الشرارة الاولى لوثبة كانون المجيدة1948

زكى فرحان

الحوار المتمدن-العدد: 3261 - 2011 / 1 / 29 - 09:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

لقد بات من المؤكد ان الشعب العراقي المستضام و جماهيره الغفيره المتحفزه وقواه الوطنيه و طلائعه الثوريه من العمال و الطلبه وهي تنتظم و تتأهب، وقد أرست أمرها على ابواب المواجه والمنازعه، وهي تتحين العظائم من الامور لانتفاضه شعبيه مصيريه تحرريه للخلاص من ربقه الاستعمار البريطاني، والمتمثله في الغاء معاهدة 1930، الاسترقاقيه التي كبلت العراق بقيود الانتداب و الوصايه على شعبه و ارضه و نفطه وثرواته و حريته و استقلاله الوطني ، و كان الشعب يراهن على مواجة مقبله قد تكون مصيرية، بين الحياة الحرة الكريمة والعيش بشرف ،وبين ان يستكين ويرضى بالذل و الظلم و القهر والحرمان و الفقر و الجوع و المرض،أو يخنع لبطش الحكومات الرجعيه العميله ، المتمثله باحتلال الانكليز لاراضيه وتجويعه ونهب ثرواته و نفطه و النيل من حريته و كرامة استقلاله، ، و سجن و نفي أبنائه من السياسين الوطنيين المناظلين العراقيين ،لقد كانت بغداد بركاناً مهيئاً في أي لحظه للانفجار، ففي عام 1947 أبلغ فاضل الجمالي( وزير الخارجيه في حكومة رئيس الوزراء صالح جبر) وزير خارجية بريطانيا أن الوصي على عرش العراق عبد الاله، يرغب في تجديد معاهدة 1930 ، وسافر عبد الاله وبرفقته فاضل الجمالي الى لندن و جرت المباحثات سراً، وقال الجمالي ينبغي على المعاهده ان لا تتضمن ما من شأنه ان تعطي للشيوعيين و اللبراليين و الاحزاب الاخرى و الصحافه سبباً لرفض تعديل المعاهدة و أثارة الشعب ضدنا، واستعداداً للمواجه المقبله، نشط الحزب الشيوعي الى توحيد القوى الوطنيه في أطار( لجنة التعاون الوطني) وضمت اللجنه ممثلاعن حزب الشعب( المحامي عبد الرحيم شريف)و عن الحزب الشيوعي( المحامي عبد الستار زبير)و عن حزب رزكاي كورد( عبد القادر رشيد) وعن الجناح التقدمي من حزب الوطني الديمقراطي( المحامي عبد الحسين جواد غالب)و قد إنضم الى هذه اللجنه حسين الوردي و فاروق برتو من كلية الطب، و انور محمد وجعفر اللبان من دار المعلمين العاليه، وعمر علي الشيخ ورضا جليل عن كلية الهندسه، وخلوق امين زكي من كلية الحقوق، وفي 4 كانون الثاني عام 1948 شكل و فداً من اقطاب الرجعيه المعروفين بخدمتهم للأستعمار البريطاني، برئاسة صالح جبر رئيس الوزراء و عضوية فاضل الجمالي وزير الخارجيه وشاكر الوادي وزير الدفاع و نوري السعيد رئيس مجلس الاعيان حينذاك وتوفيق السويدي عضو مجلس الاعيان، خول هذا الوفد بالسفر الى لندن و التوقيع على المعاهده الجديده ،و نقلت الانباء تصريحا لفاضل الجمالي أمتدح فيه معاهدة 1930الجائره، وقال ان النقد والتشكيك الذي وجه لها هو من صنع الاحزاب و( لايمت الى الحقيقة بنصيب) لقد اثارت هذه التصريحات معارضه عنيفه من الاحزاب الوطنيه و الصحافه و كذلك من جماهير الطلبه في كلية الحقوق التي كانت تتميز بوعي ثوري عال ، فحدثت مظاهرات صاخبه تهتف بسقوط المعاهده، و اصطدموا بالشرطه التي استخدمت الهراوات و الاسلحه الناريه، واصيب عدد من الطلبه بجروح و اعتقل عدد منهم و احالتهم الى المحاكم بتهمة التحريض على المظاهرات، وخوفا من ان تمتد هذه المظاهرات الى الكليات الاخرى، اضطرت الحكومه الى تعطيل الدراسه في كلية الحقوق، و تضامنا مع طلبة كلية الحقوق اضربت جميع الكليات و المعاهد، و خرجت تجوب الشوارع ، رافضة المعاهدة الاستعماريه الجائره، ومطالبه بسقوط وزارة صالح جبر العميله، حيث شاركت في هذه المظاهرات جماهير غفيره شعبيه واسعه من العمال والكسبه ومن عامة ابناء الشعب،و في 10كانون الثاني 1948 وقعت المعاهدة بالاحرف الاولى في ميناء ( بورتسموث) البريطاني على ظهر الباخرة ( فكتوري)،و شرب صالح جبر و الوفد نخب توقيع المعاهده المذله، و ما ان وقعت المعاهدة حتى تبادل الملك جورج ملك بريطانيا ووزير خارجيته ارنست بيفن التهاني مع الامير عبد الاله الوصي على عرش العراق متصورين ان المعاهده ستمضي بسلام ، وبينما كان الشعب العراقي يغلي نتيجة للغبن و الخديعه التي لحقت به من جراء تجديد هذه المعاهده الاستعماريه الجائره التي نالت من حقوقه الوطنيه و استقلال بلده ، نشرت الحكومه نص المعاهده الجديده في بغداد ، مما زاد من هيجان الشعب و أستيائه و تذمره المكبوت و خنق حريته و نهب ثرواته، و من تردي الحياة المعيشيه لعموم الشعب، و الطحين الاسود المغشوش المخلوط ( بنوى التمر المطحون معه) ومع هذا من الصعوبة الحصول على الخبز، وهو المكون الرئيسي للغذاء اليومي للشعب،و في الصباح الباكر هاجمت الصحافه الوطنيه المعاهده و جاءت اخبار تجديد المعاهده المهينه ، مما أججت غضب الجماهير الغفيرة ،و تتحول الى بركان ثائر، وتتجمع في الشوارع و تنتظم بمظاهرات حماسيه صاخبه متحدية حكومة صالح جبر العميله، و مدير شرطة بغداد حينذاك (سلطان كرماشه) و شرطته المدججه بالسلاح، و جلاوزة ( بهجت عطيه)، مدير التحقيقات الجنائيه، ورجال مخبريه السريين المسلحين، وبدون مواربة الحديث عن وثبة كانون المجيدة عام 1948 طويل ويطول، وجذور حراكها الوطني وتراكم خلفية استنهاضها و أقدامها على التغيير تمتد الى عمق معانات الشعب العراقي ونضاله الذي لم يهدأ ، وهناك كتاب و مؤرخون و باحثون و محللون سياسيون كثيرون متخصصون، كتبوا و سجلوا وقائعها و قيموا نتائجها الايجابيه و السلبيه، و انعكاساتها على المسيره السياسيه اللاحقه في العراق،، و هناك السجلات السريه التابعه لوزارة الداخليه العراقيه، والرسائل و البرقيات المرسله من السفارة البريطانيه في بغداد الى حكومتها، توصف بها الحاله السياسيه المضطربه في العراق، و انا ايها القارىء العزيز ابن الثامنة عشر، سانقل لك ما شاهدته بأم عيني عن تلك الوثبه النضاليه العارمه التي زلزلت الارض تحت اقدام الحكام خدم الانكليز،والتي دخلت موسوعة تاريخ نضال الشعب العراقي الوطني، وستظل الوثبة المجيدة مضيئة يُستدل الى رواقها النضالي الخالد، وخلال هذا الحراك السياسي الجماهيري و توقيع صالح جبر على تجديد المعاهدة، أنتفضت بغداد عن بكرة ابيها، كذلك الموصل والبصره و كربلاء و النجف وعمت المدن العراقيه الاخرى مظاهرات صاخبه استمرت لبضعة ايام، سقط فيها عدد من القتلى و الجرحى ، ثم انتهكت الحكومه الحرم الجامعي عندما احتشد الطلبه لتشييع جثمان الشهيد (شمران علوان الياسري من اهالي النجف)، الذي استشهد في مظاهرة الامس، واستلام الجثمان من الطب العدلي في المستشفى الملكي، وما أن تحركت المسيره حتى هجمت الشرطه على جماهير الطلبه و اطلقت الرصاص على المشيعين، فقتلت، و جرحت اعدادا من طلبة كلية الطب و الصيدله، وعلى أثر هذا الاعتداء الغاشم قدم عميدا كلية الطب و الصيدله الاستقاله، ومعهم جميع اطباء المستشفى و الاساتذه ، وما ان انتشر هذا الخبر الاجرامي في بغداد و المدن العراقيه الاخرى، حتى انطلقت المظاهرات مجدداً في الكرخ و الاعظميه والكاظميه و السليمانيه و النجف و كربلاء ، وفي خظم هذه المعارك والأشتباكات الداميه في شوارع بغداد و المدن العراقيه ، اصدر الحزب الشيوعي العراقي منشورا، وزع في المدن وعلى ألآلاف من المتظاهرين جاء فيه :
1- رفض معاهدة بورتسموث الموقعة، والغاء معاهدة 1930 ،
2- توفير الخبز و الكساء باسعار معتدله للفقراء،
3- تحقيق الحريات الديمقراطيه،
4- اسقاط وزارة صالح جبر، وحل المجلس النيابي،
وفي اليوم الثاني نشرت جميع صحف الاحزاب الوطنيه ، جاء فيه أنه يرى في أقرار هذه المعاهده أعتداءً صريحا على كيان العراق و سيادته و مستقبله السياسي و دون تحقيق امانيه الوطنيه ، لذلك يدعو الشعب العراقي الكريم الى احباط هذا المشروع الاستعماري الجديد و مقاومته بكل ما أوتي من قوه ،و اصدر حزب الاحرار بيانا نشره في جريدته صوت الاحرار جاء فيه،، ان المعاهدة جاءت خلافا لرغبة الشعب العراقي ،المعاهدة تقوض استقلاله و منقصه لسيادته و جاءت لطرف واحد وانها تكبل العراق حاضره و مستقبله بقيود، وهي تشكل خطرا على كيان المملكه و سيادتها، لذلك فان الحزب يدعو الشعب العراقي الكريم للوقوف في وجه معاهدة بورتسموث الجائره و الحيلوله دون تصديقها بكل الطرق و الوسائل المشروعه، وفي يوم 24كانون الثاني تجددت المظاهرات في شارع الرشيد و شارع غازي و باب المعظم وغيرها من مناطق بغداد، و قد حاولت جهات حكوميه من خلق خلاف طائفي بين ابناء الشعب الواحد ، وهذه الجهات يقودها و ينظمها ( ضياء جعفر ، وزير المواصلات و الاشغال في حكومة صالح جبر العميلة)
لقد قامت هذه الجهات العميله بتوزيعها منشورات خاليه من التوقيع تدس فيها على الحركه الوطنيه و تهاجم الشيوعيه تتهمها بالتحريض على اشعال حرب اهليه وهدم كيان المملكه و صرف الانظار عن قضية فلسطين ، ومحاربة رئيس الوزراء صالح جبر لأنه شيعي، فما كان من الجماهير إلا الاستهجان و الرفض لهذه البيانات المدسوسه التي توزعها الشرطه ، و قابلها الساسه الشيعه بالرفض امثال، الشيخ رضا الشبيبي و جعفر حمندي بالاستياء و وصفوها بالدجل السياسي، تجمع طلاب الكليات في باب المعظم متحدين الحكومه، ثم اندفع الطالب الشيوعي في دار المعلمين العاليه ،(جعفر اللبان، من اهالي كربلاء) الى وسط الحشود من المتظاهرين، وهتف بسقوط المعاهده و حكومة صالح جبر العميله، و ساروا باتجاه شارع الرشيد، فقابلهم البوليس بالهراوات و اطلاق الرصاص و فرقهم ، ثم عادت المظاهرات ثانية من جديد في شارع الرشيد و هي تهتف بسقوط المعاهده و الحرية و الخبز للشعب ،فلجأ البوليس الى ضربها بالرصاص وسقط اربعة قتلى وعدد كبير من الجرحى !! ومن الهتافات العفويه التي اشارت اليها الجماهير المسحوقه البسيطه الطيبه ، هتاف ( نوري السعيد القندرة ،،،،،-- او صالح جبر قيطا نها،،،،، ) و الجماهير البسيطه بوعيها الفطري و حسها الوطني الذي لم يخطأ ، يقول ان كل مصائب العراق تعُزى الى نوري السعيد خادم الانكليز ، وما صالح جبر، ألا ذيل لنوري السعيد و( أبو ناجي ) !! ،،، يتبع
المصدر :
- قيس عبد الحسين، الصحافه العراقيه ص 251
- عزيز سباهي، عقود من الحزب الشيوعي العراقي ص339

#زكى_فرحان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات