مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3301 - 2011 / 3 / 10 - 08:12
المحور:
القضية الكردية
ما سمعته من بعض شباب الحركة السياسية الكردية السورية يعبر عن شيء من الصدمة بمشاهد مظاهرات السليمانية و سائر مدن كردستان الغاضبة , قال البعض أن كلام البرزاني عن أنه لن يكون رئيسا مدى الحياة أو نفيه للتوريث , نزل عليه كالصاعقة , فمن يتحدث لم يكن بشار الأسد و لا حسني مبارك أو بن علي أو القذافي , الذين يعاملهم الشارع , بما في ذلك الكردي , على أنهم ببساطة ديكتاتورات متعفنة , بل من كان يعتبر حتى الأمس فقط , على الأقل في كردستان سوريا , بطلا قوميا للشعب الكردي , كانت الحقيقة هناك واضحة للعيان لكن لسبب ما لم يرها هؤلاء الشباب , و فجأة صحوا على حقيقة أن مام جلال و البرزاني هما كأي زعيمين في هذا الشرق يمارسان السلطة كنوع من البلطجة ليس فقط ضد الخصوم السياسيين أو الصحفيين الذين يتجرؤون على نقد فساد أولادهم أو بناتهم أو أصهارهم و أنسباءهم بل ضد الأكراد العاديين أنفسهم في الحقيقة .. طبعا كانت البوادر هناك , لكن كما كان الحال في كل مكان جرى تجاهلها ببساطة , لأنه حتى قبل الثورات الحالية , كانت تلك البوادر تعامل على أنها آثار جانبية شبه ضرورية في كل معركة تحرير وطني , ليس فقط الشباب الكردي الذي يتظاهر اليوم ضد تهميشه و ضد فساد السلطة , بل قبل وقت قصير فقط , انتفض جزء من قيادات الحزبين الكرديين الرئيسيين و شكلا جبهة معارضة فاجأت النخبة الحاكمة في أربيل و السليمانية بانتصارات انتخابية كبيرة أظهرت مدى امتعاض الشارع الكردي من ممارسات و سياسات هذه النخبة , لقد تحولت عبادة فرد الزعيم في مرحلة النضال لانتزاع حق تقرير المصير للشعب الكردي , تحولت بعد نيل حكم ذاتي حقيقي , إلى كارثة حقيقية كان الشباب الكردي و بقية الشارع الكردي ضحيتها الأولى ... لقد اندلعت الثورات الحالية من سيدي بو زيد إلى صفاقص و ميدان التحرير و بنغازي و المنامة و القطيف و صنعاء و ... الخ , نتيجة التهميش و الإقصاء و النهب التي مارستها الأنظمة بشكل منفلت و وقح , حتى شبيبة الحزب الشيوعي الإسرائيلي تمردت محتجة على أمين عام و قيادة "تاريخية" منذ حوالي 20 عاما , لقد وحد واقع التهميش و الاستغلال شعوب الشرق عمليا في خضم ثوراتها التي امتدت عدواها إلى كل مكان متجاوزة الحدود الطائفية و القومية إلى كل مكان فيه قهر و استغلال و قمع , من قبل أظهرت انتفاضة القامشلي 2004 أن الشعب المضطهد لا يمكنه في الأغلب أن يجر الغالبية القومية التي يحاول النظام و النخب المختلفة إقناعها بأن ثورة الأقليات القومية المضطهدة موجهة ضد حقيقة كونها هي الأكثرية القومية الغالبة , و ليس ضد حقيقة القمع و الظلم القومي الذي يقع على هذا الشعب أو الأقلية القومية , قد يمكن أن نعتبر من مظاهر هذا الموقف الذي يوحد عادة النخب في الأغلبية القومية مع النظام الذي يمارس القمع ضد الأقليات القومية , تلك الردود التي نشرت على صفحات طريق اليسار الناطقة بلسان تجمع اليسار الماركسي التي شنت حملة شعواء على تحليل لأحد الرفاق من الحزب اليساري الكردي في سوريا , بغض النظر عن مدى توفيق الرفيق من الحزب اليساري الكردي في عرض قضية الشعب الكردي في سوريا , لكن تلك الردود كانت في الحقيقة تشكل نكسة فيما يتعلق بموقف اليسار السوري من القضية الكردية في سوريا , إذا أخذنا بالاعتبار مثلا موقف حزب العمل الشيوعي من هذه القضية في الثمانينات , و أذكر أني كنت قد قرأت تحليلا متقدما لمحمد سيد رصاص يتعلق بالقضية الكردية في سوريا , ما جرى تداوله وقتها من حديث عن مساواة هنا بين الأكثرية و الأقلية من منطق من ساواك بنفسه ما ظلمك لا يصح على هذه القضية بالتحديد , فهذا الطرح "المساواتي" ظاهريا يعني شيئا واحد فقط هو إلغاء حقيقة وجود الأقلية أي الشعب الكردي نفسه , تبدأ المساواة الفعلية هنا بالاعتراف المبدئي باختلاف الشعب الكردي في سوريا عن الأغلبية العربية , هذا هو المدخل الفعلي لمنطق المساواة بين الأغلبية و الأقلية , ربما فهم البعض من تحليل الرفيق من الحزب اليساري الكردي أنه دعوة أو تبرير للمحاصصة بين النخب السياسية و الاجتماعية و حتى التقليدية العربية و الكردية , لكن يجب أن نفهم أيضا أنه هناك أكثر من بديل لهذه المحاصصة , أحدها بالفعل أن يكون كل سوري أيا تكن قوميته و طائفته هو الذي يتحكم بشؤون حياته و هو من يتخذ القرارات التي تؤثر فيها , لكن هناك بديل آخر لهذه المحاصصة التي تقوم على اعتراف النخب ببعضها البعض كممثلة لجمهورها , هذا البديل هو استئثار نخبة قومية , اجتماعية , سياسية كانت أو حتى تقليدية , بعينها , بحق اتخاذ القرارات عن الجميع و أن تقوم هي بتوزيع الثروة التي يخلقها السوريون , لصالحها طبعا في حقيقة الأمر , هذا ليس فقط احتمال ممكن الحدوث , إن هذا هو ما يمارسه النظام بالفعل يوميا , صحيح أن العرب أيضا بغالبيتهم العظمى مهمشون و مقموعون من جانب النظام , لكن التهميش و القمع الذي يقع على الأكراد في سوريا هو تهميش و قهر مضاعف , مركب , اجتماعي و سياسي و قومي أيضا , لا أعتقد أن الرفاق في صوت اليسار انتقدوا , لنقل بالشكل الكافي على الأقل , هذه الممارسة الفعلية للنظام أو حتى لنفترض أنها ممارسة افتراضية لنخبة حالية أو قادمة خارج أية محاصصة بين النخب المختلفة بأن تستأثر نخبة من الأغلبية القومية بالسلطة و الثروة معا , هذا لا يعني و لا يساوي أن الأغلبية القومية هي التي تحكم و تملك , و بدا , لي على الأقل , أن هدفهم ليس سوريا يملكها جميع أبنائها بل سوريا تملك هي أبناءها و توجههم و تسخرهم لبناء مشروع "حضاري نهضوي تنويري" "عربي" , و في كل مرة نتحدث عن الوطن بهذا الشكل المجرد عن أبنائه , فإننا في حقيقة الأمر نعلن سلطة جديدة فوق البشر الفعليين , لا وجود لوطن مجرد , هناك نخب تحكم الوطن و تحكم باسم الوطن , ما يوجد في الواقع هم البشر , فقط , الذين يقمعون و يهمشون باسم الوطن , سواء أكان كرديا أو عربيا , و في النهاية سيثور المهمشون و المقموعون كما نرى , من السليمانية إلى بغداد , و ربما دمشق في وقت لاحق , لانتزاع حقهم في المشاركة , لانتزاع وطنهم , وجودهم , و حياتهم من النخب التي تهمشهم و تقمعهم ... أزعم أن صدمة مظاهرات السليمانية قد أحيت أيضا جدلا آخر حول قضية التحرر الوطني الكردية , و هو الشكل "اللينيني" للحزب الذي تبنته و تمارسه بحماسة النخبة السياسية الكردية , بما في ذلك الكردية السورية .... عندما شكلت بعض الأحزاب و التنظيمات الكردية مجلسا سياسيا , كتبت يومها في تحليل غير منشور أن هذا المجلس هو شكل نخبوي فوقي سيساعد النخبة السياسية و النخبة المسيسة الكردية في حوارها أو حتى في صراعها , سواء مع المعارضة السورية , النخبوية هي الأخرى , أو حتى مع النظام السوري ... هذا الشكل طبعا هو أحد ثلاثة أشكال للمقاومة تلجأ إليها الشعوب و القوميات المضطهدة , إما شكل تنظيم عسكري يمارس على الأغلب أسلوب حرب العصابات ضد القوى العسكرية و الأمنية للنظام الذي يمارس القهر القومي على هذا الشعب , أو شكل تنظيم سياسي يمارس لعبة المساومات الفوقية , و أحيانا عند اللزوم الضغط في الشارع , مع نظام القمع هذا , أو شكل مقاومة محلي لا مركزي , يمكن تسميته بالتحرري , يأخذ شكل مجالس , أو لجان محلية , تمارس على الأرض و تنظم فعل المقاومة و استمرار الحياة في صفوف الشعب المضطهد .. حاليا بسبب تعقيد الأوضاع الدولية و الإقليمية يصبح استخدام السلاح دفاعا عن الشعب المضطهد أصعب أكثر فأكثر , حتى حزب العمال الكردستاني مثلا يجد نفسه مضطرا للتخلي تدريجيا عن استخدام السلاح ضد النظام التركي , و في الحقيقة فقد كان الشكل الثالث المحلي و اللامركزي لتنظيم المقاومة هو أحد أهم أشكال مقاومة الشعوب المضطهدة , حتى حزب العمال الكردستاني في تركيا ترك مهمة تنظيم الحياة و المقاومة في الريف الكردي الواسع للناس أنفسهم مبقيا قضية المنظمات المسلحة و السياسية و توقيت وتكتيكات العمل المسلح و المساومات الممكنة أو التفاوض مع النظام بيد المركز – الزعيم ... لقد بنيت الحركة السياسية الكردية السورية إلى حد كبير على طراز الحزب البكداشي , و تعرضت كما تعرض هذا الحزب لانقسامات كبيرة أفقية و عمودية أدت لظاهرة تكاد نراها بنفس تفاصيلها بين اليسار السوري و الحركة الكردية السورية , كما أن محاولات لملمة صفوف الاثنين تتشابه أيضا في لامبدئية أغلبها و شخصنة العلاقة بين القيادات المختلفة الأمر الذي تتم على أساسه تلك الانشقاقات و محاولات التوحيد اللاحقة , لكن حتى بعيدا عن الحزب البكداشي فإن الأحزاب هي عمليا مؤسسات تدريب و إنتاج و تفريخ لكوادر و زعامات سلطة ما حالية أو قادمة , فالأحزاب هدفها السلطة , و هي تمارس تمرينات دورية على هذه السلطة في داخلها , مؤتمرات , اجتماعات لجان مختلفة , تنتج فيها قيادات "محترفة" شبه دائمة , أو في كثير من الأحيان , من تلك التي تستمر و تدوم "إلى الأبد" , إنها تعبير عن ممارسة سلطة الأعلى على الأدنى , و هي بنظرياتها و إيديولوجياتها التي تنتجها تبحث عن تبرير و تفسير لإنتاج سلطة القيادة , سلطة من هم في الأعلى , على القواعد , و في وقت لاحق , سلطة هذه القيادة على المجتمع الذي يحيط بها , هذا الشكل نفسه هو اليوم في أزمة حقيقية , لقد فشلت الأحزاب , أحزاب السلطة كالتجمع الدستوري في تونس و الوطني الديمقراطي في مصر مبارك و البعث السوري و العراقي و لجان القذافي الثورية و غيرها تلك التي اختفت بمجرد زوال أو سقوط رأس النظام الذي كان يستخدمها كزينة ديمقراطية أو كمستودع للمنافقين من جهة , و على الطرف الآخر أيضا أحزاب المعارضة التي فشلت في انتزاع المبادرة التاريخية و فرض مشروع تغيير حقيقي , صحيح أن بعضها لعب دورا , يختلف في أهميته , في طرح مشاريع تغيير ما , و حتى خاض في سبيلها معارك جزئية غير حاسمة و لا مؤثرة , لكن التغيير الجذري الثوري الذي نعيشه اليوم كان في الأساس نتاج مبادرة الجماهير , الشارع , و خاصة الشباب , الفئة الأكثر إحساسا بالتهميش و القمع و القهر الاجتماعي و السياسي و الروحي و الفكري الخ , إن الشكل الحزبي لا يتماشى مع مهمة التغيير لأنه بعيد عن واقع و فكرة و إيديولوجيا التغيير , إنه في الحقيقة شكل راكد فوقي نخبوي يناسب الأوقات الراكدة , لإنتاج محاصصات داخل القوى المسيطرة أو لإنتاج مساومات مع القوى المسيطرة , صحيح أن بعض المنظمات السلطوية , بل و السلطوية بشدة , تمكنت في فترات مختلفة من ممارسة نضال جدي و فعال ضد القوى المهيمنة , لكن هذا الفعل المعارض كان في الأساس تآمريا نخبويا أيضا , و حتى إرهابيا في بعض الأحيان , و لم يكن شعبيا في الأساس أي اعتمد بشكل ثانوي فقط على دور الجماهير نفسها كمادة للصراع , أزعم أن الناس تحركت في كل مرة بمبادرة خاصة ذاتية و دون أوامر من أحد , ربما يكون التاريخ قد أعيدت كتابته لصالح النخب التي سيطرت فيما بعد لكننا شاهدنا بأعيننا كيف تقوم الثورات , لا أحد يأمرها و لا أحد يملك حتى أن يفعل أو يزعم ذلك , يظهر القادة في وقت لاحق لاغتيال الثورات فقط , على العكس من ذلك أنا أعتقد أن النمط التنظيمي غير التقليدي , القائم على فكرة الشبكة الأفقية التي لا يوجد فيها مركز حقيقي أكثر من مركز تنسيقي يدير تبادل الأفكار و الحوار الحر الديمقراطي بين بشر متساوين , كان هو وراء الموجة الثورية الحالية , و قد رافق هذا النمط التنظيمي غير التقليدي الشبابي نمط آخر ظهر في الشارع في خضم الصراع مع قوى النظام القديم , هو نمط اللجان الشعبية , نمط لا مركزي , محلي , ديمقراطي , لا توجد فيه قيادة دائمة أو محترفة , و يمارس فيه الناس في نفس الوقت عملية اتخاذ القرارات و تنفيذها , كما شاهدنا في مصر و تونس و بنغازي و غيرها , المؤسف هنا هو أن تلك الدفعة المنعشة من الحرية يحاول الكثيرون اغتيالها , و أن الثورة المضادة ستنجح عندما تلغي و تدمر هذه الأشكال التحررية الشعبية من ممارسة الديمقراطية المباشرة و تعيد فرض مؤسساتها الفوقية النخبوية الجامدة و القائمة على التلقين و الانصياع للقيادة , على الصعيد الكردي فإن الممارسة السياسية الحزبية السائدة انتهت بثورات الشباب في كردستان العراق ضد النخب التي قادت حتى اليوم , بذات منطق الأسد و مبارك و غيرهما , نضال الشعب الكردي .. إن العراق , و ربما سوريا و إيران حتى , مقبلة على أيام مختلفة , على أحداث مختلفة عن الحراك السابق الفوقي و السلطوي الطابع , إن رسالة اليسار التحرري اليوم للجماهير الكردية في خضم هذه الثورات بسيطة و واضحة , و تعبر عن خبرة و روح و معنويات الجماهير الثائرة في كل مكان اليوم في هذا الشرق : يحتاج الشعب الكردي , الجماهير الكردية , إلى مجالس , لجان شعبية , أكثر مما تحتاج إلى مجلس سياسي فوقي , هذا لا يعني تجاهل أو إلغاء الحقوق القومية للشعب الكردي في أي مكان , بل يترك المسألة ليحددها الأكراد أنفسهم في حوار بين بشر متساوين و أحرار يقررون الطريقة الأمثل لممارسة حياتهم و لتنظيمها , لا تملك الأغلبية العربية و لا أية نخبة و لا النظام الحالي أن تنهي هذه القضية أو أن تفرض حلا لها على الجماهير الكردية , هذا صحيح بالنسبة لكل إنسان في هذا الشرق اليوم و ليس فقط في كردستان , و لهذا تثور الجماهير في كل مكان اليوم , في سبيل حريتها , في هذه الأيام هناك كلمة واحدة فقط لها معنى و مدلول حقيقي في هذا الشرق هي الحرية , و الحرية تعني نفس الشيء لكل الشعوب , لكل المقهورين و المهمشين , تعني أن يحكموا أنفسهم , و أن ينتهي الاستبداد و التهميش , أيا كان من يمارسه , بفضل ثورة الناس المقهورين أنفسهم .....
مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟