وفي هذه الاثناء تطلب منه أن يقبل يدها، وذلك بعد ان يدير جان ظهره للمتلقي، بينما هي تواجهه، وتصبح وجها لوجه مع المتلقي.
وأثناء ذلك ينزل الى الاسفل، وتصعد هي على الطاولة، وتركله في وسطه، وهي تقول له: (هل انت مغرور، يبدو لي انت دون جوان او يوسف) ويقف أمامها على الطاولة وينظر الى جسدها، في محاولة منه للمسه، ويبدأ بسرد قصته مع الفتاة التي احبها عندما كان طفلا، امام الشجرة الموجودة في الحديقة، وكانت هذه الفتاة جوليا، اذ يركع على رجليه وهو في حالة حزن، جاعلا من فتحات المقعد نافذة، لينظر من خلالها الى الحديقة، ويقع على الارض مع المقعد، ثم يعدله ويتكيء عليه، ويباشر بتقليد كيفية وصوله الى الحديقة يومذاك.

وتبدأ بتقليد القارب وهو يسير في البحر، بعد أن تطب منه أن يأخذ مفتاح مخزن القوارب لتجذفبه في البحيرة، لأنها تريد أن ترى شروق الشمس، اذ تصعد على الطاولة وتدفع بيديها الى الامام والوراء، ثم تمتد على بطنها بأنتشاء، وتبدأ بتحريك ساقيها الى الاعلى والاسفل، وهي تستمع الى كلمات جان التي تتضمن التفكير فيها،
وتشرع اللوحة الثانية من هذا المشهد، بخروجهما من الغرفة، وقطعة القماش البيضاء الشفافة، تلف جسديهما، دلالة على تطهيرهما بعد ممارسة العملية الجنسية، وتخلي جوليا عن طبقتها الارستقراطية، والانتماء الى طبقة الفقراء، ويأخذان التفكير بالهروب، ويحلمان بالمدن التي سيقومان بزيارتها وإقامة المشاريع فيها، وذلك عبر توظيف قطعة القماش البيضاء لهذه الاحلام في تكوينات وتشكيلات جمالية، لتصبح جوليا مرة، وهم يفكران بفتح فندق، بسحب القماش من جسدها وتغطيته على رأسها صاحبة فندق، ومرة اخرى هو كونتيس وهي كونتيسة، ووسط هذه الاحلام، تطلب منه أن يحتضنها ويقول لها بأنه يحبها، الذي يرفض، لا لأنه لا يحبها، ولكن لأنه لا يجرؤ في هذا البيت ان يقول كذلك، وللتعبير عن خلافهما حول هذه المسألة، وبالتالي فشل مشروعهما، يحركان قطعة القماش باتجاه أثنين من المقاعد الثلاثة، بما يؤدي الى سقوطهما الواحد تلو الاخر، بشكل فني جميل، ثم يستخدمانها للصراع ما بينهما، بوقوف كل واحد منهما امام الشجرة، رمزا لصعود جان ونزول جوليا، وسحب قطعة القماش باتجاهه، وتبادل السباب والشتائم بينهما، حيث يركل جان القماش بقدمه، وهو يصرخ اين فندقي، بينما جوليا تدفعه الى الطاولة، ليمتد عليها وتطرح نفسها عليه، ثم تركع بعد ان ينهض ويصبح في الاسفل، وينعتها بالفتاة الرخيصة، التي تحاول ان تمسح وجهها، ويبادر هو الى تغطية رأسها، وتطلب منه أن يضربها.
(جوليا: أنت تتكلم كأنك ارتفعت عني!
جان: كذلك ارتفعت، الا ترين هذا، يمكنني ان اجعل منك كونتيسة، بينما لا يمكنك ان تجعلي مني كونتا.
جوليا: أنا أبنة كونت، وهذا اكثر مما يمكنك ان تبلغه انت.
جان: ذلك صحيح، لكنني قد اصبح اب كونتات، -إذا-
جوليا: لكنك لص – وأنا لست لصة.) (7)
ترفع القماش عنها، فيتحرك باتجاهها متوسلا، يقبل قدميها، فتركله، وهي تقول له بغنج ودلال: (انا اكرهك) كما كانت والدتها تكره والدها، وتسكب البيرة التي كانت تشربها على رأسه، وتطوق عنقه بقبضة يديها وهي تشبهه بالكلب.
والطائر الذي يقضي عليه جان، وترغب جوليا أن تأخذه معها في هروبها، مع جان يرمز اليها المحبوسة في قفص مثله، وهي تريد أن تأخذه معها، ليتحررا معا، الطير من سلطة الانسان المفروضة عليه بحكم رونقته وجماله، وجوليا من سلطة والدها، الكونت، بحكم التقاليد البالية المفروضة على المجتمعات الارستقراطية، وبقضاء جان على الطائر، انما يقضي بذلك على جوليا، وبروز سلطة اخرى من رحم الطبقة التي ارتمت بين احضانها، باتخاذ تحرير الطائر جسرا لذلك، وجوليا في النص تتوصل الى مبتغاهاـ بتحررها من السلطتين، سلطة الكونت والدها، وسلطة زواجها غير الشرعي، المتمثلين للطبقة الارستقراطية والطبقة الفقيرة، وبالتالي قمة الثالوث المكمل لهذا الهرم السلطوي، المتمثل بسلطة الدولة، لتوفير مقومات الحرية ومباديء الديمقراطية في المجتمعات الاوروبية، اما في المجتمع الشرقي فلا توجد مثل هذه الحريات التي تحمي حقوق الفرد، لذلك يظهر شبح الكونت في النهاية امام الباب، لحظة خروج جوليا من الدار، اشارة الى عدم رحيلها وبقائها تحت رحمة السلطة، شأن شعوب دول المنطقة الرازحة تحت ظلم واضطهاد حكامها.
ويستغرق زمن احداث المسرحية اثنتي عشر ساعة، من وقت الغروب، الى شروق الشمس في اليوم التالي، حيث تستيقظ كريستين وتشعل شموع المطبخ مساءً، وتطفئها صباح اليوم التالي للذهاب الى الكنيسة، اما زمن العرض فلا يستغرق اكتر من خمس وخمسين دقيقة.
ووقوع غرفة كريستين في الطابق العلوي، يدل على انها اي كريستين، ارفع شأنا من احلام جوليا، قياسا بغرفتها الواقعة في الطابق السفلي، وهذا لا يعني انها لا تحلم، بقدر ما يعني انها تفكر بأداء واجباتها تجاه الله، وخدمة الكونت باخلاص والزواج من جان.
وبالرغم من بدانة الممثلتين اللتين اديتا دور جوليا وكريستين بعض الشيء، الا انهما استطاعتا ان يؤديا دورهما بشكل جيد، بمرونتهما الجسمانية التي كما يبدو تدربا عليه كثيرا، وحركاتهما التعبيرية، ولا يسعني هنا الا ان اشيد بالجرأة التي تحلت بها الممثلة ديرين عمر التي ادت دور جوليا و ئه زين حمه نوري الذي ادى دور جان والممثلة شيلان عبدالله التي ادت دور كريستين.


ملاحظة
لقد فازت هذه المسرحية معظم جوائز المهرجان الذي اقيم في مدينة السليمانية للفترة من الثاني والعشرين لشهر اذار هذا العام ولغاية السابع والعشرين منه.
المصادر:
1- مقدمة نص المسرحية: ترجمة سمير عزت نصار.
2- مجلة (المسرحية العالمية، العدد (80) من اوراق مايرهولد ترجمة صالح سعد
3- نص المسرحية: تأليف سترنبرغ ترجمة سمير عزت نصار.
4- نص المسرحية، تأليف سترنبرغ ترجمة سمير عزت نصار.
5- نص المسرحية: تأليف سترنبرغ ترجمة سمير عزت نصار.
6- نص المسرحية: تأليف سترنبرغ ترجمة سمير عزت نصار.



#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السمات المشتركة في مسرحيات ابسن
- مناطق التغريب في مسرحيات بريخت
- تينيسي ويليامز.. والكوميديا السوداء
- هل مسرحية ايفانوف فاشلة...؟..!
- مسرحيات محي الدين زنكنة في توظيف الرمز للبناء الدرامي
- مسرحيات جليل القيسي : الانتظار + الحلم + اليأس = الموت او ال ...
- الغواية بين روايتي عزازيل و الوسوسة الاخيرة للمسيح
- قراءة في صنعة مسرحيات تشيكوف الاربع الطويلة
- قراءة في صنعة مسرحيات تشيكوف
- (الخال فانيا...بين برودة الحدث...وغلبة النماذج) الرديئة على ...
- في بغديدا الخطيئة الاولى ...بين الامكانيات المحدودة ..وعدم ت ...
- النص المسرحي.. (الشبيه).. وتوظيف الرموز والدلالات
- الملجأ ......... بين التمرد والغموض
- شلومو الكردي... بين توظيف الاسطورة.. وعنصري...التوقع والربط
- ديوان.. كتاب الماء.. بالعربية
- (عمارة يعقوبيان ..بين الرواية ..والسينما)
- روايات عبدالستار ناصر بين توظيف السيرة الذاتية وتحفيز المفار ...
- اخر الملائكة - والميتا الواقعية السحرية
- عبور الغبار ... بين .. الاداء العفوي..وإدانة التعصب العنصري*
- سرقة جريئة ومكشوفة ل(المكان الخالي) ل.. بيتر بروك


المزيد.....




- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - الآنسة جوليا.. وحلم التحرر من السلطة