أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية















المزيد.....

إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3185 - 2010 / 11 / 14 - 10:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان الشاه محمد رضا بهلوي ساذجا. أراد أن يبني امبراطورية فارسية تقفز فوق تاريخ إيران وذاكرتها الحية إلى زمن الامبراطورية الأخمينية، وفوق جوارها وإقليمها إلى الارتباط بالمركز العالمي وراء البحار. كان مثل تحديثيين كثيرين من جيله وفيا لعقيدة "تنويرية" تربط بصورة ماهوية ين الشرق والإسلام والرجعية وبين الغرب والتقدم. من أجل تحديث إيران عمل على تهميش الإسلام، سياسيا وثقافيا. لكن، في صيغته الشيعية، الإسلام هو المقوم الأبرز للشخصية الإيرانية. سقط الشاه تحت وطأة تناقضين جوهريين في مشروعه: المزيد من تقدم إيران يعني المزيد من إضعاف شخصيتها، ثم الجمع الممتنع بين تبعية ذليلة للأميركيين وبين تبجح امبراطوري عدواني حيال محيط إيران وحيال داخلها أيضا.
عكس الشاه تماما كانت سياسة الثورة الإيرانية: الإسلام سيد، المجد الفارسي القديم سند تكميلي ومنبع اعتزاز قومي، وهو مكانة مرغوبة وليس مكانا يرجع إليه أو يجري تقليده، والعلاقة التبعية مع المركز الدولي الغربي مرفوضة. الثورة الإيرانية دينية الوجه، لكنها متحررة من الخرافات الشاهنشاهية. أكثر استقلالية، وأكثر واقعية، دون أن تكون أقل طموحا. اليوم يظهر أكثر وأكثر أن ثمة مشتركا بين العهدين هو الطموح الامبراطوري. الثورة تعرض قدرة أكبر ونجاحا أكبر في تحقيقه من جلالة الشاهنشاه أريامهر، شاغل عرش الطاووس. ما كان هذا يحاول التخلص منه، التدين الشيعي المنتشر في المجتمع الإيراني، تحول في الداخل إلى الركن الركين للحكم، وفي الخارج إلى أداة فعالة جدا للسياسة الخارجية. وما كان يظنه مصدر قوته، العلاقة مع الأميركيين، تحولت مقاومته إلى عنصر أساسي من عناصر هوية الحكم الإسلامي ومصدر شرعية النفوذ الامبراطوري لإيران الإسلامية.
بالإسلام الشيعي المطابق للوطنية الإيرانية، وبمخاصمة المركز الغربي المسيطر الموصوف بالاستكبار، ومركزه الأميركي الموصوف بالشيطان الأكبر، وبامتداد نفوذها السياسي والاستراتيجي في الإقليم إلى كل من العراق ولبنان، وبصورة مغايرة إلى سورية وغزة، لا ينقص إيران إلا السلاح المطلق (النووي) كي تكون مركزا امبراطوريا آمنا، يسيطر على الزمان أيضا، فوق أنه يبسط ظله في محيطه. إنها سيرة نموذجية لدولة قومية ناهضة، يغلب أن تكون فظة وعنيفة، داخليا وخارجيا، حين ترى ذلك لازما. وكم يتواتر أن تراه لازما!
للوهلة الأولى تبدو تركيا ممثلة لنموذج مختلف تماما عن إيران. لكن هذا انطباع متعجل. هنا أيضا أراد مصطفى كمال القفز فوق ذاكرة تركيا وتاريخها الحي من أجل تحديث بلده. وبعد الحرب العلمية الثانية ربط خلفاء أتاتورك حبالهم بالتحالف الأطلسي. ولقد كانت علاقتهم عدائية مع حركات التحرر الوطني العربية والآسيوية والأفريقية، رغم أنهم قادوا حرب تحرر مبكرة ضد القوى الاستعمارية بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، على ما يذكر أحمد داود أوغلو في كتابه الملحمي "العمق الاستراتيجي، موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية". هنا أيضا كانت سادت الفلسفة التنويرية ذاتها التي تماهي بين الإسلام والشرق والرجعية وبين الغرب والتقدم حسب أوغلو نفسه. وهنا كذلك جمعت الحكومات التركية المتعاقبة بين حس العظمة الذي يتكلم على "العالم التركي بين البلقان وسور الصين العظيم" وبين موقع ثانوي في التحالف الغربي. تفجر هذا التناقض بعد انتهاء الحرب الباردة. وجد الأتراك، بمن فيهم النخب الأشد علمانية وغربوية، أنهم لا يستطيعون أن يكونوا غير مبالين بمصير البوسنيين والمسلمين البلغار وبلدان آسيا الوسطى الإسلامية. وأن هذه الروابط التاريخية أرصدة استراتيجية، ليس هناك ما يسوغ الاستهانة بها أو الاستغناء عنها. وجدوا أيضا أن الاتحاد الأوربي الذي تقدموا بطلب العضوية فيه منذ أواخر ثمانينات القرن العشرين يماطل في قبولهم، ويتركهم بصورة غير كريمة واقفين على بابه. وبعد عقد من فقدان التوازن في التسعينات الماضية، ومنه علاقة وثيقة جدا بإسرائيل، وتهديد بالحرب لسورية، آل حكم البلاد إلى حزب العدالة والتنمية الموصوف بالإسلامي. لكن هذا قبل كل شيء حزب وطني تركي. الإسلام رصيد تاريخي واستراتيجي وسند رمزي وثقافي لا مسوغ للتخلي عنه، لكنه ليس عقيدة الحكم أو دستوره.
اليوم يبدو أن الأتراك يكتشفون أن الأهداف ذاتها التي سعى إليها أتاتورك، نهضة تركيا وعظمتها، أقبل للتحقق بأدوات ومناهج مغايرة. يتجاوزون تناقضات المشروع التحديثي التغريبي الذي يهدر تراث تركيا ويقطعها بصورة غير عقلانية عن بيئتها الجغرافية التاريخية، ويربطها بالمركز الغربي غير الودود. هذا تحول ثوري دون ثورة. بعض الفضل فيه يعود إلى التعلمن العميق للدولة التركية، وتحول الإسلام بالفعل إلى تراث أو رصيد قومي (مقابل رأسمال سائل أو إيديولوجية عمل سياسي مباشر).
بمنهجها الجديد تمارس تركيا نفوذا متناميا في جوارها، دون التخلي عن روابطها الأطلسية وتطلعها إلى العضوية في الاتحاد الأوربي. لكن كل شيء يخضع لمصلحة الدولة القومية الطامحة. لا هي اليوم دولة إسلامية بالمعنى المعياري للكلمة، ولا هي دولة تابعة لأميركا. إنها دولة مستقلة، تخضع روابطها كلها لمصلحتها العقلانية، وإن دون غفلة عن موازين القوى الدولية وإكراهاتها المحتمة.
تلجأ تركيا أكثر للقوة الناعمة وتتطلع سياستها الخارجية إلى الانضباط بمبدأ صفر من المشكلات مع جوارها. يبدو المبدأ رومنسيا بعض الشيء، ومتعارضا مع فكرة القومية أصلا، ولا يبعد أن يكون هو ذاته مصدرا للمشكلات في منطقة مثل "الشرق الأوسط" على نحو ما ظهر مطلع الصيف الماضي إثر الهجوم الإسرائيلي على "أسطول الحرية". لكن لا يبدو أن من شأن ذلك أن يشكل مراجعة أساسية للمنهج الجديد، منهج دولة قومية عقلانية متصالحة مع تاريخها، ويحركها نزوع امبريالي لا يكاد يكون خفيا في صفحات كتاب أوغلو المشار إليه فوق
إيران، بالمقابل، تبدو أكثر اعتمادا على القوة الخشنة، ويبدو أيضا أنها ترتاح أكثر في بيئة تكثر فيها المشكلات. لكن هذه الفروق ليست أساسية، ولعل الأصل فيها أن إيران تعاني من عقدة حصار وفقدان أمن منذ ثورتها قبل أكثر من ثلاثين عاما. وليس الوجه الديني البارز للحكم الإيراني مما يشكك في صفته القومية، وفي ما يعرضه من تطلع امبريالي أيضا. كل ما في الأمر أن الإسلام الشيعي مكون جوهري للوطنية الإيرانية كما سبق القول، وهو ما لا ينطبق بالقدر نفسه على علاقة تركيا (أو مصر) بالإسلام السني.
تجد الدولتان فراغ قوة ومعنى في المجال العربي، فتعملان على ملئه. تستفيدان من انكفاء الامبراطورية الأميركية. يصعب لومهما على ذلك.
ياسين الحاج صالح



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار هادئ في قضايا راهنة
- الطائفية كمحصلة لأزمة الهيمنة الوطنية
- هل من معنى عام لتقييد المظاهر والرموز الدينية في سورية؟
- من التحرر السياسي إلى الانبعاث الثقافي والأخلاقي
- تطور معكوس: الطبيعة والماضي يسيطران... والخارج أيضا
- في شأن -الثمرة المحرمة- وأصول الكلام الصحيح
- نظرة عامة إلى بعض ملامح الاجتماع السياسي السوري المعاصر
- هذا التفاوض متهافت، و-عملية السلام- كاذبة
- التمركز حول الدين في تنويعتين إيديولوجيتين
- محمد أركون.. منقذا من الضلال!
- الإصلاح الإسلامي: من -الدين الصلب- إلى -الدين اللين-
- خسر العلمانيون، وفازت العلمانية!
- هل المثقفون مسؤولون عن نوعية تلقي أعمالهم؟
- -النظرية الثقافوية في التاريخ- ووكلاؤها العامون
- الغيلان الثلاث وأزمة الثقافة العربية: مقالة غير عقلانية
- ياسين الحاج صالح في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول : الي ...
- إسرائيل ك-لاعدل- جوهري مستمر
- الدولة، الدولة أيضا، الدولة دوما
- في -السياسة الطبيعية- والمشكلات غير السياسية
- أهي نهاية الحداثة السياسية العربية؟


المزيد.....




- تحويلات المصريين بالخارج تقترب من 30 مليار دولار خلال 10 أشه ...
- ربما تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي.. ما حقيقة فيديو قصف إسرائي ...
- تراث أصفهان الفارسي والمواجهة بين إيران وإسرائيل
- غضب في مدينة البندقية على حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- يسمع ضجيج القنابل قبل صوت أمه.. عن طفل رضيع في مستشفيات غزة ...
- -فائقو الثراء- في ألمانيا يمتلكون أكثر من ربع إجمالي الأصول ...
- صحيفة روسية: هل هناك من يستطيع تزويد طهران بالقنبلة النووية؟ ...
- ترامب: يمكن للصين مواصلة شراء النفط الإيراني
- فيتنام تحاكم 41 متهما في قضية فساد بقيمة 45 مليون دولار
- صحف إسرائيلية: هدنة ترامب تريح طهران وتنعش مفاوضات غزة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - إيران وتركيا وتحولاتهما الامبراطورية