أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسين الحاج صالح - ويكيليكس والدول














المزيد.....

ويكيليكس والدول


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3214 - 2010 / 12 / 13 - 15:03
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


شرط إمكان الحرج الذي لحق بدول كثيرة من جراء تسريبات موقع ويكيليكس هو الدبلوماسية السرية التي تلتزم بمبدئها دول العالم المعاصرة جميعا، من ألفها إلى يائها. لدى الدول كلها ما تخفيه عن بعضها، وعن مواطنيها. ربما عن الأخيرين أكثر. النخب السياسة في العالم قد تتصارح في بعض شؤونها، وقد تتبادل أسرارا فيما بينها، لكنها لا تفعل الشيء ذاته أمام محكوميها. هذا ينطبق أكثر على ما تسرب بخصوص دول عربية. تبلغ شفافيتها أمام الأميركيين حدود الابتذال وتتعداها، بينما هي كتيمة كل الكتامة أمام المحكومين.
أميركيا وغربيا، تمثل رد الفعل الغالب في توبيخ الأميركيين على تهاونهم في حماية وثائقهم السرية، وفي دعوتهم إلى التشدد في ضمان سرية هذه الوثائق، بينما مضت جهات يمنية أميركية إلى حد اقتراح تصفية جوليان أسانج، صاحب الموقع. لم ترتفع بالمقابل أصوات تدعو إلى طي أزمنة الدبلوماسية السرية، ووجوب إتاحة المعلومات لجميع الناس في كوكب يزداد ترابطا. كانت دعوات كهذه مميزة للحركات اليسارية والديمقراطية في الغرب في وقت مضى. وقد نذكر أن من أول ما فعلته الحكومة البلشفية بعد ثورة 1917 في روسيا هو كشف المعاهدات السرية للدول الامبريالية، ومن بينها روسيا القيصرية. وكان من بين ما كشف اتفاقية سايكس بيكو لتقاسم المشرق العربي بين البريطانيين والفرنسيين (والروس). غير أن روسيا السوفييتية تحولت بعد حين وجيز إلى واحدة من الدول الأكثر سرية وانغلاقا حيال رعاياها كما حيال العالم الخارجي. واليوم يبدو أن الدول جميعها، أكثر سرية وكتامة عما كانته من قبل، وأقل تعرضا للرقابة من الجمهور العام. ولا يبدو أن السرية هذه إجرائية، كتمانٌ يستعان به تيسيرا لقضاء الحاجات أو اجتنابا لمخاطر مرجحة. إنها سرية مبدئية، تنبع من مفهوم السياسة الخاص بالدولة القومية الحديثة، بوصفها (السياسية) جهدا لتعظيم القوة الذاتية وحماية المصلحة القومية (الأنانية جوهريا)، وما تقتضيه من إضعاف الخصوم وإبقاءهم مكشوفين أمامنا. أي أن أصل السرية هو الطابع التنافسي الشديد للسياسة المعاصرة، وللبيئة الدولية المعاصرة. نظرية المؤامرة تنشأ في هذه العالم السياسي. إنها الظل الذي لا يفارقه. الدول بما هي ذلك لا تكف عن التآمر، على سكانها أولا، وعلى بعضها ثانيا. نظرية المؤامرة تحول هذا الواقع الحقيقي إلى رواية خيالية.
تتناقض سرية الدولة، حيال مواطنيها بخاصة، مع مفهوم الدولة ذاته بوصفها المقر المفترض لما هو عام وعلني في مجتمعها. لكن لعل اطراد السرية هذه، وشمولها الدول جميعا دون استثناء واحد، يشكك في صلاحية هذا المفهوم، ويتوافق مع مفهوم أكثر صراعية وجزئية للدولة، وأقرب إلى التصور الماركسي لها. لا نريد من ذلك أن الدول سواء في هذا الشأن، وأنه ما دامت الشفافية المطلقة غير محققة لأية دولة، فإن كل الشفافيات النسبية متساوية (وهو ضرب من المحاكمة شائع عربيا). هذا غير صحيح. لكن غير صحيح بالمثل أن هناك دولا تصلح معيارا عالميا للشفافية. المعيار غير محقق في أي مكان، فإذا كنا نتطلع إلى عالم أكثر شفافية، فهذا يوجب المثابرة على إدانة السرية والدفاع عن العلنية وممارستها، بطريقة أسانج أو غيرها، وليس الدفاع عن هذه الدولة أو تلك الكتلة الدولية الأكثر علنية من غيرها (هذه المحاكمة المعاكسة لسابقتها شائعة عربيا أيضا). دول العالم ليست مثل بعضها، لكنها ليس بينها دول مثالية. هذه النقطة مهمة لاعتبار نظري: عالمنا مترابط، ولا توجد مناطق إنارته وعتمته منفصلة عن بعضها، بل لعل "إعادة إنتاج" الشفافية فيه هناك موصول بدرجة ما مع إعادة إنتاج الكتامة والسرية هنا. هذا على كل حال هو معنى الكلام على عالم واحد مترابط. وهي مهمة بعدُ لاعتبار عملي: نتشكك في جدوى العمل من أجل الانفتاح محليا ضمن عالم منته أو مغلق.
في بريطانيا يجري الكشف عن بعض وثائق الدولة السرية بعد ربع قرن، وعن بعض آخر منها بعد زمن أطول، ويترك تقدير ذلك للحكومات. وفي أميركا تكشف الوثائق المماثلة بعد 35 عاما. الفضل في ذلك لتاريخ من الكفاح الديمقراطي استقر بمحصلته أن الأصل في المعلومات هو العلانية، وأن تكون مكشوفة ومتاحة للجميع، وجعل نفاذ جميع السكان إلى جميع المعلومات التي تؤثر على حياتهم بصورة ما حقا أساسيا. لم تكف النخب الحاكمة في الغرب يوما عن محاولة الالتفاف على هذا الحق، ولقد كانت ناجحة في الغالب بفضل الذريعة الذهبية الخاصة بالأمن القومي. لكن من يضمن أن حجب بعض المعلومات بذريعة الأمن القومي لن ينقلب إلى اصطناع الأخطار القومية من أجل حجب أكثر المعلومات، ومن ثم التلاعب بالسكان؟ ليس هذا احتمالا بعيدا. هو ممارسة مبتذلة في بلادنا بالذات. لكنها ليست فريدة في هذا الباب. الحكام والحكومات عموما أخبث بكثير من إبليس. وهي لا تصلح قليلا إلا مضطرة، وبفعل جهود إصلاحية يقوم بها عدد أكبر من أناس أصلح في ظروف مخصوصة. فإن استرخى هؤلاء أو خفت رقابتهم لم تتأخر الدول عن الفساد والخبث. أما الحكم الصالح كليا ونهائيا فغير موجود إلا كطوبى، يمكنها أن تلهم كفاحا تحرريا متجددا، أو تستولي عليها سلطات ونخب لتسويغ هيمنتها وتسلطها على ما شهد القرن العشرين.
في بلداننا لا تكشف الحكومات الوثائق السرية أبدا، ولا تقدم كشف حساب لأحد (اللهم إلا لناخبيها الحقيقيين، في المركز). هذا لأنها مهما طالت بها "الدولة"، تشعر في أعماقها أنها عابرة، وأن "مواطنيها" المفترضين هم الأعداء الذين يجب مراقبتهم والتحكم بهم وتفريقهم وحجب المعلومات عنهم، مع إبقائهم هم مكشوفين تماما، شفافين تماما، مرئيين من داخلهم وخارجهم، ومحرومين من الخصوصية والأسرار. الدولة في بلداننا هي المنظمة الأشد سرية (والأكثر تطرفا عنفا وفئوية). فماذا لو انكشفت أسرارها، والأرجح أن بعضها أسرار أساسية، تتصل بقيام الدول والسلالات وأمنها ودوامها، وليست مجرد أسرار سياسية تتصل بكيفية الحكم، ماذا لو وقع ذلك؟ من المحتمل جدا أننا "سنضحك... سنضحك كثيرا"، حسب عنوان قصة لزكريا تامر. لكنه ضَحِكٌ كالبُكا!



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلول بخير في مصر، والمشكلات أيضا!
- في الكاريزما وصناعتها وأطوارها وتوابعها الإيديولوجية
- هذا الفصام الكردي المستمر...
- عدمية فيض المعنى: نظرات في أصول العنف الإسلامي
- من العداء للغرب (والتمركز حوله) إلى إصلاح العالم
- إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية
- حوار هادئ في قضايا راهنة
- الطائفية كمحصلة لأزمة الهيمنة الوطنية
- هل من معنى عام لتقييد المظاهر والرموز الدينية في سورية؟
- من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي
- تطور معكوس: الطبيعة والماضي يسيطران... والخارج أيضا
- في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح
- نظرة عامة إلى بعض ملامح الاجتماع السياسي السوري المعاصر
- هذا التفاوض متهافت، و-عملية السلام- كاذبة
- التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين
- محمد أركون.. منقذا من الضلال!
- الإصلاح الإسلامي: من -الدين الصلب- إلى -الدين اللين-
- خسر العلمانيون، وفازت العلمانية!
- هل المثقفون مسؤولون عن نوعية تلقي أعمالهم؟
- -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون


المزيد.....




- رصدته كاميرات المراقبة.. شاهد رجلًا يحطم عدة مضخات وقود في م ...
- هل تعلم أنّ شواطئ ترينيداد تضاهي بسحرها شواطئ منطقة البحر ال ...
- سلطنة عُمان.. الإعلان عن حصيلة جديدة للوفيات جراء المنخفض ال ...
- في اتصال مع أمير قطر.. رئيس إيران: أقل إجراء ضد مصالحنا سيقا ...
- مشاهد متداولة لازدحام كبير لـ-إسرائيليين- في طابا لدخول مصر ...
- كيف تحولت الإكوادور -جزيرة السلام- من ملاذ سياحي إلى دولة في ...
- محاكمة ترامب -التاريخية-.. انتهاء اليوم الأول دون تعيين مُحل ...
- حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني في عمان يتقبل التهاني ...
- كاتس يدعو 32 دولة إلى فرض عقوبات على برنامج إيران الصاروخي
- -بوليتيكو-: الاتحاد الأوروبي بصدد فرض عقوبات جديدة على إيران ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ياسين الحاج صالح - ويكيليكس والدول