أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - تقاعس














المزيد.....

تقاعس


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 3391 - 2011 / 6 / 9 - 19:17
المحور: الادب والفن
    



بصوته المتحشرج أتبعتهُ، ذاك الطيف البعيد يأخذني إلى غربة الليل المتشح بالصمت، ومن منطقة العين توقفت عند بيئة حيوية تنفث كل ما تبقى منها في الهواء، أتنفس الهواء رغم خرابه، ضجّ السكون من حولي وفُرط الأرق، وعندما اشتعلت من مجرد كلمة حلوة تقال، انفتحت ردهة القلب، سمعت الصدى يناديني فترجلت نحوه بانبهار، قلت هنا تكمن راحة البال، وصلت بؤرة الحقيقة، تجاويفها تقلقني، توارى الصدى كما توارى لون اللازورد، لون البحر، ليحل محله السواد الذي استدرك الفضاء البعيد... هذا الذي تخيلته أمامي يغيب عني.

قفزت قفزة واحدة فأصبحت خارج المكان، لجأت إلى جزء آخر من العالم لعلي أجد السكينة، هربت مما يؤرقني ويوجع قلبي المكلوم بسبب الأخطاء الكثيرة التي سبق وفعلتها، أحداث كثيرة حدثت معي في السابق، التاريخ مليء بالهفوات وكنت أنا جزء لا يتجزأ منه، لم أحسب حسابات المستقبل، ولا حسابات السنين ولا عقاب الضمير.
وبدون أن أدري، تمسكت بصخرة ناعمة رغم بروز خشونتها، إحساسي يقودني إلى اللاشيء، ربما منها تبدأ أولى خطوات النهاية، هل أتبعه أم أقف مكاني دون حراك، فالليل في قطعه سفاح مهيب، قررت التوقف فتوقفت عندما ركلتني بعض الحجارة الصماء، فالإحساس يقول " فضيلة القلب لا فضيلة الأيدي"، هل فعلا أتحدث عن الفضيلة!

شيء غريب أن أجد يدي تدخل مسنّ الصخرة العملاقة، تلك التي حجبت عني أطراف السماء، لكني سرعان أن أخرجتها وتفقدت أناملي، عددتها، واحدة، اثنتان ..ثلاثة فرابعة وخامسة، الإبهام ينطوي على ذاته، هل هو مضموم على نفسه أم أراه هكذا بسبب ذبول عيني وغبش الرؤية!
خرجت من صدري قطرة ماء واحدة، تلألأت فبدت مثل نجمة تصب جمر نورها على صدري، من أين جاءت هذه القطرة، ومن وضعها هنا حيث نبض القلب الذي تحوّل حالا الى مأوى لعدة قطرات نزفتها وجهي وذقني، أنزف عرقا لا دماء، فالفرق شاسع بين اللونين، تجمعت النجمات على بقعة بيضاء، بياضي جميل، وعنقي أبيض غارق بالماء حتى سجد بين ثديّي وأترع، تنعكس الأضواء فتتحد مع نجمات السماء التي كانت صافية تلك الليلة، ليلة أمضيتها في العراء وأنا أبحث عن دليل يقودني إلى نفسي ويعيدني من التيه.

البحر يخاصمني، والصخرة تعبث بمسامعي، تنز منها حشرجة بلغة لا أفهمها، لغة الكائنات التي عاثت في المكان وطرقت أبواب السكون، أم هي فصل من فصول أوهامي الثقيلة، لا، لم تعث الحشرات في المكان، ربما هو سراب مسمعي، من أكون وأنا واحدة من خلق الله، من رمى بي إلى هنا، وأنا أطمع بأكثر من هذه الحشرجة التي لا تهدأ، هل أكون فعلا قد هربت من فجيعة العالم ووصلت إلى حيث لا أدري!
هل يرافقني الأرق حيث أنا، أم هو المكان الذي يلعب دورا بخسا في عالم الخيال وأنا بطلة حكايته، من أكون، وأين أنا، وما هذا الصوت الذي يراودني عن قرب فيعيدني إلى حقيقة نفسي التي أريد أن أهرب منها، سمعته يقول:
- ضعي السمّ على شفتيكِ وقبليهما لتموت هي وتواصلي أنتِ مع حلمكِ!
صوت الأنا يخاطبني محتجا، يحدثني بلغة العنف والقتل:
- حان وقت موتكِ لأعيش أنا الميتة منذ عصور، أنا أحق منكِ بالحياة!
- لم أعش، دعيني أتواصل مع حبيبتي الحياة!
- أنا ابنة الضمير!
- وأنا ابنة الحياة!
- في موتكِ حياتي، دعيني وغادري!
- حياتي من بعدكِ مستحيلة، لا تقتليني!
- سأعيش على ذكراكِ!
- دعينا نعيش معا، فولدنا معا كتوأمين، وسنموت معا!
- الضمير والأنا لا يتفقان، لماذا تتقاعسين، امضغِ السمّ وغادري!

الصمت يلف المكان، الحشرجات تختفي فجأة، الليل ينقشع ويظهر ضوء النهار في الأفق، لا أحد هنا، سوى أنا والضمير نقفل على أنفسنا صندوق الحقيقة، الحقيقة تصبح أكبر عاهرة إن ظهرت وعلم بها الآخرون، الحقيقة عاهرة أن اختفت دهورا، عاهرة الحقيقة، إن انفجرت الصخرة العملاقة .
الآن سوف تنساب منها ثعابين الليل الضعيفة، فتقوى في النهار، عاهر كل هذا التقاعس في البحث عن مهرب من الحقيقة المرّة، أين هي الأنا ذاتي، أين أهرب منها، كيف لي الهرب مما اقترفت يداي، هل أقطع يدي التي شاركت في صناعة الموت، عشرات، بل مئات، بل آلاف القتلى غادروا بسبب يدي هذه التي وقّعت على صفحة مليئة بالتواقيع، إذن لم أكن وحدي ممن وقّعوا، لكنهم ما زالوا يوقّعون وأنا هربت منهم، لماذا لا يهربون مثلي، ولماذا هذا التردد بترك المكان؟

لم يكن وهما أو خيال، بل هو ثعبان عاهر يغزو المساحة بيني وبينه بقامته المرقطة، يقف بجموح في وسط الصحراء والشمس في اشتداد، يقترب مني، يتأهب لغرز نابه في قدمي، ملامح الخوف تغزو وجهي، تحولتُ الى جوكر يلهو في مساحة التردي، تذكرت حينها وجوه القتلى وأجسادهم الملطخة بالدم، عيونهم الجاحظة وبطونهم المنتفخة، الثعبان جاء لكي يخلصني من عذاب الضمير، هل أهرب منه أم أدعه يغرز السمّ على شفتيّ، إنه يدنو مني، حان موعد العقاب، سيخلصني من صوت الضمير الذي لا يكن ولا يهدأ، سوف أتقاعس ولن أهرب منه عندها فقط تنسحب من صدري جميع النجمات.



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليهود النازحين من العراق - إبراهيم عوبديا الشاعر الهاديء
- دعوة الى حوار
- قصة قصيره
- حوار
- المرأة ويوم 8 آذار - لن أتحدث اليوم سوى عن الورد المزروع خلف ...
- ذاكرة الهواء
- اضاءة شموع
- محمود درويش جميعهم يرحلون في المنفى
- ساعات الليل الوئيد
- المرأة في الثامن من آذار
- هل مات الدمع
- مستنقع الحياة
- اصدار جديد
- المفاتيح كاتمة اسرار
- الحاسة السابعة
- الضباب
- مغادرة نافذتي
- حفل تأبين نازك الملائكة في أستراليا
- مطلوب حارس شخصي
- ردا على مقال الزميلة رائدة الشلالفة


المزيد.....




- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...
- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - تقاعس