أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حامد حمودي عباس - ألحزن الكبير ...















المزيد.....

ألحزن الكبير ...


حامد حمودي عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3249 - 2011 / 1 / 17 - 17:04
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


المدينة كانت تحمل بين جنباتها هموم حر شهر تموز ، وتثقلها التداعيات المحمولة لها من خطوط الجبهه .. فكل شيء كان في مدينة كربلاء ، يوحي بالموت .. البقالون واصحاب المطاعم والفنادق ، وحتى اولئك الذين يشحذون ارزاقهم على ارصفة الشوارع .. كانوا جميعا يرهنون آمالهم المتخفية وراء شعورهم بالخوف ، في ان يحمل لهم صيف العراق الساخن ، اخبارا توحي لهم بعلامات الاستشهاد ..
الشوارع ذابت فيها ، وعلى مدى التواءاتها القلقه ، صفائح الاسفلت ، وهي تتبخر لتلهب اجساد البشر ، وهم مسرعين بين من يسعى لعمل ، او متشرد لا يعرف لمصيره من نهاية معلومه ، وبين من جاء مسافرا ليرمي بشكواه الى ضريح الامام الحسين ، عله ينصفه عند الله في تحقيق المراد ..
بين حين واخر .. كانت تسير هناك غير بعيد ، مجاميع من المشيعين ، تدل قلتهم بانهم قد وفدوا من المحافظات الاخرى .. وهم يحملون الوان العلم العراقي ، يجثم تحتها شهيد اكلت جسده الحرب ، ليدفنوه على عجل .. فالطرق اصبحت غير آمنه عندما يجن الليل ، ولابد من العودة بسرعه .. ليس من الضروري اظهار احاسيس الاسف على الشهيد ، لتطوي زمنا قد يفصل بين المشيعين واستغلال ساعات النهار للعوده ، انه استشعار بالخطر .. من يدري ؟ .. قد لا يكون قطاع الطرق هم العقبه ، وانما زمر الحكومة ، ممن ينتظرون حصولهم على قود لنار الموت ، قد يظهرون على حين غرة في منعطف ما ، وحينها سيكون هناك شهداء اخرون ..
لقد تعودت المدينة على عزف بعينه لآلات تنطق بالنواح .. والنواح فقط .. بل ان اي عزف من نوع اخر لا يوحي بالنواح ، سيكون وقعه على الاذان مخدشا .. مشيعون .. توابيت مغطاة بالوان العلم الرسمي .. جموع تفد واخرى تغادر ، والجميع تحت وطأة حزن مكثف ، لا يشغلهم غير الاسراع باستغلال الزمن باقصى ما يمكن من الحرص ..
ومع اول رشفة من قدح للشاي ، كنت قد دفعت ثمنه مقدما للبائع المحتضن لعربته الجواله .. صكت اذني صرخة لم تكن من ضمن العزف المعتاد ، انها من لون اخر .. ومع انني عرفت مسبقا مصدرها وسبب انطلاقها في فضاء المكان .. الا انني ، وبشكل مفاجيء ، خانتي قدرتي على ريادة اعصاب كفي الحاملة للقدح من الاحتفاظ به متوازنا ، فخر من يدي على ارض الرصيف متهشما كروحي الممزقه .. لقد كانت امرأة في منتصف العمر .. شعرها تمتد اطرافه الى السماء ، منثور على غير انتظام .. وصدرها مكشوف بالكامل ، تهتز اثداؤها بعنف مع حركة جسدها لتعلن الثورة على الحرام والتقاليد وارباب الدين ومشاعر الحياء .. كانت تهتف بصوت جهوري لم استطع معرفة تفاصيل كلماته .. جفت مجاري الحلقوم لدي ، وبدأت اشعر بحاجتي للجلوس على حافة الرصيف .. مرت لحظات رهيبة قبل ان اشخص الوان العلم العدوانية ، وهي تغطي جسدا تحمله الاكف ، لأفهم بان شهيدا وفد الى المدينة من معاقل الموت .
لم تنقطع الوان العلم الباهتة من التواجد وباستمرار في شوارع وازقة المدينه .. ولم يميز تلكم الصور الاسطورية غير المشاركين في تأدية مراسيمها .. هذه الجنازة لا توحي بالعبره .. والعبرة هنا في لهجة العراقيين هي الدمعه .. في حين تلك الجنازة محاطة بهيبة العزاء .. هكذا كان الناس يقسمون توابيت الموت المارة على اساس ما يحيطها من تعابير تعكس درجات الحزن .
المرأة نصف العاريه بدأت تصلني منها عندما اصبحت قريبة مني ، انصاف كلمات لم تدخل حدود فهمي لها عدا عن انني عرفت بانها ام للشهيد .. ( يمه محمد .. ) وما عداها لم يكن غير دفقات من حشرجة تخرج كالهتاف ، يدفع امامه جميع موجات الهواء الساخن ، ليلقي بها في وجوه ازلام السلطة المنزوين وراء اعمدة الشارع .. وهم يتطاولون على حرمة دماء ابناء وطنهم بكل شراسة وحوش الغاب .
النعش كان يرقص بسبب عدم توازن الايدي الساندة له .. وأم محمد تتقدم الركب عارية الصدر .. تناطح الفضاء المحيط بما تبقى في روحها من مشاعر الامومه .. كنت اشعر بقوة خارقة تدفعني للاندفاع الى حيث تقفز في مكانها ، وهي تدور حول نفسها بعنف ، وكانها راغبة في ايصال هتافاتها الى ابعد مدى ممكن .. لأمسك بها حتى يستقر جسدها المحتقن بالعذاب .. حيث كنت احس بان ذلك النبض الانثوي المقدس ، من المحتمل ان يتوقف في اية لحظه .. غير بعيد عني لمحت احد العاملين معي في نفس الدائره ، وهو يهتز منتحبا بكل قوته .. قد تكون الصدفة هي التي ساقته الى حيث اكون ، انه ابو يوسف .. الحارس الطيب .. أنا على يقين بانه الان ، لم يكن منساقا في نحيبه مع آلام تلك المفجوعه فحسب .. فقد ذهب ابنه يوسف قبل شهرين شهيدا في نهر الكارون ، حينما انتقمت فرق الاعدام من الفارين من تحرير مدينة المحمرة الايرانيه .. لم تتمكن مخيلتي حينذاك رغم كوني واحد ممن كانوا عند حافات بحيرة الاسماك داخل الاراضي الايرانية ، من تجسيد صورة الجنود العراقيين ، وهم ينسحبون انسحابا تقره قوانين لعبة الحروب ، امام زحف مكثف للقوات الايرانية وهي تدفع بالجيش العراقي خارج حدود المدينة المحتله .. ولم يكن امام المئات من الجنود العراقيين سوى عبور مياه نهر الكارون باتجاه مواقهم الخلفية عند تخوم مدينة البصره .. واحسبهم مع قياداتهم يبتغون استعادة النظام ، لتلقي الاوامر بكيفية معالجة الوضع الميداني الجديد ..
في الجانب الاخر .. وعند طاولات البغي بارواح الشعب .. صدرت التعليمات لاشباح ما كان يسمى بفرق الاعدام العسكريه .. لأن تتواجد وعلى الفور عند حافة النهر من جهة العراق ، وتمزيق اجساد الجنود والضباط المنسحبين ، فطفت تلك الاجساد ضمن ابشع مسلخة بربرية عرفها تاريخ الحروب .. فلا المحمرة عادت للقوات العراقيه .. ولا الوحدات المنسحبة وصلت الى مقراتها الخلفية لتمارس مهامها من جديد .. هناك كان يوسف .. ومن هناك استلم ابوه جثته موسومة بعلامة ( جبان ) كتب حروفها على خشبة تابوته عديم اللون ، تجار الحرب ، ومروجي شعائر الفناء .
استمر توافد مواكب المشيعين ، وهم يقطعون مسارات مختلفة ، تختفي اصواتهم تحت تأثير ضجيج محركات السيارات ، ومزاحمة اشرطة التسجيل المعبرة عن شتى انواع قراءات القرآن الكريم .. غير ان ام محمد لازالت تهتف .. ولا زالت اثداؤها تتلوى بين جنبات جسدها المحترق بنار الامومة .. وشعرها المنفوش يردد معها صرخات الاحساس بالفجيعه .
مرت سنوات الطلق للولادة المحرمه .. فكان الوليد حربا اخرى .. نزفت خلالها جروح العراق الكثير من الدماء .. ولم تزل ام محمد عارية الصدر .. تهتف بالحزن الكبير ....



#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كان لدينا قطار للموت .. فهل سمع أحدكم بذلك ؟!!
- الفودكا .. واختراق الحصار ..
- دعوة نصوح .. كي يموت فينا الضد السيء .
- أمريكا تحتفل بافضل راقصيها..
- للحقيقة .. إتجاه واحد .
- لمصلحة من يجري التحامل على التجربة السوفيتيه ؟؟ .
- كيف السبيل لإرضاء شركاء الدم ؟
- هيبة القانون ، أم هيبة الدوله ؟
- متى يصار إلى النطق بالحقائق ؟
- ألشيطان رجل .. ( قصة قصيره )
- رافقوني إلى القاع .. فذلك أجدى لمعايشة الحقيقه .
- اليسار في بلادنا ، وتخلفه عن ريادة الحركة الشعبيه .
- رمضان .. شهر الفقراء
- حينما تؤمن أمة ، بأن سكينا تنطق !! .
- مصير كادت أن تقرره حبة تمر
- إحكام العقل ، وما ينتظرنا في رمضان .
- للرجل ذكرى ، مازالت موقدة في ذاكرة العراق .
- لماذا نحن ( خارج منظومة العصر ) ؟؟
- تحريف المناهج التربوية في العراق ، لمصلحة من ؟ ..
- يوم في دار العداله


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - حامد حمودي عباس - ألحزن الكبير ...