أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ثورة ضد الإقطاعيين الجدد















المزيد.....

ثورة ضد الإقطاعيين الجدد


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3366 - 2011 / 5 / 15 - 21:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كانت سورية مشتهرة بانقلاباتها العسكرية التي قاربت عشرا خلال نحو عقدين من السنين، 1949-1970، قبل أن تشتهر بالنقيض: نظام "مستقر" طوال 4 عقود متواصلة. وبعد حياة سياسية أكثر اضطرابا وقلقا من أن تكون مناسبة لتطور بلد فتي، فُرض على البلاد تجميد سياسي قسري أقل ملاءمة بعدُ لتطورها. كان زمن الانقلابات العاصفة مضعفا للتراكم الوطني، لكن زمن "الاستقرار والاستمرار" كان مضادا للتراكم تماما. هذا أحد وجوه المفارقة السورية: استقرار بلا تراكم، على المستويين الثقافي والسياسي، وكذلك على المستويين الاقتصادي والاجتماعي (نحو 31% من السوريين يعيشون دون دولارين في اليوم في عام 2004، حسب دراسة للأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة السورية).
وأهم من ذلك ضآلة، بل سلبية، التراكم على مستوى تكون سورية كدولة وطنية حديثة، وظهور السوريين كشعب. فضلت السلطات دوما دعم الزعامات الأهلية من رؤساء دينيين وشيوخ عشائر ووجهاء محليين، وضرب أية قيادات سياسية أو ثقافية مستقلة. وعبر عقود آلت العلاقة بين الطرفين إلى ارتباط وثيق، بحيث تمر إعادة إنتاج النظام عبر إعادة إنتاج تلك الروابط الحصرية اللاغية للمواطنة. لم يفرض هذا المنطق دون مقاومات متنوعة، تولتها أحزاب سياسية ومثقفون، لكنها كانت تعزل وتقمع على الدوام. والانتفاضة الحالية موجة كبرى من موجات هذه المقاومة، تواجه بالمنطق نفسه: القمع والتشويه وتنشيط الآلية التقسيمية المجربة. لا رصيد واقعيا لسردية الإمارات السلفية في درعا وحمص وبانياس، لكن لها وظيفة مهمة: تغذية أزمة الثقة الوطنية التي تمنح النظام دورا تحكيميا، وتقنع من قد يتحفظون عن جوانب متزايدة من ممارسته وسياساته أن يصطف خلفه رغم كل شيء، لأن البديل عنه أسوأ حتما. فوق أنه غير صحيح، يشير حصر خيارات السوريين بين السيء والأسوأ إلى أن النظام مفتقر إلى قضية إيجابية من أي نوع.
وبعد عقود من هذه السياسة، سورية اليوم مريضة، مستنزفة، لا تتعافي. العوامل الممرضة مستمرة وبفاعلية، ومنها بخاصة أن نظام الحكم بالذات مانع من الالتئام الوطني، بل يرى فيه خطرا مصيريا عليه. إذا كان المحكومون، أو أكثرهم، غير موثوقين، بل هم أعداء محتملون، فإن الشيء الصحيح هو إحكام مراقبتهم، والعمل على تفريق صفوفهم، وبالطبع الاجتهاد في إلحاق الهزيمة بهم.
يعوق نمط ممارسة السلطة هذا بصورة متعمدة تكون الشعب السوري، ويحول دون الترقي السياسي والأخلاقي لعموم السوريين. ولقد تحقق بالفعل مزيد من التباعد واللاثقة بين السكان في السنوات الأخيرة بفعل التقاء سياسات واعية تحرص على إعادة إنتاج البنى والروابط الأهلية، مع تراجع دور الدولة الاجتماعي ولبرلة اقتصادية مشوهة، ترفع الطلب على الروابط الأهلية، ومع مناخ ثقافي عالمي وعربي فاسد، يمنح للتمايزات الدينية والمذهبية قيمة تفسيرية كبرى (وبعض أكثر المثقفين السوريين شهرة في الغرب من مروجيه، وبعض تشخيصاتهم الخاصة بالذهنيات صارت تتواتر على ألسنة كبار المسؤولين السوريين)، بفعل ذلك كله يجري دفع المجتمع السوري نحو مزيد من الانقسام والتطييف. وهو ما يبدو مناسبا جدا لهياكل السلطة القائمة لأنه يطبِّعها، يجعلها تعبيرا طبيعيا عن مجتمع منقسم، وكذلك حلا لتنازع اجتماعي معمم يبدو وشيكا في كل حين.
في المحصلة، كان الاستقرار السوري استقرارا من فوق نازعا للاستقرار من تحت، مع ترابط دينامي بينهما. فلا يستقر فوق دون تفكك تحت وبقائه مكشوفا لا كيان له، ولا يستمر تحت في التفكك إلا بفعل آليات تفكيك وعزل نشطة من فوق. ليس فقط لا شيء تقدمي في نظام الأشياء هذا، بل إنه رجعي ولا إنساني في جوهره وأسسه. هذا ما يثور ضده السوريون.
قد يمكن وصف الانتفاضة السورية بأنها انتفاضة المجتمع اللامرئي ضد هياكل سلطة وثروة تحرمه ماديا وتضطهده سياسيا وتحتقره ثقافيا. بالمقابل، يظهر المجتمع المرئي، أو الذي يحتكر الرؤية والكلام والتسمية، نزعات فاشية صريحة حيال هؤلاء اللامرئيين، فيسترخص حياتهم، ويعمل على إبادتهم سياسيا، وينكر عليهم أية قضية أو مبدأ. ومن هذا الباب تواتر استخدام مدركات مثل التخلف والجهل والتعصب و...السلفية في وسائل الإعلام السورية، العامة والخاصة. بمجموعها، هذه المدركات تكشف البعد الطبقي القوي للصراع الجاري الذي يفضل الإقطاعيون الجدد الإيحاء بأنه "ثقافي" وطائفي. الواقع أنه لم يمر يوم تبدّى فيه أن الطائفية تحيل إلى الامتيازات، وسياسة ضمان أوضاع مواتية لأصحاب الامتيازات، ومنها التحالفات المحلية والإقليمية اللازمة لحماية البنى الامتيازية، أكثر مما في الشهرين الأخيرين. ومن شأن نظرة سريعة إلى حوار مدهش أجرته "نيويورك تايمز" في 10/5 مع "رجل الأعمال" السوري الفائق الشهرة، رامي مخلوف، أن تقنع بشراسة هذه الحرب الطبقية، وبأن مدرك "السلفية" في خطاب الملياردير الشاب ليس غير عنوان لحرب مطلقة، قال بالفعل إن النظام قرر خوضها حتى النهاية ضد... "السلفيين". الرجل بالمناسبة غير ذي صفة سياسية، لكنه تكلم كمحارب، وباسم النظام ككل.
سيلزم وقت أطول من أجل نظر مدقق في التحولات الطبقية في سورية، لكن يمكن القول منذ الآن إن الطبقات والعلاقات بينها ليست قناعا يخفي الطوائف، بالعكس إن الطوائف والعلاقات الطائفية تخفي أوضاعا طبقية تمييزية وعابرة للطوائف. هذا لا يستنفد العلاقات الطائفية ولا يلغي استقلالها، لكنه ينكر أنها علاقات تضامن انفعالية وغير عقلانية، لا شأن لها بالمصالح والامتيازات.
على أن تمازج الطبقي والطائفي يلون البنية الاجتماعية بلون ما قبل حديث، يحيل إلى علاقات السيادة والتبعية التي تجد في "الحداثة" (الاستهلاكية والشكلية والجوفاء) إيديولوجية مشرعة لها. ليس جديدا أن يفكر الإقطاعيون في الزمن كأبد لا كتاريخ، وفي المجتمع كمراتب قارة أو "أصناف" اجتماعية لا تتغير، وأن لا يفصلون بين الحكم والملك.
بعد نحو نصف قرن من الحكم البعثي، آلت سورية إلى أوضاع اجتماعية تمييزية، محافظة جدا، وبالغة الشراسة في ممانعتها للتغيير، أوضاع لا تقارن بتلك التي قامت "ثورة الثامن من آذار 1963" ضدها. الصراع الجاري حاليا في البلاد هو، من حيث معانيه ورهاناته، ثورة كلاسيكية من أجل تغيير تقدمي وتحرري لهذه البنية. وستكون مساهمة إيجابية في هذا الصراع التقدمي إبراز أنه صراع ضد أوضاع وبنى امتيازية، ومقاومة التأويلات الثقافية والطائفية له.
سورية بحاجة إلى نظام جديد، وإلى استقرار جديد يكون إطارا للتراكم الوطني. وقد لا يمر وقت طويل قبل أن يوصف ربيع عام 2011 بأنه فاتحة التحول نحو سورية جديدة معافاة، تجمع بين تغير دوري للفوق، واستقرار مثمر للتحت.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة إلى الوراء ممتنعة، التقدم إلى الأمام صعب، لكن لا بد م ...
- في بعض أصول الأزمة الوطنية السورية الراهنة
- الديمقراطية أو البريرية؟ لا بديل آخر
- حوار: اللي يجرب المجرب...!
- سجين دمشق
- الانتفاضة الشعبية وإعادة بناء النظام السياسي في سورية
- أزمة وطنية يمكنها أن تكون فرصة تجدد وطني
- حوار عن سورية
- من السلطة الشخصية الدائمة إلى الجمهوريات الجديدة
- قٌضايا الإصلاح الوطني في سورية، ورقة نقاش
- -لاستقلال الثالث- وأفق الثورة الثقافية
- من الوطنية الممانعة إلى الوطنية الديمقراطية
- قضايا في شأن تونس الجديدة
- فرِّق تسد، خوِّف تأمن، اعزل تدم!
- الخطة الشعبية المجرّبة لإسقاط الأنظمة المتجبرة
- في شأن الثورات العربية والاحتمالات السورية
- العرب، الرابطة العربية، القومية العربية: نظرة جديدة في أوضاع ...
- مصر وتونس، ونهاية عالم ما بعد 11 أيلول!
- غياب -الأجندات- ليس فضيلة ثورية
- أهؤلاء نحن؟ لا بأس بنا!


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - ثورة ضد الإقطاعيين الجدد