|
التغييرات الجارية في المنطقة و العراق مابعد الدكتاتورية
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 14:10
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
ما يجري الان في المنطقة من الاحداث و التغييرات المستمرة بعد شرارة الثورات، استقدمت معها ظروف و تحولات و اظهرت ماكان خافيا الى العلن حتى الامس القريب و مسحت الغبار و ازاحت التجميلات الزائفة من على الوجوه العديدة و ازالت الكثير من المضللات العامة و ما كانت من الادعائات التي كان البعض مقنُعا بها ، و بانت المجتمعات على احوالها و حقيقتها الساطعة و خصائصها وطبيعتها و كشفت المستور من ما كانت السلطات المتسلطة تتغطى به، و اليوم نرى ما صنعته السلطات السابقة دون حاجز او غطاء، و انها الاحداث المستمرة التي تكشف الاكثر و تسير المرحلة نحو الجلاء الكامل النهائي و الاستقرار على وضع تبدا فيه الخطوات الصحيحة لما يتناسب مع شكل و طبيعة و جوهر كل مجتمع بشكل مناسب و الوصول الى الاستقرار في المرحلة و العصر الجديد . ان ما تحدث من الردات و الانعكاسات و ما تفرض نفسها من السلبيات هنا و هناك لامر طبيعي في المجتمعات المتحررة حديثا و التي كانت تعاني حتى الامس القريب من الامراض الخطرة التي سببتها لهم السلطات الدكتاتورية و الشمولية و ما اقدمت عليه دون رادع و اثرت على شعوبها من اجل البقاء و استدامة حكمها فقط مهما حصل لها . تختلف تركيبة الشعوبات و مكوناتها وانتمائاتها و ما توارثتها عبر التاريخ من الصفات و الاعتقادات و ما تؤمن بها من المقدسات و ما تعتمد و تسير عليها من العادات و التقاليد و الروابط الاجتماعية. فان التغيير المفاجيء سيحدث صدعا و شرخا احيانا و يهز بعض القيم بشكل مؤقت و اني او تزيح ما كانت طارئا و تبقي لمدة ماهو الاصيل، و ربما تحدث الانتقالة لبعض الامور العامة او اكثرها ان كان التغيير جذريا، و لكن هناك مصالح و التزامات شتى و بعضها اصبحت من الاخلاقيات بحيث يصعب الانتزاع عنها او التخلي عن ركائزها بسهولة، و ابعادها ستظل تلاحق المرحلة المقبلة ايضا حسب كل التوقعات. ان ما تحدث الان ما يمكن ان نسميها الهزات الارتدادية بعد التسونامي التي عصفت بالمنطقة في الوضع السياسي و الاجتماعي و حتى الثقافي و ستستقر على حال طبيعي خاص بعد كل تغيير عاجلا كان ام اجلا، و يمكن عنده الولوج في امور و اعمال تهم بناء اساس المرحلة الجديدة المقبلة على صفات و خصائص و سمات حقيقية تتميز بها هذه المجتمعات . الشعب العراقي مرَ بنفس الظروف و تخطاها الى حدما و عبٌر المرحلة الخطرة و سار وسط الهيجان و بين الالغام التي زرعت في طريقها، و اليوم وهو يعيش وسط المتغيرات العامة للمنطقة باكملها و انه تلقى الضربات و اكتسب مناعات جراء التغييرات و الصدمات المتلاحقة . ما نتذكره اليوم هو تفسير مرحلة مابعد سقوط الدكتاتورية العراقية من قبل العديدين من الذي تمر شعوبهم اليوم بنفس المرحلة، و لم يقصٌروا في النعت للشعب العراقي و تياراته و حركاته و باسماء و تحليلات و تفسيرات شتى، و كانت كل منها نابعة من منطلقات مختلفة عن الاخرى و التي كانت صادرة عن اعتقادات و نظرات و افكار خاصة و مصالح و ظروف سياسية و مستويات ثقافية و الموقع و المنصب الذي كان المتحدث و المقيٌم يشغله في دولته، و كان في اكثر الاحيان ينسبون كل ما كان يجري على خطا عملية سقوط الدكتاتورية في العراق لا بل حدا ببعضهم و هو رئيس دولة مخلوع الان ان يتجرأ و يقول لا يمكن حكم العراق الا بدكتاتورية عادلة (و هل من دكتاتورية عادلة؟) و انتقدوا الشعب العراقي على الطريقة التي استقبلها و سار عليها لتحقيق اهدافه، و حصروا ما كان يجري في زاوية طريقة وكيفية التغيير الذي حصل، و كانوا جميعهم على اليقين التام بان الطريقة التي اسقطت بها الدكتاتورية في العراق كانت اجبارية و لم تكن هناك من الخيارات الاخرى و التي كان بالامكان ا اعتمادها لتحقيق الاهداف السامية للشعب، و هو الخيار الوحيد الذي كان على الجميع ان يقبل به او السكوت عما يحصل للشعب العراقي على ايدي الدكتاتورية، لما كانت الدكتاتورية عليها من القوة و العنفوان و الجبروت و القسوة وما مارسته من القمع و التنكيل و السحق من اجل التسلط وباساليب استخبارية فريدة دون رحمة او اي اعتبار للشعب و ما يملكه و داست على شعور و كرامة العديدين و اهدرتالممتلكات و انتهكت الكرامة و عزة النفس للكثيرين، و لم يكن يأن احد ممن انتقد السقوط في حينه. كان كل من ينتقد يحمل ما في جعبته و هو يركز في تحليلاته و تقيمه للاوضاع المتغيرة في العراق وفق ما كان يمليه عليه موقعه و مصالحه و اعتقاداته هو دون اي مبرر و بعيدا عن الحيادية. و للاسف لم نشهد ضمن شعوب هذه المنطقة المؤججة اليوم و هي تقدم على ما اقدم عليه الشعب العراقي من يحلل في حينه ما وصل اليه الشعب بعلمية و حيادية و ما يمليه على اي باحث الضمير الا نادرا، و احدثت ارتدادات عدة بعد التحرير مماثلة لما نلمسه اليوم و وصلت الحال الى الاقتراب من شفا الحرب الاهلية، و كان للايدي الخارجية دور في تاجيج و تسعير نار المشاحنات و الخلافات الاعتيادية التي تحصل في اي زمان و مكان، و كل متدخل حسب ما كان ينويه و ما تفرضه عليه المعادلات السياسية في ذلك، و على العكس مما نشاهده اليوم ربما اقل نسبة من التدخلات من الايدي الخارجية لمسيرة الشعوب المتحررة قريبا، اضافة الى الاسباب الذاتية التي يتميز به الشعب العراقي و هي من خصالاته المتميزة من حيث تركيبته و ثقافته و تاريخه و موروثاته و اعتقاداته، و تراكمات السنين الصعبة التي عاشها في ظل النظام الدكتاتوري، و المغرضين في فرصة تسنح لهم يعيدون السبب الى طريقة و كيفية و ظروف اسقاط النظام و مسايرة المعارضة العراقية في حينه لما كان يجري و استلامه للسلطة في ظل وجود القوى الدولية على ارض العراق، و لم يلتفتوا ابدا الى ما صنعته الدكتاتورية لعقود من القتل وضرب الشعب بالاسلحة الكيمياوية و الانفالات و ما صنعته ايديها لعقود حكمها العجاف من الاوضاع و الظروف لهذا الشعب المعطاء، و لم ينظروا في لحظة ما لموزائيكية تركيبة شعبه و ما تفرضه، و ما تربت عليه الاجيال تحت ضغوط وقيود النظام البائد. مايجري اليوم و بعد الثورات في المنطقة يثبت بالدليل القاطع خطأ نظرة و تحليلات و تفسيرات هؤلاء الى العراق مابعد السقوط في حينه، لانهم يمرون اليوم بنفس الحال بالتمام و الكمال و هم حرروا انفسهم بانفسهم دون اي تدخل خارجي او حتى مساعدة من القوى الدولية كما نعلم، بل على العكس تفاجات العالم و تقبل البعض ما يجري رغما عنه و عن مصالحه، و حدث ما حدث و شاهدنا الارتدادات نفسها كما شاهدناها في العراق و ربما باشكال مختلفة و هذا طبيعي لاختلاف تركيبة المجتمعات، و سوف نرى الكثير بعد سقوط الاخرين، وهذا يدل على صحة اعتقادنا بان الاسباب الموضوعية كانت هي السبب اكثر تاثيرا من الذاتية و تحقق صحة الاعتقاد . يجب ان نذكر هنا اليوم، ان التضحيات التي قدمها الشعب العراقي قبل التحرير و لسنين عدة اضعاف ما تقدمه هذه الشعوب اليوم و يحرروا انفسهم من ربق الدكتاتوريات و السلطات الشمولية و يكسروا قيودهم ، و التي لم تصل اي من تلك النظم في غدرها و ظلمها و قمعها لشعوبها و تسلطها كما كان عليه النظام الدكتاتوري العراقي باقل نسبة تذكر، الا انهم ناضلوا و واجهوا الدكتاتورية لحين اتتهم الفرصة و استغلوها دون تردد و كانوا محقين في ذلك كما ثبتته الايام . علينا ان نذكر ايضا، لو كان العراق لا سامح الله غير متحرر لحد اليوم و المنطقة تمر بهذه المرحلة و الظروف و ما تتميز بها و ما فيها من التغييرات و الثورات لكان الشعب العراقي سباقا في تحرير نفسه بعيدا عن اي تدخل خارجي كما يثبت ذلك التاريخ و نضالاته و مقاومته و وقوفه ضد اعتى دكتاتورية في التاريخ، و كان يناضل ويقدم تضحيات في زمن لم يكن احد ينبس ببنت شفة في اية منطقة اخرى. لنذكر للتوضيح فقط، بعد تحرير الشعوب في هذه المنطقة بعد الهبات و الثورات الشبابية التي تستحق التقدير، و اليوم نرى من يبحث عن مساعدة من تلك القوى التي اعتبرتها حتى الامس القريب محتلا للعراق، و هذا ايضا يثبت صحة اقدام الشعب و المعارضة العراقية في حينه على اسقاط الدكتاتورية باية طريقة كانت، فصدق القائل بانه لا يصح الا الصحيح في النهاية .
#عماد_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا الى اين ؟
-
حقا كلما ضاقت فُرجت
-
لا تستغربوا من مواقف الموالين للنظام السوري مهما كانت نسبة ث
...
-
ما بين المثقف السياسي و السياسي المثقف
-
لماذا لم يتعض بشار ممن سبقوه
-
ما التيار الغالب بعد موجة الثورات في المنطقة؟
-
لماذا يتشبثون بالحكم مهما حصل ؟
-
سكت بشار دهرا فنطق كفرا
-
الحفاظ على استقلالية التظاهرات على عاتق المثقفين
-
تجسيد نظام سياسي جديد هو الحل
-
مؤتمر وطني لحل ما يحدث في اقليم كوردستان
-
الدروس المستخلصة من تظاهرات الشعب العراقي
-
استخدام القوة المفرطة سينعكس على اصحابها حتما
-
العولمة و الصراع السياسي في كوردستان
-
فسقط الصنم الثالث و اما بعد........!!
-
عزيمة الشباب لن تدع التاريخ ان يعيد نفسه
-
ثورة الشباب بين الاندفاع الجامح و الخوف الكابح
-
سمات المرحلة الجديدة في الشرق الاوسط
-
هل وجود سوريا في المحور الايراني ينقذها من الانتفاضة
-
اسباب استمرار العنف في العراق لحد الان
المزيد.....
-
فوز يساري مسلم في الانتخابات التمهيدية لرئاسة بلدية نيويورك
...
-
اليساري ظهران ممداني يفوز في الانتخابات التمهيدية لرئاسة بلد
...
-
بلاغ المكتب الوطني للنقابة الوطنية للعاملين بالتعليم العالي
...
-
بيان مشترك .. الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية تدين العد
...
-
الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية تدين العدوان الأمريكي -
...
-
تيسير خالد يهنئ الشعب الايراني بانتصاره على العدوان وحلف ترا
...
-
لا للعدوان الصهيوني -الامبريالي ضد ايران، نعم لفلسطين مستقلة
...
-
لمحة عن التكنولوجيا المستخدمة في ملاجئ الأغنياء
-
الشيوعي العراقي يدين العدوان الامريكي ويدعو إلى وقف الحرب ال
...
-
تحميل كتاب شابور حقيقات: إيران من الشاه إلى آيات الله، حول ا
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|