أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مصر وتونس، ونهاية عالم ما بعد 11 أيلول!















المزيد.....

مصر وتونس، ونهاية عالم ما بعد 11 أيلول!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3283 - 2011 / 2 / 20 - 14:46
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


قد يمكن النظر إلى الثورتين المصرية والتونسية كرد على 11 أيلول 2001 وعوالمه السياسية والثقافية والسيكولوجية. وبالتحديد ترد الثورتان على فكرة "التغيير من الخارج"، وعلى مجمل ثقافة ما بعد 11 أيلول، بما فيها العدمية الإسلامية ممثلة بتنظيم القاعدة، والسلفية الجهادية عامة.
كانت فكرة "التغيير من الخارج" موضوعا لقدر ضخم من النفاق في النقاش العربي. كثير ممن هم ضد التغيير من الخارج هم ضد التغيير أيا يكن مصدره. وهو حال أطقم الحكم في بلداننا ومحاسيبها والموالين لها. بعض آخر من مناهضي التغيير من الخارج هم ضد "الخارج"، والمقصود الغرب، في كل حال. وهو ما ينطبق على طيف إسلامي قومي عربي متنوع. نقطة الضعف في الحالين هي عدم قول شيء عن "الداخل". لسان حال الأنظمة وإيديولوجيها هي أن التغيير من الخارج مرفوض، ما يوحي، كذبا، أنهم مع التغيير من الداخل. أما من أيدوا مبدأ التغيير من الخارج، فألحوا بشدة على أن "الداخل" مصمت ومنحط وغير مؤهل أبدا للتغيير. وكان وضع العراق المحكوم من صدام يبدو مُصدِّقا لهذا الحكم. ولقد تكتم أولئك الدعاة عن واقع أن "الخارج" طرف سياسي بعينه، له مصالحه وانحيازاته وخططه الخاصة، وليس مبدأ تغيير مجرد. ولن يقول أحد من دعاة "التغيير من الخارج" إن فكرة التغيير تولدت عند هذه الطرف الخاص، الأميركي، في سياق "الحرب على الإرهاب"، الأمر الذي أحال الديمقراطية العربية المأمولة إلى بند ملحق في أجندة أوسع، ذات تمركز تام حول "الخارج"، الأميركي.
ولا يكشف رفض التغيير مرة، والرفض المجرد للخارج مرة، وإنكار الصفة الخاصة للخارج مرة ثالثة، عن غير غياب النقطة المركزية عن النقاش: الداخل الاجتماعي والوطني لبلداننا. هذا لم يمثله أحد. لا الأميركيون طبعا. ولا النظم الحاكمة، طبعا. ولا الإيديولوجيون الممانعون، طبعا. وحتى المجموعات المعارضة التي تعرّف نفسها بالديمقراطية قلما استطاعت أن تعرّف ديمقراطيتها على نحو متسق بدلالة هذا الداخل الاجتماعي الوطني. على أن تشكيلاتها المحاصرة في كل من مصر وتونس وسورية وغيرها كانت الأقرب فكريا وسياسيا إلى هذا الداخل وتطلعاته.
عدا عن كونهما تغييران كبيران، ومن "الداخل"، أظهرت الثورتان المصرية والتونسية أن لهذا الداخل بنية وشكلا، أن مجتمعي البلدين مركّبان، تُحرِّك فئاتٍ واسعة منهما مطالب اجتماعية وسياسية، تماثل ما يحرك الناس في أية مجتمعات أخرى. أظهرتا أيضا أن الناس لدينا يتطلعون إلى الحريات العامة والكرامة والعدالة، والديمقراطية، على النحو المقرر عالميا، وفي الغرب قبل غيره، وأكثر من غيره.
ردت الثورتان أيضا على ثقافة 11 أيلول. تشكلت عناصر هذا قبل عقد واحد على الأقل من 11 أيلول نفسه. ارتبطت هذه الثقافة باسمين أميركيين معروفين، صموئيل هنتنغتون صاحب نظرية صراع الحضارات، وفرانسيس فوكوياما صاحب نهاية التاريخ. وهي تجمع بين تعريف ثقافي للمجتمعات والدول، وبين اعتبار تنظيمات الغرب المنتصر وقتها حديثا في الحرب الباردة محطة التاريخ الأخيرة. وتحديدا الديمقراطية الليبرالية ، دون أي جهد لفصلها عن رأسمالية محابية جدا للأغنياء، أو للتفكير في دولة يتراجع اهتمامها بالشرائح الأكثر حرمانا، أو في كوكب بئن تحت وطأة مشكلات البيئة.
وقد انتقلت هذه الثقافة إلينا بصورة فورية، وسجلت حضورا لافتا في تفكير المثقفين السياسي والاجتماعي والثقافي. وتشكل تيار ثقافوي واسع يشرح على طريقة هنتنغتون مجتمعاتنا بالثقافة، مقلصة إلى بعدها "الثابت" (بين استقلال بلداننا وسبعينات القرن العشرين كانت كلمة ثقافة تدل على ما نكتسب ونتعلم، وليس على ما نرث)، ثم تقليص البعد الثابت إلى الدين، ثم تقليص هذا إلى الإسلام (وغالبا تقليص الإسلام إلى صيغته السنية). وبالمقابل، اعتبار الغرب المعاصر مآل التاريخ، معرفيا وسياسيا ومؤسسيا.
وبقدر ما هي مُعرّفة ثقافيا، فستبدو مجتمعاتنا مصمتة، يتماثل حكامها ومحكوموها في ثقافة واحدة، حتى ليبدو الحاكمين ضحايا لهذه الثقافة المريضة أكثر من المحكومين. وستقود هذه الدوغما الغثة غير قليل من المثقفين المعروفين إلى معاداة حركات الاعتراض الاجتماعي والسياسي، والوقوف إلى جانب الأنظمة الاستبدادية الفاسدة والوراثية بذريعة أنها عقلانية أكثر من غيرها، وأن البديل الوحيد عنها هو التيارات الإسلامية التي بدت لهم تعبيرا عن فساد ثقافتنا، وليست حركات اجتماعية سياسية تشرح بلغة العلوم الاجتماعية، ويمكن الاعتراض على مثالها الاجتماعي وعلى أفكارها.
هذه العقيدة حطمتها الثورتان بجدارة. أظهرتا أن الإسلاميين قوة جزئية في مجتمعاتنا، أنهم أقرب إلى التضرر من سقوط النظم الاستبدادية منهم إلى الاستفادة منه، أن التوهيم بقوتهم كان مصلحة لتلك الأنظمة لتزكية نفسها أمام القوى الغربية، وقطاعات من مجتمعاتها، وأنهم هم، أولئك المثقفين، كانوا إيديولوجيين لتلك النظم عمليا، وأجنحتها الأمنية تحديدا، وفي حالات غير قليلة بوعي كامل.
لكن الثورتين أطاحتا بوجه ثالث من وجوه عالم ما بعد 11 أيلول، الوجه السلفي الجهادي للإسلام، وبقدرٍ ما الوجه الإسلامي السياسي عموما. ظهر المجتمعان المصري والتونسي متنوعان اجتماعيا وثقافيا، والشرعية التي يمكن أن يكتسبها الإسلاميون في تونس الجديدة ومصر الجديدة شرعية تستند إلى قيم وطنية وديمقراطية ومواطنية، وليس إلى قيم دينية. ظهر أن الإسلام ركن من أركان الشخصية الوطنية لمصر، لكن دون وجاهة للاستنتاج بأن هذا يمنح الإسلاميين امتيازا خاصا عن غيرهم. وبينما لم تظهر أمارات التدين في تونس بقدر ما ظهرت في مصر، يبدو إن الشرعية التي يطلبها الإسلاميون التونسيون شرعية وطنية ودستورية، مستندة إلى مبادئ الديمقراطية والمواطنة.
ولقد ضرب الظهور العلني للشعب في الميدان العام، بصورة مسالمة وبأعداد كبيرة جدا وبروحية دنيوية وعصرية، المشروع السلفي الجهادي، النخبوي والتآمري والعنفي جوهريا. هذا المشروع تعبير عن اختناق مجتمعاتنا السياسي والنفسي، وعن تمردها ضد ذاتها والعالم، فإذا ظهرت عليها علامات التعافي كان مرجحا فيما نرى أن يكون مصيره هو الفناء المستحق.
وفي المجمل يبدو أن الثورتين وجهتا ضربات قوية للتمثيلات المعرفية والسياسية التي روجتها النظم الاستبدادية والتيارات الإسلامية والمراكز الغربية عن مجتمعاتنا المعاصرة. وفي الوقت نفسه لم تعرض أي منهما موقفا عدائيا موتورا ضد الغرب، ولا جنحت نحو تحطيم الدولة أو حتى اجتثاث الحزبين الحاكمين الفاسدين، ولا نحو أي شيء يشبه معاداة الإسلام أو الإسلاميين.
هذا تغير كبير. يعطي الأولوية، معرفيا، لوجود مجتمعاتنا في التاريخ على حساب ماهيات مفترضة لها، أو أية خطاطات إيديولوجية متصلبة. وبهذا فهما ثورتنا محررتان فكريا بقدر قد يفوق كونهما محررتين سياسيان واجتماعيا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غياب -الأجندات- ليس فضيلة ثورية
- أهؤلاء نحن؟ لا بأس بنا!
- مثل المصريين والتونسيين تماما، لسنا خارج الأمر!
- حركات التحرر المواطني...
- ثورات الكرامة
- من يتضرر من الثورة التونسية؟
- مغتسلا بالنار، المغمورُ بطلا
- في تونس ثورة... مفتوحة الآفاق
- من نزاعات الهوية إلى الاحتجاج الاجتماعي
- مناقشة لكتاب -السلفي اليتيم- لحازم الأمين
- الماهية والكراهية: الأديب الفصيح ضد -الرعاعة الأمة-
- خاووس
- يتغير السودان، المهم ألا يتغير النظام
- المرض بالإسلام...
- عرض نقدي لكتاب جلبير الأشقر: العرب والمحرقة النازية، حرب الم ...
- ويكيليكس والدول
- الحلول بخير في مصر، والمشكلات أيضا!
- في الكاريزما وصناعتها وأطوارها وتوابعها الإيديولوجية
- هذا الفصام الكردي المستمر...
- عدمية فيض المعنى: نظرات في أصول العنف الإسلامي


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - مصر وتونس، ونهاية عالم ما بعد 11 أيلول!