أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - غزال الليل















المزيد.....

غزال الليل


محمد الذهبي

الحوار المتمدن-العدد: 3342 - 2011 / 4 / 20 - 15:49
المحور: الادب والفن
    



حزم أمتعته بسرعة، قبّل رأس أمه وجبينها، طبع للمرة السابعة قبلته على خد الصغير، مد إلي حقيبته السوداء، تسلق سلم "الكاميو"، سبَحَ بين صناديق البطاطس من الخلف إلى الأمام، أخيرا وصل، فرَشنا معا فوق الحجرة غطاء قطنيا زوَّدنا به السائق، استلقينا عليه متخالفين، رأسه بمحاذاة رجلي ورأسي بمحاذاة رجليه، تنفس الصعداء، كان هذا السفر ثقيلا عليه، لكن، "مع السلامة"...
خطةٌ مُحكمة تلك التي قام بها مصطفى، حفر ما بين الصناديق، ازدادت يده طولا، تحسّسَتْ أصابعه جسما ناعما، شكل كروي هو، أحاطه براحة يده، تململ في مكانه، أحس بالنشوة والمتعة، رُسِمَتْ على جبينه خطوط من عرق، تنهد قليلا، أعاد الكَرَّة ثانية وثالثة، ارتطم الماء بالهواء فوصل إلى وجهي على شكل زخات، مد إليّ يده بمكوَّرة حمراء مبللة...، ما أذكاه من سائق، غطى صناديق التفاح بصناديق البطاطس!!
بدر في تمامه، نجوم تسطع، جوّ صيفي هادئ، نسيم أريجي، دفئ هادئ، عيون تستلهم الصَّبر والسلوان من زُرقة السماء، تتراءى لها فيها وجوه الأحباب، ترسُم لهم بدورها قمصانا وأعضاء، اكتملت صورة أمي وهي تودعني، تضمني إليها، توصي مصطفى بالاعتناء بي، تغرورق عيناها بالدموع...،مدت إلي حقيبتي، لوحت لي بيدها مرات،"مع السلامة".
جلستُ إلى النافذة، أشجار التين والزيتون تمر بسرعة فائقة، ""ما أجمل فصل الصيف بين جبال" دادس"...فعلا ما أروعه من فصل تُزَف فيه العشرات من النساء إلى أزواجهن، تسمع فيه التغاريد والطبول ونواقيس السيارات وصفير الشباب وطقطقات البارود...""
قطع مصطفى حبل التفكير، مد إلي حقيبتي، انطلقت السيارة مخلِّفة وراءها زوبعة من الغبار، خلفها يأتي نداءُ صوتِ صغير: "عْمِّي مْصْطفى،عْمّي..." طبع مصطفى قبلة على خد الصغير، فعلت بدوري فعله وانطلقنا سائرين.
كان لفنجان القهوة الذي قدَّمتْه لي أم مصطفى بعد العصر مذاق لذيذ، على المائدة سمن وعسل وزيت وحلوى، شهيتي لم تستجب لها ما عدا لقيمات من العسل بإلحاح من الأم، الصغير يشكرني ـ منفذا بذلك تعليمات جدته ـ على ما أعطيته له في الطريق من شوكولاتة وحلويات.
فجأة ضغَط على الفرامل، ظننته سيقضي حاجته أو حاجة زوجته أو أحد أولاده الذين تمددنا فوق رؤوسهم، تأخر كثيرا، نزل مصطفى بعد أن ناداه، نزلت بدوري بعد أن ناداني مصطفى، همس في أذني، نظرت فإذا بلون وردي يعكس زجاجه ضياء بدرين، عجلةُ السيارة، ذاك هو السر.
السائق مستعجل ليصل في وقتِ موْعدٍ له بوَرْززات، مصطفى يجب أن يدرك أخاه قبل أن يسافر في الواحدة والنصف ليلا كي يأخذ منه مفاتيح منزل لهم في "قلعة مكونة"، توزعت المهام، نصيبي منها البقاء مع المليحة لمساعدتها في تغيير العجلة، ستوصلني حتما إلى مصطفى، سأحمل معي رافعة السائق وأدواته التي خرجت الحسناء بدونها، سنواصل الطريق في الصباح الباكر في الحافلة إلى مراكش، سنلتقي السائق هناك، سنعطي له أدواته مشكورين، بهذا أقنعاني ثم انطلقوا سائرين، بعد أن رمى إلي مصطفى بحقيبتي الصغيرة التي لا تفارقني في مثل هذه الأحوال.
سلمْتُ عليها وما كدتُ لأني فقيه صغير...، فتحت صندوق السيارة التي من نوع "ميكان"، شمرت على ساعدي، لم تدعني لآخذ العجلة، ركَّبَتِ التي في الصندوق مكانها، تتبعْتُ حركاتها بضوء النابعة الكهربائية، تخدعني النظرات، تذهب بي إلى اكتشاف هذا الجسد الناعم، كانت قوية ممتلئة، تميل إلى القصر قليلا، لم يتجاوز قميصها الركبتين، بارزة النهدين، محمرة الخدين، أستغفر الله.
كانت ماهرة، ماهرة ماهرة...، أرجعْتُ العجلة الضائعة بعد إلحاح إلى الصندوق، معها الرافعة وأدوات السائق في كيس بلاستيكي متين، أغلقتُ الصندوق برفق، أخرجَتْ من نافذة السيارة التي بجهة المِقوَد قنينة ماء وصابونة، صبت على يديَّ الماء بسرعة، صببتهُ عليها بدوري لكن برفق خشية أن يجرح الماء يديها الناعمتين.
انطلقتْ بسرعة، أطلقتْ صرخة مدوية، تنفست الصعداء، تركتْ لقرص مدمج ليقول كلمته بموسيقى صاخبة، أخيرا خفضتْ من صوته، التفتتْ إليّ، شكرتني من صميم القلب، وفتحَتْ حوارا ساخنا: من أنا؟ من أنت؟.
ــ أدعى نجيب، نجيب النجماوي، من دوار" أيت عربي"، هذا الذي سنصل إليه بعد قليل.
ــ ...أنا ثريا، من دادس...

*** *** ***

قصَدَتْها بعد الظهْر للزيارة، ابتهجتِ الخالة لطبق صورة أختها الراحلة، احتفلتْ بها على عادة أهل جبال دادس، حتما سيأخذ ذلك وقتا طويلا دون التفكير فيما سيؤول إليه الأمر، ذلك ما وقع.
أسدل الليل ستاره، وافق ابن الخالة على مرافقتها فيه، طرَق البابَ طارق، دور الخالة من ماء الساقية القليل لسقي فدادينها الليلةَ وصل، تراجع ابنُ الخالة عن قراره، هي لن يغمض لها جفن هناك، عادت لوحدها إلى حيث يقر لها قرار.
بلغة تحمل نبرة أوربية ثرثرتْ معي ونحن نشق الطريق بسرعة، نترك خلفنا أشجارا ترسم تحت القمر ظلالا، يداعبها الريح الصيفيّ ويغازلها فتشدو وتغني، تغري المارّين بمنظرها المدهش الجميل، ربما وقفوا وربما قادوا ببطء سياراتهم منتشين، لكن بالنسبة لغزالة كهذه التي بجانبي، خطر عليها التواجد هنا في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل.
دعوتُها لاحتساء فنجان قهوة بعد أن استوقفتُها، امتنعتْ شاكرة لي لطافتي، وعدتْني بالزيارة في الصّيف المقبل، فانطلقتْ كعادتها بسرعة، بعد أن أكدتْ لي بأنها لن تنسى معالم منزلنا المطِلَّة نوافذُه على الطريق.
ثرثرتْ مرة أخرى عن جمالية المنطقة، استغربتْ من عينيّ المسلّطتين على النافذة جهة اليمين، سكتتِ الموسيقى، دعتْني للبحث عن قرص:
ــ هذا؟
ــ لا
ــ وهذا؟
ــ ... دعني أرى...لا، ذو اللون الأحمر...
أخيرا قالتْ هو ذاك. استدرْتُ بوجهي جهة اليسار ملبِّيا طلَبها في تشغيله، تلمسْتُ بأصابع يسرايَ بعض الأزرار، لم أفلح، أعدتُّ الكَرّة، لم أفلح، أحسسْتُ بثقل في يدي، ارتعشتْ، استسلمتْ أخيرا وانحدرتْ...
""كانت خائفة، خائفة جدا ومرتبكة، إلا أن وقوف السائق أعاد إليها شيئا من الطمأنينة، وأنا، أنا الفقيه الصغير أعدت إليها كامل الطمأنينة، لولا تقوايَ لكنتُ أمهرَ صيّاد في الغابة،......أشعلتْ مصباح السيارة، تململتْ قليلا، أنفاسُها تتصاعد، لازلتُ لم أفلح، قميصُها جاوز نصف الركبة أو يكاد، "أستغفر الله"، وشدَّتْ بيمناها أصابع يسرايَ وأنهتِ المهمة...!!!""
ــ حوالي ربع ساعة ونصل.
بهذا أخرجتْني من التفكير فيما سأكتبه في مذكراتي في يوم غد.

*** *** ***

ــ لن أغامر مرة أخرى في هذا الليل، انظر إلى ساعتك، إنها الواحدة والنصف، اتصلْ به وأعلمْه، غدا تستقلان سيارة أجرة، "تكاليفها علي..."
أعلمتُه وتدمر، ردد معي مقولة: "ما دّيرْ خِيرْ، مايْطْرَا باسْ".
صدى طقطقات حذائها يتردد في كل مكان وهي تصعد الدرج، خلفَها أنا، ُأعِدُّ في نفسي بعض عبارات المجاملة لأستقبل بها من يستيقظ، أعددتُها، تأملتُ في ابيضاض الجدران التي تكاد تعكس وجهي، نسيتُ العبارة، أعددتُها من جديد، وكدتُ أخسرها بترحيب ببغاء!!!
على أريكة جلسْتُ، لم يظهر بعدُ أحد، جلْتُ بعينيّ من زاوية إلى أخرى، منظر بهيج، ألوان مختلفة تنطفئ وتضيء، فرشة دافنتشي زارتِ المكان، وبعد هنيهة مدتْ إلي عصير الليمون الذي اخترتُه بإلحاح في قائمة مأكولات ومشروبات تحتويها الثلاجة.
""من بنات المهجر هي، من فرنسا بالضبط، كل عام تقضي صيفها في أحضان جبال دادس.....فُتِحَ البابُ بنفسه، أركنتِ السيارةَ بجانب أخرى سوداء من نوع كات كات، في جانبي المرآب دراجتان ناريتان ضخمتان...... سرير يتسع لشخصين، مرآة تعكسني وطولي متر وخمسون، رائحة نسوية، خزانة مرصعة، ومدتْ إلي منها لباسا قطنيا للنوم، وغادرتْ بعد أن أكدتُّ لها بأني لا أخاف ولن أخاف"".
قطعني اشتعال المصباح من التفكير فيما سأقوله لمصطفى يوم غد، كنتُ ممددا فوق السرير، رفعتُ رأسي فإذا بها هي:
ــ ...هل من خدمة؟
ــ لا لا شكرا
ــ ألن تخاف؟
ــ أبدا
ــ إن كنت ستخاف...
وأطفأتِ المصباح وولَّت مخلفةً وراءها الباب مفتوحا.
ضوء خافت يتسلل من النافذة المطِلة على الشارع، ُيقبِّلُ رأسي، يصل إلى رجلي ويقف على عتبة الباب. في المنطقة المظلمة لاح لي شيء أبيض، تتبعتُه فإذا به يتحرك، يتجه نحوي شيئا فشيئا و يقترب، تظهر معالمه، ثوبٌ أبيضُ شفاف، يبتعد نصف متر عن الأرض، شيء يحمله، قدمان هما لاشك، وصل حدود الضوء الخافت، في العتبة وقف، دقات قلبي تهتز لها قدماي، رباه....
رفعت بصري قليلا فإذا بها هي، بوجهها البدريّ...
هي، بوجنتيها الورديتين...
هي، بصدرها الممتلئ...
صورةٌ من بديع الحسن والجمال...
لوحةٌ ملائكية في إطار عتبة الباب...
استمرّتْ في التقدم، حبستُ الأنفاس، هممت بالخروج من النافذة، تذكرت، صعدنا في الدرج، نحن في الطابق العلوي.
في وسط السرير أنا ممدَّد...تجلسُ ثم تتمدد، تسكن قليلا ثم تتململ لتقترب، "رباه، تقواك يا نجيب"، احتك الجانب بالجانب، تعانقا، انفلت جنبي وابتعد، تقتربُ من جديد..جنبٌ ممتلئ، تدفع ببطء، تصاعدتْ أنفاسها، رباه، من تكون؟ الجريدة، أجل، > رباه، هي واحدة منهن...، جسم آخر يدفع، إنه الحائط، كدتُ أُخنق، استسلمْتُ ووقعْتُ ثم انقلبْتُ، خاب أملها، تنهدتْ، لحظة كبرق، تدفع من جديد، "رباه، لا يوجد حائط، رباه، ستنكسر العظام"...، على حافة السرير أنا، تنهدتْ بخيبة أمل، وفجأة أبعدت جنبها الممتلئ قليلا وعادتْ به لتدفعني بقوة خارقة.
أطلقها مصطفى ضحكةً مدويةً، تحسَّسْتُ بيديَّ ما حولي فإذا بصناديق البطاطس حولي، عدتُ أدراجي إلى حيثُ سقطتُ، لأرسم من جديد فوق حجرةِ السائق وجهَ حبيبٍ في زرقة السماء.
محمد الذهبي



#محمد_الذهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربما تخدعني الورده
- ابا الهول
- انتظري ريثما ينضج التين
- اقتلاع الاظافر
- اطلقي العنان لثغرك
- قليلاً من الصمت فوق القبور
- انا كنت صياداً فخانتني فخاخي
- اطلقي لشعرك العنان انا ساطلق العنان لخمري
- اقبّلُ منك ما لايرى الآخرون
- ساحترق
- ساسال عنك الله
- نجمة مذنبة
- مرثية حب مات
- الى امرأة لا اعرفها
- ولكنه ضحك كالبكا
- هذا هو الشعر
- حرب الاطفال
- صوت الرب واعتاب الليل
- منتصف الوقت
- سيل من كلمات وبصاق


المزيد.....




- -انطفى ضي الحروف-.. رحل بدر بن عبدالمحسن
- فنانون ينعون الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن
- قبل فيلم -كشف القناع عن سبيسي-.. النجم الأميركي ينفي أي اعتد ...
- بعد ضجة واسعة على خلفية واقعة -الطلاق 11 مرة-.. عالم أزهري ي ...
- الفيلم الكويتي -شهر زي العسل- يتصدر مشاهدات 41 دولة
- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...
- تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - غزال الليل