|
نافذة على الحدث الثورة المضادة
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 3252 - 2011 / 1 / 20 - 14:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا فرق بين الثورة الفرنسية في العام 1789 والثورة التونسية في العام 2011، دوافعها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية واحدة، والتي هي تغيير "النظام القديم"، كما كان يسمي الثوار الفرنسيون الملكية الدكتاتورية في زمنهم، وكما يسمي الثوار التونسيون الجمهورية الدكتاتورية في زمننا، لكن هذا التغيير إن لم يكن في الحال وجذريًا، سيؤدي إلى مواجهات بين من هم مع الثورة ومن هم ضدها، بين من هم مع ثورة "مخملية" ومن هم مع ثورة "حديدية"، وذلك عندما عمت مرحلة الرعب التي أعقبت الثورة الفرنسية، وسادت في هذه المرحلة الأولى المحاكم "الثورية" التي أجهزت على أبنائها، وأدت في المرحلة الثانية إلى تصفية الروبسبييريين. ومن تراجُع بعد تراجُع جاء نابليون بونابرت بانقلابه بعد عشر سنوات من انطلاقة الثورة الفرنسية ليرسي قواعد نظام قامع أكثر مما كان عليه في العهد الملكي. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد اتسعت رقعة الثورة المضادة لتشمل كل أوروبا، وكانت حروب الثورة العديدة مع جيرانها من الدول الأخرى قبل أن تلد الثورة الفرنسية ثورات أخرى غيرها.
على التغيير في تونس أن يكون فورًا وجذريًا، وألا تسلم الثورة عنقها للثورة المضادة المتمثلة برئيس الحكومة ووزراء بن علي السابقين، رموز النظام القديم، وحلفائهم من مناشفة المعارضة الذين يرمون إلى الإبقاء على الحكم السابق تحت ذريعة "الإفادة من خبرة أبنائه"، وكأن في تونس كلها لا يوجد مثلهم في الإدارة والتدبير، وألف مرة أحسن منهم، وتحت ذريعة "الانتقال بالتدريج" سوف يطفئون لهب الثورة، ويقضون على كل الآمال التي وضعها فيها من أشعلها.
لقد امتدت الحروب المضادة للثورة بعد ثورة أكتوبر 1917 لأربع سنوات، لم يخرج البلاشفة منها منتصرين إلا بعد أن قدم الشعب الروسي مئات الآلاف من الضحايا، كانت الحرب الأهلية وخيمة بسبب التدخلات الأجنبية التي أججتها والمصالح الفئوية. وفيما يخص تونس هناك الخطر الجزائري، فليس من صالح لصوص النفط أن يكون بلد حر كالدبوس في خاصرتهم، والجزائر من البلدان العربية التي من المتوقع أن تشتعل الثورة فيها بين عشية وضحاها. وهناك الخطر الليبي، وللتذكير تَدَخُل القذافي في ثورة السودان في السبعينات أدى إلى إجهاض الثورة والمجيء بجعفر النميري المجرم والسفاح مثل أخيه السفاح زين المجرمين بن علي، وبعد ذلك كان عمر البشير الحاكم الأسوأ في التاريخ الإنساني، حكم بالشريعة بلدًا نصفه من المسيحيين، فقسمه، وقدم خدمات جليلة لكل أعداء السودان. وللتذكير أيضًا تدخل الغرب في الجزائر، بعد أن أعطى الرئيس الفرنسي ميتران الضوء الأخضر للجنرالات، فألغوا الانتخابات، وأقاموا نظامًا من الرعب لم يزل قائمًا إلى اليوم. فرنسا لم تتوقع هرب "صديقها" بن علي بهذه السرعة، فهي ظلت حتى آخر لحظة تعرض على نظامه بلسان وزيرة الخارجية تعاونها البوليسي، وهناك شحنة من المعدات العسكرية اكتشف أمرها في مطار أورلي كانت معدة للإرسال. أما ضعف الأحزاب، وأنا هنا لا أقصد عددها، وإنما برامجها ورؤيتها وحدة وعيها، فهي كفيلة بضمان الثورة المضادة على أكمل وجه، وذلك من خلال: إما تحالفاتها مع النظام القديم، وإما تحالفاتها مع الإسلاميين الذين يشكلون خطرًا كبيرًا على الرغم من قمعهم السابق وتفتيتهم، فتربتهم لم تزل خصبة من السهل أن تزرع فيها كل المطالب الشعبية، التي لن تنفذ بالطبع، وهم في الحكم، بعد أن يستبدلوا دكتاتورية بأخرى. لهذا أن يشارك الإسلاميون في الحكم نعم، أما أن يقودوا، فألف لا.
من واجب كل مواطن شريف في العالم العربي والعالم حماية آخر ثورة في التاريخ ليست عسكرية ولا مفبركة في مراكز المخابرات، وللحيلولة دون الثورة المضادة من داخل تونس ومن خارجها، على العقلانيين التوانسة من محامين وأساتذة وكتاب ومفكرين مهمة تاريخية ألا وهي أن يحتووا هُم الهبة الشعبية، وأن يشكلوا هُم فورًا حزبًا تعدديًا مستوعبًا لكل أماني وأهداف الشعب التونسي في ثورته، تحت شرط الإقصاء الفوري لرموز النظام القديم والحل الفوري للحزب الحاكم القديم، فليذهبوا كلهم إلى الجحيم، وإن لم يتم هذا فورًا وبشكل جذري، سيكون للثورة التونسية الفذة مصير الثورة في التشيلي، ففي الجيش التونسي هناك أكثر من بينوشيه، فلا تخدعنا مظاهر "التآخي" بين العساكر والشعب، لأن العساكر هم أول من سيقمع الثوار، وأول من سيصفي الثورة بالحديد والنار إذا ما تبدلت الظروف، وغدت في صالحهم. وما أسهل أن تتبدل الظروف، يكفي أن تبدأ أجهزة المخابرات التي على رأسها السي آي إيه والموساد بتفجير السيارات المفخخة أو باغتيال هذا أو ذاك، يكفي أن يحاصر الغرب تونس اقتصاديًا، فلا تجد خبز يومها، فتخرج الجماهير نفسها التي صرخت للثورة كي تصرخ ضدها.
باريس الخميس 20.01.2011
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية فلسطيني عاد إلى يافا*
-
شومسكي المخيب للآمال
-
الوقت الضائع في عالم عربي ضائع
-
ترجمة الفصول الخاصة باتفاقية أوسلو (2) تمهيد للأسر والتبعية
...
-
ترجمة الفصول الخاصة باتفاقية أوسلو (1) أكبر عملية نصب سياسية
...
-
حوار مع د. عزمي بشارة
-
نحو مؤتمر بال فلسطيني (28)
-
قوى العقل في إسرائيل والعالم العربي
-
يا عبد الله الثاني هل أنت مقتنع بما تقول؟
-
ما تبقى من: حوار مأزوم حول الأدب وقلة الأدب وما بينهما...!؟
...
-
حوار مأزوم حول الأدب وقلة الأدب...!؟
-
نحو مؤتمر بال فلسطيني
المزيد.....
-
ستيفي نيكس تؤجل حفلاتها بعد إصابتها بكسر في كتفها
-
من هو المستوطن الإسرائيلي المتهم بإطلاق النار على الفلسطيني
...
-
الحكومة الإسرائيلية تصوت بالإجماع على إقالة النائب العام غال
...
-
مقتل الطالب السعودي محمد القاسم طعنا في مدينة كامبردج البريط
...
-
-اليد الميتة-.. ما هو سلاح روسيا النووي الانتقامي الذي حرك ل
...
-
التين الشوكي -كنز غذائي- ربما لا يعرفه كثيرون
-
غزة: تسجيل مقتل 94 شخصا اليوم وتأكيدات بأن المساعدات الملقاه
...
-
في الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت: عون يؤكد أن القانون سي
...
-
قطاع غزة: مقتل عشرات الفلسطينيين قرب مراكز لتوزيع المساعدات
...
-
ماذا نعرف عن متلازمة غيلان باريه المتفشية بين الأطفال في قطا
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|