أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - تداعيات من وحي غربةِ الرُّوح














المزيد.....

تداعيات من وحي غربةِ الرُّوح


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3289 - 2011 / 2 / 26 - 21:20
المحور: الادب والفن
    


تداعيات من وحي غربةِ الرُّوح

إهداء: إلى كلّ إنسانٍ تجرّعَ مراراتِ الغربة


يفتر الشَّوق إلى مناسكِ الوطنِ، وطنٌ غارقٌ في متاهات السُّيوف، سيوفٌ مسنونة على رقاب الأوطان، على رقاب التراب والماء والهواء، حتى غدت أوطاننا متأرجحة على تخومِ رياحٍ مهتاجة في وجهِ العراءِ، يولدُ الإنسانُ على صوتِ زغاريدِ الأمَّهاتِ، ترقصُ أمهاتنا كلَّما ولدنَ شهيقاً جديداً، ينبتُ الأطفال على حافّاتِ الانزلاق، وهادٌ عميقة تنتظرُ طراوةَ الخدودِ، خدودَ الأطفال الطريَّة لا تجاري إندلاعَ أزيزِ الرّصاصِ، يختال جنونُ العصرِ في أرجاءِ المكان، في أركانِ قلبِ الحضارات، طفولةٌ مستباحة لطوفانِ الغدر، مذاهبٌ متصارعة فوق بيارقِ الرُّعبِ، صراعٌ يزدادُ تفاقماً من شدِّةِ اهتراءِ تجاويفِ القحفِ، قحفٌ لا يناسبُ أبجدياتِ بزوغِ الشَّمسِ، بعيدٌ عن نعمةِ النُّورِ، قحفٌ مرصرصٌ بكتلٍ مجوَّفة ببقايا التبنِ، توغَّل الغبارُ إلى مرافئ الذِّهنِ، تصدَّعتْ طراوةُ الرُّوحِ، تهشَّمتْ قيثارةُ القلبِ، فتخشَّبتْ أوتار الحنين، حتى غدا المرء يدورُ في دوَّامةٍ متصالبة مع خيوطِ العناكبِ، ماتَتِ الأحلام عندَ هداهدِ المهدِ، بكتِ الطبيعةُ من لظى الاشتعالِ، فتحت براكين النَّارِ أفواهها في وجهِ البراري، لم يعد في دوائرِ العمرِ شهوةَ الانتظارِ، تاه المرء من أنينِ الانشطارِ، انشطارُ الرُّؤى فوق قاماتِ البلادِ، تاهت البلاد في دكنةِ الليلِ، حلمٌ مدمى يسترخي فوقَ رقابِ العبادِ، رقابٌ مدلدلة في أعماقِ القفارِ، عطشٌ في قلبِ الديارِ، رعبٌ على امتدادِ أسرار الموج، في هلالاتِ بخورِ المزارِ ...

يسيرُ دائخاً من تفاقمِ شروخ المنحدرات المستنبتة في وهاد قلوبنا، قلوبٌ مشدودة إلى أوطانٍ قابعة فوق وعودٍ متماهية في سراديبِ مهلهلة، أوطان متمايلة على تخومِ أوجاعِ الصَّحارى، مسترخية على شواطئ مكتنفة بزحامِ الشَّوك.

ثمَّة جراح تنمو في خبايا الأزقّة، تترعرع بين أجنحةِ الطُّفولة، طفولة مدبّقة بلزوجةِ القطران، وقفَ عجوز فوق قمَّة جبل، ينظر إلى عمره المرصرص في جوفِ المغائر، ينظر إلى قلبه المشنفر بالمرارات، إلى أيامه المحفوفة فوق هدير الزوابع، وجعٌ لا يفارقُ سماءَ حلقي، دمعتي تنساب فوق ضفائرِ عشقي، هل للعشقِ ضفائر؟ كيف لا تتراخى ضفائرُ العشق في خضمِّ تفاقمِ أجيجِ الشَّوق؟!

مطرٌ معجونٌ بالغبارِ تهاطلَ فوقَ بساتينِ الحنين، حنينُنا إلى بيوتنا الشائخة تحت مقاصلِ زمنٍ مفخَّخٍ بالآهات، آهاتنا الغائرة في دياجير رحلةٍ عابرة في أقاصي المجهول، بحثتُ مراراً عن تجاويفِ غربتي، عابراً دهاليزها السحيقة، ما وجدتُ سوى دخان يتطايرُ من فوَّهاتها المسلّطة كعيون بلهاء نحو غضب السماء، عجباً أرى، أخيراً غضبَتِ السَّماءُ في وقتٍ لا نملكُ فيه وقتاً لغضبٍ ولا لشهيقٍ عميق، نلهثُ خلف موشور يزداد تلألؤاً في فيافي الخيال.

تطاردني تساؤلات منبعثة من دكنةِ اللَّيل، إلى أين سينتهي بنا مسار غربة الرُّوح، روحنا التوّاقة إلى نومِ عميق تحت أشجار البيلسان، روحنا التائهة خلف أسرار البحار، لماذا تهتاج أرواحنا شوقاً إلى نضارةِ المطر، إلى غزالةٍ برّية جامحة في أعماقِ الغابات؟!
وحده القلب يرقصُ وحيداً تحتَ ظلالِ النَّارنج، يصغي إلى موسيقى متناغمة مع همهمات اللَّيل، أرسمُ وردةً حالمة، متعطشة إلى حنايا موجات البحر، أنتظرُ خيوطَ الشَّفقِ، تبهجني لحظةُ الانبلاج، أفرحُ قليلاً، مسترخياً فوقَ أجنحةِ حلمٍ متماهٍ مع وميضِ قصيدةٍ مبلَّلة بمذاقِ الحنينِ إلى مروجِ الرُّوحِ، أنتظرُ زرقةَ السَّماءِ تفرشُ حبورَها فوقَ ضجرِ العمرِ مبدِّدةً ولو قليلاً من منغِّصَاتِ الحياة!


ستوكهولم: صيف 2005
صبري يوسف
كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
[email protected]



#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليليت أنثى من بخورِ المحبّة 33
- تحتَ ظلالِ الكرومِ 32
- نسائمُ بحرٍ في خضمِّ الأنغامِ 31
- نبتَتْ أجنحتُكِ من غضارِ الرِّيحِ 30
- أرسمُكِ برعماً فوقَ دموعِ الأوطانِ 29
- تنمو براعمُ النَّدى في رحابِ القصائدِ 28
- تبحثينَ عن بهجةِ الاشراقِ 27
- كأنَّها منبعثة من مآقي الأقاحي 26
- أنقى من نضارةِ النَّدى 25
- زنبقة متطايرة من شهقةِ الشَّمسِ 24
- هل أنتِ شهقتي الأولى ولا أدري؟ 23
- أيّتها الطّاعة المستعصية على الانصياعِ 22
- شهقة منشطرة من حنان اللَّيل 21
- بوّابةُ الرُّوحِ إلى ظلالِ الغاباتِ 20
- ترتيلةُ الزَّمنِ الآتي 19
- يا أعذبَ من الماءِ الزُّلالِ 18
- جموحُكِ يضاهي جموحَ الغزالِ 17
- معرض فني للأديب والفنان التشكيلي صبري يوسف في ستوكهولم
- موسيقى متمايلة على خدودِ اللَّيل
- موسيقى من نكهةِ الحنطة 16


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - تداعيات من وحي غربةِ الرُّوح