|
|
موجة الانتفاضات الثانية في الوطن العربي
سلامة كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 3358 - 2011 / 5 / 7 - 11:07
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
نشهد الآن الموجة الثانية من الانتفاضات في الوطن العربي، التي باتت تشمل كل من اليمن وليبيا وسورية، بعد أن قُمعت الانتفاضة البحرينية بقوة سعودية، ومع حراك شعبي متفاوت القوة في كل من المغرب والجزائر والأردن والعراق، ومحاولات حراك في لبنان. الأساس فيها كلها واحد، حتى تلك البلدان النفطية، وهو التكوين الاقتصادي الذي فرض مركزة الثروة وتهميش كتلة واسعة من الطبقات الاجتماعية. والحراك متشابه كذلك، حيث تندفع هذه الطبقات للتعبير عن ذاتها في مواجهة النظم من خلال مظاهرات شعبية، طابعها العام شبابي وإنْ كانت تضم رجال ونساء بأعمار مختلفة. ورغم القمع تفرض جرأة الشباب وقوة الشعب تحقيق التغيير، حيث تتفكك القوة القمعية للسلطة. لكن ووجه الحراك في البحرين بالتشكيك المعتاد من حيث أنه حراك "شيعي"، و"مرتبط بإيران"، فكل النظم تحاول أن تلصق بهذه الانتفاضات كل الصفات التي تتسم بها هي. ولا شك أنه من الطبيعي أن تتحرك الفئات المهمشة، وهي في البحرين "شيعية" الطابع، رغم أن حراكها لم ينطلق من هذا الانتماء الطائفي بل من كونها باتت مهمشة، إضافة إلى مشاركة فئات أخرى من "طائفة ثانية" كذلك، وهو الأمر الذي كان يوضّح بأن الانتفاضة تنطلق من هذا التهميش في مواجهة سلطة متمركزة بيد عائلة، وتمارس المنع والضبط. وبالتالي كان المطلب السياسي قائماً. وهو هنا لم يكن "إسقاط النظام" بل المناداة بـ "ملكية دستورية". المآل كان التدخل السعودي، حيث أن النظام هناك يستشعر الخطر المحدق في تحقيق أي تغيير في الجارة الخليجية، خصوصاً أن في السعودية وضع مشابه من حيث "التقسيم الطائفي" والتهميش، ولكن –أكثر من ذلك وأهم- كتلة كبيرة مهمشة ومفقرة. بالتالي فإن الانتفاضة هناك سوف تفرض الانتفاض هنا. ولقد شهدت السعودية بعض المظاهرات في الرياض، وتعيش احتقاناً عاماً، ربما أفادت "الرشوة" في تأجيل انفجاره، لكنه لن يبقى هكذا إلى زمن طويل. ولسوف تلعب المحرضات الإقليمية دوراً في تسريعه. ولهذا، وتحت الاتهام بالطائفية والارتباط بإيران جرى سحق الانتفاضة بقوة "درع الجزيرة" السعودية. وهنا سيبدو أن كل انتفاضات الخليج سوف ترتبط بالانتفاضة في السعودية ذاتها. لكنها كذلك سوف تصطدم بالوجود العسكري الأميركي. وقبل ذلك يمكن أن تلعب الأموال النفطية دوراً محدوداً في تأخير هذه الانتفاضات. أما في ليبيا واليمن وسورية فقد واجهت الانتفاضة رداً عنيفاً من قبل النظم، حيث أصبحت القوة العارية هي التي تحكم التعامل مع انتفاضات سلمية، وبدا أن الصراع يتجه إلى منحى دموي. ففي ليبيا ظهر أن نظام القذافي قد أسس فرقاً "أمنية" مسلحة بأحدث الأسلحة، وهي مكونة من مرتزقة أو من فئات باتت ترتبط مصلحياً بالنظام، ولهذا كانت في لُحمة كاملة معه. وفي اليمن ظهر بأن النظام كذلك أسس فرقاً مرتبطة مصلحياً بالنظام، ورغم انشقاق قطاعات من الجيش إلا أن النظام ظل يمتلك القوة القادرة على استمراره إلى الآن. وفي سورية يظهر إلى الآن أن هناك قوة متماسكة ملتحمة بالنظام هي التي تمارس القمع، رغم أن الأمور تبدو في أولها، ولم يظهر أي رد فعل من قبل قطاعات الجيش الأساسية مثلما حدث في ليبيا أو حتى اليمن. وسنلمس بأن هذه القوى العسكرية تحت سيطرة "عائلية" (أولاد القذافي وأولاد وأخوة علي عبدالله صالح...)، ولقد تشكلت خصيصاً للدفاع عن السلطة وليس لأي شيء آخر. لقد عمل كل من بن علي ومبارك على تأسيس قوة خاصة للدفاع عن السلطة لكنها لم تستطع الدفاع كما حدث في تونس (البوليس السياسي والأمن الرئاسي)، وهزمت أمام الشعب كما في مصر، رغم أن القوة العسكرية هنا والتي كانت قد بنيت للدفاع عن النظام وقفت في النهاية ضده (الحرس الجمهوري). ولهذا كان "انحياز" قيادة الجيش إلى جانب الشعب قد أفضى إلى سقوط الرئيس، والبدء في تغيير في النظام. لكن في الموجة الثانية بدا واضحاً بأن الجيش أو فرق أساسية فيه هي في تماسك شديد مع النظام، وأنها باتت تدافع عنه بعنف لا مثيل له. فقد حوّل القذافي الصراع إلى حرب حقيقية بين شعب أعزل سلمي وجيش يمتلك أحدث الأسلحة، وقام بمجازر أفضت إلى تدخل إمبريالي، رغم أن الولايات المتحدة كانت تماطل في التدخل وتدفع لأن ينتصر العقيد، وحين تدخلت شوشت ومالت إلى تقسيم ليبيا، وبدا أنها ظلت متمسكة بالعقيد إلى وقت قريب. لقد توضّح بأن العقيد يمكن أن يدمر الشعب، فـ "الشعب الذي لا يحبه لا يستحق الحياة" كما قال. وبدا وكأن الأمر يتعلق بنزل ملك شخصي منه، وأنه لن يغادرها إلا دمار. وبالتالي أعطى كل المبررات لذاك التدخل الإمبريالي. وفي اليمن ظهر بأن كتلة مهمة من الجيش ملتصقة بالرئيس، وهي تخضع لقيادة أبنائه وأخوته. وبالتالي لازالت تدافع عن النظام، فلم تجري التحوّل الذي يقود إلى رحيل الرئيس. وهذا الوضع هو الذي يفرض الاستعصاء اليمني إلى الآن، رغم الضغوطات الإقليمية والدولية. وسيبدو هنا كذلك بأن الولايات المتحدة لا تريد رحيل علي عبد الله صالح، ولهذا تقدّم الدعم له، فهو الذي فتح لجيوشها أبواب اليمن بحجة محاربة تنظيم القاعدة، الذي توضّح بأنه اختراع النظام ذاته. ولأن الشعب يقاتل سلمياً، وينتظر أن يسقط النظام كما الثمرة الناضجة، يستمر الاستعصاء، رغم رفض كل أحزاب المعارضة والقبائل وكل الشعب له. لكنه أيضاً يمتلك بعض شعبية يحاول أن "يهوّش" بها، ربما كان منطلقها قبلي أكثر من أي انتماء آخر. وفي سورية لازالت القوة هي التي تواجه الشعب، وما يساعد إلى الآن هو أن الحراك الشعبي لم يصل إلى كل قطاعات المجتمع، ليس لأنها مع النظام بل لأنها إما خائفة أو متخوفة. ولسوف تبقى السلطة قادرة على القمع إلى أن تتحرك كل قطاعات المجتمع، حينها لن تفيد القوة، وربما نعود إلى الحل التونسي/ المصري. في ليبيا القوة العسكرية المنضبطة هائلة قياساً لشعب لا يتجاوز عدده الخمسة ملايين شخص وفي مساحة هائلة الاتساع، وتفيد فيها الأسلحة المتطورة، إما في سورية فمهما كانت القوة المتماسكة لن تستطيع قهر الشعب. إذن، في الموجة الثانية من الانتفاضات أصبحنا في مواجهة العنف العاري، الذي لازال يمنع انتصار الثورات هنا. لكن التأخير ممكن، فقط.
#سلامة_كيلة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل حزب يمثل العمال والفلاحين الفقراء في سورية - الواقع ا
...
-
... عن أميركا والمؤامرة والتشكيك بالثورات العربية
-
ضد الليبرالية في سورية
-
سورية أيضاً، لِمَ لا؟
-
نحو حزب شيوعي عربي جديد-2
-
حول الموقف الأميركي والأوروبي من التغيير في تونس ومصر، وربما
...
-
شرارة الانتفاضة تصل ليبيا والعراق
-
مبادئ الماركسية في الوضع الراهن
-
الفيس بوك، انتفاضة
-
من هو الشيوعي اليوم؟
-
ما حدث وما يمكن أن يحدث في تونس
-
ليس رحيل بن علي فقط بل والطبقة الحاكمة أيضاً
-
مهماتنا الثورة ومشكلات التنظيم
-
الصراع الطبقي في الوطن العربي في الثمانينات
-
المسألة الطائفية كتحدي للمسألة القومية العربية
-
طريق الانتفاضة لماذا تثور الطبقات الشعبية؟
-
أطروحات من أجل ماركسية مناضلة
-
بيان لن يصدر حول الدعاية الصهيونية باسم اليسار
-
الدفاع عن الصهيونية -ماركسياً-؟
-
سلامة كيلة في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الماركسية
...
المزيد.....
-
I Was One of the First People to Say “Don’t Run, Joe.” Now I
...
-
Work in 2050 – Three German Scenarios
-
Absurdity in the Coverage of the Trump Administration’s Gaza
...
-
The Return of the “Turk”: Identity, Memory, and the Politics
...
-
Chicaneries, Contradictions, Justifications
-
The Canadian Dream Is Dead — But Co-ops Can Revive It
-
فشل مؤتمر قمة الأطراف COP30المرتقب
-
في تبييض أحمد الشرع
-
نحن بحاجة إلى الاشتراكية لإنقاذ الديمقراطية
-
وقفات احتجاجية في”مياه القاهرة” للمطالبة بـ”الأدنى للأجور” و
...
المزيد.....
-
الأسس المادية للحكم الذاتي بسوس جنوب المغرب
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(نظرية -النفايات المنظمة- نيقولاي إيڤانو&
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
قضية الصحراء الغربية بين تقرير المصير والحكم الذاتي
/ امال الحسين
-
كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة
/ رزكار عقراوي
-
كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
المزيد.....
|