أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد صيدم - يرموك الأحزان (قصة قصيرة)














المزيد.....

يرموك الأحزان (قصة قصيرة)


زياد صيدم

الحوار المتمدن-العدد: 3391 - 2011 / 6 / 9 - 07:45
المحور: الادب والفن
    


كان يعلم في أعماقه بأنه قد لا يعود جسدا .. حيث تستطيع أمه أن تنادى عليه لتوقظه في كل صباح للخروج باكرا وهى تحمل بيدها فنجان قهوته كعادتها.. هناك حيث يصارع من أجل لقمة عيشه وإخوته في ساحة السوق الرئيسي للمخيم.. فيفترش بسطته المتواضعة في مكانه المخصص ليبدأ يومه الذي ينتهي مع غياب الشمس..لكن أمرا ما خيم على تفكيره، واستحوذ على عقله؟ بعد العشاء، كان الاجتماع يضمه مع ثلة من رفاقه في تلك الليلة التي استبقت لحظة الانطلاق.. حيث اتخذ الشباب قرارهم بالإجماع ...
تقاطرت جموعهم صباحا، تنسل من بين الأزقة خفافا ..يتجمعون في نقاط متفق عليها ..ما لبثت أن تحركت حافلات تم استئجارها خصيصا، لتقلهم إلى اقرب نقطة حدودية في هضبة الجولان المحتلة...
اقتربت الحافلات بصعوبة تزحف عجلاتها على طريق وعرة ، حتى تراءت لهم بالعين المجردة حدود فلسطين الشمالية.. وظهرت بوضوح تلك الجدران من الأسلاك الشائكة ..وهنا أفرغت الحافلات حمولتها من شباب العودة.. رافعين رايات الوطن .. يندفعون في تحدى عجيب للمحتل.. كان بالانتظار يرقبهم عن كثب ..تأكد بأنهم لا يحملون غير رايات خفاقة بسواعد الإصرار وعزيمة الثائرين.. تقدموا أكثر فأكثر.. قطعوا الأسلاك الشائكة .. زحفوا من أسفلها لتنتصب قامتهم بشموخ وإباء، حيث داسوا بأقدامهم ثرى الأرض المحتلة..تدفقوا يندفعون على تراب ارض الأجداد والآباء.. يزداد حقد الجنود بمناظير القناصة ..تتوتر أعصابهم من مشاهدة الشباب الأعزل إلا من إيمانه بعدالة قضيته وقدسيتها.. يتفاقم حقد الجنود أكثر عندما بدأ الشباب بقذفهم بالحجارة..ما بين رصاص ودخان وحجارة، بدأ الشهداء في التساقط.. ينادى أكرم رفاقه :أسرعوا سقط فؤاد شهيدا ..ما أن انتهى من جملته وإذا بمحمد يصرخ مستغيثا: بتر الكلاب ساقي فلا اشعر بها ولا أقوى على النهوض.. يزحف أكرم على بطنه.. يحاول أن يسحب محمد بعيدا عن مرمى نيران القناصة ..يفلح أخيرا بوضعه خلف صخرة يتخذها ساترا لهما...يتركه ليعود مسرعا إلى حيث رفاقه المندفعين من أسفل السياج الشائك.. يبدؤون بإلقاء الحجارة نحو الجنود وتعلو حناجرهم بالهتاف لفلسطين والحرية والعودة.. ترتفع هستيريا الجنود فيمعنوا بإطلاق النيران على شباب عزل إلا من حجارة يلتقطونها بقبضاتهم ..يزداد إصرار الشباب .. تقوى عزيمتهم مع تزايد الصرخات بالتكبير والهتاف ويستمر تساقط الشهداء ..الموقف عصيب يستشعره أكرم ورفاقه بلغة عيونهم ..المنطقة أصبحت تقطر دما وخطرا يحدق بكل شيء يتحرك..لا وجود لسيارات الإسعاف.. يحملون الجرحى والشهداء على الأكتاف... انه مشهد عز وتضحية وفداء ..
مر وقت ليس بالقصير.. سالت دماء غزيرة عزيزة.. فروت بطاح عطشى للحرية والخلاص.. كان أكرم ما يزال يهتف ملوحا بعلم فلسطين ..يرجمهم بحجارته كالقنابل في وقعها المعنوي على نفوس الجنود المرتعبين ثم يتخذ ساترا وراء إحدى الصخور التي يزخر بها المكان..فيردون برصاص القنص أو زخات من أسلحة رشاشة، تنطلق من خلف الخطوط بشكل عشوائي .. فيسمع أزيزها من فوق الرؤوس ..
ينسحب الشباب بعد أن زاد ت أعداد الشهداء في مواجهة غير متكافئة.. لكن رسالتها أقوى من غطرسة المحتلين...يلتفت أكرم إلى رفاقه من المخيم وقد تبلل قميصه بدمائهم الزكية.. فلم يجد أحدا منهم.. يطلق صرخة مدوية ترج السماء.. يعلو التكبير.. ويعلو اسم فلسطين عاليا يعانق أرواح من مضوا شهداء في سبيل الأوطان...
في اليوم التالي تنطلق جماهير مخيم اليرموك في تشييع الأبطال..كان أكرم في المقدمة ما يزال يهتف معاهدا دم الشهداء .. فجأة يبدأ الرصاص في الانهمار على جموع الجماهير! يتدافع الشباب نحو مصادر النار.. يصرخ أكرم: إنهم في ذاك المبنى؟ بلمح البصر يصلونه ويشعلون النيران فيه.. يزداد إطلاق النار على المشيعين ! يتساقط الشهداء في مشهد يتكرر لكنه برصاص الغدر والخيانة لتلك الجماعة المارقة والحاقدة ..إنها بنادق مأجورة ترمى شباب المخيم في مقتل ..يزداد الهرج والمرج ..تسقط الأقنعة عن رموز معينة.. تتعرى بكل فجاجة ووقاحة وخسة أمام الجماهير..فتزداد شراسة وعنادا، تمعن في التقتيل والترويع.. تأتى سيارات الإسعاف لنقل الجثث والجرحى.. تكتظ بهم مستشفى المخيم.. يتأخر أكرم في العودة للبيت.. تذهب أم أكرم إلى المستشفى الوحيد حيث الجرحى وأكداس الشهداء الأبرياء..يتجمد الدم في عروقها؟ تضرب بكفيها على صدرها حين يقع نظرها على أكرم مدرج بدمائه ..كان مبتسما عندما اعتقدت بأنه مصاب.. فتقدمت منه تنادى عليه : أكرم حبيبي ..أكرم ..أكرم ..لكنه لم يجب نداء أمه، ولن تستطيع لاحقا أن توقظه في كل صباح، وفنجان قهوته المفضلة بيدها .
(إهداء إلى شهداء مخيم اليرموك اللذين سقطوا برصاص جماعة جبريل العميلة)



#زياد_صيدم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايا شامية (ق.ق.ج)
- ليبيا دروع بشرية لحماية باب العزيزية.
- غُبر ومشانق. (ق.ق.ج)
- أطلقوا سراح الناشط الايطالي فتوريو أريجونى.
- مرايا في السرايا (قصص.ق.ج)
- تطبيق السيناريو المعكوس في ليبيا ؟.
- البرادعى وعمرو في سباق للهجن !
- تسونامى (ق. ق. ج)
- مسرح العرائس (قصص.ق.ج )
- المصالحة الفلسطينية بين الاستجداء والترقب !
- الأخ عمرو موسى انتبه المؤامرة .
- ليبيا في كلمة مندوب فنزويلا ؟
- فلسطين ما بحك جلدك غير ظفرك.
- ثلاثة ردود عاجلة على الفيتو الأمريكي الأخير ؟
- من انتفاضة إلى ثورة بيضاء فشكرا للجيش المصري.
- السر الخطير فى شعارات ميدان التحرير؟
- السيناريو الغائب في انتفاضة 25 يناير الشبابية.
- للشعب الثائر في تونس، احذروا ثلاث؟
- ثورة الدجاج ( قصة قصيرة)
- مناجم الحصى ( قصة قصيرة)


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد صيدم - يرموك الأحزان (قصة قصيرة)