أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبير ياسين - على هامش كارثة (٢): العودة لمصر بين الواقعية والإخلاقية















المزيد.....

على هامش كارثة (٢): العودة لمصر بين الواقعية والإخلاقية


عبير ياسين

الحوار المتمدن-العدد: 3318 - 2011 / 3 / 27 - 08:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



لعل أحد التساؤلات التى ستظل تؤرقنى ربما للأبد هى التساؤل حول العودة إلى مصر بدلا من البقاء فى اليابان، كانت نصيحة الجميع حولى بما فى ذلك بعض الأصدقاء والمعارف فى اليابان من اليابانيين وغيرهم أن المغادرة أفضل، وكانت مطالب العائلة والأصدقاء فى الوطن أيضا تطالب بالعودة وبالحاح وكنت ولازلت مع خيار البقاء وسأبقى فى جدل داخلى حول خيار العودة وضرورته وبدائله

وبداية يجب أن أوضح أن وجودى فى اليابان يقل قليلا عن الأعوام الثلاثة، وهو وجود مصنف فى خانة طالبة دراسات عليا بمنحة من الحكومة اليابانية لم تخضع لأى اعتبارات شرقية فى عملية الاختيار، ولأكون أدق لم تخصع لأى اعتبارات نعرفها فى حالات يتم فيها تخصيص الموارد والمنافع وفقا لأهل الحظوة أو المقربين منهم أو معارفهم. ولأن المواطن هو دافع الضرائب فى كل مكان حول العالم كان الطبيعى أن أشعر بتقدير خاص لكل مواطن يابانى مساهم فى منحتى الدراسية، مع التقدير للسياسة اليابانية التى وضعت المنح الدراسية واستقدام الطلاب من الخارج مع غيرها من دول العالم كجزء من سياستها التنموية والدبلوماسية حسب الكثير من الاعتبارات السياسية والأخلاقية باختلاف الحالات. وبدون الخوض فى الأبعاد المختلفة خلف المنح الدراسية التى ستظل جزء من دبلوماسية الدول وأداة سياسية مهمة حتى وأن صنفت وفقا لاعتبارات ثقافية أو تعليمية وفنية فأن النقطة المهمة بالنسبة لى تبقى فى فكرة التجربة بما فيها من اعتبارات انسانية واعتبارات تعلم

من جانب فأن تجربة اليابان كانت وستظل بالنسبة لى تجربة غربة لها أعين خاصة وقدرة خاصة على الرؤية، ومن جانب آخر ستبقى مهمة ليست كجزء تعليمى دراسى ولكن أيضا كجزء تعلمى حياتى وانسانى خصب. ستبقى محملة بالكثير من التجارب والذكريات بعضها بالطبع ليس براقا أو سعيدا ولكنها جميعا جزء من حالة وتجربة الغربة

عندما تقترب من المجتمع اليابانى ومن المصريين وغيرهم من الجنسيات فى الغربة تبدأ حواسك فى العمل وفقا لقواعد أخرى لا تتخيل وجودها ولا تتخيل آليات عملها حتى تحياها، وكلما مرت تجربة تحولت لجزء من حياتك التى لا ترغب فى نسيانها ولا فى تناسيها فهى جزء من حالة وجزء من رؤية تنمو وتتطور كل يوم، رؤية تحكمك حتى فى العودة تتضاءل أشياء أمام عينك وتبدو شديدة الصغر مهما تفرغ لها من حولك وتتغير رؤيتك للبشر وما هو بشرى فى تلك الحياة وترى وتقيم بطرق مختلفة والمهم بطرق مختلفة عما سبق تجربة الغربة

عندما تقترب من اليابانى بشكل خاص تجده حالة شديدة التركيب وفى حاجة للمزيد من الوقت للوصول إلى ما تحت السطح. تبقى تلك المسألة قضية مهمة وصعبة عندما تكون مثلى متلمسا طريقك بدون لغة وبدون مساندة وبدون دعم بشرى فى مجتمع كل ما فيه جديد ولن أقول غريب

عندما تقترب من المجتمع والبشر، تختلط بهم وتخالطهم، تسير فى الشوارع تصبح الصور غير ما كانت ولا يمكن لمن يشاهد بذكريات وحياة أن يتساوى مع من يشاهد كطرف خارجى.

عندما كنت هناك وأتابع الأخبار لم أشعر لحظة بأن خيار العودة يفترض أن يكون مطروحا، لم أشعر بأن المطلوب منى أن أفكر كأجنبى لديه بديل وعليه أن يهرب إليه. كنت ولازلت أشعر بالقلق العام بأكثر مما أشعر بالقلق الشخصى المباشر

أعرف طبعا أن الوضع يؤثر على وضع الدراسى وأن وضعى الحالى يبدو معلقا بعد العودة التى جاءت كمن يغادر بتذكرة مغادرة بلا عودة، وأن كنا فعليا غادرنا بدون تذكرة أساسا، فأن كل ما يخص مصالحى الشخصية المباشرة لازال هناك، ولكن تفكيرى وقلقى واهتمامى لازال مع الشعب والبلد التى فتحت لى ولغيرى بابها بترحاب يابانى خاص لا يجب أن يقارن برؤيتنا الخاصة لمعنى الترحاب وفتح الأبواب

كنت ولازلت أشعر بالقلق على اليابان كبلد له طبيعة خاصة ودور عالمى وحضارى مميز، وعلى المواطن اليابانى لما يعانيه فى تلك اللحظات العصيبة الممتدة بصور متعددة، ولما يتميز به من سمات شخصية خاصة فى مجتمع وصفته دوما بأنه مبنى على أساس الثقة فى الانسان فى ممارساته اليومية، مع سمات أخرى بالطبع

لست فى حالة انبهار حضارى رغم ما فى كلامى من إعجاب، ولست فى حالة شعور بالدونية الحضارية. كنت وسأبقى محبة بلا مساومة لمصر وشعبها فى عمومه مع رفض الكثير من السمات والممارسات. وكنت ولازلت أفتقد أشياء خاصة بالشرق الذى عشته فى عالمنا العربى وتحديدا نسخته المصرية عندما ذهبت للشرق الأقصى حيث بعض الأشياء تفتقد ولكن أشياء أخرى كثيرة تستحق الإعجاب والقراءة والنظر بعمق فى معانيها وانعكاساتها

كنت فى حالة قلق على وضع عام لليابان وشعبها، كنت اتصل بمن أعرفه فى مناطق قريبة من المناطق الأكثر تضررا وانتظر أن يرد الهاتف بقلق. كنت أشاهد المناطق المدمرة وأتذكر ما كانت عليه قبل الدمار وما أحمله لها من ذكريات تتحول فى ظل الواقع إلى ذكريات مثيرة للشجن

مع تطور الأوضاع لتتجاوز الزلزال والتسونامى أصبحنا أمام جو عام من القلق حول وضع المفاعلات النووية وانعكاساتها المحتملة احتمالية تطور الأوضاع مع الوقت بمعدلات أسرع. ولأن الإعلام بطبيعته يركز على مناطق الكارثة كان من الطبيعى أن تترسب الصورة لدى الجميع بأن كل من فى اليابان يعانئ من الزلزال والتسونامى والاشعاع أو أنه على مشارف تلك الصورة المركبة من المعاناة، وأن من ليس يابانى ليس عليه أن يبقى لأنه لن يسهم ايجابيا فى تحسين المشهد ولديه بديل مبرر أن يرحل إليه

ظل السؤال الأخلاقى مطروحا: هل يصح ويجوز أن أغادر فى ظل تلك الأوضاع؟ هل يمكن أن أساعد بوجودى فى اليابان بشكل ما؟ وما الذى يمكن أن أقدمه؟

ظلت تلك التساؤلات مطروحة وربما ستظل فى داخلى بلا اجابة حاسمة ومريحة للضمير، وربما يكون هذا الألم الأخلاقى مطلوب. ولكن فى تلك الكلمات أحاول أن أعبر عن جزء من المشهد كما عشته وكما تحددت أبعاده وصولا للعودة مع ترك تفاصيلها لحديث آخر

مع بداية الأزمة لم يكن خيار الرحيل مطروحا، لم يكن الزلزال الأول الذى أمر به فى اليابان رغم أنه الأشد، وكان التسونامى بعيدا عن نطاق معيشتى اليومية وهو ما سهل الرد على أى مطالب لى بالعودة السريعة. ولكن مع تطور مشكلة فوكوشيما أصبحت المخاطر التى يتحدث عنها الجميع من نوع آخر لا أحد يعرف متى تتطور وحدود تطورها، وتكررت مطالب العودة بالحاح لم يؤثر فى قرارى

عندما بدأ واضحا أن المساعدة غير ممكنة ربما وفقا لما وصلنى من تعليقات على تساؤلاتى، خاصة لأجنبى لا يجيد اليابانية ولا يملك خبرة فى التعامل مع حالات مشابهة كانت المساندة الممكنة تتمثل فى تقديم الدعم المطلوب فى توفير الطاقة ولكن هل البقاء دون استخدام أجهزة التدفئة كما فعلت يمكن أن يكون حلا كافيا؟

ظلت الأخبار تتوارد عن المفاعلات ومعها تليفونات متواصلة لم تعد تهتم بفارق التوقيت تحاول أولا الاطمئنان وثانيا اقناعى بضرورة المغادرة. مكالمات كانت تنتهى لخلاصة متشابهة فحواها أن قلقهم ورغبتهم فى مغادرتى يتجاوز قلقى بمراحل، وأن تعاملى مع الحدث ليس منطقى لأنى أتعامل معه كمواطن فى حين أنى فعليا لست مواطن. تكررت مطالب البعض بالمغادرة مذكرين بحالات مشابهة يغادر فيها الأجانب البلد المتلقى أن حدث ما يهدد الأمن، أشار البعض لمغادرة اليابانيين مصر خلال أحداث الثورة المصرية التى حدثت فى يناير ٢٠١١ ولكن ظل صوت داخلى مؤكدا أنى جزء من المشهد، وما يسرى عليهم وعلى البلد يشملنى أيضا حتى جاءت المفارقة الأكبر عندما بدأت أنظر لوجودى كعبء على المجتمع اليابانى بشكل ما

خلال الأيام التالية للزلزال كان هناك نقص متزايد لبعض المنتجات فى المحلات المختلفة، بدأت باختفاء أنواع معينة من المنتجات سريعا عقب الزلزال ومنذ اليوم التالى مباشرة واستمرت حتى مغادرتى لطوكيو، وتوسعت مع الوقت لتشمل غيرها من المنتجات ولتصل لغلق بعض المحلات بعد أن فرغ ما لديها من معروضات دون أن تعاود طرح منتجات أخرى. مع الوقت ومع غياب منتجات أخرى من المحلات المحيطة بمنطقة سكنى أصبحت فى حالة خاصة من الحزن، أن لم أكن أستطيع المساعدة، وأن كان هناك وطن انتمى له ويمكن أن أغادر إليه هل يمكن أن تكون المغادرة حلا؟ هل يمكن أن تكون مساعدة غير مباشرة عبر توفير سلع وتخفيف عبء عن خدمات يحتاج إليها المواطن اليابانى؟ دارت تلك الأفكار فى ذهنى بشدة ممزوجة بجدل ضميرى يتعامل معها بأسلوب جلد الذات كونها قد تكون مجرد مبرر لتجاوز الضمير واللوم الأخلاقى

لم أحسم هذا الجدل ولكن بعض الاعتبارات دفعت للمغادرة خاصة فى تزامنها. وتمثل البعد الأول فى الجهود العائلية لطرح القضية من خلال القنوات الإعلامية والرسمية المتاحة لطرح قضية المصريين فى اليابان خاصة مع غياب رحلات مصر للطيران المباشرة من اليابان بعد أحداث الثورة المصرية. مضافا إليها التطور فى مجمع فوكوشيما النووى والإعلان عن زيادة نسبة الإشعاع فى مناطق مختلفة بما فيها طوكيو العاصمة عن الوضع الطبيعى، ورغم أن المعدلات المعلنة لم تكن كارثية إلا أن الخبر كان كافيا لإثارة القلق خاصة وأن التطور حدث خلال ساعات قليلة مصحوبا بالكثير من التحذيرات التى ساهمت فى رفع درجة القلق من الوضع واحتمالية تطوره. كان الخبر كافيا لتصل العديد من النصائح مفادها ضرورة المغادرة، وكان كافيا لتعلن الحكومة المصرية قرارها بإرسال طائرات تابعة لمصر للطيران لمطار كانساى فى مدينة أوساكا لإعادة المصريين الراغبين فى ذلك وفقا لمقتضيات الموقف

الخلاصة، فى ظل أبعاد المشهد المحيط وسرعة التطور لازلت أشعر أنى كنت أشبه بمن يساق لفعل بحكم السياق المحيط بأكثر من أن يكون مختارا...... أشعر أن الاسرة والاصدقاء أكثر سعادة واطمئنانا بعد عودتى ولكن لازال الجدل الداخلى مفتوحا ولازال القلق سيد الموقف ولسان حالى يقول هل كان يفترض أن أغادر؟



#عبير_ياسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهدات على هامش كارثة (١): زلزال اليابان وتميز البشر
- على هامش الثورة المصرية (١٥): أمن الدولة: هل هو ...
- على هامش الثورة المصرية (١٤): مصر تريد رئيسا.... ...
- على هامش الثورة المصرية (١٣): مصر والثورات العرب ...
- على هامش الثورة المصرية (١٢): حادث كنيسة أطفيح و ...
- على هامش الثورة المصرية (١١): قرار استقالة وزير ...
- على هامش الثورة المصرية (١٠): المواطن المصرى وفو ...
- على هامش الثورة المصرية (٩): قالو وقلنا
- على هامش الثورة المصرية (٨): فى العالم العربى
- على هامش الثورة المصرية (٧): قائمة الشرف والعار: تصور ...
- على هامش الثورة المصرية (٦): تعليقا على خطاب العفو وال ...
- على هامش الثورة المصرية (٥): مشاهدات البشر على الفيسبو ...
- على هامش الثورة المصرية (٤): عالم من علامات التعجب
- على هامش الثورة المصرية (٣): كلمات شكر واجبة
- على هامش الثورة المصرية (2) الكتلة الصامتة ومستقبل الثورة
- على هامش الثورة المصرية (1) استعادة الجماهير للسيطرة على الش ...


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبير ياسين - على هامش كارثة (٢): العودة لمصر بين الواقعية والإخلاقية