أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبير ياسين - على هامش كارثة (٣): عندما تتحدث الضحية














المزيد.....

على هامش كارثة (٣): عندما تتحدث الضحية


عبير ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 3328 - 2011 / 4 / 6 - 10:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فى ابتسامته قد تجد الدفء الذى تفتقده ففى محنته لازال قادرا على بث التفاؤل وحفز الهمم، فى معاناته لازال واثقا فى الغد الأفضل، فى ألمه يبقيك فى حالة مختلطة بين التقدير والإعجاب والثقة من جانب والقلق والتساؤل من جانب أخر تلك ببساطة بعض مما يمكن أن يجول بخاطرى فى ظل المشهد المركب الذى تواجهه اليابان

ففى حين نقف نحن المتابعين مذهولين من حجم الكارثة التى تواجهها اليابان منذ وقوع زلزال ١١ مارس ٢٠١١ وما تبعه من موجات مد بحرى (تسونامى) أدى لتدمير ضخم فى عدة محافظات مع عدد كبير من الضحايا وغيرها من الخسائر المادية الضخمة. نقف مذهولين بدرجة أكبر من قدرة المواطن اليابان أو اليابان كجمع بشرى على الاستمرار والعمل بنفس القدر من الدقة والتماسك اليابانى الشهير فى ظل الكارثة

أقف بشكل خاص أمام بعض المشاهد التى لا تنسى ولا تمحى، فخلال الأيام الأولى التالية لبداية الكارثة ومع تصاعد حدة الجدل والقلق مما يحدث فى المجمع النووى فى فوكوشيما، وما ارتبط به من قلق مضاف لحجم القلق الأول المرتبط بدوره بكل من الزلزال والتسونامى نقلت هيئة الإذاعة اليابانية (ان اتش كيه) برنامجا مصورا من أحد المناطق المعدة لإيواء المتضررين من الأحداث التى ترتب عليها تحطم مئات الآلآف من المنازل

نقل البرنامج ما يمكن أن أسميه رسالة من الضحايا إلى الشعب اليابانى فى عمومه، رسالة لم تأتى كما يمكن أن نتخيل فى تلك اللحظات شديدة الحساسية والأهمية، مليئة بالألم والحديث عن المعاناة والدعوة للمساندة ولكن جاءت أكثر اتساقا مع العالم اليابانى الخاص، جاءت عن الجمع اليابانى وليس عن المفرد البشرى، جاءت عن الكل وليس عن الفرد فكانت بالفعل رسالة من الضحية فى سياق يابانى خاص

ففى حين نتوقع من خبرتنا الواقعية، ومن خبرة مجتمعاتنا وتعاملنا مع الأزمات أن نستمع للعديد من أصوات الصراخ، وأن يتحدث الضحايا عن حجم الكارثة التى تعرضو لها دون سواهم، وعن الأهمال أو التقصير والحاجة للمزيد من الدعم والمساندة، أو حتى عن الشكر لما قدم لهم والحاجة للمزيد، مع الكثير والكثير من الألم والدموع المتعاطفة جاءت الصورة مغايرة لتلك التوقعات إلا فى شئ وحيد متفق فى الشكل ومختلف فى الجوهر وهو الدموع المنسابة مع المشاهد

الرسالة تحدثت بلسان بشر مختلفى الأعمار كل منهم فقد أشياء كثيرة بالطبع ولكنهم رغم كل الفقد والألم لم يفقدو الشئ الأكثر أهمية وهو ببساطة الاعتزاز بالحياة التى لازالوا يتمتعون بها. كان هناك تقدير فى أحاديثهم للحياة التى منحو فرصة للاستمرار فيها، وامتنان عظيم لكل من ساندهم وتعاطف معهم، والبحث عن النقاط المضئية لما هم فيه من حدث أو كارثة أن أردنا استخدام مصطلحاتنا الأقرب

تحدث الكبار والأباء، كما تحدث الصغار والأطفال، تحدثوا فى رسالة منهم لليابان أو بمعنى أبسط لكل مواطن يابانى. رسالة تقول بأننا نشكر من ساندنا، بأننا نعانئ ولكن فى وسط المعاناة نجد الفرصة للاستمتاع بوجودنا سويا وكأنها إعادة اكتشاف للإنسانية ولقيمة الجماعة الإنسانية عندما تتضامن وتتكاتف وقت الشدة فتنج دفئا قادرا على مواجهة البرد ونقص الطعام والقلق من الحاضر وحول المستقبل

رسالة كانت تقول ببساطة الأطفال، أننا نعانئ ولكن وسط المعاناة نجد الفرصة للاستمتاع بوجودنا سويا، وأننا نقدر أن نعمل جميعا من أجل اليابان. رسالة قد يكون جزء منها مباشر حول المتضررين ومعاناتهم كما يحدث دوما عقب الكوارث، ولكن لأنها فى نموذج بشرى مختلف جاءت الرسالة الضمنية مختلفة، لم نسمع عبارات السخط والشكوى والمطالبة بالمزيد من الجميع حكومة وبشرا غير متضرر، ولكنها على العكس جاءت رسالة رضا وقبول ومطالبة بالعمل من أجل اليابان كوطن مشترك

عندما تستمتع لتلك الرسالة وتقرأ تلك الوجوه تنساب دموعك ولكنها ليست دموع شفقة أو تعاطف بالطبع، ولكن دموع فخر واعتزاز وتقدير. رسالة تكشف ببساطة لماذا استطاعت اليابان أن تتخطئ الكارثة وأن تتجاوز الكثير فى تاريخها لتبدأ مرات ومرات بلا كلل وبلا جمود

يقولون أن المصائب أفضل اختبار للرجال، وأن الشدة تظهر المعادن على حقيقتها فتكتشف ما يستحق وما لا يستحق، تكتشف الغث والثمين والمؤكد أن كارثة بحجم كارثة اليابان تجعلنا نقف لنفكر فى أمور مهمة، أمور لا تقتصر على التفكير فى الانجازات العلمية التى قد تقلل حجم الضرر دون أن تلغيه، ولا فى قيمة الثروة التى تكفل حياة أفضل دون ضمانات لبقاءها أمام قوى الطبيعة، ولكنها تلك الأمور التى تكشف وتؤكد قيمة البشر الحقيقية وقيمة المعادن التى تشكلهم والتى جاءت الكارثة لتؤكد لمن نسى أو تناسى أو لم يعرف بعد أن القوة والضعف ينبعان من الداخل، ينبعان من البشر ولا تملك القوى المادية وحدها أن تعوض الضعف فى النفوس

تحية لبشر يؤكدون فى أشد اللحظات أنهم قادرون على بث الإعجاب فيمن يشاهدهم، وقادرون على تحريك مشاعر التعاطف ممزوجة بمشاعر الإعزاز والتقدير

تحية لبشر يؤكدون على أن لكل حدث مهما كانت قسوته له جانبه المشرق، وأن كل شتاء مهما زادت حدته سوف ينتهى يوما وسوف تزدهر الساكورا معلنة قدوم الربيع



#عبير_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على هامش الثورة المصرية (١٧): صديقى الفلاح وحادث ...
- على هامش الثورة المصرية (١٦): السخرية ما لها وما ...
- على هامش كارثة (٢): العودة لمصر بين الواقعية والإخلاقي ...
- مشاهدات على هامش كارثة (١): زلزال اليابان وتميز البشر
- على هامش الثورة المصرية (١٥): أمن الدولة: هل هو ...
- على هامش الثورة المصرية (١٤): مصر تريد رئيسا.... ...
- على هامش الثورة المصرية (١٣): مصر والثورات العرب ...
- على هامش الثورة المصرية (١٢): حادث كنيسة أطفيح و ...
- على هامش الثورة المصرية (١١): قرار استقالة وزير ...
- على هامش الثورة المصرية (١٠): المواطن المصرى وفو ...
- على هامش الثورة المصرية (٩): قالو وقلنا
- على هامش الثورة المصرية (٨): فى العالم العربى
- على هامش الثورة المصرية (٧): قائمة الشرف والعار: تصور ...
- على هامش الثورة المصرية (٦): تعليقا على خطاب العفو وال ...
- على هامش الثورة المصرية (٥): مشاهدات البشر على الفيسبو ...
- على هامش الثورة المصرية (٤): عالم من علامات التعجب
- على هامش الثورة المصرية (٣): كلمات شكر واجبة
- على هامش الثورة المصرية (2) الكتلة الصامتة ومستقبل الثورة
- على هامش الثورة المصرية (1) استعادة الجماهير للسيطرة على الش ...


المزيد.....




- مكالمة هاتفية حدثت خلال لقاء محمد بن سلمان والسيناتور غراهام ...
- السعودية توقف المالكي لتحرشه بمواطن في مكة وتشهّر باسمه كامل ...
- دراسة: كل ذكرى جديدة نكوّنها تسبب ضررا لخلايا أدمغتنا
- كلب آلي أمريكي مزود بقاذف لهب (فيديو)
- -شياطين الغبار- تثير الفزع في المدينة المنورة (فيديو)
- مصادر فرنسية تكشف عن صفقة أسلحة لتجهيز عدد من الكتائب في الج ...
- ضابط استخبارات سابق يكشف عن آثار تورط فرنسي في معارك ماريوبو ...
- بولندا تنوي إعادة الأوكرانيين المتهربين من الخدمة العسكرية إ ...
- سوية الاستقبال في الولايات المتحدة لا تناسب أردوغان
- الغرب يثير هستيريا عسكرية ونووية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبير ياسين - على هامش كارثة (٣): عندما تتحدث الضحية