أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبدالله تركماني - تحديات التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية في تونس















المزيد.....

تحديات التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية في تونس


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 3274 - 2011 / 2 / 11 - 02:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


بعد أن استقر في الوعي الكوني أنّ الشمولية كنظام سياسي، يقوم على انفراد حزب واحد بالسلطة وإلغاء الحريات السياسية وتهميش المجتمع المدني، قد سقطت إلى الأبد، افتتحت ثورة الحرية والكرامة في تونس الموجة الرابعة للتحول من الاستبداد إلى الديمقراطية، وبذلك وضعت التونسيين أمام تحديات جديدة، تتمثل على الخصوص في إنجاز مهام التحول الديمقراطي والوصول إلى عقد اجتماعي جديد. مما يثير تساؤلات عديدة: هل تتوافر شروط حقيقية لإنجاز مهام المرحلة الانتقالية من التحول الديمقراطي في تونس، بعد إنجاز المرحلة الأولى المتمثلة بإسقاط النظام الديكتاتوري، والوصول إلى المرحلة الثالثة بالاستناد إلى الشرعية الدستورية ؟ ومَن هي القوى المؤهلة لإنجاز هذا التحول، وما هي أدواتها ؟
في الواقع يختلف المحللون في تقييمهم للثورة التونسية على صعيد التحول الديمقراطي، خاصة على ضوء ديمومة الاستبداد لعدة عقود من الزمن: فبين مشكك في جدية ومستقبل " المشهد الديمقراطي "، ومتفائل بما يمكن أن يفرزه هذا المشهد من آثار مجتمعية إيجابية، حتى وإن كانت بطيئة، على المدى المنظور. ولكن تظل هناك بعض الظواهر الهامة التي يمكن الاتفاق عليها والتي تؤثر بشكل كبير على إمكانيات نجاح مسار التحول الديمقراطي في تونس. إذ أنّ الظاهرة اللافتة للانتباه هي اتفاق الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على الوصول إلى المرحلة الثالثة من التحول الديمقراطي كهدف استراتيجي، مع عدم اتفاق هؤلاء الفاعلين حول وسائل تحقيق هذا الهدف وطرق تعزيز أهداف هذا التحول. كما أنّ اهتمام الأطراف الخارجية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، بالدفع بأجندة الثورة ودعم التحول الديمقراطي، قد أثار جدلاً كبيراً وشكوكاً كثيرةً. إذ يبدو أنّ الغرب ما يزال متردداً في تبنّي الخيار الديمقراطي في المنطقة، لما قد يفرزه من وضعية جديدة غير موآتية للمصالح الغربية.
وفي كل الأحوال فإنّ الديمقراطية عملية مستمرة، تتضمن معاني التعلّم والتدريب والتراكم، ولذلك فإنّ أفضل طريق لنجاحها هو الانخراط في المزيد من معاييرها وأدواتها، على أساس أنها ليست عملية قائمة بذاتها، بل لها متطلباتها وشروطها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والمؤسسية. ولذلك فإنّ العبرة ليست بتحقيق التحول الديمقراطي فحسب، ولكن توفير ضمانات استمراره وعدم التراجع عنه.
وبغض النظر عن المعاني المتعددة لمفهوم الديمقراطية، فإنّ المفهوم يدور بصفة أساسية حول ثلاثة أبعاد رئيسية: توفير ضمانات احترام حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية، واحترام مبدأ تداول السلطة طبقاً للإرادة الشعبية والشرعية الدستورية، والقبول بالتعدد السياسي والفكري.
ومن أجل صياغة مثل هذا الإطار لابد من إدراك مخاطر الهيمنة القسرية للحزب الواحد التي عرفتها تونس، حيث أنها كانت أداة قمع وتهميش للتعددية الفكرية والسياسية الحقيقية. ليس ذلك الإدراك فحسب بل تنمية فكر سياسي ديمقراطي وتفاهم بين كل الأطراف الفاعلة من أجل إنجاز التحول الديمقراطي المنشود. وفي هذا السياق لابد من الاتفاق على صياغة رؤية مستقبلية للأنموذج الديمقراطي المرتجى، بما يمكن استلهامه من التجارب الأخرى للتحول من الاستبداد إلى الديمقراطية خلال الموجات الثلاث للتحول التي شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وما يمكن أن تضيفه النخب الفكرية والسياسية التونسية على ضوء تجربتها خلال التاريخ المعاصر. وهذا كله يستحيل تحقيقه من دون حوار جدي ورصين تشارك فيه كل التيارات بتفهم وانفتاح ونضج حضاري.
لقد آن الأوان في تونس وغيرها من الأقطار العربية، لأن يفهم كل تيار فكري - سياسي أنّ الآخر واجب الوجود وأنّ إلغاءه كإلغاء جزء مكوّن من الجسم. ولأنّ التجارب أنضجتنا والحوار الصعب قد بدأ يأتي أكله، بعد بروز ظاهرة التلاقح بين مختلف التيارات على طريق بناء الكتلة التاريخية في كل قطر عربي أولاً وعلى الصعيد العربي ثانياً، فإنه أصبح اليوم من الممكن التفكير في بناء وفاق تاريخي يقوم على: اعتبار الديمقراطية هي المدخل إلى النجاعة التنموية الفعلية. ومن ثمة فإنّ إنجاز التحول الديمقراطي يتطلب احتضان مطلب العدالة الاجتماعية، إذ لا معنى للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان دون التمتع بالحرية الأولى وهي التحرر من الفاقة والجوع والمرض والجهل، في كافة الجهات التونسية.
ومما لاشك فيه أنّ الذي يجعل الثورة التونسية قادرة على استكمال إنجاز التحول الديمقراطي هو التكوّن التدريجي لكتلة شعبية تاريخية، متناغمة ومتفاهمة، ضمت أحزاباً ونقابات واتحادات حقوقية وجمعيات مهنية وثقافية وجمهوراً غفيراً من المستقلين وخصوصاً من جيل الشباب.
ولعل أحد نتائج هذا الوفاق التاريخي يكمن فيما يعرف بـ " الديمقراطية التوافقية " التي تتيح للنخب الفكرية والسياسية التعاون فيما بينها، وأن تتضافر جهودها من خلال هذا الأسلوب الديمقراطي والتوافقي. مع العلم أنّ الديمقراطية التوافقية تتميز بالخصائص الأربع التالية:
(1) - الحكم من خلال ائتلاف واسع من الزعماء السياسيين من كافة التيارات الفاعلة في المجتمع التعددي.
(2) - الفيتو المتبادل أو حكم " الأغلبية المتراضية "، التي تستعمل كحماية إضافية لمصالح الأقلية الحيوية.
(3) - النسبية كمعيار أساسي للتمثيل السياسي، والتعيينات في مجالات الخدمة المدنية، وتخصيص الأموال العامة.
(4) - درجة عالية من الاستقلال لكل قطاع في إدارة شؤونه الداخلية الخاصة، من خلال تعميم النظام الإداري اللامركزي.
لقد باتت الديمقراطية ضرورة لا مفر منها للحفاظ على التوازن الاجتماعي، فليس من الممكن نزع عوامل التفجير في تونس من دون إشراك الشعب، بكل فئاته وحساسياته الفكرية والسياسية، في عملية البناء والتنمية، لحفزه على التضحية ودفع كل القوى السياسية إلى العمل تحت مظلة الشرعية الدستورية، مما يؤمّن الاستقرار الضروري للتنمية الشاملة.
إنّ ما وقع في تونس هو ثورة حقيقية بكل مظاهرها الحضارية والإنسانية، التأم فيها الشعب بمختلف مكوناته، ولعب فيها الجيش دوراً محورياً عندما اختار حماية المؤسسات العمومية لا قتل المتظاهرين. وبذلك يكون الشعب التونسي قد طوى، بثورته التي صنعها بنفسه، صفحة قاتمة من تاريخه المعاصر، بعد إزاحة رموز الاستبداد والفساد. وهي ثورة لن تكتمل معالمها إلا بجني ثمار تكون في حجم التضحيات، بما يسمح برسم مستقبل واعد لتونس يحدده الشعب بنفسه، بعيداً عن أية وصاية أو إملاءات خارجية أو تهافتات أطراف تسعى لاستغلال دم الشعب والركوب على تضحياته لتحقيق أهدافها الخاصة، عبر تعويم الحياة السياسية التونسية بعدد كبير من الأحزاب والجماعات السياسية الصغيرة التي لا وجود فعلي لها.
إنّ مستقبل الديمقراطية في تونس سوف يظل مستقبلاً غامضاً وملتبساً ما دامت هي ديمقراطية زعماء وقادة، وما لم تصبح ديمقراطية مؤسسات راسخة، تفتح الأفق أمام الطاقات الحية للشعب التونسي وتدير الموارد المادية والبشرية بعقلانية ذات مردودية إيجابية على كرامة وحرية كل التونسيين.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد .. سورية الوطن والشعب هي ...
- تونس تشق طريقها إلى المستقبل
- تداعيات ثقافة الخوف
- إنذارات البطالة والمجاعة في الوطن العربي
- حول دور المثقف في الزمن العربي الصعب .. حراس الفساد المقيم
- في الحاجة العربية إلى التغيير .. قمع وتهميش واستبداد
- حول مستقبل العروبة
- في الحاجة العربية إلى الإصلاح السياسي
- الثقافة العربية وصدمة المستقبل .. لماذا تراجع العرب ؟
- وحش الفساد في العالم العربي
- كونية وشمولية حقوق الإنسان
- التحديات المغاربية في عالم متغيّر
- دروس الإسلام والحداثة في التجربة التركية
- تفكيك الرابطة العربية ومخاطره
- سبل الحل التوافقي الممكن في الصحراء الغربية
- عن تعثر الإصلاح في العالم العربي
- قراءة في منظومة المفكر السياسي السوري ياسين الحافظ
- أدوات التنشئة السياسية
- أي مستقبل للشراكة الاقتصادية العربية ؟
- هل يستجيب النظام الإقليمي العربي للتحديات ؟


المزيد.....




- السعودية.. 28 شخصا بالعناية المركزة بعد تسمم غذائي والسلطات ...
- مصادر توضح لـCNN ما يبحثه الوفد المصري في إسرائيل بشأن وقف إ ...
- صحيفة: بلينكن يزور إسرائيل لمناقشة اتفاق الرهائن وهجوم رفح
- بخطوات بسيطة.. كيف تحسن صحة قلبك؟
- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبدالله تركماني - تحديات التحول من الاستبداد إلى الديمقراطية في تونس