أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيمن الدقر - تداعيات ديمقراطية















المزيد.....

تداعيات ديمقراطية


أيمن الدقر

الحوار المتمدن-العدد: 972 - 2004 / 9 / 30 - 08:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قبل سنوات وبحكم العمل في ذلك الوقت، قمت بزيارة التجمع الصيفي لطلاب كلية الفنون الجميلة في إحدى قرى الساحل الجميلة (المتن) حيث كان الطلاب والطالبات يقيمون في إحدى مدارسها، وفوجئت بأنهم قد أطلقوا على هذا التجمع اسم (معسكر طلاب كلية الفنون الجميلة)! فسألت أحد مسؤولي هذا التجمع: لماذا تسمون مكان العمل الصيفي الذي يقوم به طلاب الكلية (معسكر الفنون الجميلة) وهم يرسُمون وينحتُون ويتعاملون مع الألوان، ويحلُمون ويترجمون أحلامهم خطوطاً وألواناً، ويرتدون الجينز ويرقصون شباباً وشابات، ويقيمون معاً في مكان مبيت واحد..؟ لماذا تسمونه معسكراً، وهم لا يتدربون لا على قتال أو سلاح أو يرتدون الزي العسكري، ولا يمارسون أي طقس من الطقوس العسكرية؟
فأجابني باستغراب شديد: ماذا نسميه إذن! إنه معسكر فني نقيمه لطلبتنا كل عام وهو معسكر كما ترى، سألته: هل سمعت في حياتك عن شيء اسمه معسكر فني؟ قال: نعم هو هذا المعسكر الفني السنوي! وفي الحقيقة أدهشني استغرابه وشعرت حينها أن ليس لديه تسمية بديلة، ولم يتبادر إلى ذهنه موضوع التسمية نهائياً، وكان من الواضح أنه يمتلك عقلاً مغلقاً غير قادر على مناقشة الأفكار والجمل والمفردات الجاهزة المعشعشة فيه، وأن داخل هذا العقل تسكن ثوابت اتخذت مكاناً لها دون أي تفكير أو اعتراض من قبل صاحبه، وأكد لي ذلك جحوظ عينيه فجأة، وكأنه يخاطب كائناً فضائياً هبط للتو بقوله متابعاً في محاولة منه لإقناعي: إنه معسكر وماذا نسمي معسكر الطلاب إذا عسكروا؟
شعرت أن كلمة معسكر تمثل لديه رديفاً طبيعياً لاسم أي تجمّع سواء كان فنياً أو عسكرياً أو إنتاجياً أو مهما كان نوعه..
قلت له لنقل ملتقى طلاب كلية الفنون الجميلة، أو تجمع فناني المستقبل، فقال: لكنه معسكر.. أجبته إن هذا التجمع لا ينتمي إلى العسكرية بشيء فلمَ تراه معسكراً؟ وبالطبع لم أسأله اعتراضاً على كلمة (معسكر) فأنا كأي سوري أدى خدمة الوطن، ويعرف معنى العسكرية، ويكن للمقاتلين كل احترام ومحبة، لكن التسمية كانت لا تنطبق مع الحالة الفنية والطقوس الإبداعية (رغم أن العَسكَرة يقصد فيها التجمع) لكنها أصبحت مع الزمن تحمل معنى وحيداً يتعلق بحياة الجيش والعسكر والتدريب والإقامة الخ...، والفرق شاسع بين مايتم في معسكرات الجيش من نشاط، وبين مايتم في هذا التجمع أو الملتقى الذي يحمل صبغة فنية تشكيلية مطلقة، لاتنتمي إلى العسكرية بشيء.
لم يكن عنده إجابة سوى علامات الاستغراب التي ارتسمت على وجهه كردة فعل بلهاء، جواباً على ماقلته، ثم بدأ يرتجف وكأنني اقتربت من المحرَّمات، فأحسست وقتها أني أحاور رجلاً قد أُعيرَ رأس (خروف) ركّبه بين كتفيه، ونسيه فوق رقبته منذ زمن طويل، ولاعلاقة له لا (بالفن ولا بالفنون) لا من قريب ولا من بعيد.
وعلى ما يبدو فإن بعض الناس قد أدمنوا على أشياء ومفاهيم وأفكار وأسماء وتقبلوها دون تفكير، واعتبروها دون إرادة منهم صحيحة وتعاملوا معها وكأنها (منزلة) لا يمكن المساس بها أو حتى الاقتراب منها، و ظنوا أن التفكير فيها من المحرمات، وكأنها تحولت مع الزمن إلى يقينيات (وبتصوري) فإن القضية برمتها تتعلق بالتربية القائمة على النهي والأمر وتقبل الأشياء بالقوة منذ الطفولة، فينشأ البعض لايفرقون بين (الخوف) من الأب مثلاً، وبين (احترامه) فيدمن البعض تنفيذ الأوامر دون مناقشة، في حال كان الخوف مسيطراً على تربيته، ويتحول الخوف مع الزمن إلى مَلَكَة، فيحرم الإنسان من متعة التساؤل مما يؤدي إلى عدم الاستنتاج ويضعف القدرة على الاختيار، كما يضعف المحاكمة العقلية عند المرء في حال تأصل هذا النوع من التربية، ويقتل الإبداع في المستقبل.
وعلى سبيل المثال أذكر أن أحد المسؤولين في الثمانينيات حاضَرَ في أحد النوادي وتحدث عن (الديمقراطية) بإسهاب، وقال في نهاية محاضرته بأن الديموقراطية الحقيقية التي تبني الأوطان هي (الديمقراطية الموجهة!) و(قرر) في محاضرته أن (الديموقراطية الموجهة) هي (الديموقراطية المثالية!!!) ويومها كانت مجموعة من الشباب والشابات تستمع إليه، وأبدت هذه المجموعة إعجابها (بالديمقراطية الموجهة) بل اعتبروها كأنها كلام (مُنْزَلاً) وكان باب النقاش مغلقاً بعد المحاضرة، ولم يتساءل أحد من هذه المجموعة، لماذا كان مغلقاً! بل لم يخطر لهم هذا السؤال أصلاً، لكنهم صفقوا للمحاضر كثيراً، دون أن ينتبهوا إلى أن كلمة (موجّهة) قد أفرغت كلمة (ديمقراطية) التي شرحها لهم في بداية محاضرته من معناها الحقيقي.
حالهم كحال أحد أعضاء الأحزاب حينما يذهب ليصوّت في انتخابات ما، فيعطيه حزبه قائمة فيها (مثلاً) عشرة أسماء، ويطلب منه أن يمارس حريته في الانتخاب من خلال انتقاء أي خمسة منهم يروقون له، فيذهب الناخب بشكل تلقائي وينتقي (خمسة) ويشطب (خمسة) من القائمة، ويخرج من الغرفة السرية فخوراً لأنه مارس حقه الانتخابي بكل ديمقراطية، ولا يخطر في باله أبداً أنه لم يمارس الديمقراطية مطلقاً، أو يفكر بأنه (إن أراد له حزبه أن يمارس الديمقراطية) لأعطاه الأسماء العشرة وطلب إليه أن ينتخب خمسة أو أربعة أو ثلاثة من القائمة أو من خارجها أو لا ينتخب أحداً إن لم يعجبه أي مرشح..
وعلى ذكر الانتخابات فقد حكى لي أحد الأصدقاء أن إحدى المدارس الابتدائية قررت إدارتها أن تعلّم تلامذة المدرسة أصول الديمقراطية منذ نعومة أظافرهم (والمدرسة في دمشق) فقررت معلمة الصف (الثالث الابتدائي) إجراء انتخابات يتم من خلالها انتخاب (عريف) للصف، وما حصل في انتخابات الصف أن رشح عدد من التلاميذ أنفسهم لحمل لقب الـ(عريف) وتم إفراغ المقاعد الثلاثة في آخر الشعبة لتكون بمثابة غرفة سرية، وأعطيت لكل طفل ورقة ليكتب عليها اسم مرشحه، وطلبت المعلمة من التلاميذ أن ينتخبوا اسماً (بعينه) لأنها تشعر أنه قادر على ضبط الصف في حال خروجها منه، والأرجح بسبب ضخامة جثَّته.
أعلنت المعلمة عن بدء الانتخابات، فذهب الطلاب بالتتالي إلى المقاعد الخالية في آخر الصف، وكتب كل طفل بمفرده اسم الطفل الذي طلبت معلمتهم منهم انتخابه، وطوى الورقة حفاظاً على (سرِّيتها) ووضعها في علبة المحارم الورقية الفارغة المخصصة للأصوات المكتوبة، وبعد انتهاء الانتخابات قامت المعلمة بفرز الأصوات وبحضور جميع المرشحين والناخبين، وفاز مرشحها ضخم الجثَّة، وصفق له الأطفال لأنه فاز، ولم تنسَ المعلمة أن تقول لمن لم يحالفهم الحظ في انتخابات هذا العام، بأن الفائز (فاز) بناء على رغبة زملائه! وتمنت لهم أن يحالفهم الحظ في السنة القادمة! ثم خاطبت الفائز قائلة: (أتمنى أن تكون قدوة لزملائك في الصف، وإلا سأعيد الانتخابات مرة ثانية، وأطلب من زملائك انتخاب واحد غيرك) وعاد الأطفال (المُنْتَخِبوُن) إلى بيوتهم فرحين بإجراء انتخابات في صفهم، وازدادت فرحتهم بأنهم انتخبوا جميعاً من (طلبت المعلمة أن ينتخبوه) وبأنهم أطاعوا أولي الأمر منهم وفاز ضخم الجثة بـ(منصب العريف) وحققت المعلمة (بعبقريتها) الدرس الأول بنجاح، إذ علّمت تلامذتها كيف تُقَرَرُ وتُدار وتُلْغَى الانتخابات، وكيف يَتِم الترشيح والتصويت والفرز وكل شيء.. ماعدا الديمقراطية!



#أيمن_الدقر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديث ودي ممنوع من النشر
- هل نذهب إلى الحج؟
- التفكير بصوت عال
- قانون الطوارىء
- النكتة الواقع
- الأحزاب والرقابة
- الإصلاح بين التنظير والتفعيل
- البعث والإصلاح السياسي
- قانون حرية المعلومات
- قليلاً من الشفافية يا حكومة
- القمة العربية: قرارات دون الطموح
- زحفاً أم حبواً


المزيد.....




- إعلان مفاجئ لجمهور محمد عبده .. -حرصًا على سلامته-
- -علينا الانتقال من الكلام إلى الأفعال-.. وزير خارجية السعودي ...
- عباس: واشنطن وحدها القادرة على منع أكبر كارثة في تاريخ الشعب ...
- شاهد.. الفرنسيون يمزقون علم -الناتو- والاتحاد الأوروبي ويدعو ...
- غزة.. مقابر جماعية وسرقة أعضاء بشرية
- زاخاروفا تعلق على منشورات السفيرة الأمريكية حول الكاتب بولغا ...
- مسؤول إسرائيلي: الاستعدادات لعملية رفح مستمرة ولن نتنازل عن ...
- وزير سعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة ع ...
- استطلاع: ترامب يحظى بدعم الناخبين أكثر من بايدن
- نجل ملك البحرين يثير تفاعلا بحديثه عن دراسته في كلية -ساندهي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أيمن الدقر - تداعيات ديمقراطية